لا أحد يعرف كيف يصطاد المزاج الأمريكي..
ليستثمره عند الحاجة..
ويستقوي به على غيره من الظَّلَمة والقَتَلة وآكلي حقوق الآخرين..
كلُّ حاول ثم حاول وحاول..
ولكن التَّعب والإجهاد ثم اليأس أدركه قبل أن ينعم بهذا المزاج الغريب..
كلُّ الدول فيما عدا دولة واحدة لا تزال تدور في حلقة مفرغة بأمل الحصول على رضا أمريكا ولكن دونما فائدة..
***
لا أحدَ يعرف أين هو الطريق المؤدِّي إلى نقطة التلاقي مع المزاج الأمريكي..!!
فإسرائيل هي الاستثناء..
وأمرها مُطاع..
ورغبتها مُستجابة..
وما تراه هو عينُ الصّواب..
وما يراه غيرُها هو الخطأ بعينه..
وكلُّ ما يعارض مصالحها فينبغي أن يُؤدَّب الفاعل..
وُيعاقَبُ المتسبِّب..
حتى ولو كان معه الحق..
حتى ولو كان هو المعتَدى عليه..
فإسرائيل أولاً..
والعالم مجتمعاً بعد ذلك..
يرضى من يرضى ويغضبُ مَنْ يغضبُ..!!
***
لماذا هذا الخلل في العلاقات الدولية..؟!
وكيف يغيب العدلُ من قبضة أقوى دول العالم..؟
ومتى تكفُّ أمريكا عن دعم إسرائيل..؟
متى تبدأ رحلتَها لمناصرة من يتعرَّض لظلم إسرائيل..؟!
ليزول كره الشعوب لها..
ولينتهي هذا الاحتقان بالألم من تصرفاتها..
***
هل نقول: إن المزاج الأمريكي سرُّ لا يعرف كنهه سوى إسرائيل..
ولم يذق حلاوته سواها..
وهي لا غيرها مَنْ يستمتع بتصرفاته ومواقفه..
من استفاد ويستفيد من عدم واقعيته في النظرة إلى الأمور..!!
فمتى تفيق دولة القانون والمؤسسات والحرية وحقوق الإنسان كما تدَّعي من غفلتها..
***
العالم يحاول أن يتغيَّر نحو الأفضل..
وأمريكا هي الأقدر لتحقيق ذلك..
كما أنَّها الأكثر تمكُّناً لإعاقة هذا المشروع..
ولها أن تختار بين أن ترضى عنها إسرائيل وحدها..
أو أن تكون موضع الرضا من الأمم كلها..
خالد المالك
بعد توسطه في صفقة بين الفصائل المسلحة "نابليون الفلسطيني" وراء نجاح هدنة الشرق الأوسط
* القدس المحتلة نيكول جاوتي (*)
تقابل رئيسا وزراء إسرائيل وفلسطين في جو مفعم بالترحاب وفي صحبة بعض من الوزراء المؤتمنين، ولكن كان هناك رجل غائب، رجل كان له الفضل في تخطيط وقف إطلاق النار الفلسطيني الذي قاد إلى ذلك الاجتماع، وأدى إلى تلك الدفعة لخريطة الطريق المدعومة من الولايات المتحدة والتي لا تزال قيد المفاوضات.
وقد كان لدى مروان البرغوثي عذر مناسب لعدم حضور هذا اللقاء الذي تم الإعداد له بعناية، فمنذ أبريل 2002 ظل قابعا داخل السجون الإسرائيلية، وأطلقت عليه إسرائيل لقب "الإرهابي الرئيسي"، في حين مدحه البعض بأنه نابليون الفلسطيني، (إشارة إلى حجمه الصغير وطموحه الواضح)، ويعتبره البعض الخليفة المحتمل للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
وقد كانت قدرة البرغوثي على تنظيم اتفاق وقف إطلاق النار من داخل زنزانته بمثابة شهادة على مصداقيته بين كافة الفصائل الفلسطينية، في الوقت الذي عجز فيه رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس عن فعل أي شيء.
