|
مدننا.. أين جمالها..؟
|
مع كل ما أنفقناه على مدننا..
من مال..
وجهد..
على هذا التوسع غير المسبوقين عليه في العالم..
وكل هذا الامتداد العمراني الذي نراه هنا وقد لا نراه عند غيرنا..
فإن هناك مسحة من الجمال لاتزال مدننا تفتقر إليها..
ولايزال ذلك الفنان المبدع غائباً عن رسم الشخصية الجمالية لها..
***
هناك اجتهادات..
وهناك عمل كبير..
من أجل أن تكون المدينة السعودية في أبهى صورة وأجمل شكل..
وهناك سعي دؤوب..
ورغبة صادقة..
لإبراز مدننا في مظهر أخّاذ وشكل بهي..
ولكن..
هل أدركنا أو أنجزنا ما نتمناه أو بعض ما نتمناه لها..؟
***
الصورة أمامي وكما تراءت أمام ناظري..
محاكاة في التصاميم الخارجية للمباني..
وتقليد في انتقاء الألوان مع سوء في الاختيار..
تشابه في المواد المستخدمة في البناء..
وشبه غياب في الخصوصية أو السمة لهذا المبنى عن ذاك.. ودون تدخل مباشر أو غير مباشر من أمانات المدن لمعالجة هذا الوضع المعوج..
***
أما التشويه الأكثر والأكبر..
والإساءة الواضحة إلى جمال المباني في مدننا..
ونزع مابقي من جمال فيها..
وتفريغها من سحر ما نراه في غيرها..
فهو في هذه الدكاكين العشوائية التي تنتصب بشكل استفزازي على طول واجهاتها..
وهي بهذا لا تسيء إلى شكل المبنى فحسب وإنما إلى أساسيات جمال المدينة..
***
هناك أحياء جميلة في الرياض وبقية مدن المملكة..
حي السفارات بالرياض نموذج لذلك وهناك غيره..
وهناك مبان رائعة في الشكل والتصميم وتناسق الألوان في مدينة الرياض وغيرها أيضاً..
خذوا مبنى المملكة ومبنى الفيصلية وبإمكاني ان أضيف عدداً آخر من المباني الجميلة المماثلة في الرياض وغير الرياض..
لكن من الضروري ان نتذكر ان هناك أحياء عشوائية..
ومباني بلا إبداع..
وهي تسيء إلى الجمال وان كثر في مدننا..
وبالتالي إلى المدينة بكثير من التشويه..
***
مطلوب منا إذاً تخطيط مدننا مستقبلاً بشكل أفضل..
ليس في مبانيها فقط..
ولكن..
في طرقها..
وحدائقها..
وكل شيء يضيف إليها لمسة من جمال..
ومثلما نعتني بمنازلنا من الداخل..
فمن الضروري ان نعطي الاهتمام لمظهرها من الخارج..
لنمنح عيوننا المتعة حين تجوالنا في شوارع المدينة وأحيائها وبين مبانيها..
++
خالد المالك
++
|
|
|
مزّقتها الحروب الأهلية والأمراض والديون إفريقيا القارة المنكوبة
|
* إعداد: أشرف البربري
العقيدة الأمريكية تجاه الدول الأفريقية جنوب الصحراء، تتأرجح بين النظر إليها كبؤرة صالحة لنمو الإرهاب والمهددات الأمنية للمصالح الأمريكية، ومعاملتها كمستودع آمن لاحتياجات أمريكا المستقبلية من الطاقة.
وأمريكا في الحالتين لا تتعامل مع أفريقيا السوداء بمنظور إيجابي يهدف إلى خلق الاستقرار والمساهمة في النماء والتطور، بل تشير سياساتها إلى أهداف أخرى ترمي إليها الدولة العظمى في هذه المنطقة.. فتعاملاتها مع الدول الأفريقية لم تتعد الاستراتيجيات الأمنية والاستخبارية، فهي تبذل جهودها في مكافحة الإرهاب بدلا من مكافحة الإيدز الذي يتجاوز خطره خطر الإرهاب بمراحل وتعتبر الولايات المتحدة سخية فقط في منح المساعدات العسكرية بدلا من المساعدات الاقتصادية والتنموية. فمتى تتحول نظرة أمريكا إلى أفريقيا السوداء من منطقة الوجل إلى منطقة الرجاء والأمل؟!
