|
لو تعلمنا ..!! |
دروس كثيرة يتاح للمرء أن يتعلمها في الحياة فلا يفعل..
أنواع من الدروس وأشكال من العبر..
تأتي بالصدفة..
أو تمر على عوالمنا بفعل موقف هنا أو حدث هناك..
قد يأتي ذلك في سفر..
وقد يصادفنا في لحظة غضب..
وأحياناً قد تكون مسببة..
وربما لا تكون كذلك.
***
الناس غالباً لا يعيرونها اهتماماً..
وإن أعارها البعض شيئاً من اهتمامه فلا يكون ذلك بالقدر الذي ينبغي..
والعجيب أننا نحزن بشكل متأخر حين تمر مثل هذه المشاهد دون الإفادة منها..
ويتعزز هذا الشعور حين يصادفك موقف تشعر كما لو أن له علاقة أو صلة بدرس سابق مرَّ بك دون أن تتوقف عنده بما فيه الكفاية..
أو تستفيد منه بما لا يثير حزنك مما قد يواجهك من مشاهد حزينة أو سعيدة مما يمر به كل منا في حياته.
***
من المؤكد أن الإنسان مجموعة عواطف..
ومشاعر إنسانية غاية في الرقة..
ويحمل في داخله الكثير من الصفات التي يتأثر ويؤثر فيها..
وهو وإن حاول أن يظهر بغير حقيقته..
ويبدو بصورة مغايرة لشخصيته..
فإن المواقف التي تمر به وتراوح عادة بين ما هو سعيد وغير سعيد سوف تكشف واقعه..
ضعفه ..
وقوته ..
قدرته على الاستنارة من دروس الحياة..
وتجنب الوقوع في الأخطاء المدمرة..
فهل المجتمع هكذا..؟
وأين هو من هذا الذي يُذَكّره فينسى..
ويوقظه فينام..
ويدعوه إلى تجنب الوقوع في فخ المشاكل فلا يفعل.
***
ليتكم ..
وليتني ..
نتعلم من الحياة بقدر ما تعطيه لنا من عبر ودروس..
وتمضي أعمارنا في الاستزادة من التجارب التي تجنبنا المشاكل..
لتبقى صورة كل منا حية وخالدة في ذواكر الجميع..
ببهاء ووفق ما يتمناه كل فرد لنفسه..
وبما يؤطر هذه الصورة بالجمال الذي لا يؤذي..
وبالسمعة التي تكون مادة للدروس الجيدة التي نستقيها من الحياة ونعلمها للآخرين.
خالد المالك
|
|
|
من تملق صدام إلى تمجيد مقاتلي الفلوجة تداخل الشعر والسياسة في العراق |
* إعداد إسلام السعدني
بات لون الدم هو اللون الطاغي في بلاد الرافدين، وصارت أنباء التفجيرات وعمليات الاختطاف التي يموج بها العراق بوتيرة شبه يومية هي أول ما يرد إلى الخاطر عندما يفكر المرء في شؤون ذاك البلد القابع في أقصى شرق العالم العربي والذي كانت عاصمته بغداد حاضرة للخلافة العباسية وقبلة للعلماء والأدباء والشعراء في عصر المجد الزاهر للحضارة الإسلامية..
ولذا ربما يبدو مستغرباً بعض الشيء في ظل تلك الأحداث الدامية أن تختار الكاتبة (أنيا سيزادلو) أحوال الشعر والشعراء في العراق في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق (صدام حسين) موضوعاً لمقالها بصحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية، ولكن هذا العجب لا يلبث أن يزول عندما يتكشف لنا شيئاً فشيئاً أن تناول هذا الموضوع لم يكن منفصلاً بأي شكل من الأشكال عن الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة في الأراضي العراقية.
***
تستهل (سيزادلو) حديثها بذكر مقولة عراقية مأثورة وهي أن بوسع المرء أن يجد شاعراً بجوار كل نخلة في البلاد !...
