|
مجلة الجزيرة بعد إجازتها
|
أسبوعان كاملان احتجبت خلالهما «مجلة الجزيرة» عن مصافحتكم..
وغابت إطلالتها الجميلة عن أعينكم..
وظلَّت لعددين كاملين مختفية عن أنظاركم..
بعيدة عن تناولكم لها..
كما لو أنها تريد من إجازتها أن تتعرَّف على ردود الفعل عند قرائها..
وأن تقيس مدى رضاكم على المستوى الذي تصدر فيه وتقدم به مادتها الصحفية الأسبوعية لكم..
بأمل أن يسعفها ذلك نحو التقدم خطوات أخرى إلى مزيد من النجاح والإبداع.
***
كانت إجازة لها ولكم..
ولأسرة التحرير وطاقم الفنيين فيها..
وهي بمثابة فرصة للمراجعة والتأكد من أن الزملاء يقدمون أو لا يقدمون عملاً يليق بمستوى طموحاتهم وقناعاتكم..
وما من أحد بالتأكيد يملك الحق بأن يدَّعي أنه يقدم عملاً متكاملاً وجديراً بكل الاحتفاء..
لكن من المؤكد أن هناك من يسعى لتحقيق مثل هذا الهدف..
وهذا هو هاجس كوكبة العاملين في هذه المجلة.
***
أريد أن أسألكم..
عن أمور ربما تكون قد فاتت على الزملاء وعلي لكن من المؤكد أنها لم تغب عنكم..
عن اقتراحات وجيهة وجديرة بالاهتمام تهدونها لمجلتكم لتجسير نجاحاتها..
عن أي إضافات أخرى تعتقدون أن الأخذ بها يصب في مصلحة التحسن المطلوب لمثل هذه المجلة..
وهل من نقد موضوعي يدلنا على عيوبنا ويمكنكم أن تعطوه لنا بدلاً من احتفاظكم به لأنفسكم.
***
ها هي مجلة الجزيرة في عامها الثاني من عمر طويل إن شاء الله..
وأنتم كقراء رصيدها لبلوغ نجاحاتها المستقبلية الموعودة..
وبتفاعلكم يمكن للزملاء أن يختصروا الزمن للوصول إلى ما هو مخطط لها..
ومع كل نجاح سوف تحققه المجلة نعدكم باستثماره لتقديم نجاحات أخرى لإرضائكم..
ابقوا معنا ومع كل النجاحات الكبيرة التي حققتها المجلة في سنتها الأولى بانتظار ما هو أجمل وأروع، فالجزيرة تكفيك، أو كما قال عنها أحد الإخوة: الجزيرة تغنيك.
خالد المالك
|
|
|
أستاذ الجامعة الذي تحول إلى مخطط حرب «النبش» في دماغ بول وولفوفيتز !!
|
* إعداد أشرف البربري
لقد كانت لحظة كلاسيكية بالنسبة لبول وولفويتز فقد كان في مركز لحقوق المرأة أنشئ حديثا في العراق وفي مدينة الحلة على وجه التحديد وسأله أحد الحاضرين عن نصيحته بشأن كتابة الدستور العراقي الجديد. وهنا بدأ وولفويتز استاذ الجامعة الذي تحول إلى مخطط حرب في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) يستشهد بنظريات اليكس توكفيل عن الديموقراطية لسكان هذه المدينة القديمة على نهر الفرات.
وقال «هناك أناس في العالم يقولون ان العرب لا يستطيعون بناء ديموقراطية.
وأنا اعتقد أن هذا كلام فارغ، وأمامكم فرصة لتثبتوا أن هؤلاء الناس مخطئون.