الطفل اليتيم
تقول مارثا هني المدير التنفيذي لبرنامج التنمية المستدامة والاكتوارية بجامعة ستانفورد الذي يهتم بملف السياسات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية تجاه أفريقيا تقول، بعد عام واحد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» موضوعاً رئيسياً يقول «إفريقيا الطفل اليتيم المهمل في الدبلوماسية الأمريكية، تتزايد أهميتها الاستراتيجية مؤخراً لصناع السياسة في واشنطن، والسبب في ذلك وبكلمة واحدة هو النفط».
وفي مطلع عام 2002 تشكلت مجموعة مصالح جديدة تسمى مجموعة مبادرة البترول الإفريقي، وتضم أعضاء في الكونجرس، ومسئولين في الإدارة الأمريكية، ومسئولين في صناعة البترول، ومستشارين ومستثمرين. وقد قدمت هذه المجموعة ورقة عمل للإدارة الأمريكية حول موارد الطاقة والمواد الأولية في إفريقيا.
وكما شرح رئيس لجنة إفريقيا الفرعية في مجلس النواب الأمريكي (إيد رويس) فإنه يجب أن يتم اعتبار البترول الإفريقي ذي أولوية قصوى بالنسبة للأمن القومي الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر..
معدلات متزايدة
وتتابع مارثا هني قائلة : «تبلغ واردات أمريكا من البترول من دول غرب إفريقيا مثل نيجيريا وأنجولا والجابون وغينيا الاستوائية، حوالي 15 في المائة من إجمالي وارداتها البترولية، ومن المنتظر أن تصل هذه النسبة إلى 25 في المائة بحلول عام 2015 وفقاً لتقدير مجلس المخابرات الوطني.
وقد أشار نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في استراتيجية الطاقة الأمريكية التي قدمها عام 2001، إلى أن إفريقيا سوف تصبح واحداً من أسرع مصادر الطاقة نمواً بالنسبة للولايات المتحدة. وقد فتحت أمريكا قنصلية جديدة لها في غينيا الاستوائية، حيث تم اكتشاف احتياطيات بترولية ضخمة أمام سواحلها مؤخراً. كما فتحت أمريكا سفارة جديدة لها في أنجولا الغنية بالبترول، وقامت بإنشاء خط أنابيب بترول يربط بين تشاد والمحيط الأطلنطي، علاوة على زيادة التعاون العسكري مع دول غرب إفريقيا، مع احتمال إنشاء قاعدة بحرية أمريكية جديدة في ساوتومي وبرينسيب، وهما دولتان صغيرتان جداً على المحيط الأطلنطي، ولكنهما تتمتعان بموقع استراتيجي مهم في منطقة خليج غينيا الغني بالبترول.
وأكد وزير الطاقة الأمريكي (سبنسر إبراهام) في شهادة له أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي في يونيو الماضي، أنه في ضوء الاضطرابات السياسية التي تشهدها فنزويلا وكولومبيا والمشكلات السياسية في الشرق الأوسط، فإن أهمية إفريقيا كمصدر للبترول بالنسبة للولايات المتحدة تتزايد.
زيارة باول الافريقية
وبعد قليل من هذه الشهادة، زار وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) ساوتومي والجابون وأنجولا الغنية بالبترول، وهي الدول التي نادراً ما حظيت بزيارة مسئول أمريكي على هذا المستوى، حيث لم تكن تحظى بهذا الشرف من قبل. وقد تجنب باول زيارة نيجيريا التي تعد أكبر مصدر للبترول للولايات المتحدة في إفريقيا، بسبب وجود اضطرابات سياسية في البلاد احتجاجاً على نفوذ شركات البترول الأجنبية في منطقة دلتا نهر النيجر. وبهدوء نجحت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في زيادة علاقاتها العسكرية مع نيجيريا، في حين تضغط عليها للانسحاب من منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، التي تلعب دوراً رئيسياً في تحديد سقف إنتاج البترول وأسعاره في الأسواق العالمية.