ويقول المحلل الإسرائيلي يوسي ألفر: ما حدث يعد شيئا غير عادي، ولقد أدى وقف إطلاق النار إلى تقوية موقفه كخليفة محتمل، بافتراضنا أنه سيتم إطلاق سراحه في أثناء أي عملية لتبادل السجناء تحدث في المستقبل، وقد عبَّرت الولايات المتحدة عن رضاها بجهود محمود عباس، وذلك عن طريق إعلان الولايات المتحدة عن منح مساعدات للفلسطينيين تقدر بثلاثين مليون دولار.
كما انسحبت القوات الإسرائيلية في اليوم ذاته من الضفة الغربية وبيت لحم، وهو أحد شروط خريطة الطريق للسلام، والتي يتحتم على الإسرائيليين بموجبها أن يقللوا من وجودهم العسكري في المناطق التي احتلوها إلى المستوى الذي كانت قبل سبتمبر 2000.
أما ما يقع ضمن المسئولية الفلسطينية فهو الحفاظ على وقف إطلاق النار، مما حدا بالبعض الى التساؤل عن دور البرغوثي في وقف إطلاق النار، وإذا ما كانت إسرائيل على الرغم من موقفها الرسمي المعلن تعمل على تحسين صورة البرغوثي، أملا منها في أن يكون هو القائد الجديد في المستقبل.
وكثيرا ما تحدث البرغوثي في السابق مع قادة حماس والجهاد الإسلامي في سوريا ولبنان، سواء من خلال خطابات أو من خلال مبعوثين.
وقد استنتج يوسي ساريد رئيس حزب ميريتس اليساري الإسرائيلي في حديثه لوسائل الإعلام أن هناك نوعا من التنسيق بين الحكومة الإسرائيلية وبين البرغوثي من أجل تقوية موقفه.
فسن البرغوثي الصغيرة نسبيا (44 عاما) ومصداقيته في الشارع الفلسطيني وسمعته بأنه شخصية أمينة تجعله الشخصية الثانية بعد عرفات مباشرة في الشعبية بين الفلسطينيين، وهذه المميزات، بالإضافة إلى تحدثه العبرية بطلاقة جعلت من البرغوثي جذابا للمسئولين الإسرائيليين الذين يبحثون عن شريك مستقبلي يتحاورون معه، ولكن في الوقت ذاته جعلت تلك الخصال من البرغوثي تهديدا للحرس القديم في القيادة الفلسطينية، على الرغم من أنهم في حاجة ماسة إليه، ويقول حافظ البرغوثي أحد أقربائه ومحرر جريدة "الحياة الجديدة" التي تصدر من القدس: تلك الحكومة الفلسطينية لا يوجد من بينها أي وزير له تأثير مثل ذلك الذي لدى مروان البرغوثي.
لذا فإنه من المحتمل أن يكون اسم البرغوثي قد تصدر قائمة الطلبات الفلسطينية في اجتماع الثلاثاء عندما وضع محمود عباس قضية إطلاق السجناء على قمة مطالبه.
وبعد تصريحاتهما الرسمية على الملأ والتي أذاعتها وسائل الإعلام، تقابل الزعيمان بصفة سرية لمناقشة عمل اللجان المشتركة التي ستعمل في قضايا الأمن والمساعدات الإنسانية والقضايا الأخرى.
كما طالب محمود عباس بأن يتم السماح للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالتحرك بحرية، والذي لا يزال محصورا في مجمعه الرئاسي في رام الله لأكثر من عام حتى الآن، وقد صرح شارون الذي عمل مع الولايات المتحدة على تهميش دور رئيس السلطة الفلسطينية بأنه ربما يفكر في السماح لياسر عرفات أن يتحرك إلى غزة، مضيفا طبقا للصحافة الإسرائيلية طالما أنه سوف يظل هناك.
وإذا ما كان عرفات هو أسد فلسطين في الماضي، فمن الواضح أن البرغوثي هو خليفته، وقد خلف عرفات بالفعل كرمز للمقاومة بين العديد من الفلسطينيين. وذلك الرجل القصير الذي يستطيع التحدث بثلاث لغات بطلاقة لديه موهبة السياسي سواء في الشكل أو في الحضور، وفي خضم الانتفاضة كان يقوم بإجراء لقاءات مع محاورين من التليفزيونات العالمية لكي تظهر في الخلفية صورة الدبابات الإسرائيلية وهي تواجه الأطفال الذين يلقون عليها الحجارة.