من فضلكم أثبتوا هذا، هذا التفاعل أدرك عنصرا مفقودا في الكثير من التحليلات الخاصة بالصراع في العراق. فالمعلقون في أوروبا والعالم العربي يكتبون رؤية مظلمة للنوايا الامريكية بشأن البترول العراقي أو عن مؤامرة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني لمساعدة أصدقائه القدامى في شركة هاليبرتون أو مؤامرة لصالح إسرائيل، وربما كان مثل هذا الكلام جيدا لو أن الحرب انتهت إلى هذه النتائج ولكن هذا لم يحدث. ففي الواقع يمكن القول أن هذه الحرب هي أكثرالحروب مثالية في التاريخ الحديث. فهي حرب قامت على أساس معلومات مضللة عن وجود أسلحة دمار شامل وعلاقة مع تنظيم القاعدة وانتهت بالاطاحة بالطاغية صدام حسين واحتمالات إقامة نظام حكم ديموقراطي، فقد كانت حربا اختيارية بالنسبة لامريكا ولم تكن حربا حتمية، وكانت حربا مدفوعة بالافكار وليس بالمصالح.
في مثل هذا المشهد يصبح وولفويتز الشخص النموذجي المعبر عن هذه الحرب باعتباره نائب وزير الدفاع وكبير المثاليين في إدارة الرئيس بوش.
يقول الكاتب ديفيد اجناتيوس في مقال له نشرته صحيفة «هيرالد تريبيون»: لقد رافقت وولفويتز في زيارته الاخيرة للعراق والتي انتهت بالهجوم الصاروخي الذي استهدف فندق الرشيد في بغداد الذي كنا نقيم فيه، وبالنسبة لهؤلاء الامريكيين الذين كانوا يشاهدون الهجوم عبر شاشة التلفزيون يمكن أن يقتنعوا بان الموقف في العراق خطير وربما مميت، فنحن في العراق لمساعدتهم وهم يردون على ذلك بقصفنا بالصواريخ».
ولكن من وجهة نظر وولفويتز فإن هذا الهجوم لا يزيد عن السيارات المفخخة أو عمليات الاغتيال أو الكمائن التي ينصبها العراقيون ليسقط فيها الامريكيون وحلفاؤهم من العراقيين كل يوم.
المحرك الفكري
والاكثر أهمية بالنسبة لوولفويتز كان عشرات الامريكيين والعراقيين الذين التقى بهم والذين يضحون بحياتهم من أجل المهمة الامريكية والمثاليات التي يؤمن بها وولفويتز، ومن هذا المنظور فقد كانت الجولة العراقية بمثابة إعادة شحن للمحرك الفكري لوولفويتز.
ويتابع اجناتيوس قائلا : «أثناء عودتنا إلى واشنطن على متن طائرة طراز سي17 سألت وولفويتز عما إذا كان يشعر بأنه مثالي زيادة عن اللزوم، وإن كانت الاهداف النبيلة التي يؤمن بها يمكن أن تطغى على الاهداف الواقعية والعملية التي وضعها مخططو الحرب في العراق؟ لم يجب الرجل بطريقة مباشرة على السؤال ولكنه قال إنه سؤال جيد، وكانت نقطة بداية لبعض الانعكاسات على وولفويتز وحربه وسبعة شهور دامية في العراق بعد غزو القوات الامريكية للعراق.
وولفويتز «شخص» نادر الوجود في واشنطن. فهو ماكينة تفكير يتولى وظيفة كبرى لصنع السياسات. فقد كان وولفويتز عميد كلية نيتشة للدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز قبل أن يتولى منصبه الحالي في إدارة الرئيس بوش ويتمتع بعقلية غريبة تجعل منه مستمعا جيدا ومتحدثا جيدا أيضا. كما أنه الرجل الذي ظل قبل ذلك ولأكثر من عشر سنوات سفيرا لأمريكا في إندونيسيا حيث فتن بالعالم الاسلامي، وهذه الفتنة تناقض تماما الفكرة المعروفة عنه على مستوى العالم بأنه أداة لاسرائيل، والحقيقة أنه يمكن القول بأن الرجل «شرقي تنقصه الخبرة».
فقد قرأ كثيرا عن العرب وتألم لما يعانون من القمع ولاحلامهم في الحرية. وهو يتطلع إلى المفكرين العرب الذين يمكنهم أن يقدموا له النصيحة فيما يتعلق بالسياسة وهو يقول إنه يعارض المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة.