ويشرح أحد المسئولين في صناعة البترول الموقف فيقول أن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية طويلة المدى، من أجل إضعاف منظمة أوبك، وذلك من خلال سحب عدد من الدول الرئيسة منها. ومنذ صيف 2002م، تبلورت سياسة إدارة الرئيس بوش تجاه إفريقيا على أساس «دعم الوجود العسكري الأمريكي واستخراج البترول منها».
وعلى الرغم من أن معظم برامج التدريب العسكري التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا حاليا يرجع تاريخها إلى ما قبل هجمات سبتمبر، فإن الولايات المتحدة تسعى منذ وقوع هذه الهجمات إلى دعم علاقاتها العسكرية في هذه القارة، لمواجهة المد المتزايد للجماعات المتشددة في هذه المنطقة من العالم، بالإضافة إلى تأمين مناطق البترول فيها.
مساعدات أمريكية
من المعلوم أن كل دول إفريقيا جنوب الصحراء تحصل على مساعدات أمريكية في إطار البرنامج الدولي للتدريب التعليمي والعسكري. وقد عرفت القوات الخاصة الأمريكية طريقها إلى إفريقيا من خلال مبادرة الرد على الأزمات الإفريقية التي بدأت عام 1997، حيث تولوا تدريب ثمانية آلاف جندي من السنغال وغانا ومالي ودول إفريقية أخرى، كما تسلمت كل من جنوب إفريقيا وكينيا قائمة أمريكية بأسماء عدد من المشتبه فيهم ووعدت الدولتان بالتعاون مع أمريكا، وفي كينيا التي كانت حليفاً لأمريكا منذ الحرب الباردة، وتعد قاعدة مركزية لأي تحرك أمريكي مضاد للإرهاب في الصومال.
شارك أكثر من ثلاثة آلاف جندي من جنود مشاة البحرية الأمريكية «المارينز» في تدريبات عسكرية موسعة مع القوات الكينية في فبراير 2002، وأثناء معركة الانتخابات الرئاسية الكينية في ديسمبر 2002، سيطرت على الكينيين حالة من الخوف من التركيز على قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، على الانتخابات وتراجع الديموقراطية. والواقع أنه أثناء زيارة الرئيس الكيني في ذلك الوقت دانيال أراب موي إلى واشنطن، لم يطالب الرئيس بوش علانية بضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة في كينيا. ورغم صمت المسئولين في واشنطن، إلا أن كينيا شهدت انتخابات رئاسية حرة في ديسمبر الماضي، وشهدت انتصار مرشح المعارضة على المرشح المدعوم من الرئيس آراب موي حينذاك. وفي الوقت الذي تحقق فيه التحول السياسي في كينيا بهدوء، فإن الإدارة الأمريكية تشعر بقلق بالغ من الصراعات المحلية والانهيارات الاجتماعية في عدد من الدول الإفريقية الأخرى، الأمر الذي يوفر بيئة جيدة لنمو الجماعات المتطرفة فيها.
يقول السيناتور رويس رئيس لجنة إفريقيا الفرعية في مجلس النواب الأمريكي، أن ضعف الحكومات والصراعات الأهلية في العديد من الدول الإفريقية، يجعل من هذه الدول مكانا مثالياً لإيواء الجماعات الإرهابية. وقد أدى تركيز الإدارة الأمريكية على الأمن إلى وضع الدول الإفريقية ذات الأغلبية السكانية المسلمة تحت رقابة صارمة من جانب أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية.
