إعداد: وليد الشهري
يجوب السويسري روجيه فيدرر القارات الخمس حاصدا الألقاب على الأرضيات المختلفة مكرسا سيطرة قل نظيرها في عالم كرة المضرب، ومؤكداً أنه في طريقه لكتابة تاريخ جديد في هذه اللعبة، وإذ اختلفت الصورة غالبا عند السيدات في الأعوام الأخيرة عبر سطوع نجم احداهن وانكفاء أخريات لأسباب متشعبة، فإن المشهد الأساسي والأبرز في تنس الرجال بقي تفوق فيدرر على منافسيه بسهولة تامة في غالبية الأحيان وسط عجز هؤلاء عن ايجاد الحلول اللازمة للحد من تفجر مواهبه على أرضية الميدان.
سيطرة منذ البداية
السيطرة النسبية المطلقة لفيدرر في الأعوام الثلاثة الأخيرة تضعه اليوم في خانة الأبطال المحتكرين للالقاب في الرياضات (الفردية)، إذ يمكن تشبيه سطوته وانتصاراته بأقل عناء ممكن بتلك التي طبعت مسيرة بطل سباقات فورمولا واحد الألماني ميكايل شوماخر في فترة معينة، أو بما يقدم عليه صديقه لاعب الغولف الأمريكي تايغر وودز المستمر في قطف الكؤوس من دون أن يتردد في توجيه رسالة قصيرة إلى فيدرر بعد كل انتصار يخبره عن إنجازه سائلا إياه الرد بالطريقة عينها!
وشهد العالم ملحمة أخرى الشهر الماضي في ملبورن عندما رفع السويسري الخلوق كاس بطولة أستراليا المفتوحة، أولى البطولات الأربع الكبرى، بسجل نظيف أي من دون خسارة مجموعة واحدة، وهو إنجاز لم يتحقق في احدى بطولات (الغران شيليم) منذ عام 1980 حين فاز السويدي بيورن بورغ ببطولة فرنسا المفتوحة على ملاعب رولان غاروس بالطريقة عينها، كما غاب مشهد انجاز مماثل عن أستراليا منذ فوز البطل المحلي كين روزويل باللقب عام 1971م.
ثلاث سنوات أدخلته مصاف الكبار
وانطلاقا من هذا الانتصار الباهر تبدو الشكوك قليلة في عدم إمكان فيدرر تنصيب نفسه الأفضل على مر التاريخ، إذ بلقبه العاشر في البطولات الكبرى بات قريباً جداً من كسر الرقم القياسي المسجل باسم الأمريكي بيت سامبراس صاحب 14 لقبا، إذ في حال واصل السويسري اداءه التصاعدي فان هالة اسطورة سامبراس ستسقط مع حلول العام 2008 علما أن الأخير احتاج إلى 12 عاما لجمع القابه الـ14 بينما كانت فترة الثلاثة اعوام ونصف العام كافية لفيدرر لحمل 10 كؤوس كبرى.
وفي موازاة قدراته الهائلة وسنه الصغيرة (25 عاما) التي ستتيح له فرصة كبيرة لتحقيق مبتغاه، فإن تحول فيدرر إلى بطل قياسي بكل المقاييس ستكون مع نهاية الجاري بعدما جمع ما يضمن له من النقاط للبقاء على قمة تصنيف اللاعبين المحترفين التي بلغها في فبراير 2004 وذلك للأسبوع الـ161 على التوالي ليتخطى رقم الأمريكي جيمي كونورز.
مواهب ومميزات ولدت نجماً ناصعاً
السؤال المطروح بأحرف عريضة اليوم، هل سطوة فيدرر الفريدة من نوعها ناتجة عن تواضع مستوى خصومه أو أن قدراته الفطرية تفوق أولئك باشواط عدة؟ لا شك في ان فيدرر استفاد في فترات متباعدة من تذبذب اداء منافسيه الأساسيين، امثال الأمريكي اندي روديك والإسباني رافايل نادال الذين بلغوا مستوى مرتفعا معينا قبل أن يعجزوا عن مواكبة التطور غير الطبيعي الذي عاشه السويسري، والأمر عينه ينطبق على وجوه بدت واعدة لمنافسة الرقم 1 على غرار الألماني طومي هاس والروسي نيكولاي دافيدنكو والكرواتي ايفان ليوبيسيتش والأمريكي الآخر جيمس بلاك.
