|
|
مع الحزن والفرح!!
|
نعبِّر أحياناً عن فرحنا بالبكاء..
وعن حزننا كذلك..
نستخدمه لهذه الحالة وتلك..
دون شعور أو إرادة منَّا.
***
البكاء يكون في بعض الأحيان لغة التعبير عن آلامنا..
ونلجأ إليه لإظهار فرحنا أيضاً..
إنه إذاً وسيلتنا عندما يتسيّد الموقف..
في حالتي الحزن والفرح معاً.
***
حالتان متناقضتان نعبِّر عنهما بوسيلة واحدة..
نبكي لهما وبسببها دون ترتيب مسبق..
أو تعمّد أو تصنّع لهذا البكاء..
في ظاهرة تشير إلى ضعف الإنسان وعدم قدرته على الصمود حين يكون الحزن كبيراً والفرح عظيماً.
***
يسكننا الحزن فلا نجد ما نعبِّر به وعنه إلا البكاء..
وحين نكون في حالة فرح فإن لغة التجاوب معه تكون بالبكاء..
لا أعرف كيف يحدث هذا..
وليس عندي مفاتيح أسراره لأحدثكم عنه.
***
هناك من لا يبكي لحزن مرَّ به..
وهناك من يتعامل مع أفراحه بغير البكاء..
بمعنى أن هناك من يواجه أياً من الموقفين من غير أن يبكي..
يتجلَّد ويصبر ويهزم البكاء في موقفيه معاً.
***
بعض الناس يفسِّر حالة البكاء عند الآخرين بأنها لحظات ضعف وهذا صحيح ولكن ليس على إطلاقه.. وبعضهم يرى في البكاء جانباً عاطفياً طاغياً، وأنه ليس بالضرورة أن يكون تشخيصاً لنقطة ضعف لمن يبكي..
مع أن حالة البكاء تختلف من شخص لآخر من حيث تواصله ودموعه والصوت الذي يصدر عنه..
وهذه تحتاج من علماء النفس إلى تفسير، وربما أنهم قد فسَّروها بما لا علم أو اطّلاع لي عليه.
***
أحياناً يتأثر المرء بحالة إنسان يبكي أمامه سواء لفرحه أو عند حزنه..
فيتجاوب مع الموقف بالبكاء دون إرادة منه أو ترتيب مسبق..
فيما أنه ما كان ليبكي لو لم ير أمامه موقفاً حرَّك عاطفته أو حزنه من الداخل..
وفي كل الحالات، فالبكاء يسكن في الإنسان، وهو جاهز للتعبير عنه حين يكون هناك ما يستفزه.
***
وأجمل ما في البكاء صدقه، والتلقائية التي يغطي بها المناسبة..
وأكثر ما يلفت النظر أن أجواءه مثيرة في حالتيه..
وما من أحد استهجن من باكٍ لأنه بكى لفرح أو حزن مرَّ به أو صادفه بالطريق..
فالبكاء يصدر من الإنسان حين يكون في حالة ليس هناك ما هو أقوى منه للتعبير.
***
يظلم الإنسان فيكون في موقف يبكيه..
ويفقد قريباً أو صديقاً فيكون في حالة بكاء..
خبر سار جداً قد يصل إلى مسامعه فيبكي لأنه يهمه..
وما إلى ذلك مما يكون في مستوى أن يبكي له ومن أجله.
***
البكاء يأتي في لحظة..
ويتوقف عندما يصل المرء إلى التشبّع منه..
إنه يغسل الأحزان عندما يكون الإنسان في حالة حزن..
ويعبِّر عن الفرح مع إطلالة خبر جميل أو عند مجيء ما يستدعي إظهار لعلامات من الفرح بالبكاء.
***
حياة الإنسان تمر عادةً بحالة فرح أو حزن..
وقد تكون لغة التعبير بالبكاء مناسبة أحياناً وقد لا تكون..
المهم أن يتصرَّف المرء مع كل موقف بما يناسبه، وألا يظهر أمام الآخرين بموقف الإنسان الضعيف، أعني بموقف من يظهره بغير شخصيته التي عُرف بها، فتهتز صورته ويتغيّر الانطباع الجيد عنه.