وفي الوقت الذي يتم فيه تدعيم العلاقات العسكرية بين أمريكا وهذه الدول، فإن العلاقات المخابراتية تشهد أيضا نمواً ملحوظاً، ويجري التحقيق حالياً في علاقات عدد من الأفارقة مع شبكات الجريمة العالمية. فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظهر على السطح احتمال وجود علاقات بين تنظيم القاعدة وجماعات الجريمة الدولية المنظمة، وبخاصة في موزمبيق وسيراليون، حيث السوق السوداء للألماس واليورانيوم وعمليات غسيل الأموال، وقامت جنوب إفريقيا بتجميد عدد من الحسابات المصرفية بسبب احتمال وجود علاقة بينها وبين الإرهابيين.
كما أصدرت عدة دول إفريقية تشريعات جديدة تتعلق بغسيل الأموال ومراقبة الاتصالات. ورغم كل ما تمثله إفريقيا من تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، فإن أمريكا ترفض التدخل العسكري المباشر في الصراعات الإفريقية، فبسبب عقدة فيتنام وعقدة مقديشيو (عندما قتل 18 جندي أمريكي من جنود المارينز أثناء وجودهم في الصومال عام 1993)، تعارض إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إرسال أي قوات أمريكية للمساهمة في وقف عدد من الحروب الأهلية الأفريقية. وبدلا من ذلك تدعم أمريكا عمليات حفظ السلام الإقليمية، التي تقوم بها الدول المجاروة للدول التي بها حروب أهلية في إفريقيا.
سياسات متباينة
من الواضح أن الأمور لا تمضي في القارة السوداء على هوى الإدارة الأمريكية، حيث تتصاعد موجة العداء لأمريكا بين شعوب القارة، وظهرت الدعوة إلى قيادة الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة للحرب العالمية ضد الإرهاب، نتيجة للنزعة الانفرادية المتغطرسة التي تعامل بها أمريكا دول العالم.
وكان الرئيس المصري محمد حسني مبارك قد حذر بعد أقل من أسبوعين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، من أن «العلاج الأمريكي قد لا يكون أفضل كثيراً من المرض نفسه» وهو الإرهاب.
وأضاف أن الإرهاب ليس أخطر المشكلات التي يجب مواجهتها في القارة الإفريقية، حيث هناك مشكلات أكثر خطورة وإلحاحاً مثل الفقر والإيدز والحروب الأهلية والصراعات بين الدول الإفريقية والديون المتراكمة».
كما كتب صالح بوكير مدير منظمة العمل الإفريقية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها. يقول أنه من حيث عدد الضحايا أو الدول التي يصيبها أو الآثار الاقتصادية له أو العائلات التي يدمرها، فإن الإيدز يمثل تهديداً أخطر من تهديد الجماعات الإرهابية على الإنسانية، لذلك فالحرب ضد الإيدز أكثر أهمية من الحرب ضد الإرهاب.
الإرهاب والنفط
والواقع أنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر والولايات المتحدة تنظر إلى إفريقيا من منظور الإرهاب والنفط فقط. فعندما وصلت إدارة الرئيس بوش إلى الحكم أول 2001 أعلنت أن إفريقيا ستظل في ذيل أولويات الإدارة الأمريكية اقتصادياً واستراتيجياً. وأثناء الحرب الباردة كانت المساعدات والتحالفات الأمريكية في قارة إفريقيا تهدف إلى مقاومة النفوذ السوفيتي والصيني. وخلال التسعينيات قالت إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون أن السوق الحرة والاقتصاد الذي يعتمد على التصدير، وليست المساعدات الاقتصادية هي التي ستحدد شكل العلاقات التي تربط بين أمريكا ودول إفريقيا. ولكن نسبة ضئيلة جداً من الاستثمارات الأمريكية المباشرة هي التي ذهبت إلى إفريقيا خلال عام 2001، حيث لم تزد عن واحد بالمائة من إجمالي الاستثمارات الخارجية الأمريكية المباشرة خلال ذلك العام، وذهب نصف هذه الاستثمارات إلى قطاع البترول.
المزيد من الضغوط
وقد واصلت إدارة الرئيس بوش ضغطها على الدول الإفريقية من أجل تبني سياسة الخصخصة الاقتصادية، وفتح الأبواب أمام رؤوس الأموال الأجنبية، وتطوير أساليب الإدارة الجيدة، وتوقيع اتفاقات لوقف الصراعات الإفريقية مثل حرب الكونغو.