وتستطرد مازحة بالقول إنه يمكن في ضوء هذه المقولة التعرف أكثر على عدد الشعراء في العراق الذي يبلغ عدد نخلاته 38 مليون نخلة، فيما يقطنه 25 مليون نسمة فحسب.
وتشير الكاتبة إلى أن الشعر يعد بمثابة ترياق شافٍ بالنسبة للعراقيين باختلاف انتماءاتهم، كما أنه يعد علاجاً للمشكلات والعلل التي يعاني منها المجتمع العراقي.
وتستعين (سيزادلو) في هذا الصدد برؤية يطرحها (حارث إسماعيل تركي) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الأنبار في غرب العراق وهو شاعر أيضاً كما تقول الكاتبة حيث يؤكد الرجل (إننا كعراقيين نحب أن نحتفي ونحتفل بدولتنا ووطننا.
والناس في بعض الأوقات يلجأون إلى الشعر ليس كسبيل للهروب وإنما كوسيلة لتسكين المعاناة التي تموج بداخل نفوسهم).
وتعود الكاتبة لتشير إلى أن المفكرين العراقيين الذين كانوا يعانون من قمع نظام حزب البعث هم أصحاب تلك المقولة التي أوردتها في بداية المقال حول عدد الشعراء الذي يضارع عدد أشجار النخيل في العراق، مضيفة أن هؤلاء المفكرين حاولوا من خلال تلك المقولة وصف ملامح هذا العصر الذي كان فيه الشعر مكرساً لتمجيد صدام حسين .
صدام شاعراً
وتوضح أن مدح (صدام) كان يعتبر وسيلة مأمونة يستطيع الشعراء من خلالها أن ينتقدوا الحكومة العراقية، ولكن الحال لم يدم كما تشير (سيزادلو) التي تلفت النظر إلى مفارقة صارخة مفادها أن (صدام حسين) يقبع حالياً خلف القضبان حيث يقضي وقته في نظم قصائد شعر يهتم ببث روح الحماسة فيها على حساب المضمون والمستوى، قائلة: إن العراقيين وجدوا في أعقاب الإطاحة بهذا الرجل مصدراً جديداً للغبن والظلم يحتجون عليه من خلال الشعر ألا وهو الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.
وتشير الكاتبة الأمريكية في هذا الشأن إلى بعض الأبيات الشعرية التي يترنم بها أنصار الزعيم الشيعي (مقتدى الصدر).
وتقول إن هذه الأبيات تقول إنه لا فارق بين (بول بريمر) رئيس سلطة التحالف المؤقتة في العراق والتي تم حلها بعد تسليم السلطة للحكومة العراقية المؤقتة و(ميشيل عفلق) مؤسس حزب البعث، ذلك الحزب الذي حكم البلاد بالحديد والنار طيلة عقود.
الغناء لنسر الكوفة
شاعر آخر مؤيد ل(الصدر) تتحدث عنه (أنيا سيزادلو) قائلة إنه يحاول التفوق عمن سواه في الإشادة بالزعيم الشيعي الشاب من خلال وصفه له في إحدى القصائد بأنه (نسر الكوفة) الذي عاد إلى (موطنه ومدينته) ليجبر (الأمريكيين ومجلس الحكم العراقي) على الاستسلام له، وكذلك (ليقود رجال جيش المهدي ممن على استعداد للتضحية بأرواحهم فداءً له)، وذلك وسط رقصات شعبية يؤديها العراقيون وهم يلوحون بالخناجر أو الكلاشينكوف في الهواء.
وتقول الكاتبة إنه من العسير أن يجد المرء هذه الأبيات التي ينظمها عادة شعراء مغمورون منشورة في أية دواوين شعرية أو مجلات تهتم بالأدب والثقافة، وإنما يمكن شراؤها بدولارين لا غير من باعة الأسطوانات المدمجة وأشرطة الفيديو قليلة الجودة في أسواق مدينة الصدر، تلك الضاحية الشيعية الفقيرة في العاصمة العراقية بغداد.