***
لا نريد أحزاناً، وبالتالي فنحن لا نرحب بالبكاء، وإن رأى البعض أن البكاء قد يغسل بدموعه هذا الحزن ولا يبقي له أثراً..
نريد أن تكون حياتنا أفراحاً وليالي ملاحاً، فنعبِّر عنها بغير البكاء إن استطعنا، وهناك أساليب كثيرة للتعبير عن الفرح، وقائمة طويلة بما يمكن أن يقال ويستخدم لإظهار علامات السعادة، ومثلها حين يتطلّب الموقف أن نحزن.
خالد المالك
|
|
|
|
أحداث الأشرفية تدق جرس الإنذار
لبنان على صفيح ساخن
|
* إعداد - د. سيد محمد الداعور
رغم احتواء أحداث الشغب والعنف في حي الأشرفية ذي الأغلبية المسيحية المارونية في العاصمة اللبنانية بيروت قبل أيام فإن الكثيرين يؤكدون خطورة ما حدث ويعتبرونه إشارة شديدة الوضوح على هشاشة وتوتر الوضع الأمني في لبنان.
وفي تقرير لمراسلها في العاصمة اللبنانية بيروت أنطوني شديد تناولت صحيفة واشنطن بوست أحداث الأشرفية التي انطلقت تحت شعار الاحتجاج على نشر الرسوم الكاريكاتورية التي سخرت من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في إحدى الصحف الدنماركية حيث إن سفارة الدنمارك ببيروت تقع في منطقة الأشرفية.
وذكرت واشنطن بوست أن آلاف المسلمين الغاضبين من نشر هذه الرسوم هاجموا السفارة الدنماركية في حي الأشرفية ذي الأغلبية المسيحية وأشعلوا النيران في المبنى الذي يضم السفارة والعديد من الشركات والمتاجر الأخرى وأغلبها مملوك لمسيحيين لبنانيين.
تظاهرات الأشرفية تثير المخاوف
ورغم أن التظاهرات الاحتجاجية بما في ذلك تلك التي تنطوي على أعمال عنف وتخريب ليست جديدة على لبنان وبخاصة في الفترة الأخيرة فإن أحداث الأشرفية أثارت قدرا كبيرا من القلق داخل جميع الدوائر المعنية بالملف اللبناني سواء داخل لبنان أو خارجه.
فهذه المظاهرات اقتصرت على المسلمين وجرت داخل حي ذي أغلبية مسيحية الأمر الذي أعاد للأذهان ذكرى الأيام التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 والتي استمرت 15 عاما وجلبت الخراب والدمار للبنان.
ولكن الملاحظة الجديرة بالذكر والتي تعطي أملا قويا في قدرة لبنان على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بأقل الخسائر التحرك السريع من جانب القيادات الدينية والسياسية لمختلف الفصائل بهدف تطويق هذه الأزمة والحيلولة دون وصولها إلى مرحلة الاشتعال الكامل. فقد وصلت حافلات صغيرة تحمل مجموعة من رجال الدين المسلمين الذين جاؤوا لدعوة المتظاهرين إلى التزام الهدوء والتوقف عن تخريب الممتلكات بعد أن بدا واضحا أن المظاهرات التي انطلقت احتجاجا على نشر صحيفة (يولاندس بوسطن) الدنماركية رسوما تسخر من الرسول إلى مواجهة طائفية بين اللبنانيين المسلمين واللبنانيين المسيحيين.
فقد نزلت مجموعات من الشباب المسيحي في حي الأشرفية يحملون العصي والقضبان الحديدية ويقولون إنهم سيدافعون عن حيهم.
احتقان طائفي وسط أزمة سياسية
والحقيقة أن أحداث الأشرفية ليست سوى حلقة واحدة في سلسلة أزمات سياسية يعاني منها لبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005م.