في الوقت نفسه زادت الإدارة الأمريكية المساعدات الاقتصادية للدول الإفريقية بصورة طفيفة، حيث ما زالت هذه المساعدات الأمريكية أقل كثيرا من المساعدات الأوروبية لهذه الدول، بصفة خاصة الدول الليبرالية الجديدة مثل جنوب إفريقيا وموزمبيق ونيجيريا.
وبحلول منتصف عام 2002 كانت السبعمائة مليون دولار التي تعهدت إدارة بوش دفعها في إطار مبادرة تخفيض ديون الدول الأشد فقراً في العالم، قد امتصت الجانب الأكبر من برنامج المساعدات الخارجية للإدارة الأمريكية، والتي بلغت قيمتها 2 ،2 مليار دولار.
كما أن مساهمة أمريكا في صندوق الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز ضئيلة جدا ولا تزيد عن 200 مليون دولار، في حين يقول الخبراء أن هذا البرنامج يحتاج إلى موازنة تصل إلى ما بين سبعة وعشرة مليارات دولار.
سياسات عنصرية
ويلاحظ أن مشاعر تعاطف الأفارقة مع الأمريكيين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تلاشت مع حلول الذكرى الأولى لهذه الهجمات، نتيجة لسياسة إدارة الرئيس بوش ذات النزعة الانفرادية، وتركيزها على البترول والإرهاب في القارة السوداء، دون أي اهتمام بمعاناة القارة الحقيقية بسبب الإيدز والفقر والحروب الأهلية. وفي سبتمبر عام 2002 اتهم الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا السياسة الأمريكية وبكلمات واضحة جدا، وقال أنها تهديد خطير للسلام العالمي. كما أن مانديلا الذي أيد الحرب الأمريكية ضد أفغانستان، وقف ضد حربها على العراق بمنتهى القوة، كما شن عليها هجوما عنيفا عندما قال أمام الكثيرين أن امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن دفع تعويضات للأفارقة الذين قتلوا في تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا عام 1998 أسوة بما فعلته مع الأمريكيين، هو اعتراف صريح منها أمام العالم بنزعتها العنصرية. وهذه النزعة العنصرية تجاه إفريقيا تتضح بجلاء من خلال تركيز أمريكا الكبير على البترول ومكافحة الإرهاب بدلا من مكافحة الفقر والإيدز.
الحرب في ليبيريا
من ناحية أخرى، يؤكد الكاتب لي سوستار على ان الإدارة الأمريكية تتحدث بلغة خطابية فصيحة عن مكافحة الإيدز والفقر في إفريقيا، في حين أن هدفها الحقيقي هو البترول، وتثبيت أركان الإمبراطورية الأمريكية في القارة السوداء. وقد كشفت جولة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإفريقية في يوليو الطرق التي تؤكد الدور الاقتصادي والاستراتيجي للولايات المتحدة في القارة، من الاستعداد لنشر القوات الأمريكية في ليبيريا بهدف المشاركة في وقف الحرب الأهلية هناك، إلى الإشادة بالسياسات «الليبرالية الجديدة» في أوغندا والسنغال وجنوب إفريقيا. ولكن في الواقع أن المزيد من التدخل الأمريكي في هذه القارة الغارقة في المشكلات سيصبح مسئولاًَ عن المزيد من الحروب الأهلية والكوارث الاجتماعية التي تعاني منها إفريقيا.