وتضيف أن بعض الشعراء يترنمون بتلك القصائد بصوت رخيم درامي خفيض وذلك في قالب عراقي تقليدي يطلق عليه اسم (الدراميات)، مشيرة إلى أن هذه القصائد تكون عادة ذات قواف معقدة غير قابلة للترجمة في معظم الأحيان.
وتقول إن تلك (الدراميات) تعد لوناً من ألوان (الشعر الشعبي) في العراق، وهي أشعار شفهية تلقى باللهجة السائدة بين الشيعة في جنوب البلاد، موضحة أن هذه اللهجة تختلف كثيراً عن اللغة العربية الفصحى التي تستخدم في الشعر الكلاسيكي.
حكاية كاظم مع (الدراميات)
وتضيف (سيزادلو) قائلة إن المطربين العراقيين المشاهير مثل (كاظم الساهر) الذي يعد بمثابة (ألفيس بريسلي) العراق أحياناً ما يقدمون أغنيات مستوحاة من تراث الشعر الشعبي القديم.
وتأخذنا الكاتبة الأمريكية في رحلة سريعة تستعرض لنا فيها تاريخ (الدراميات)، حيث تقول إنها ظهرت على يد شيعة الجنوب العراقي في الفترة التي كانت فيها البلاد تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، مشيرة إلى أن هذا اللون من الشعر يختلف في موضوعاته عن الشعر الكلاسيكي، فبينما كان ذلك اللون الأخير يهتم أكثر بالتاريخ، كانت (الدراميات) تعد متنفساً لكل من يريد أن يغني على ليلاه أو يشكو مصيبته سواء كانت هذه المصيبة تتمثل في حبيب غادر خائن، أو مالك أرض قاسي القلب، أو حبيبة لا تلقي بالاً لمشاعر من يهواها.
وتنقل الكاتبة الأمريكية عن مواطن عراقي يدعى (أبو حاتم) وهو شاعر وباحث يسكن في مدينة الصدر قوله إن (الشعر الشعبي خلال فترة الحكم العثماني كان دائماً ما يخاطب المرأة سواء مدحاً لها أو ذماً فيها)، مضيفاً أنه في بعض الأحيان (كان بعض النساء إذا ما افتقدن أحباءهن لفترة طويلة يشرعن في كتابة قصائد شعر تعبر عن مشاعرهن هن أنفسهن).
وتشير (أنيا سيزادلو) إلى أن (أبو حاتم) الذي يمتلك ثروة من قصائد الشعر الشعبي ينظر بازدراء ل (الدراميات) المعاصرة، قائلاً: إنه في بعض الأحيان يتم مدح شخص ما من خلال بعض هذه (الدراميات) فيما لا يكون هذا الشخص مستحقاً للإشادة أو المديح.
فضيحة مايو
وعلى الرغم من أن الرجل أبى أن يضرب أمثلة محددة على مثل هذا الأمر، إلا أن الكاتبة الأمريكية تشير إلى أن الشعراء العراقيين لا يزالون يتذكرون ما حدث في الأول من مايو الماضي عندما تحولت أمسية شعرية استضافها مقر الحزب الشيوعي العراقي للاحتفال بعيد العمال إلى فضيحة من العيار الثقيل وذلك بعد أن وقف رجل من الحاضرين ليتهم شاعراً كان على وشك إلقاء قصيدة من الشعر الشعبي بأنه (وغد) لأنه كان يلقي في عهد النظام السابق شعراً يمجد فيه (صدام حسين)، وهو ما أدى إلى طرد ذاك الشاعر بصورة مهينة من المقر ولم يسمع عنه أحد شيئاً بعد ذلك.