فمنذ ذلك الحين أصيبت الساحة السياسية اللبنانية بحالة انقسام حاد بين معسكر يؤيد العلاقات الخاصة مع سوريا واستمرار الرئيس اللبناني الحالي إميل لحود في الحكم ومعسكر يناوئ سوريا ويطالب برحيل لحود باعتبار التجديد الذي تم له العام قبل الماضي غير دستوري.
ويقود المعسكر الأول حزب الله الشيعي ومعه حركة أمل الشيعية أيضا وبعض تيارات من المسيحيين الموارنة. في حين يقود المعسكر الثاني وليد جنبلاط زعيم الدروز ومعه سعد الحريري نجل رفيق الحريري وزعيم ما يعرف بتيار المستقبل وهو خليط من المسلمين السنة والمسيحيين الموارنة أيضا.
ورغم كل محاولات التهدئة واحتواء الانقسامات الحالية في لبنان فإن كل المؤشرات تقول إن الأصابع الخارجية تلعب الدور الأهم في تطورات الموقف بلبنان خاصة وأن لبنان مكشوف دائما أمام مثل هذه التدخلات سواء كانت من جانب حلفاء أو أصدقاء أو حتى أعداء.
فالمعروف أن سوريا ومعها إيران تتمتعان بنفوذ كبير سواء عبر التيارات الشيعية وبخاصة حزب الله أو عن عبر فصائل مسيحية وتنظيمات فلسطينية أهمها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. كما أن فرنسا لها نفوذها القوي وبخاصة في أوساط المسيحيين المناوئين للنفوذ السوري. وشهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في الحضور الأمريكي في المشهد السياسي بلبنان حيث يلعب السفير الأمريكي دورا كبيرا في التحريض على سوريا ومحاولة إشعال نار الفتنة التي تقبع تحت الرماد.
قرار مجلس الأمن صعد الاستقطاب
وكان مجلس الأمن الدولي بمبادرة أمريكية - فرنسية - بريطانية قد أصدر قرارا العام الماضي يطالب بخروج القوات السورية من لبنان ونزع سلاح الجماعات المسلحة غير الرسمية كافة في لبنان، بالإضافة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة اغتيال الحريري.
وبالفعل انسحبت القوات السورية من لبنان خلال إبريل الماضي وأجريت انتخابات عامة في مايو لم تسفر عن فوز أي من المعسكرين المتنافسين
بأغلبية مريحة خاصة في ظل نظام انتخابي قائم على فكرة الحصص الطائفية من مقاعد مجلس النواب. ويرى المراقبون أن حالة الاستقطاب الشديدة وتزايد اعتماد الأطراف المتنافسة في لبنان على الدعم الخارجي يهدد بتداعيات خطيرة.
عودة شبح الحرب الاهلية
وأظهرت كلمات الشباب اللبناني وبخاصة المسيحي في حي الأشرفية خطورة المرحلة الراهنة بالنسبة للبنان. فقد انتشرت الرسائل النصية على الهواتف المحمولة التي تدعو الشباب المسيحي إلى الاحتشاد واستخدام القوة ضد المسلمين.
تقول إحدى الرسائل (إخواني، 200 عام من قتل المسيحيين الأبرياء على أيدي المسلمين وقيادات مسيحية غير مسؤولة). وتقول رسالة أخرى (نقول كفى.. علينا إقامة الدولة المسيحية في لبنان. ولن يحدث هذا دون إعداد سلاحنا وتنظيم أنفسنا والدعوة إلى إقامة دولتنا المسيحية المستقلة بالقوة أو نواجه الموت).
في الوقت نفسه فإن عددا من المتظاهرين المسلمين أكدوا أن المسيحيين في لبنان أصبحوا أكثر ارتباطا بالخارج وينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم ليسوا عربا ولا لبنانيين وهذه هي المشكلة. ويقول آخر إن هؤلاء المسيحيين يستقوون بالخارج ويتصورون أن الدعم الفرنسي والأمريكي للمعسكر المناهض لسوريا يمكن أن يوفر لهم غطاءً لسلب حقوق الطوائف الأخرى في الدولة وهو تصور خطأ وستكون نتائجه كارثية.