كما دعا الرئيس نيلسون مانديلا لحضور محاكمته التي لا تزال مستمرة، واستغل سماع أقواله من القاضي لكي يعبر عن آرائه وهي أن إسرائيل هي التي تحتاج إلى محاكمة لاحتلالها للأراضي الفلسطينية وليس هو.
وتقول ديانا بوتو المستشار القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية: إن لديه تأثيرا عجيبا لا يمكن تصديقه، كما تشير إلى أن البرغوثي قد نشأ في رام الله، على عكس عباس أو عرفات، وتضيف: إنه لديه شخصية كارزمية قوية، كما أنه ذو مبادئ قوية ووضوح مع الإسرائيليين الذين قال لهم إنه لا يكرههم ولكنه يكره احتلالهم.
وقد ولد البرغوثي في شمال رام الله من الطبقة الفقيرة من عائلات الضفة الغربية. وقد بدأ نشاطه السياسي مبكرا، وانضم إلى منظمة فتح في الخامسة عشرة من عمره، وأصبح رئيسا لاتحاد طلاب جامعة بير زيت في الضفة الغربية.
كما قاده نشاطه السياسي إلى السجن عدة مرات، فقد حصل البرغوثي على شهادة إتمام دراسته الثانوية من السجن، وقد حكم عليه بالسجن مرات عديدة بعد ذلك لدرجة أنه استغرق 11 عاما ليحصل على شهادته الجامعية في "التاريخ والعلوم السياسية"، وفي عام 1987 عندما بدأت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، قامت إسرائيل بنفيه إلى تونس، ومن هناك ذهب إلى الأردن وأصبح أصغر عضو في التاريخ ينضم للمجلس الثوري لمنظمة فتح عام 1989، وقد رجع البرغوثي ثانية إلى الأراضي المحتلة عام 1994 في إطار اتفاقية أوسلو للسلام كواحد من أشد المؤيدين والمتحمسين لتلك المفاوضات، ثم بدأ بعد ذلك سريعا في الانتقاد العلني لبناء المستوطنات الإسرائيلية كما ندد بفساد حكومة عرفات.
وبعدما قضى العنف المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين على اتفاقية أوسلو بدأ البرغوثي في الجنوح إلى التوجه النضالي ضد إسرائيل، وقد صرح البرغوثي في نوفمبر 2000: لقد جربنا سبع سنوات من الانتفاضة بدون مفاوضات مع إسرائيل، ثم بعد ذلك جربنا سبع سنوات مفاوضات بدون انتفاضة، ربما قد حان الوقت لأن نجرب الاثنين معا في وقت واحد، وعلى الرغم من أنه قد غيّر من وسائله التي كان يتبناها في السابق، إلا أن غاياته لم تتغير، فهدفه المعلن كان دائما الانسحاب الإسرائيلي الكامل من المناطق الفلسطينية المحتلة.
وبعد اعتقاله الأخير في أبريل 2002 يواجه البرغوثي تهما تتعلق بتمويل والتحريض على شن 37 هجمة ضد الإسرائيليين مما أسفر عن مصرع 26 إسرائيليا وجرح العشرات، ويواجه عقوبة السجن مدى الحياة، وقد ارتفعت شعبية البرغوثي بين الفلسطينيين أكثر وأكثر بعد اعتقاله، في حين ظل الرئيس عرفات صامتا تجاه قضيته. وعلى الرغم من أن البرغوثي كان قد كتب ذات مرة أنه يتوقع أن يفقد حياته في سبيل مقاومة إسرائيل، لكن بعض المراقبين يقولون إنه يواجه خطرا أكبر من رفقائه.
يقول حافظ البرغوثي إنه يوجد هناك داخل منظمة فتح من يريد موته وليس إطلاق سراحه.
+++++++++++++++++++++++++++
* خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" خاص ب "مجلة الجزيرة"
+++++++++++++++++++++++++++