لكن من ناحية أخرى، يظهر فيدرر بطلا يجمع في شخصه مواهب وقدرات متعددة نادرة الوجود في لاعب تنس واحد، اذ يمكن اعتبار انه بلغ حد الكمال البشري في ضرباته المتقنة وارساله القوي وتمركزه على الملعب وتنقله بخفة حتى يبدو للعيان ان قدماه لا تحتكان بالأرض.
ويضاف إلى هذه الميزات اعتماده اساليب متنوعة بحسب مؤهلات الخصوم، مرفقا اياها بارسالات يصعب قراءتها مسبقا اذ في إمكانه وضع الكرة بكل دقة في المكان الذي يريد، وقد تصل سرعة ارساله الأول إلى 200 كلم/ ساعة، اضف سرعة حركته لتغطية البقاع الفارغة واعادته الكرة إلى الخصم بقوة اكبر في ظل تحكمه الفائق بالانتقال من وضع دفاعي إلى هجومي صرف في شكل مفاجئ.
كما تبرز برودة الاعصاب نقطة قوة أساسية في مباريات فيدرر، اذ يعمد بروية إلى مبادلة خصمه الضربات ليبني نقاطه من دون ملل مستغلا ثغرة في تموضعه أو سيطرة التعب عليه، وهو الامر اللافت حيث يبدو جليا ان منافسي السويسري يركضون أكثر منه خلال المباريات كونه يصوب كراته إلى أماكن بعيدة عن متناولهم، الامر الذي يفقدهم الحيوية ويضعف مخزون لياقتهم البدنية في شكل سريع، علما ان قلة من اللاعبين يستطيعون التعامل مع الوضع ولعل أبرزهم نادال قاهر فيدرر في رولان غاروس العام الماضي، بينما ينهار اخرون تحت وطاة ضرباته مثلما حدث مع روديك في نهائي بطولة أمريكا المفتوحة على ملاعب فلاشينغ ميدوز العام الماضي، وفي نصف نهائي أستراليا الأسبوع الماضي.
بشهادة الكبار... فيدرر هو البطل التاريخي القادم
وربما أدرك روديك أكثر من غيره ان النظرية التي أطلقها قبل مواجهته الأخيرة مع فيدرر، عندما اعتبر ان بقية اللاعبين بدأوا يقلصون المسافة التي تفصلهم عن السويسري، قد سقطت إلى أبعد الحدود بفوز سهل للمصنف أول على نظيره السادس.
من هنا، أطلق البطل الأسترالي السابق رود لايفر الفائز بـ11 لقباً كبيراً وصفة لاسقاط فيدرر ممازحا: (الطريقة الفضلى للتغلب عليه هي عبر ضربه بالمضرب على رأسه)، مضيفا ان فيدرر عبقري في طريقه ليصبح اعظم ما شهدته لعبة النبلاء.
ويقول النجم الفرنسي السابق يانيك نواه بطل رولان غاروس عام 1983 انه لم يشهد قط لاعبا سيطر على مكامن اللعبة مثلما يفعل فيدرر حاليا: كان بإمكان بورغ التغلب على أي من منافسيه في أي وقت يشاء، لكن كان هناك شعور لدى الجميع انه يمكن سرقة مباراة أو حتى مجموعة منه، بينما يختلف الأمر مع فيدرر اذ يظفر بالالقاب بسجل ناصع ويشعرك ان هناك الكثير مما يختزنه للفترة المقبلة.
فيدرر بطل لا يقهر صنع زمنه الخاص من دون أن يشعر بالخيبة لعدم ولادته في زمن الكبار أو الملل من عدم احساسه بسخونة المنافسة، إذ لا يزال حالما وواضعا نصب عينيه تحدياته الخاصة وآخرها سيكون في رولان غاروس المستعصية عليه واصفا الفوز على الارضية الترابية الحمراء بالحلم الذي يتحول حقيقة.