|
الفنانة مديحة العجروش
|
كانت لهجتها خليطاً من لهجة أهالي نجد والحجاز ومصر، مثلما هي لقطاتها الفوتوغرافية التي تنوعت بانتقائها لزواياها وأماكنها وألوانها ومدلولاتها.
تتحدث بالعامية أحياناً وبالفصحى أحياناً أخرى، وتجيب عن الأسئلة بلغة ساخرة ومشهد تمثيلي يزيد من حرصها على إيصال المعلومة إلى كل من كان يشاهدها ويستمع إليها.
هذه هي مديحة العجروش رائدة التصوير (الفوتوغرافي) بين كل السعوديات، ومن تصنف بوصفها بين الرواد القلة من المصورين السعوديين المبدعين وذوي المهارات العالية في هذا المجال.
شاهدتها مصادفة على شاشة الإخبارية بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، واستمتعت بحديثها ومعلوماتها والتلقائية الجميلة التي كانت تتحدث بها، والثقة بالنفس التي ميزت شخصيتها وبلورت أفكارها، وأبانت بشكل جلي ما كانت تود أن تقوله لمشاهديها.
أعمالها الإبداعية كثيرة، وهو نتاج موهبتها، وفي جانب آخر - ومثلما قالت مديحة خلال اللقاء - فالإرادة والتصميم على بلوغ أهدافها هو الذي ساعدها على النجاح الذي تحقق، وعلى الصمود في مواجهة كل المعوقات والمثبطات التي كانت ستحول دون نجاحها لو استسلمت لذلك.
ألبومها - كتابها - عن عسير يعد نقلة نوعية لمستوى ونوعية الكتاب السعودي الإعلامي الذي لم تسبق إليه، وهو بما ترمز إليه الصور الجميلة التي شاهدناها إنما يمثل تاريخ وموروث وطبيعة منطقة خلابة في هذا الوطن الغالي هي منطقة عسير.
وبعض ما روته الفنانة مديحة العجروش من قصص ومعان وهواجس وتطلعات وآمال في لقائها بالإخبارية، كانت بمثابة لقطات فوتوغرافية أخرى تنم عن ذائقة فنية جميلة، وعن سقف عال من الثقافة التي استخدمتها في أعمالها الإبداعية.
وأستغرب أن يتوقف نشاط مديحة التأليفي عند هذا الكتاب، ولا تواصل مشوارها الجميل بإصدار كتب أخرى عن مناطق أخرى، وبخاصة أن المملكة فقيرة في هذا النوع من الإصدارات مقارنة بغيرها من الدول.
وهذه الفنانة لها نشاطات أخرى كثيرة استمعت إلى بعضها خلال هذا اللقاء المتلفز، فهي تقوم بأعمال تطوعية كثيرة لبعض الجمعيات الخيرية وبينها الاهتمام بالطفل والأسرة، وهي - بحكم التخصص - تمارس عملها في مجال علم النفس، دون أن يؤثر ذلك على نشاطها الإبداعي في مجال التصوير.
وغير ذلك، فهي تدرب من يرغبن أن يتعلمن مهنة وفن التصوير، وتذكرهن بأنه مجال جيد للحصول على عمل وعلى دخل مادي مجز، مؤكدة تفاؤلها بنجاحها في هذه التجربة، وبخاصة إذا ما ساعدها تصميم من يرغبن الخوض في هذا الميدان الإبداعي الرحب وعلى التعاطي الجيد مع ما هو مطلوب منهن لإتقان المهنة وتطوير الموهبة.
بقي أن أحيي الإخبارية على انتقائها الجيد للمبدعين والمبدعات ليتحدثوا عن تجاربهم الغنية بالثراء الفكري والثقافي والفني والاقتصادي والعلمي من حين لآخر، حتى يتعرف الجميع على هذا الكنز المخبوء من القدرات في بلادنا.
وربما ساعد هذا التوجه من الإخبارية على تحفيز الأسماء الغائبة أو المغيبة في تقديم تجاربهم للآخرين بأمل أن يستفاد منها أو من بعضها بحسب قيمتها وأهميتها وميل بعضنا أو كلنا لها.
