|
مع سلطان في طوكيو.. وعودة إلى الذاكرة القديمة
|
أكتب هذه الكلمة من طوكيو، إحدى أهم عواصم العالم، مرافقاً لسلطان بن عبدالعزيز مع زملائي رؤساء التحرير خلال زيارته لها، وبين زيارتي الأولى للامبراطورية اليابانية وهذه الزيارة وهي الثانية لي يكون قد مضى أكثر من ثلاثين عاماً، هي المسافة الزمنية الطويلة التي تفصل بين الزيارتين.
والأمير سلطان وجه مألوف، واسم معروف، وشخصية لامعة في اليابان، كما هو في مختلف دول العالم، وإذ يزور اليابان بعد أكثر من أربعين عاماً على زيارته الأولى كأول مسؤول سعودي يزور هذا العملاق الاقتصادي الكبير، ممثلاً لبلاده ملكاً وحكومة وشعباً، فإنما يظهر للعالم بكلمته ومباحثاته الوجه المشرق لبلادنا.
***
لقد أتاحت هذه الزيارة الأميرية لي كما أتاحت لغيري من مرافقي سموه الفرصة لمزيد من التأمل والاستمتاع في التعرف على هذه القطعة الجميلة من الأرض التي أهدت إلى العالم أهم الصناعات والابتكارات الخدماتية في مرحلة انشغلت دول أخرى بالتسابق على الصناعات المدمرة للعالم.
إذ إن هذه الأرض تجمع بين جمال الطبيعة الخلابة، وجمال ما أوجدته الأيدي اليابانية والعقل الياباني والإرادة اليابانية من صناعات وابتكارات متطورة لخدمة الأمم والشعوب على امتداد العالم، وكأن الإنسان الياباني إنما أراد بما قام به أن يظهر للعالم بأنه سيبقى سيد نفسه حتى ولو ألقيت قنابل ذرية أخرى على بلاده بمثل ما حدث خلال الحرب العالمية.
***
وإذ يسعدني أن أزور اليابان مرافقاً لسمو الأمير، فلا يمكن لي إلاّ أن تكون هذه الزيارة فاتحة لاستعادة شريط الذكريات عن الزيارة الأولى التي قمت بها إلى طوكيو في رحلة تزامنت مع الكثير مما سأوجز الحديث عنه بعد كل هذه السنوات التي مضت منذ قيامي بها.
على أن حديثي عن زيارة سمو الأمير ستأتي بعد الانتهاء من جولته لكل من اليابان وسنغافورا وباكستان، حيث سيكون الكلام عنها تحليلاً واستعراضاً وقراءة سريعة وموجزة لما جرى وتم في كل محطات الزيارة، عوضاً عن الحديث مباشرة عن الزيارة لكل بلد خلال قيام ولي العهد بالزيارة لها.
***
فقبل أكثر من ثلاثين عاماً وتحديداً في العام 1973م - كانت الحرب العربية الإسرائيلية المسماة بحرب أكتوبر قد انتهت بالنتائج التي يعرفها الجميع، لكن نشوة الانتصار العربي على محدوديته لم تدم طويلاً، فقد أفضى ذلك مع (شديد الأسف) إلى انتكاسات كبيرة تمثلت بزيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات للقدس المحتلة واعترافه بإسرائيل في سابقة تاريخية حيدت أكبر قوة عربية في الصراع مع إسرائيل، وشجعت دولاً عربية أخرى على المضي بإقامة علاقات دبلوماسية معها، بما قوض أي فرصة كانت ستتاح للسلام الحقيقي والعادل بين العرب وإسرائيل.
ومثلما هو معروف، فقد كان البترول السعودي هو اللاعب الكبير والمؤثر في تلك المعركة، فقد أخذت المملكة قرارها التاريخي آنذاك بإيقاف ضخ نفطها إلى الدول المؤيدة أو الداعمة لإسرائيل أثناء معركة تحرير الأرض العربية المحتلة في خطوة عُدَّت بما كان عليه الموقف يومها واحدة من أهم عناصر الصمود العربي في وجه القوة الإسرائيلية الغاشمة، لتحذو الدول العربية المنتجة للنفط حذو المملكة في موقفها من الحرب.
***
وما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى تسارعت الدول الكبرى بقياداتها ووفودها لخطب ودِّ المملكة بجولات مكوكية من الزيارات والمباحثات الرسمية، بهدف معالجة هذا التأزُّم في العلاقات الثنائية وتصحيح مسارها، وكانت من بين هذه الدول اليابان التي مسَّ القرار اقتصادها بسبب إيقاف ضخ البترول السعودي عنها، وعدم وجود البديل الذي يغطي الفراغ لتشغيل مصانعها التي توقف بعضها، ويوشك البعض الآخر أن يتوقف عن العمل.
