|
أيام لا تُنسى!!
|
أجمل أيامنا، هي تلك التي مضت ولن تعود لنا مرة أخرى..
وبين أكثرها قرباً إلى نفوسنا ما كان منها حافلاً بالأحداث المثيرة في سني طفولتنا..
وأهم ذكرياتنا عنها ومعايشتنا لها ما كان قد صاحبها من أجواء غير عادية وما رافقها من تميّز..
على أن استحضار المعلومات والذكريات عن قديمنا، إنما هو تذكير بتلك الأيام الجميلة.
***
إنها أيام لا تُنسى بحق..
ومواقف لن تتكرر مرة أخرى..
فقد كان في محطاتها ما فيها من تحدي الإنسان لكل مظاهر حياته الصعبة والقاسية وربما المريرة، وبقدرته تالياً على التغلّب عليها في ملعب التحديات.
***
إن أجمل في تلك الأيام تلك الذكريات الجميلة عنها..
وحديثنا المثير عن نمط بسيط كنا آنذاك نحياه في هذه الحياة..
حيث القرية بمبانيها وشوارعها ومجتمعها الصغير..
وحيث تواضع ومحدودية فرص مقومات متطلبات الحياة آنذاك..
***
ومع الطفرة الاقتصادية..
تغيَّر كل شيء..
وغابت معالم كثيرة من ذلك القديم المثير..
واختفت أشياء كثيرة مهمة وأثيرة في حياتنا الجديدة..
وانشغلنا عن كل ما كان يحرِّك إحساسنا بالفرح والسعادة في ذلك القديم الجميل..
وصرنا نتمتع بكل شيء جديد، إلا أننا لم نستطع مع كل هذا أن نستعيد من الماضي بريقه وضياءه وجماله الكثير.
***
سبب واحد يحول دون أن نعيش أجواء ذلك الماضي الجميل..
ويمنعنا من أن نحاكي في حياتنا المعاصرة، ما كان محل سعادتنا في الماضي المبكر من أعمارنا..
هذا السبب هو أننا ركبنا موجة التغيير دون أن نبقي شيئاً لحاضرنا مما هو جميل من ماضينا..
بمعنى أننا لم نزاوج بين القديم والحديث في أسلوب حياتنا، فجاء اهتمامنا بالجديد على حساب إهمال الماضي وتناسيه.
***
فكل مظاهر حياة الإنسان، في سكنه ومركبه وحيث يقيم في مدينة أو قرية لم تعد الآن ترتبط بشيء من ماضيه..
وكل طموحاته وتطلعاته ونمط معيشته وعلاقاته هي اليوم غيرها بالأمس، وهي الآن لن تكون مماثلة لما هو قادم من أيام.
***
معنى هذا أننا نتجه نحو عالم آخر، غير ذلك العالم الذي كان هو حلمنا الكبير في صغرنا..
إذ لا مقارنة بين عالم اليوم وبين ذلك العالم الذي كان يتميّز ببساطة أسلوب الحياة فيه، وحيث قناعة الناس بما كانوا عليه، وحيث لا يبدو المرء بعيداً في تفكيره وطموحاته بأكثر مما كان عليه.
***
إنها أيام رائعة بملذاتها وأنسها وتقارب الناس وحبهم بعضهم البعض وفيما بينهم..
ولن ننساها أبداً..
ولن يكون مكانها في ذاكرة معطوبة..
فهي أيام خالدة..
ومحفورة بذواكر قوية لدى كل منا..
وأجمل ما فيها أنها أصيلة، لم يمسها التغريب في العادات أو السلوك..
وهي لهذا بقيت إلى اليوم متقدة في ذواكرنا، حتى وإن كان ذلك مع وقف التنفيذ، والامتناع عن ممارستها بمثل ما كنا نفعل في ذلك الماضي الجميل الذي لن يعود.
خالد المالك
|
|
|
العنوسة ..مأساة تتفاقم
|
*إعداد - وفاء الناصر:
البنت في المجتمع الشرقي لا تتزوج إلا عندما يتقدم لها ويطلبها العريس، وتملك هي أن توافق أو لا توافق فماذا لو لم يصل هذا العريس؟
إن البنت ما ان تصل إلى سن الخامسة عشرة حتى تبدأ الأسرة في البحث لها عن ابن الحلال، ويظل جميع أفراد العائلة في حالة ترقب وانتظار إلى أن يصل هذا العريس وتتمزق العائلة نفسياً تحت وطأة القلق، مع كل يوم يمر، دون أن يصل ذلك الرجل الذي ينتظره الجميع وأولهم الأب والأم، قبل الفتاة نفسها التي يريدون لها (الستر) قبل فوات الأوان.
ومع كل يوم يزيد فيه عمر البنت تتفاقم المشكلة حيث تتحطم الاعصاب ويطول الانتظار ويتحول الفرح المنتظر إلى مشكلة ثم تصبح المشكلة أزمة ثم تنفجر الأزمة لتتحول إلى مأساة.