بذرة الشر
والنموذج الحالي للتدخل الأمريكي هو ليبيريا، فقد تأسست هذه الدولة على الساحل الغربي للقارة الإفريقية عام 1847 على يد عدد من الأثرياء الأمريكيين، الذين كانوا يريدون تخليص أمريكا من العبيد من خلال إعادتهم إلى إفريقيا مرة أخرى. وكانت ليبيريا عبارة عن مستعمرة ضمنية لأمريكا، وكانت الحكومة الليبيرية تعمل مع الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة شهيرة لصناعة الإطارات، التي أقامت أكبر مزرعة للمطاط في العالم هناك عام 1926، في الوقت الذي ظل فيه سكان الدولة من العبيد المحررين والأفارقة الأصليين يعانون من الفقر. وفي فترة الحرب الباردة وعلى الرغم من العدد القليل لسكان ليبيريا الذي لا يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة، فإن هذه الدولة لعبت دوراً مركزياً في جهود الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير حركات التحرر الوطني في إفريقيا، ومساندة أنظمة الحكم الديكتاتورية الموالية لأمريكا تحت شعار محاربة الشيوعية.
ويضيف سوستار قائلاً: في عام 1980 دبر صامويل دو انقلاباً عسكرياً ضد حكم النخبة الموالية لأمريكا في ليبيريا. ومع وصول الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان إلى البيت الأبيض، أغرقت أمريكا النظام الجديد في ليبيريا بملايين الدولارات والمساعدات العسكرية، مقابل مساعدة أمريكا في ضرب استقرار ليبيريا. وحكم دو ليبيريا بسياسة الاغتيالات والقمع والتحايل. وبمجرد انتهاء الحرب الباردة قطعت أمريكا مساعداتها عن نظام صامويل دو وتم اغتياله على يد قوات المتمردين عام 1990. وقد وصف الصحفي النيجيري تونجي لاردنير حادثة موته قائلاً أن صامويل دو هو آخر ضحايا القتل الرحيم للسياسة الأمريكية، وقد مات لأن الولايات المتحدة توقفت عن إعطائه الدواء، لذلك توقف نظام الحياة لديه.
ذراع أمريكية أخرى!
وبعد الحرب الأهلية في بداية التسعينيات، يتابع لي سوستار، حدث فراغ مؤقت في السلطة ملأه تشارلز تايلور وهو أمريكي ليبيري، استغل مشاعر الكراهية العرقية لصامويل دو في حشد المؤيدين له في ليبيريا.
وقد حظي تايلور بدعم من ليبيا وكوت ديفوار وبوركينا فاسو، وساعدت الرشوة والقمع تشارلز تايلو في الفوز في الانتخابات الرئاسية عام 1997 بأغلبية 75 % من أصوات الناخبين. وقد كان العنصر الرئيس في نجاح تايلور هو سيطرته على تجارة الألماس في هذه المنطقة من العالم بالإضافة إلى التغيير المستمر في تحالفاته الإقليمية. ولكي يحكم تايلور قبضته على الأمور في ليبيريا، رعى التمرد الذي قامت به الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون المجاورة لبلاده، وقد نجحت هذه الجبهة في الاستيلاء على مناجم الألماس في سيراليون.
وكانت الجبهة تقوم بتهريب الأحجار الكريمة إلى ليبيريا، حيث يقوم تايلور ببيعها للشركات الأوروبية الكبرى المتخصصة في تصنيع وتجارة الألماس.
وكما حدث في ليبيريا، نجحت الجبهة الثورية المتحدة في الوصول للحكم في سيراليون، بفضل مساندة لندن وواشنطن وعدد من الدول المجاورة عام 1999، وهذه الجبهة عرفت بانتقامها الدموي من خصومها، بعد أن تمكنت من فرض سيطرتها على الأمور في البلاد. وعندما أوشكت صفقة «تقاسم السلطة» على الانهيار تدخلت بريطانيا على رأس قوة دولية قوامها 13 ألف جندي لحفظ السلام في سيراليون، وعملت على تشكيل حكومة حصل فيها فودي سنكوح زعيم الجبهة الثورية وحليف تايلور على الوزارة المسيطرة على مناجم الألماس كمكافأة له، كما ساند تايلور المليشيات التي حاولت الاستيلاء على مناجم الألماس في دولة غينيا المجاورة. ونفس النموذج تكرر في كوت ديفوار، عندما انفجر العنف في البلاد من جانب الجماعات المسلحة التي يساندها تايلور، حيث شهدت البلاد انقساماً حاداً بين الشمال الذي تسكنه أغلبية مسلمة، والجنوب الذي تسكنه أغلبية مسيحية ووثنية. ولكن فرنسا تدخلت وأرسلت قوة قوامها ثلاثة آلاف جندي للحفاظ على الأوضاع القائمة في مستعمرتها السابقة، الأمر الذي دعا بعض الإيفواريين إلى المطالبة بإحلال قوات أمريكية محل القوات الفرنسية.
