وسط هموم الحياة والضغوط اليومية يفشل العديد من الشباب في الوصول لشريك الحياة، مما يدفع الكثير منهم للبحث عن بدائل مقبولة اجتماعياً وأخلاقياً تساعدهم في تحقيق ذلك الغرض دونما تعب أو معاناة، وأول هذه البدائل هو مكاتب التزويج التي تحاول توفير شريك الحياة بصورة أو بأخرى، خاصة بعد تصاعد مشاكل الاختيار لشريك العمر وعزوف الكثير من الشباب عن الزواج بصورة أدت لانتشار العنوسة ما بين الشباب والفتيات،
ولكن يجب الحذر من بعض مكاتب بيع الوهم التي تقنع الشباب بأنها تملك عصا سحرية يحول كابوس العنوسة لواقع السعادة.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيفية تحويل هذه الفكرة إلي أداة صحيحة دون اقتصارها علىالجهود الشعبية، وكيفية رقابة هذه المكاتب كي لا تتحول أهدافها إلى ممارسات غير شرعية.
في البداية أكد (أحمد حسن) أحد أصحاب هذه الأماكن أن البعد الاجتماعي والاقتصادي في مصر وبعض البلدان العربية جعل هذه المكاتب تبدأ عملها، بل وتتقاضى عنه أجراً يزداد إلي الضعف في حالة إتمام الزواج بين المعلن والمتقدم للإعلان، وأن بداية هذه المكاتب كانت باستصدارها تراخيص مزاولة العمل الأهلي ومحاولتها الحصول على دعم رجال الخير لمعالجة هموم الشبابوتنفيس كرباتهم لأنه من فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
كما أشار إلى أن نشاط التزويج يعتمد على المقابلة الشخصية وإدارة حواربسيط بين الشاب والشابة قد يقتصر على التعارف أو يمتد إلى عرض الزواج مباشرة، وأن نجاح التجربة يشترط حسن النية والإخلاص وعدم استهداف أي نشاط غير شرعي.
شبح العنوسة
وتؤكد إحدى المترددات على تلك المكاتب - (سميرة محسن) 24عاماً - أنها لجأت لتلك الأماكن كوسيلة للحصول علىفرصة للزواج المبكر تجنباً للعنوسة، ورأت أن مكاتب التزويج نجحت في ملء الفراغ الذي تركته الخاطبة، وأن ظهورها كان نتيجة لارتفاع وتيرة الحياة وعدم القدرة على مخالطة الرجال.
أما (يوسف أحمد) 29 عاماً فقد أكد أنه فشل في العثور على عروسة في العمل وفي المكتب وفي شارعه وبين جيرانه نظراً لسوء الحظ، لذلك فإنه لجأ لتكرار اللقاءات بمكاتب التزويج، وأخيراً رأى فتاة أحلامه سماح فؤاد وهو الآن معها يعيشان حياة جميلة، ووجوده في المكتب من أجل توجيه الشكر ودفع الرسوم النهائية، وشدد على أنه رغم طول فترة بحثه عن عروس فإن مكاتب التزويج كان لها دور كبير في الوصول لهدفه.
فكرة مرفوضة
وعلى العكس من ذلك رفض (حسن إبراهيم) هذا الأسلوب وشدد على أن مكاتب التزويج تجعل من الشباب مجرد راغبين في أي زيجة، وأن الهدف من الزواج هو علاقة جنسية أكثر منها توافقاً بين الأشخاص وتقارب العواطف.
كما أعربت (هبة توفيق) عن دهشتها لوجود مكاتب التزويج ورأت أن المجتمع المعاصر لا يحتاج لها، لأنه بالفعل مجتمع مفتوح وبه كل المقومات التي تجعله يوفر بيئة احتكاك واختلاط بين الشباب والشابات، وتوالد قصص الحب التي تتوج بالزواج دون الحاجة لهذه التجارب المحرجة.