وهنا تنشأ دراما فاجعة خلف الأبواب المغلقة والنفوس الحائرة، وقديماً كانت (الخاطبة) تقوم بدور معتبر في هذه القضية.. وفي تاريخنا كان الرجل يخطب لابنته ويطلب لها زوجاً في المسجد وفي صلاة الجماعة وفي القرآن عرض نبي الله شعيب إحدى ابنتيه على سيدنا موسى للزواج منها، وكان العرب يطلبون أزواجاً لبناتهم على الملأ، ولكن تغير الوضع تماماً في العصر الحديث لأن كرامة الأسرة وكبرياء البنت وعوامل الحياء الاجتماعي والخوف من كلام الناس يمنع الأسرة الشرقية من الإفصاح عن المشكلة التي تعربد في العقول والقلوب.
والنتيجة ملايين من العانسات في الدول العربية إلى أن أضحت مشكلة اجتماعية متفاقمة في الخليج كما المغرب العربي، ومن المؤكد أن هناك عوامل جديدة تضفي من الدراما على هذه الأزمة، والسؤال الآن: ما هي أسباب العنوسة وما هي نتائجها وما هي آثارها على المجتمع؟ التحقيق التالي يجيب عن هذا السؤال؟
الأسباب
كما أن لكل ظواهر الحياة أسباباً كذلك للعنوسة أيضاً أسبابها الكثيرة، وما نراه الآن من تردد وامتناع عن إنشاء أسرة له في نظر بعضهم مبرراته، ومنها أن لكل إنسان الحق في اختيار الطريق الذي يناسب شخصيته في خدمة المجتمع أو في شكل رحلة العمر، ولهذا القرار الجريء الذي يتخذه سواء بالبقاء حرا دون قيد أسري أو بالزواج أسبابه، ومن أسباب العنوسة المباشرة والواضحة.
1 - الوضع الاقتصادي الذي يتضمن في جملة ما يتضمن غلاء البيوت سواء كانت مستأجرة أم مملوكة، وما يرافق ذلك من ضعف دور الجمعيات التعاونية - هذا بالنسبة للبيوت، وعن الوضع الاقتصادي نستطيع التوسع في صفحات لأنها لا تمس في طريقها السكن حصراً بل أثاث المنزل كاملاً، مما يقودنا إلى تكاليف الزواج والمهر وتكاليف حفلة العرس والجهاز الخ.. إن هذه الالتزامات أدت إلى تقليل فرص الزواج لعدم قدرة العريس على القيام بكل هذه الأعباء.. وهنا نلفت النظر إلى ظاهرة حديثة بدأت بالانتشار في مناطق عدة في العالم وأعني ظاهرة الأعراس الجماعية وما يمكن أن توفره على العرسان من تكاليف باهظة.
2 - هجرة الشباب وتتضمن:
أ - هجرة الشباب للعمل خارج البلاد بسبب ضعف فرص العمل وقلة المداخيل، فالكثير من الشباب مسؤول ليس فقط عن نفسه بل أيضاً عن والديه.
ب - هجرة الشباب الذين يسافرون من أجل الدراسة ويتزوجون من أجنبيات ويستقرون في بلاد الغربة، ولعل أحد أسباب زواجهم من أجنبيات هو رخص تكاليف الزواج.
3 - شاء الله ازدياد نسبة الإناث عموما على الذكور، وهذا الخلل نلحظه في البلدان المتقدمة أكثر منه في البلدان النامية، وهذا قد يكون لحكمة ربانية، ربما لتخفف الطبيعة من غليان الذكور وتوتر العالم العسكري والسياسي.
4 - لعل من أهم أسباب العنوسة التفاوت الاجتماعي والثقافي حيث غالبا ما يرفض الأهل الزواج بسبب الوضع الطبقي والاجتماعي لأحد الطرفين لأنه (غير مناسب للطرف الآخر) بغض النظر عن الملاءمة الفكرية أو العلاقة العاطفية التي قد تربطهما، ويأتي هنا دور الأهل التقليدي في منع هذا الزواج بحجة (عدم التكافؤ).
5 - العنوسة ليست دائماً عنوسة قسرية، بل هناك أيضاً عنوسة اختيارية بمعنى أن اختيارها يتم بمطلق الإرادة وبكامل التصميم، ربما يكون ذلك لعدم الرغبة في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال وهذا ينطبق على الجنسين - أو قد يكون لأسباب نفسية كتجربة تعرض لها أحد الطرفين وأدت إلى اتخاذ هذا الموقف (مثلاً: قصص الحب الفاشلة، أو خيانة أحد الطرفين أو الموت).
النتائج
لو بحثنا نتائج العنوسة في الغرب وفي الشرق لوجدنا أن بعض هذه النتائج مشترك وبعضها مختلف.