فقد أسرع نائب رئيس الوزراء الأسبق السيد ميكي إلى زيارة المملكة، مؤملاً ومتطلعاً إلى استئناف تصدير البترول إلى بلاده، شارحاً للقيادة السعودية وللمسؤولين في مختلف تدرجهم بالمناصب والمسؤوليات موقف اليابان من الحرب وعلاقاتها بإسرائيل.
***
أتيح لي خلال زيارة نائب رئيس الوزراء الياباني للرياض أن التقيته وأن استمع إليه يتحدث عن ظروف اليابان وموقفها من الحرب، معللاً ومبرراً بما اعتقد بأن كلامه يسمح بقبول الاعتذار وفتح صفحة جديدة من العلاقات السعودية اليابانية.
انتهى لقائي بالسيد ميكي، لكن الحديث معه لم يكن قد انتهى بعد، أو هكذا فهمت، إذ إنه دعاني إلى زيارة اليابان، فكان ما كان، إذ بهرني ما رأيت من تطور ونهضة وهندسة عمرانية وتخطيط في جميع المدن اليابانية التي زرتها.
***
وقد استغرقت الزيارة قرابة أسبوعين، زرت خلالها بعض معالمها، وتعرفت على جزء من تاريخها، وملأت عيني بملامح ومشاهد منها.
كما تذوقت طعم مأكولاتها، وأنواعاً من فواكهها، وبعضاً من مشروباتها، وزرت مصانعها وشركاتها الكبرى ودور الصحف فيها، ووقفت على متاحفها، وعلى معالمها وآثارها.
***
وفي زيارتي إلى هيروشيما تحديداً، زرت المتحف الذي يؤرخ لمعالم وآثار القنبلة الذرية التي شوهت المدينة، وتركت أخاديد في وجوه وأجسام من نجا وبقي على قيد الحياة من أهلها.
ولازالت صورة ذلك المتحف الذي ضم وأحاط من خلال الصورة والكلمة بكل ما له علاقة أو صلة بهذه الجريمة ماثلة في ذهني، فقد كانت جريمة بحق، وعملاً جباناً وتصرفاً لا إنسانياً تتحمل وزره ومسؤوليته الولايات المتحدة الأمريكية.
خالد المالك
|
|
|
الصرد .. عصفور مفترِس ويُفتَرَس
|
يطلق اسم «الصرد» أو «الدقناش» على فئة من العصافير التي تتبع العائلة الدقناشية وتتميز طيور هذه العائلة بأنها تتلون باللون الأبيض والرمادي والأسود وأحيانا البني. تنتشر طيور الصرد الحقيقية في كل قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا. ومعظم الأجناس تسكن المناطق المفتوحة المتميزة بوجود الأعشاب الصغيرة وبعض الأشجار والشجيرات.
وتتميز هذه الطيور بقصر منقارها المعقوف، الذي يشبه منقار الصقر، وحدته وقوته. وهي طيور قوية الترحال، إذ أن بعضها يقطع مسافات طويلة، قد تصل إلى 000ر20 كيلومتر في رحلة هجرتها كل عام.
حديثنا هنا عن أحد أهم أنواع هذه العائلة، وهو عصفور الصرد الرمادي الكبير وسمي الكبير لوجود نوع آخر يشبهه إلا أنه أصغر حجما، ويختلف عنه باللون الوردي في الأجزاء السفلية وبذنبه القصير المتدرج، ويسمى عصفور الصرد الرمادي الصغير يتميز عصفور الصرد الكبير بأن كلا من القفا والظهر رمادي اللون، ويوجد خط أسود عريض على الوجه يبدأ من قاعدة المنقار وينتهي خلف العين. الجناح أسود وعليه بقع بيض، والذيل أسود بحواش بيض. الأجزاء السفلية بيض رمادية، والمنقار والأرجل سود اللون. لون قزحية العين بني داكن. الذكر والأنثى متشابهان، وإن كان الذكر يبدو أكبر حجما من الأنثى قليلا. وجاء في بعض الكتب أن اللون الأبيض في الأجنحة والذيل أقل في الأنثى عما هو عليه في الذكر. وهو طائر ذو طيران بطئ متموج، ويكون في طيرانه قريبا من سطح الأرض.