ومن جهته طالب المقدم سيد إسماعيل بضرورة التفرقة بين المكاتب التي تعمل بمظلة شرعية وقانونية وبين المكاتب التي تعمل في الخفاء من أجل الربح والنصب على الشباب مستغلين تفشي ظاهرة العنوسة، وملوحين للشباب بأنهم قادرون على إهدائهم فتاة الأحلام ونفس الحال بالنسبة للفتيات حيث يحاولون إقناعهن بأن فارس الأحلام من رواد هذه المكاتب فينجذب الشباب والشاباتتجاههم ويضطرون لدفع الرسوم وسحب الاستمارة، وهنا تتبخر الأحلام ويفيق الكل من غفوة الخيال عندما يعلمون أن هذه المكاتب ما هي إلا طريقة نصب جديدة.
وتابع قائلاً: (وإذا كان من السهل تعامل الجهات الأمنية مع مثل هذه المكاتب فمن الصعب تعاملها مع مواقع الإنترنت بسبب الصعوبات الرقابية وعدم توافر تشريعات تبيح تتبع التكنولوجيا الحديثة ومردوداتها السلبية).
وقبل أن ينهي كلامه أوضح (إسماعيل) أن بعض الجهات الأهلية التي تعمل في تقديم الخدمات الخيرية للشباب، وتسهم في حل قضايا المجتمع لا يمكن وصفها بمكاتب بيع الوهم لأنها تهدف لتقديم خدمة نبيلة للمجتمع، وبالتالي يجب أن تلقى كل الدعم المادي والقانوني والأمني وأن يتكاتف معها الجميع في سبيل نشر رسالتها.
ووسط هذه الآراء المتناقضة كان علينا الاحتكام للرأي العلمي في هذه الظاهرة من (د. سهير لطفي) أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ورئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية سابقاً التي رأت أن هذه الفكرة قد تعني إيجاد حل للعديد من المشكلات الاقتصادية، بتلاقي الطبقات من أغنياء وفقراء، وحل المشاكل الاجتماعية بالقضاء على العنوسة خصوصاً أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية هي التي أفرزت تلك الأساليب والوسائل الجديدة، وعلاج ذلك الأمر يتطلب عقولاً راجحة تبحث عن معايير ولا تهدف لمصالح شخصية فقط.
لغز الاختيار
وأضافت أنه في الماضي كان الزواج يتم عن طريق التعارف بين العائلات أو حتى بشكل داخلي داخل العائلة الواحدة، إلا أن التغيرات الراهنة جعلت الفردية تحل محل العائلة وتمتد ليكون الفرد أمام لغز اختيار الزوجة وكذلك حيرة الشابة من كابوس العنوسة الذي يطاردها.. وبالتالي انحصرت فرصة الاختيار الصحيح في المجتمعات الحديثة، ولذلك فإن مكاتب الزيجات تسهل فرصة التعارف واللقاءات والأحاديث، ولو أصبحت المكاتب ذات مصداقية وشفافيةفإنها سوف تنجح في مهمتها، كما أن هذه التجربة ليست قاصرة على دولة معينة، لأنها ظهرت وتمتد من الشرق للغرب وفي البلدان النامية والمتقدمة، إلا أن الصورة تختلف باختلاف ثقافة الشعوب.
وأكدت على أهمية التمسك بالهدف الصحيح من هذه المكاتب وهو (بناء بيت) حتى لا تتحول إلى مافيا، وذلك بعد تفاهم وانسجام الطرفين وموافقتهما علىالمضي في المشروع، ووجود تكافؤ اجتماعي وثقافي واقتصادي، ولم تغفل (د.سهير) الدور الإعلامي من خلال مشاركة الصحف والمجلات التي تجعل الفكرة تتطور وتتسع دائرتها لتشمل طبقات واسعة، ويلزم للنجاح التأني والعمل بجد ودراية بأهمية الحفاظ علىالأسرار وعدم وجود فرصة للغش مع أسعار متدرجة حتى إتمام الزواج.