- فمن أهم نتائجها المشتركة بين الشرق والغرب باعتراف الجميع، شعور الوحدة الذي يصيب العانس ذكراً أو أنثى - هذا الشعور الذي يمكن تعويضه نسبياً بالكثير من العلاقات الاجتماعية والصداقات، لكن يبقى واقع أنه لا شريك يقف مع الآخر في لحظات الفرح والحزن من أكبر النتائج السلبية للعنوسة وخاصة بالنسبة لنا، فنحن كما هو معروف من الشعوب الاجتماعية والمحبة للآخر وأصحاب لهفة قد تصل إلى درجة المبالغة في التدخل في حياة الآخرين.
- والنتيجة الثانية للعنوسة بالنسبة للذكور، في بلادنا تحديداً هي عدم استمرار اسم العائلة ونسبها الى أجيال قادمة مما يجعلها غير مستحبة كما أن العانس غالباً ما تواجه بالانتقاد أو تدفع لانتقاد ذاتها لكثرة التعليقات التي توجه لها بسبب كونها (غير شاطرة) لأن غيرها من البنات فزن بالعريس، بينما فشلت هي في ذلك!
- ومن النتائج السلبية للعنوسة كبت مشاعر الأمومة عند الفتاة العانس.
اجتماعياً
العنوسة في الأساس ظاهرة اجتماعية وهي انعكاس مباشر للوضع الاقتصادي السائد، وارتفاع معدلات العنوسة عند الذكور والإناث مرتبط بالوضع الاقتصادي والتطور التعليمي والثقافي والدراسي وتحديد السن المناسب للزواج والظروف الخاصة التي تسهل الزواج أو تعرقله مرتبطة بالمجتمع وتتغير مع التغيرات المرتبطة بالتعليم والعمل والمهور وغير ذلك. ونلاحظ في هذا الخصوص ما يلي:
1 - نسبة العنوسة عند النساء أعلى من نسبتها عند الرجال، ونتساءل عن السبب الذي يدفع بالمرأة لأن تضحي بأمومتها ولا ترضى بالزواج من أي من كان: هل السبب لأن المرأة أكثر قدرة من الرجل على العيش مستقلة ووحيدة؟ أم هي أكثر قدرة منه على مجابهة المجتمع؟
2 - لو أخذنا شريحة من النساء غير المتزوجات لوجدنا أن أكثريتهن متعلمات أو عاملات ومن شريحة اجتماعية متوسطة أو أعلى أي أنهن يتمتعن بوضع مادي جيد ولسن عبئاً على أحد من الأهل والأخوة، مما يعني أن مشكلة العنوسة غير مطروحة كمشكلة عند الفقراء إنما هي مشكلة الطبقات الوسطى والعليا من المجتمع، مشكلة المرأة المتعلمة والقادرة نسبياً على شكل من أشكال الاستقلال المادي.
3 - نلاحظ أن العنوسة كظاهرة اجتماعية تتطور مع ازدياد الوعي وليس أدل على ذلك من ارتفاع سن الزواج.
ودينياً
لم تتطرق الأديان السماوية إلى العنوسة بشكل مباشر ولكنها جميعاً حثت على الزواج وعلى تشكيل الأسرة وإنجاب الأولاد، ففي الديانة الإسلامية تشجيع واضح على الزواج والإنجاب كقوله تعالى {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} البقرة (187) ، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زوجها ليسكن إِلَيْهَا} الأعراف(189)، ومن الأحاديث النبوية التي حثت بإصرار على الزواج: (تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم) وأيضاً: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) والباءة تعني النكاح أو الزواج.
مفاد هذا كله أن موقف الإسلام واضح جداً فيما يتعلق بالتشجيع على الزواج والإنجاب.
العنوسة في الدول العربية
تعتقد الفتاة العربية أن حظها في الزواج قد تعثر ففي حين كانت جدتها وأمها تتزوجان في سن مبكر وكانت لديها الفرص المتاحة للاختيار تجد نفسها في وضع مختلف اختلافاً كلياً.. ولا داعي لكثرة الشروط التي تنفر من الزواج، وتطالب الفتاة وسائل الإعلام بتوعية أولياء الأمور وحثهم على التساهل وتزويج من يتقدم لهم طالباً يد الفتاة التي لا تمانع اليوم في قبول من يرغب فيها زوجة.. كما أن الفتاة العربية لا تمانع أيضاً في تعدد الزوجات الذي يحل مشكلة العنوسة إلى حد ما ولديها اعتقاد بأن انتظار الفتاة الطويل قد يتحول إلى كابوس ورد فعل يسبب لها الكثير من المشكلات.
وعلى الرغم من شكوى الشباب من غلاء المهور إلا أن اهتمام الشباب بالزواج كان أقل بكثير من اهتمام الفتاة التي جعلته مشكلتها الأولى، والمحور الأساسي في حياتها وأن شكوكها في فوات القطار أصبحت تزداد حتى ان الشك يراودها ويجعلها تفكر بجدية حول مرور هذا القطار من أمامها دون اللحاق به، وتظل حبيسة شبح العنوسة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|