ويقول ثالث: إذا كانوا يريدون العودة بلبنان إلى زمن المليشيات المسلحة والحرب الأهلية فنحن مستعدون لذلك تماما.
والمفارقة أن أغلب القادة اللبنانيين اتفقوا على تحميل عناصر مدسوسة تبعة ما جرى من أعمال شغب في الأشرفية وأن الطرف الذي دس هذه العناصر يريد إشعال فتنة لبنانية داخلية، لا يريد اللبنانيون الانجرار إليها.
ورغم أن مثل هذه التصريحات تبدو مريحة وبخاصة للنخبة السياسية فإنها لا تكفي لمواجهة الألغام والقنابل الموقوتة التي تمتلئ بها الساحة اللبنانية. فلبنان شهد حرباً أهلية طوال أكثر من 17 عاماً، تقاتل فيها جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية وتوجهاتهم السياسية وتبدلت فيها التحالفات الداخلية والخارجية أكثر من مرة. ولا يمكن لمراقب استبعاد اشتعال مثل تلك الفتنة المدمرة مرة أخرى خاصة وأن ذكريات الحرب السابقة لم تختف بعد من الذاكرة.
ولذلك فالقول: إن أصابع خارجية وراء أحداث الأشرفية ليس كافيا لطي صفحة تلك الأحداث وغيرها من الأحداث الخطيرة التي مرت بلبنان على مدى العام الماضي وبخاصة سلسلة الاغتيالات والتفجيرات.
فعندما أراد أحد المؤرخين وصف الحرب الأهلية في لبنان قال: (إنها حرب داخلية مائة في المائة وحرب خارجية مائة في المائة).
دعوة للحوار بين الفرقاء
ولعل هذا يكشف أهمية دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري إلى ضرورة فتح حوار وطني شامل بين اللبنانيين لقطع الطريق على أي محاولات داخلية أو خارجية لإشعال فتيل الفتنة.
وقد رصد المراقبون خلال الفترة الماضية ظهور تيارات طائفية عديدة في لبنان تدعو إلى الانفصال وأحيانا الاقتتال كما هو الحال بالنسبة لجماعة مارونية تطلق على نفسها حراس الأرز وهي تنظيم قديم يعود إلى سنوات الحرب الأهلية وتنطلق من أجندة طائفية خطيرة.
في المقابل فإن تنظيم مثل حزب الله الموالي لسوريا وإيران والذي يمتلك جناحا عسكريا قويا قد يجد نفسه في مواجهة مع الحكومة اللبنانية إذا ما سعت تلك الحكومة إلى نزع سلاح الحزب.
فالحزب ينظر إلى سلاحه باعتباره سلاح مقاومة وطنية مشروعة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا اللبنانية والتهديد الإسرائيلي المستمر للأراضي اللبنانية. في حين تستند التيارات المناوئة لسوريا داخل الحكومة إلى قرار مجلس الأمن الدولي وترى أن الاحتلال الإسرائيلي انتهى منذ عام 2000 ولم يعد هناك مبررا لاستمرار سلاح حزب الله.
ويؤكد المراقبون أن قضية سلاح حزب الله يمكن أن تهدد بإشعال حرب أهلية جديدة في لبنان. وتزايدت حدة هذه المخاوف عندما دخل حزب الله ووليد جنبلاط في حرب كلامية عنيفة الشهر الماضي حيث تبادل الطرفان اتهامات الخيانة والعمالة للخارج.
عجز الأجهزة الأمنية
في الوقت نفسه فإن اختلاف القوى
السياسية الأساسية يؤدي إلى تعطيل عمل آلة الدولة إلى درجة عجزها عن اعتقال مثير للشغب أو متظاهر. وتتساوى في هذا الوضع كل المناطق اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب. حيث تبدي القوى الأمنية عجزها عن ضبط أو اعتقال أي مشتبه به أو مطلوب ما لم يجز لها الطرف السياسي المسيطر مثل هذا الاعتقال. والحق أن حوادث الشغب التي رافقت المظاهرة الأخيرة في منطقة الأشرفية في بيروت، لم تكن غير مسبوقة وفريدة، بل إن القوى الأمنية عجزت في حوادث كثيرة سابقة ربما كان أكثرها تعبيراً، حادثة سابقة تمثلت في الاعتداء على منزل النائب الحالي سمير فرنجية من قبل موالين للوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على مسمع ومرأى القوى الأمنية. ذلك أن اعتقال هؤلاء المعتدين كان يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، من تطورات لا يمكن لأجهزة الدولة تحمل تبعاتها. ولعل هذا كان السبب وراء استقالة العميد حسن السبع وزير الداخلية بعد مظاهرات الأشرفية حيث وجد الرجل نفسه عاجزا عن التحرك والقيام بواجبات منصبه.