خالد المالك
|
|
|
أيهما ستختار واشنطن.. الأمن أم التجارة؟! أسباب الجدل الأمريكي حول صفقة موانئ دبي العالمية
|
* إعداد - عايدة السنوسي
رغم أن الحديث عن اعتزام شركة مجموعة موانئ دبي العالمية شراء شركة بي أند أو البريطانية يعود إلى نوفمبر الماضي فإن أحدا لم يتصور أنها أكثر من صفقة تجارية ذات صبغة اقتصادية ولكن مع اقتراب الصفقة من نهايتها خرج الأمريكيون يعلنون رفضهم للصفقة لأن الشركة البريطانية تمتلك حق إدارة ستة موانئ أمريكية وسينتقل هذا الحق إلى الشركة الإماراتية بعد إتمام الصفقة.
وتحولت القضية إلى كرة ثلج في واشنطن ظلت تكبر وتتضخم بمرور الوقت حتى أعلنت مجموعة موانئ دبي إرجاء الصفقة ليلتقط الجميع أنفاسهم .
وقد تناولت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) هذه الصفقة بالتحليل في تقرير حمل عنوان (الأمن أم التجارة في الموانئ الأمريكية. وبدأ التقرير بالقول ان العالم لم يعتد أن يرى الأمريكيين يتعاملون مع الاستثمارات الأجنبية في بلادهم بقدر كبير من الشكوك خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل أساسي على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لكي يحافظ على قوة الدفع لديه. ورغم ذلك فقد شاهدنا معركة سياسية عنيفة بين الدوائر السياسية في واشنطن بشأن صفقة انتقال إدارة ستة موانئ أمريكية إلى شركة إماراتية هي مجموعة موانئ دبي العالمية وكان الجدل قد تفجر بعد نجاح مجموعة موانئ دبي العالمية في التوصل إلى اتفاق لشراء شركة بي أند أو البريطانية لإدارة الموانئ وهي الشركة التي تدير موانئ في 16دولة منها ستة موانئ في الولايات المتحدة.
وقد شهدت دوائر صناعة القرار الأمريكية انقساما حادا بشأن هذه القضية حيث كان الرئيس الأمريكي جورج بوش ومعه مسؤولو إدارته يؤيدون الصفقة باعتبارها لا تشكل أي تهديد للأمن القومي الأمريكي وفي الوقت نفسه فإن رفضها يهدد مصداقية الولايات المتحدة لأن الموانئ كانت خاضعة لإدارة شركة بريطانية والآن تنتقل لإدارة شركة إماراتية.
***
معارضة الكونجرس
ولكن أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عارضوا الصفقة باعتبارها تهديدا للأمن القومي الأمريكي، ليس هذا فحسب بل إن الأمر وصل بأحد أعضاء الكونجرس إلى عرض مشروع قانون يحظر انتقال إدارة الموانئ الأمريكية إلى شركات أجنبية رغم أن هذه الشركات تدير بالفعل عددا كبيرا من الموانئ الأمريكية الكبيرة.
وفي ضوء هذا الانقسام ولكي تتيح للرئيس بوش إجراء المزيد من المناقشات مع قادة الكونجرس لتهدئة مخاوفهم بشأن الصفقة قررت مجموعة موانئ دبي العالمية إرجاء صفقة الشراء لفترة من الزمن ورغم أن قرار الشركة الإماراتية خفف الضغط في واشنطن بعض الشيء فإن الأمر المؤكد أن الجدال بشأن هذه القضية سوف يستمر.
ومن أهم أسباب استمرار الجدل بشأن هذه القضية أنها تنطوي على اثنين من أهم القضايا التي تواجه الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين وهما التهديدات الإرهابية والعولمة الاقتصادية. فبعض الخبراء الأمنيين يرون أنه من الواجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم متطلباتها الاقتصادية في ضوء الحاجة إلى زيادة إجراءات الأمن والحماية في عصر الإرهاب الذي تعيشه. ولكن في المقابل فإن خبراء الاقتصاد يتحدثون عن انطلاق قطار العولمة بأقصى قوة وبالتالي فإن أية محاولة لحظر امتلاك الأجانب للموانئ الأمريكية يمكن أن يدمر الاقتصاد الأمريكي وهو ما لن يؤدي بالضرورة إلى تحسين الأمن الأمريكي.