يلعب دوراً هاماً
في توازن البيئة بتغذيته
يتغذى طائر الصرد على الحشرات الكبيرة والخنافس والثدييات الصغيرة والزواحف والطيور. ويتبع استراتيجية خاصة في التغذية إذ يقف منتظرا فرائسه فوق منطقة عالية، مثل شجرة مثلا، ومتى ظهرت الفريسة انقض عليها سواء أكانت تطير في الجو، مثل الحشرات الطائرة من اليعاسيب وغيرها، أم كانت تمشي على الأرض، وقد شبهت طريقة طيرانه بطيران بعض الطيور الجوارح الكبيرة مثل صقر العوسق (صقر الجراد) أو الباشق ، ويقوم طائر الصرد بتقطيع فريسته وأكلها في الحال، أما إذا كانت الفريسة كبيرة فإنه يحملها بواسطة مخالبه إلى منطقة أخرى حيث يمزقها ويأكلها. وقد شوهد الصرد يقوم بنزع إبر اللسع من النحل والزنابير. وقد يقوم بالطيران والهبوط عدة مرات على فريسته ويضربها وينقرها بشدة حتى تخور قواها وتموت.
وقد شوهد وهو يطارد الخفاش في الهواء، كما شوهد وهو يهاجم طيورا أكبر منه حجما مثل الهدهد. البلشون الصغير، الحجل، السمان، القطا، والقنابر وغيرها من الطيور الصغيرة، إلى جانب أنواع الحشرات مثل الجراد، أسد النمل، الصراصير، البق، الفراشات، الذباب، الخنافس ويرقاتها، القوارض الصغيرة كالفئران والحرذان، وبعض الزواحف، كالثعابين والبرمائيات، والأسماك وغيرها. وأحيانا يقتات الصرد على الجيف، كما أنه شوهد وهو يلتقط القراد من ظهر الجمال. وتظهر مقدرته وبراعته في استخدامه للحيلة لصيد فريسته، وذلك عندما يقوم بإصدار أصوات ونغمات مختلفة، بهدف جذب الفريسة إليه، ليسهل عليه الانقضاض عليها وقنصها، وكثيرا ما تشاهد بقايا طعامه من حشرات وسحالي وغيرها، وهي معلقة على فروع الأشجار تمسكها الأشواك التي تبرز من هذه الفروع.
من الطيور المقيمة في محمية محازة الصيد كما يأتي مهاجراً
شوهدت أعشاش عصفور الصرد في محمية محازة الصيد، وهي إحدى المحميات الطبيعية التي تتبع الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وتقع على طريق الرياض/ الطائف السريع بالقرب من الطائف، وتجرى فيها برامج إعادة توطين بعض أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، مثل المها العربي وظبي الريم وطائر الحبارى والنعام.
يعتبر عصفور الصرد الكبير، أو ما يعرف «بالزريطي» حسب التسمية الشائعة له في المناطق المحيطة بالمحمية، أحد الطيور المستوطنة داخل المحمية، وكثيرا ما يشاهد بالقرب من موقع الأنشطة البشرية التي تجرى داخل المحمية مثل مركز الجوالين، وقد يعود ذلك إلى توافر الغذاء في تلك المواقع، خاصة من العصافير والقنابر الصحراوية التي تعشش بالقرب من مركز الجوالين.
يعيش عصفور الصرد الكبير في أفراد خارج موسم التفريخ، حيث يشاهد وحيدا عادة في أماكن مختلف بالمحمية. يبدأ موسم التزاوج وبناء الأعشاش تقريبا من منتصف شهر فبراير ويمتد حتى شهر يونيو، وهي فترة مناسبة للتزاوج وبناء الأعشاش ووضع البيض في المحمية، حيث يكون الجو غالبا معتدلا، والأرض مخضرة بعد هطول الأمطار في شهري فبراير ومارس، وبالتالي يتوافر غذاؤه، خصوصا من الحشرات التي تمثل نسبة كبيرة من غذاء الطيور بالمحمية.
يبني عصفور الصرد الكبير أعشاشه غالبا في أشجار السمر، وهو نوع الشجر السائد في المحمية، وتكون الأعشاش داخل المجموع الخضري للأشجار، في مواضع يصعب الوصول إليها من قبل أعدائه الطبيعية، حيث أن أشواك السمر تقف عائقا قويا ضد أي معتدٍ. وتعتبر مهمة العثور على هذه الأعشاش صعبة، خاصة للذين ليست لهم خبرة في البحث عن أعشاش الطيور الصحراوية، ومنها عصفور الصرد الكبير، وذلك بسبب الكثافة الشجرية العالية بالمحمية، بعد أن خضعت لسنوات طويلة من الحماية، ومُنِع فيها الرعي مما أعطى فرصة للنباتات والأشجار أن تنمو بشكل كبير واضح، مقارنة بما هو موجود خارج المحمية.