أزمة سياسية خطيرة
وعلى الصعيد السياسي تعرضت الحكومة اللبنانية لأزمة خطيرة منذ حوالي شهرين بعد انسحاب وزراء الشيعة منها الأمر الذي أصاب الحكومة بالشلل.
ويقول مراقبون إن الدولة اللبنانية اضعف الأحصنة في مضمار السياسة اللبنانية؛ مما يجعل الأمن الأهلي هشاً إلى درجة تقتضي من المواطنين العابرين من منطقة إلى أخرى أخذ جانب الحيطة والحذر؛ فقط لأنهم يعبرون في غير حماهم وديارهم في وقت قد لا يكون مناسباً. لهذه الأسباب بدت المظاهرة الأخيرة التي تضم مسلمين غاضبين استفزازية في حد ذاتها؛ بسبب وقوع القنصلية الدنماركية في المنطقة المسيحية من بيروت؛ ذلك أن مجرد الاجتماع للاحتجاج يعني في حد ذاته تجاوزاً للخطوط الأهلية الهشة، قد ينذر بأوخم العواقب.
مرحلة ما بعد السيطرة السورية
وتحت عنوان (قصة دولتين: تعريف لبنان في مرحلة ما بعد السيطرة السورية) نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأمريكي مقالا في موقعه على الإنترنت تناول التطورات السياسية في لبنان وسيناريوهات المستقبل في مرحلة ما بعد خروج القوات السورية من لبنان وتآكل النفوذ السوري في دوائر صنع القرار ببيروت.
بدأ المقال بالحديث عن قرار الوزراء الشيعة في الحكومة اللبنانية تعليق مشاركتهم في جلسات الحكومة الشهر الماضي دون التقدم باستقالتهم وقال: إن هذه الخطوة تشير بوضوح إلى موالاة الشيعة اللبنانيين لسوريا.
والحقيقة أن هناك قوتين رئيسيتين في لبنان حاليا الأولى هي حزب الله وحركة أمل الشيعيتين.
وتحظى خطوات حزب الله وحركة أمل بدعم واسع وإن لم يكن إجماعا من جانب الطائفة الشيعية التي أصبحت كتلة سكانية كبيرة في لبنان. والثانية هي خليط من الفصائل المسلمة السنية والمسيحيين والدروز وتشكل أغلبية في مجلس النواب وتتصدرها كتلة المستقبل التي يتزعمها سعد الحريري.
رؤيتان مختلفتان لمستقبل لبنان
ويمكن القول: إنه منذ انسحاب القوات السورية من لبنان العام الماضي أصبحت هناك رؤيتان متصارعتان للمستقبل في لبنان. ولكل رؤية معسكر يؤيدها. والمفارقة أن الانقسام بشأن الرؤيتين أصبح بين المسلمين الشيعة والمسلمين السنة وليس بين المسلمين والمسيحيين. وقد كان الانقسام بين مسيحيين ومسلمين هو السائد قبل انطلاق الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م.