والحقيقة أن القيود على الموانئ الأمريكية لها تاريخ طويل وتعود إلى عام 1789 عندما صدر أول قانون يفرض قيود على عمل الشركات الأجنبية في هذا المجال حيث حظر القانون على هذه الشركات السيطرة على نشاط بناء السفن وغيره من الأنشطة المتعلقة بالتجارة البحرية. وكان الهدف الأول هو ضمان استمرار سيطرة الولايات المتحدة على الموارد التي تحتاج إليها لحماية نفسها.
وبعد الحرب العالمية الأولى قرر الكونجرس تمديد نطاق الحظر ليشمل العديد من القطاعات الحيوية مثل شركات الطيران وخطوط أنابيب النفط ثم موجات الراديو. ولكن التطورات التكنولوجية المتسارعة في عالم اليوم جعلت الكثيرين من خبراء الاقتصاد يعارضون استمرار مثل هذه القيود التي تفرضها القوانين الأمريكية على امتلاك الشركات الأجنبية لمشروعات معينة في الولايات المتحدة باعتبارها قوانين (عفا عليها الزمن).
ويشير الخبراء إلى أن أغلب القيود التي وضعت في عشرينيات القرن العشرين قد تلاشت في التطبيق العملي ومع ذلك مازالت موجودة كنصوص قانونية. يقول إدوارد جراهام كبير الباحثين في معهد الاقتصادات الدولية بواشنطن ومؤلف كتاب (الأمن القومي الأمريكي والاستثمار الأجنبي المباشر) (عندما يهدأ غبار الجدل الدائر حاليابشأن صفقة الموانئ سوف يتساءل الناس عن هؤلاء الحمقى الذين يعارضون الصفقة بدعوى خطورة انتقال إدارة الموانئ الأمريكية إلى شركة أجنبية في حين أن أكبر الموانئ الأمريكية يمتلكها أجانب وبينهم صينيون).
وأضاف أن (امتلاك الأجانب للموانئ الأمريكية لم يكن مشكلة على الإطلاق وأن وقت حظر امتلاك الأجانب لهذه الموانئ فات منذ ثلاثين عاما وقبل أن تتحول صناعة إدارة وتشغيل الموانئ إلى صناعة عالمية).
***
الهاجس الأمني
ولكن خبراء الأمن يشاركون في الجدل الدائر بشأن هذه القضية من منظور مختلف ويقدمون مجموعة من عوامل القلق. يقول أندرو توماس أستاذ إدارة الأعمال الدولية خبير أمن وسلامة الطيران في جامعة أركون بولاية أوهايو الأمريكية إن من بين القواعد الأمنية الأساسية لكي تخفض المخاطر في أي نظام عليك خفض احتمالات وصول أي تهديدات محتملة إليه.
وأضاف أنه إذا كان منع الأجانب من تملك وإدارة الموانئ الأمريكية يشكل موقفا شديد التطرف فيجب وضع (آلية مؤكدة) تضمن إبعاد أي تهديدات محتملة عن تلك الموانئ بأقصى صورة ممكنة. ويضيف البروفيسور توماس) (علينا العودة قليلا إلى الوراء وإلقاء نظرة متأنية على هذه القضية.. فمثل هذا الضجيج لن يفعل شيئا للأمن الأمريكي وقد فشلنا في التعامل مع الإعصار كاترينا بالطريقة الصحيحة كما أن نظام الرقابة والتفتيش في المطارات الأمريكية وهمي لذلك عندما يأتي وزير الأمن الداخلي الأمريكي ويقول لنا (ثقوا بي) فإن الأمر لا يثيرني).
ولكن توماس وجراهما يتفقان على حقيقة أن الأمن والاستقرار عاملان حيويان لاستمرار تدفق رؤوس الأموال في مختلف أنحاء العالم وأن الموانئ الأمريكية جزء من البنية الأساسية الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة. ويقول جراهام ان على وزارة الأمن الداخلي الأمريكية القيام بجهود أكبر من أجل مواجهة أي تهديدات إرهابية بدلا من فرض قيود على امتلاك الأجانب للموانئ الأمريكية.
ويضيف (هذه فرصة عظيمة لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية لكي تعلن لنا أنها تمتلك قائمة بالإجراءات التي تضمن زيادة أمن كافة الموانئ الأمريكية.