يشترك الزوجان في بناء العش، الذي يتكون في مجمله من فروع وأغصان نباتية صغيرة، وقد يبطن العش بقليل من الصوف أو القطن، وتضع الأنثى عدة بيضات في العش قد يصل عددها إلى ست بيضات، وهو أكبر عدد وجد في أعشاش الصرد الكبير داخل المحمية. يأخذ وضع البيض من يومين إلى ثلاثة أيام، ويبدو البيض بلون رمادي أبيض، وتوجد على الجانب العريض للبيضة بقع صغيرة وكبيرة ذات لون بني أو أخضر مزرق (زيتوني). تقوم الأنثى غالبا بحضن البيض الذي يستمر من 14 إلى 17 يوما، ويقوم الذكر بتغذية الأنثى خلال تلك الفترة، سواء أكانت في العش أم خارجه، فقد لوحظ وجود طير بالغ واحد فقط في العش يقوم بحضن البيض.
بعد انتهاء فترة الحضانه، يفقس البيض تدريجيا خلال فترة قد تستمر من ثلاثة إلى أربعة أيام حتى يكتمل الفقس، وليس بالضرورة أن يفقس البيض كله فقد يبقى بعض البيض في بعض الأعشاش دون فقس، حتى بعد انتهاء فترة الحضن، وتخرج الفراخ عميًا عريانة الجسم أي بدون ريش، ذات لون جسم فاتح، وبعد مضي بعض الوقت تفتح الفراخ عيونها، وينمو ريشها، ويميل لون جسمها نحو السواد. يهتم الأبوان خلال هذه الفترة بالصغار من ناحية التغذية والحماية. وتبقى قريبة من العش، وإذا ما اقترب أي دخيل قام الأبوان بالصياح وإصدار أصوات مزعجة لطرد الدخيل، وتحذير الفراخ التي تنعدم لديها القدرة على الدفاع عن نفسها خلال تلك الفترة.
تنمو صغار الصرد بسرعة، ويلاحظ أحيانا وجود فرق في حجم الصغار عند مشاهدتها في العش، ربما يعود إلى المنافسة التي تحصل بينها عند الحصول على الغذاء أو بسبب أن الفراخ الكبيرة الحجم هي التي خرجت أولا من البيض. وبعد حوالي أسبوعين من عمرها تترك الفراخ العش عند اقترابنا منه، هاربة إلى بقية فروع الشجرة التي عليها العش، وبعد مرور عدة أيام أخرى يتنقل الصغار مع الآباء إلى أشجار أخرى قريبة من الشجرة التي بها العش، حيث يتم في هذه المرحلة تدريبها على الطيران، ومتابعتها من قبل الأبوين وقد تمتد هذه الفترة لأكثر من 20 يوما حتى تعتمد الصغار على نفسها في الحصول على الغذاء، ويمكن ملاحظة أفراد العائلة جميعا عند تنقلها بين الأشجار، حيث يسهل تمييز الصغار من الكبار عن طريق وجود اختلاف بسيط في اللون الأسود، الذي يكون أقل في الصغار، وكذلك عن طريق الصوت، حيث يختلف صوت الصغار عن الكبار عند طلبها الطعام من الآباء.
عصفور مفترس ويفترس من غيره
تتعرض أعشاش عصفور الصرد الكبير، وأعشاش طيور أخرى، إلى ظاهرة الافتراس من قبل بعض الطيور الجوارح داخل المحمية، خاصة تلك التي تزور المحمية خلال رحلة هجرتها، ومرورها فوق المحمية لاسيما خلال شهري فبراير ومارس، مثل طائر الباشق أو المرزة، وهو نوع من الصقور يقوم بالطيران المنخفض فوق الأشجار في بحث دقيق عن أي أعشاش لطيور يفترسها داخل المحمية. وقد شوهد هذا الطائر، وهو ينقض بصورة سريعة على أحد فراخ الصرد، ويقوم بتمزيقه وأكله كاملا خلال دقائق. ويبدو أن الغراب أيضا هو أحد الطيور المعتدية على بيض الصرد.
وتقل فرصة بقاء صغار طيور الصرد في العش حتى بلوغها سن النضج، خصوصا إذا كان عددها كبيرا، مثل ستة فراخ، حيث يضيق بها العش، وهذا ما شوهد في أغلب الأعشاش، التي تضم عادة ما بين ثلاثة وأربعة فراخ، تبقى حتى البلوغ قبل مغادرة العش.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|