ارتباط تاريخي
وبعد استعراضها لهذه الواقعة، تعود (سيزادلو) لتشير إلى حقيقة مهمة مفادها أن هناك ارتباطاً وتشابكاً مستمراً بين الشعر والسياسة في العراق، وتضرب مثلاً على ذلك من خلال سرد واقعة تاريخية دارت أحداثها في الفترة التي كانت مشاعر الثورة فيها تضطرم في نفوس العراقيين ضد الاحتلال البريطاني عام 1917، حيث أرسل شاعر عراقي يدعى (سعد صالح) خطاباً إلى شاعر آخر من أصدقائه يطالبه فيه بأن يستحث همم العراقيين من خلال قصائده للقيام بثورة ضد المحتلين، وتضمن الخطاب قصيدة دعا فيها (صالح) صديقه إلى أن يقف وينادي في (العراقيين الأحرار الشجعان بأن الدماء قد تكون كفيلة بمحو خزي الاحتلال عنهم).
وتلفت الكاتبة الأمريكية في مقالها النظر إلى أن هذه الصورة الشعرية التي تؤكد أن الدم كفيل بمحو العار الذي لحق بالوطن، لا تزال حية حتى الآن في نفوس العراقيين من خلال بعض القصائد التي أهداها أصحابها إلى مقاتلي (الفلوجة) الذين حاربوا القوات الأمريكية لمدة شهر كامل تقريباً في الربيع الماضي.
وتضرب هنا مثلاً بإحدى هذه القصائد التي نظمها شاعر يدعى (محمد سعيد الجميلي) وأهداها ل(الفلوجة.. مدينة التحمل والجهاد)، وأرخها بيوم العاشر من مايو 2004 وهو اليوم الذي انسحبت فيه القوات الأمريكية من المدينة.
ملحمة الفلوجة
وتردف قائلة إن القصيدة تعلي من شأن مقاتلي الفلوجة من خلال القول إن (دماءكم الطاهرة طهرت البلاد من خزي من استسلموا للعدو.. الذين رضوا بالذل ولعق أحذية من غزوا بلادنا)، ويضيف الشاعر قائلا: (إن الدماء التي روت حقولنا ستظل تطالبنا بضرورة أن نأخذ بالثأر).
وتشير (سيزادلو) إلى أن هذا الشاعر الذي احتفل في قصيدته بخروج الجيش الأمريكي من (الفلوجة) قد أشاد بجهاد كل حي من أحيائها بالاسم في قصيدته، مشيراً إلى أن هذا النضال أثبت زيف ما يقال عن القوة الأسطورية التي تمتلكها أمريكا.
ولكن المفارقة حسبما تقول الكاتبة إن (الجميلي) الذي أشاد بصمود (الفلوجة) في وجه القوات الأمريكية كان من أشد معارضي نظام حزب البعث السابق، وتعود في هذا الشأن للاستعانة بآراء الأستاذ الجامعي (حارث تركي) الذي يقول إن ذلك الرجل لم يكن يخفي اشمئزازه ومقته لنظام (صدام) ولم يكن يفعل ذلك سراً بل بشكل علني.
وتشير الكاتبة الأمريكية إلى أن (تركي) قام بنسخ تلك القصيدة التي تحمل اسم (صفحة من المعجزات)، ووزعها على جميع أصدقائه، قائلة إنه لم يقم بذلك لأنه معاد لأمريكا ولكن لأنه كان يريد أن يرى الناس معركة الفلوجة من منظور أهل المدينة أنفسهم.
فهم أفضل
وتخلص الكاتبة الأمريكية في النهاية للقول إن حارث تركي الذي من بين ما يدرسه لطلابه أعمال الكاتبين البريطانيين جورج أورويل وجورج برناردشو يأمل في أن يساعد الشعر العراقي الأمريكيين على فهم العراقيين بشكل أفضل، مشيراً إلى أن قراءة هذه القصائد الشعرية قد يؤدي إلى أن يجد الأمريكيون أن هناك مساحة ما من الفهم المشترك بينهم وبين أبناء الشعب العراقي .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|