***
رفض التعليق
والمفارقة أن المتحدث باسم وزارة الأمن الداخلي الأمريكية لم يرد على محاولات صحيفة (كريستيان سيانيس مونيتور) الاتصال به للحصول على تعليق الوزارة على هذا الجدل، ولكن مسؤولين كبار في حرس السواحل والجمارك الأمريكية عرضوا أمام جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي الاستراتيجية الراهنة لوزارة الأمن الداخلي لضمان أمن الموانئ وتتضمن تحديد قائمة بأولوية فحص الحاويات على أساس معدل المخاطر المحتملة فيها بالإضافة إلى الجهود الرامية لزيادة نطاق مراقبة المخاطر الأكثر احتمالية. ولكن هؤلاء المسؤولين اعترفوا بأن خمسة في المائة فقط من الحاويات التي تتداولها الموانئ الأمريكية هي التي يتم فحصها بحثا عن وجود مواد مشعة أو أي تهديدات أخرى.
كما يرى خبراء آخرون في الاستثمار الأجنبي أن يكون عبء تأمين الموانئ الأمريكية على عاتق وزارة الأمن الداخلي. وكانت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بمراجعة هيكل الأمن القومي والاقتصادي الأمريكي وقدمت مجموعة من الإجراءات الرامية إلى حماية الأمن القومي الأمريكي في الوقت الذي تراعى فيه الاحتياجات الاقتصادية. وكانت هذه اللجنة قد تشكلت عام 1988 بسبب المخاوف من تدفق الاستثمارات اليابانية على الولايات المتحدة عندما اشترت شركة ميتسوبيشي اليابانية مركز روكفلر في نيويورك. ومنذ ذلك الوقت تتولى هذه اللجنة التي تقودها وزارة الخزانة الأمريكية مراجعة صفقات استحواذ الشركات الأجنبية على الأصول الأمريكية وتمتلك حق النقض لوقف أي صفقة ترى أنها تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي. ورغم أن هذه اللجنة راجعت صفقة مجموعة موانئ دبي فإن أعضاء في الكونجرس الأمريكي يرون أن وزارة الخزانة الأمريكية في إدارة الرئيس بوش تستخدم (تعريفا ضيقا) لمفهوم الأمن القومي عندما تقوم اللجنة بمراجعة أي صفقة.
ويقول جراهام إن الإدارة الأمريكية الحالية تتعامل بقدر كبير من الحماقة مع عمل هذه اللجنة وأكد ضرورة إطلاع الكونجرس على كل ما يتعلق بنشاط اللجنة والصفقات التي تراجعها حتى يتخذ المواقف الصحيح ولكن هذا لم يحدث. ورغم ذلك يحذر جراهام وخبراء آخرون من المبالغة في رد الفعل تجاه مثل هذه الصفقات المثيرة للجدل حتى لا يؤدي ذلك إلى أضرار أكبر بالمصالح الأمنية والاقتصادية الدبلوماسية الأمريكية على المدى الطويل.
تقول نانسي ماكليرون نائب رئيس منظمة الاستثمار الدولي التي تمثل الشركات الأجنبية العاملة في الولايات المتحدة إن عمل اللجنة يعتمد على التعامل مع كل صفقة استحواذ على حدة لآن حظر امتلاك الأجانب للأصول الأمريكية يمكن أن يلحق أضرارا كبيرة بالمصالح الأمريكية.
وتقول إن معارضة ص فقة مجموعة موانئ دبي ينطوي على خطأ كبير في نمط تفكير الدوائر الأمريكية مشيرة إلى أنه لو أن شركة أمريكية هي التي اشترت بي أند أو البريطانية فإن الأمر لم يكن ليحتاج إلى مراجعة من جانب السلطات الأمريكية رغم أن مجرد حمل الشركة الجنسية الأمريكية لا يكفي لتبديد كافة المخاوف الأمنية المتعلقة بإدارة وملكية الموانئ الأمريكية.
***
انتهازية أمريكية
وفي تحليل للكاتب باتريك مارتن تحت عنوان (ماذا يقول الجدل بشأن صفقة الموانئ عن حرب واشنطن ضد الإرهاب) ونشر باحد مواقع الانترنت الاخبارية نجد رؤية مختلفة لصفقة مجموعة موانئ دبي العالمية.