الرؤية الأولى
وتنطلق رؤية المعسكر الذي يقوده سعد الحريري على أساس منظور تجاري كلاسيكي باعتباره رجل أعمال وتاجر ومستثمر قبل أن يكون سياسيا. وهذه الرؤية تستند إلى جعل لبنان مركزا تجاريا واستثماريا في منطقة الشرق الأوسط وتحويله إلى وسيط رئيسي في التعاملات الاقتصادية بين الغرب والعالم العربي. كما تستند رؤية هذا المعسكر إلى ضرورة التعايش الودي بين المسلمين والمسيحيين وإقامة العلاقات بين لبنان وإسرائيل على أساس اتفاق الهدنة المعروف باسم اتفاقية أرميستاس الموقعة عام 1949 ولكن مع عدم توقيع اتفاق سلام شامل ونهائي مع الدولة العبرية قبل توقيع كل الدول العربية على مثل هذا الاتفاق. ويرفع أنصار هذه الرؤية شعار (نريد الحقيقة في قضية مقتل رفيق الحريري) باعتباره شعارا قادرا على حشد أكبر عدد ممكن من اللبنانيين، كما يؤمنون بأن سوريا وراء الجريمة ولا يشعرون بأي مشكلة تجاه إمكانية فرض عقوبات اقتصادية دولية على سوريا مهما كان تأثير ذلك على الاستقرار الإقليمي. ورغم أن مثل هذه الرؤية ليست سنية تماما فإن غالبية السنة اللبنانيين يؤيدونها ويؤمنون بأنها جزء من تراث رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
ولكن الجانب السلبي في هذه الرؤية وربما يكون الجانب الخطير فيها هو أن المعسكر المؤيد لها يضم خليطا متنوعا من الجماعات السنية التي تعمل جميعا في الوقت الراهن تحت عباءة رفيق الحريري الكبيرة ولكن قد لا يستمر الأمر كذلك في ظل وجود فصائل راديكالية ربما تغلب الاعتبارات الأيديولوجية على الاعتبارات العملية الواقعية التي ينطلق منها الحريري الابن.
الرؤية الأخرى
وفي مواجهة هذه الرؤية البرجماتية هناك رؤية أخرى تدعمها بقوة الطائفة الشيعية ممثلة في حزب الله وحركة أمل. وهذه الرؤية تنطلق من انعدام الثقة في الغرب بشكل عام وفي الولايات المتحدة بشكل خاص وترغب في مواصلة الكفاح المسلح ضد إسرائيل سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويؤكد الشيعة أنهم لم يساوموا أبدا على المصالح القومية للبنان وأنهم ظلوا دائما المدافعين عن الهوية الوطنية للبنان ولم يستعينوا بالخارج كما فعلت فصائل لبنانية عديدة. ويرفض هذا المعسكر النظر إلى سوريا باعتبارها عدوا ويقولون: إن الشيعة لم يحصلوا على دور في الحياة السياسية اللبنانية إلى في ظل الوجود السوري الذي بدأ عام 1976 تحت راية قوات الردع العربية التي دخلت لبنان بعد عام واحد من اشتعال الحرب الأهلية.
والمعروف أن المسيحيين الموارنة يسيطرون على رئاسة الجمهورية في حين يسيطر المسلمون السنة على رئاسة الحكومة ويحصل الشيعة على رئاسة مجلس النواب وفقا للدستور اللبناني. ورغم ذلك فإن السنوات التي تلت الاستقلال شهدت سيطرة كبيرة للمسيحيين الموارنة ومعهم المسلمين السنة على مؤسسات الدولة وعانى الشيعة من التهميش وتدهور مستواهم الاقتصادي والاجتماعي.
ويحتشد أغلب الشيعة وراء حزب الله باعتباره الفصيل الذي تمكن من طرد إسرائيل من الجنوب اللبناني بعد 22 عاما من الاحتلال وحقق لهذه الطائفة الاحترام داخل لبنان وخارجه.
ولكن نقطة الضعف الرئيسية لدى هذا التيار تكمن في علاقته الوثيقة بسوريا وإيران الأمر الذي يفتح الباب أمام خصومه لاتهامه بتبني أجندة خارجية على حساب الأجندة الوطنية اللبنانية.
وفي كل الظروف فإن الحقيقة المؤكدة الآن أن لبنان أصبح في مواجهة ظرف سياسي حرج للغاية ويحتاج إلى تحرك بناء من مختلف الأطراف قبل أن ينزلق الجميع إلى هاوية لا يمكن الخروج منها.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