تبادل الدعم!
ويضيف لي سوستار قائلاً: في الوقت نفسه تدخل الرئيس الإيفواري لورين جباجبو في الحرب الأهلية في ليبيريا، من خلال مساندة الحركة من أجل
الديموقراطية الليبيرية، وهي إحدى الجماعات المسلحة المشاركة في الحرب الأهلية التي تحرق البلاد منذ سنوات.
من ناحيتها تبدو الولايات المتحدة مترددة في التدخل المباشر في الصراع الليبيري، ولكنها تواجه ضغوطاً قوية من أجل التدخل من جانب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، الذي يحمل جنسية غانا، وهي حليف مقرب للولايات المتحدة، ولاعب رئيسي في منطقة غرب إفريقيا. وحتى فرنسا التي عارضت الحرب الأمريكية ضد العراق، دعت الولايات المتحدة إلى التدخل في ليبيريا حتى لا يخرج الموقف عن السيطرة. وتأتي دعوة فرنسا على الرغم من تعارض المصالح بينها وأمريكا في هذه المنطقة من العالم، والتي تمثل منطقة نفوذ تاريخي لفرنسا، الموقف المأساوي الذي يواجهه سكان العاصمة الليبيرية منروفيا، ويصل عددهم إلى مليون نسمة، دفع الدول التي عارضت الحرب الأمريكية ضد العراق، إلى دعوة واشنطن للتدخل العسكري في ليبيريا، من أجل وقف الاقتتال بين الطوائف المتصارعة. أي إنسان يعتقد أن واشنطن يمكن أن تتحرك من أجل إنقاذ الأبرياء في ليبيريا، عليه أن يلقي نظرة قريبة على الموقف، فحتى الآن قنعت واشنطن بالضغط على تشارلز تايلور، من خلال العمل مع حكومة غينيا، التي حصلت العام الماضي على ثلاثة ملايين دولار كمساعدات عسكرية من أمريكا لدعم جماعة معارضة لتايلور، وهي الاتحاد الليبيري من أجل المصالحة والديموقراطية.
وفي حين أن محكمة جرائم الحرب الدولية التابعة للأمم المتحدة توجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب إلى تايلور، فإن الموقف يختلف قليلا بالنسبة للاتحاد الليبيري من أجل المصالحة والديموقراطية. يقول دبلوماسي أوروبي لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أنه لا يوجد شخص واحد يسيطر على السلطة في الاتحاد الليبيري.
ويقول تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» العالمية لمراقبة حقوق الإنسان، أن قوات الاتحاد الليبيري من أجل المصالحة الديموقراطية قامت بجرائم الاختطاف وتنفيذ الإعدام في المدنيين والسلب والنهب والاغتصاب وإجبار الأطفال على القتال في صفوفها.
وفي الوقت الذي تطالب فيه واشنطن برحيل تشارلز تايلور الذي قبل في وقت سابق فكرة النفي إلى نيجيريا، فإن الواقع يشير إلى أن أمريكا تريد استبدال زعيم حرب جديد بزعيم الحرب القديم، والخلاصة أنه إذا قررت الولايات المتحدة التدخل عسكرياً في ليبيريا فلن يكون هذا إلا لأن هذه الدولة تقع بالقرب من احتياطات البترول الضخمة في منطقة خليج غينيا.
ومن المتوقع أن تستثمر شركات البترول الأمريكية الكبرى بما فيها إكسون موبيل وشيفرون تكساكو، حوالي عشرة مليارات دولار في مجال البترول هذه المنطقة من العالم خلال العام الحالي.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|