يقول الكاتب إن الجدل السياسي في واشنطن بشأن بيع حق إدارة ستة موانئ أمريكية إلى الشركة الإماراتية كشف عن الطبيعة (الانتهازية) لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش فيما يتعلق بما تسميه الحرب ضد الإرهاب. كما يعيد هذا الجدل إلى بؤرة الضوء مزاعم هذه الإدارة عن عملياتها العدوانية ضد دول العالم وعدوانها على الحقوق المدنية للأمريكيين بدعوى توفير الأمن للشعب الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
والحقيقة أن الرئيس بوش يستخدم (الحرب ضد الإرهاب) كمبرر متعدد الأغراض يمكن الاستفادة منه لتبرير أي عمل لهذه الإدارة من غزو العراق وأفغانستان وحتى تمرير قانون مكافحة الإرهاب وبرنامج وكالة الأمن القومي للتجسس على اتصالات المواطنين الأمريكيين.
ولكن الإدارة الأمريكية تجد اليوم صعوبة في استخدام هذه الذريعة الإعلامية التي استغلتها على مدى السنوات الأربع الماضية لتحقيق أهداف سياسية من أجل الدفاع عن موقفها المؤيد لبيع ستة موانئ أمريكية هي نيويورك وفلادليفيا وبالتيمور وميامي ونيو أورليانز إلى شركة مجموعة موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة الإمارات العربية المتحدة.
وقد انتهز الديمقراطيون الفرصة لكي يستفيدوا من هذه القضية في محاولة تجريد إدارة الرئيس بوش من ورقة الأمن القومي التي تستخدمها دائما في وجه منافسيها.
وقد انضم عدد من أعضاء الكونجرس من الجمهوريين إلى الديموقراطيين المعارضين لصفقة الموانئ. والحقيقة أن الجدل الدائر سواء داخل معسكر الجمهوريين أو الديمقراطيين بشأن صفقة الموانئ تكشف عن قدر كبير من الشوفينية والعداء للعرب. وكما هو متوقع فإن النقابات العمالية التي تقودها نقابتا تيمستر واتحاد رجال الموانئ الدولي وضعت خدماتها تحت تصرف المعارضين للصفقة. والحقيقة أن أغلب معارضي الإدارة الأمريكية يحاولون التغطية على مشروعية القضايا السياسية التي يثيرها موقف الإدارة الأمريكية من الصفقة دون أن تتعرض تلك القضايا لأي مناقشة عامة أو من جانب الكونجرس.
وهناك ازدواج واضح في المعايير في التعامل مع هذه القضية. فالمواطنون الأمريكيون يتخلون عن الحقوق الإنسانية الأساسية ويعطون السلطة التنفيذية حقا مطلقا في اعتقال وسجن وتعذيب أي إنسان يعتبره الرئيس الأمريكي (عدو مقاتل). في المقابل فإن الشركات العالمية متعددة الجنسية تبدو حرة من أي قيود وتتخذ أي قرار حتى لو كان يتعلق بقضية ذات حساسية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي كالسيطرة على الموانئ الأمريكية.
وأمام المعارضة القوية والواسعة للصفقة اضطرت إدارة الرئيس بوش إلى التراجع عن موقفها الأول المؤيد للصفقة والرافض للاستماع لأي اعتراضات تتعلق بها.
والحقيقة أن الطريقة التي تم بها تأجيل الصفقة ساعدت الإدارة الأمريكية في سحب الأضواء بعيدا عن كل من الأداء الداخلي لإدارة الرئيس بوش والدوافع السياسية وراء حربها ضد ما تسميه بالإرهاب. وفي جلسة استماع علنية بإحدى لجان مجلس الشيوخ حاول عشرة من مسئولي إدارة الرئيس بوش الدفاع عن موقف الإدارة المؤيد لصفقة بيع الموانئ ورفض المخاوف التي أثارها خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ في جلسة الاستماع. وقد وصفت الصحفية الأمريكية دانا ميلبنك المشهد في الجلسة في مقال لها بصحيفة (واشنطن بوست) فقالت إن عدد من المسئولين أمضوا حوالي ساعتين في تمرير الملاحظات وتوجيه ابتسامات متكلفة ردا على انتقادات أعضاء مجلس الشيوخ الحادة.
وكان من بين الحضور روبرت كيمت نائب وزير الخزانة الأمريكي ورئيس اللجنة السرية التي أقرت الصفقة ورفض حتى الموافقة على طلب بعض الأعضاء تأجيل الصفقة لمدة 45 يوما حتى يمكن دراسة المخاوف الأمنية التي يثيرها انتقال السيطرة على ستة موانئ أمريكية كبيرة إلى أيدي دولة عربية. وعندما كان الشيوخ يقرأون النصوص القانونية التي تحظر امتلاك الأجانب للموانئ الأمريكية كان كميت يكتفي بالقول (نحن لا نتجاهل القانون ولكننا نفسره بطريقة مختلفة).
وقد كان كيمت في نفس موقف وزير العدل الأمريكي ألبرتو جونزاليز الذي وقف أمام مجلس الشيوخ ليحاول تبرير قيام الإدارة الأمريكية بالتجسس على اتصالات المواطنين الأمريكيين بدعوى محاربة الإرهاب. حيث قال الوزير إن عمليات التج سس تتم وفقا لتفسير الإدارة الأمريكية لقانون مراقبة الأجانب والتجسس عليهم.
ولكن بعد ساعات قليلة تغير موقف الإدارة الأمريكية تجاه صفقة الموانئ حيث قال كارل روف نائب رئيس موظفي البيت الأبيض في مقابلة إذاعية مع توني سنو من قناة فوكس نيوز التلفزيونية الإخبارية (هناك بعض الصعوبات، منها صعوبات تنظيمية مازالت تحتاج إلى مزيد من الدراسة مع الجانب البريطاني (بي أند أو) ومن المنتظر الوصول إلى قرار بشأنها.. وليس هناك أي ضرورة لإنجاز هذه الصفقة على الفور. ولكن من مصلحتنا أن يكون أعضاء الكونجرس على علم تام بكافة جوانب الصفقة ونحن مقتنعون بضرورة أن يشعر هؤلاء الأعضاء بالارتياح التام تجاه أي قرار خاص بها). وبعد هذه الكلمات جاء إعلان شركة مجموعة موانئ دبي اعتزامها تأجيل إتمام الصفقة.
وكانت الأحداث التالية غريبة ومعلنة في الوقت نفسه. فعلى الأقل من الناحية النظرية هناك أمور تتعلق بصفقة بيع الموانئ منها هل سيتم تنفيذ إجراءات تأمين الموانئ البحرية الأمريكية على المحيط الأطلنطي وخليج المكسيك بالطريقة الملائمة خاصة وأن نجاح تنظيم إرهابي في تهريب مكونات قنبلة نووية بدائية إلى داخل الولايات المتحدة يمكن أن يهدد حياة ملايين الأمريكيين. ورغم أن هذه الصفقة تنطوي بالفعل على جوانب شديدة الحساسية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي فإن رأي الإدارة الأمريكية لم يعلن من جانب الرئيس بوش ولا أحد مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية ولا وزارة الأمن الداخلي وإنما أعلنه كبير المستشارين السياسيين للرئيس بوش وهو كارل روف.
والمعروف أن كارل روف هو العقل السياسي للرئيس بوش وهو الذي اقترح على مسئولي الحملة الدعائية للحزب الجمهوري الدفاع عن عمليات التجسس غير القانونية التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية على مواطنين ومقيمين على الأراضي الأمريكية أثناء حملة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي ستنطلق قريبا من خلال توجيه الاتهامات إلى الديموقراطيين بأنهم مسئولون عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر بسبب سياساتهم عندما كانوا في الحكم خلال التسعينيات.
***
عرقلة الصفقة
وقد شهدت الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية تحركات عديدة في اتجاه عرقلة صفقة استحواذ موانئ دبي على الموانئ الأمريكية الستة حيث أقامت إحدى الشركات الأمريكية ومقرها مدينة ميامي دعوى قضائية في لندن لوقف الصفقة. كما أقامت دعوى مماثلة أمام القضاء الأمريكي. أيضا أقامت هيئة موانئ نيويورك ونيوجرسي دعاوى مماثلة أمام القضاء الأمريكي تطالب بمنع الصفقة لأسباب أمنية وقال توماس كين الحاكم السابق لولاية نيوجرسي ورئيس اللجنة المشتركة للتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر خلال مؤتمر صحفي إن صفقة بيع الموانئ الأمريكية إلى مجموعة موانئ دبي (لن تتم أبدا).
ورغم أن نتيجة مثل هذه التحركات السياسية والقانونية ضد الصفقة لم تتضح بعد فالمؤكد أن مصداقية إدارة الرئيس بوش بشأن الحرب ضد الإرهاب وتقديم اعتبارات الأمن القومي الأمريكي على أي شيء آخر أصبحت محل شك كبير. وقد أدى تأييد الرئيس بوش للصفقة إلى انطلاق هجوم عنيف ضده من جانب وسائل الإعلام الأمريكية التي لم تكتف بذلك بل إنها اعتذرت عن تأييدها للحرب ضد العراق التي قاد بوش بلاده إليها بدعوى الدفاع عن أمريكا ضد المخاطر الإرهابية. وكتبت صحيفة (واشنطن بوست) في افتتاحيتها تقول (اعتاد الرئيس بوش وإدارته على مدى السنوات الأربع الماضية على اتهام كل من يعارض سياسته بأنه لين في مواجهة الإرهاب ولكن الآن يقول إن أعضاء الكونجرس يستخدمون صفقة الموانئ لإخافة الناخبين قبل انتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل).
كما أن بوش لم يعدم من يدافع عنه في الكونجرس في مواجهة التيار العام المعارض لصفقة بيع الموانئ حيث يتهم هؤلاء المدافعين عن بوش معارضي الصفقة بأنهم يؤمنون بأفكار تتعارض مع حرية التجارة العالمية وأنهم يدمرون المصالح التجارية للولايات المتحدة.
***
استثمارات عربية
ونشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) المحافظة تقول إن إجمالي استثمارات الدول العربية الغنية بالنفط في المحافظ المالية الأمريكية بلغ عام 2004 حوالي 121.1 مليار دولار. وهذه الحقيقة تعطي هؤلاء العرب الحق في الحماية ضد أي سياسات تمييزية أمريكية ضد المستثمرين من العالم العربي في أي مجال من مجالات النشاط الاقتصادي الأمريكي. وقال معلقون آخرون معارضون للصفقة إن الاعتماد في إدارة الموانئ على دبي يشبه حاليا اعتماد وزارة الخزانة الأمريكية على البنوك المركزية للصين واليابان في تمويل العجز الكبير في الموازنة الأمريكية من خلال شراء السندات التي تطرحها الوزارة يوميا.
أما شيلا لينون الكاتبة في صحيفة (بورفيدانس جورنال) فكتبت تقول إن الرئيس بوش لا يمكن أن يستخدم الورقة الواحدة في لعبتين بوقت واحد. فإما أن نصدق قوله إن الإرهاب خطر حقيقي يهدد الولايات المتحدة وفي هذه الحالة علينا أن نفرض سيطرتنا التامة على الموانئ والمنافذ الأمريكية حتى نضمن أقصى قدر من التأمين للأراضي الأمريكية. أو أن أسامة بن لادن مجرد نمر من ورق يستخدمه الرئيس بوش لتخويف الشعب الأمريكي لكي يضمن أكبر قدر من السيطرة على الناس داخل أمريكا والاعتداء على الحقوق والحريات المدنية التي يحميها الدستور الأمريكي وبالتالي لا يوجد ما يمنع عرقلة تدفق الاستثمارات من الدول العربية الغنية بأموال النفط. وتواصل الكاتبة الأمريكية حديثها المعبر عن تشككها في كل ما تردده إدارة بوش وتقول إن صفقة موانئ دبي جاءت لكي تكشف لنا بجلاء الفرق الواضح بين كل ما يقوله الرئيس بوش عن التهديدات الإرهابية المحدقة بنا وبين تقييمها الحقيقي لاحتمالات التعرض لأي هجوم إرهابي وهي احتمالات ضعيفة وفقا للقناعات الحقيقية للإدارة الأمريكية والتي كشف عنها موقفها من صفقة الموانئ.
ويمكن القول إن الاتجاه العام لدى المعلقين في واشنطن الآن ينطلق من الإيمان بأن إدارة الرئيس بوش لعبت لعبة مزدوجة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقد استغلت هذه الأحداث لتبرير حروب ضد كل من أفغانستان والعراق اللتين لم يكن لهما أي دور في هجمات سبتمبر. وفي الوقت نفسه فإنها عرقلت أي تحقيقات جادة في هذه الهجمات والتي كانت ستكشف العلاقة بينها وبين أجهزة المخابرات الأمريكية.
وأخيرا يمكن القول إنه مهما كان مصير صفقة الموانئ فقد أصبحت الإدارة الأمريكية هي الخاسر الأكبر لأن الناس لن تنسى بسهولة هذا التناقض الواضح في السياسة المزدوجة لهذه الإدارة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|