رومانسي من الخارج
قد يبدو وولفويتز من الخارج رومانسيا بالنسبة لرؤيته للعالم العربي ولكن هذا لا ينفي اهتمامه العقلي به. وقد كانت مثاليته فيما يتعلق بإمكانية تحقيق تغيير جذري في الشرق الاوسط واضحة جدا خلال رحلته الاخيرة إلى العراق. فعلى سبيل المثال قال للحشد المجتمع في مركز حقوق المرأة في مدينة الحلة أن الديموقراطية ليست مجرد انتخابات مضيفا ان الديموقراطية الحقة هي العدل.
وقال «في أمريكا أهم شيء في الديموقراطية هو ضمان حقوق الانسان والعدل للجميع».
وفي أجزاء أخرى من رحلته تحدث عن أهمية المحاكم والمؤسسات القانونية لأي مجتمع حر. وقد اتضح تأكيد وولفويتز على العدل من خلال الحوار الذي أجراه مع جميل مروي ناشر صحيفة «ديلي ستار» الانجليزية التي تصدر من بيروت. ففي خلال العشاء الذي امتد في واشنطن لمدة أربع ساعات قال مروي أنه إذا ركزت أمريكا على الامن فقط في العراق فلن يختلف الامر كثيرا عن باقي الانظمة العربية.
وأضاف مروي أن العنصر المفقود هو العدل. وبسبب تأثر وولفويتز بما قاله مروي فقد نظم للصحفي اللبناني لقاء مع كبار مساعديه، ويمكن القول بأن مروي كان أحد أكبر المؤثرين العرب في فكر وولفويتز.
العرب بعيون جلبي
لقد كان وولفويتز ينظر للعرب من خلال حليفه أحمد جلبي العراقي الذي عاش سنوات طويلة في المنفى وكان رئيسا للمؤتمر الوطني العراقي المعارض لصدام حسين في المنفى والمرتبط بعلاقات وثيقة بمؤسسات المحافظين الجدد في واشنطن.
والحقيقة أن جلبي ساعد في إقناع وولفويتز بأن الشعب العراقي يتطلع إلى التحرر وأنه سوف يلتف حول الغزو الامريكي. والحقيقة أيضا أن جلبي وجد آذانا صاغية لدى وولفويتز. فقد كان وولفويتز أثناء عمله مساعدا لوزير الدفاع في إدارة الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الاب يتبنى فكرة الاطاحة بالرئيسالعراقي صدام حسين بعد حرب تحرير الكويت عام 1991. وكان يعتقد في ذلك الوقت وطوال عقد التسعينيات أنه يمكن الاطاحة بصدام حسين من خلال تمرد عراقي ودون الحاجة إلى إرسال قوات أمريكية للعراق.
وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 قرر وولفويتز أن الانتظار أكثر من هذا على نظام حكم الرئيس العراقي خطر وبدأ يحث الادارة الامريكية على غزو العراق.
وتشهد العلاقة التي كانت وثيقة بين الادارة الامريكية وأحمد جلبي نوعا من الفتور حاليا بسبب عجز جلبي عن مسايرة الحاكم الامريكي للعراق بول بريمر.
لقد كان جلبي بارعا بالفعل في التستر على تراجع شعبيته في واشنطن. وقد قال لي أثناء حفل استقبال في بغداد «هل تعلم أن إديناور اعتقل في بريطانيا عام1945» في إشارة إلى مهندس إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية كونراد إديناور.
والحقيقة أن العراقيين الذين يحظون باهتمام وولفويتز الان هم القادة الذين يمكنهم تحمل مسئولية إقامة حكومة جديدة وتحقيق الامن.
وهنا مرة أخرى نجد أن رؤية وولفويتز تشكلت من خلال حواره مع أحد المفكرين العرب وهو غسان سلامة الاستاذ الجامعي اللبناني والوزير السابق الذي وضع الخطوط العامة لخطة نقل سريع للسيادة والسلطة إلى العراقيين عندما التقى مع وولفويتز في سبتمبر الماضي لمدة ساعتين.
وكان جدول أعمال زيارة وولفويتز في العراق يعكس هذه الاستراتيجية الجديدة بوضوح. فقد زار المسئول الامريكي مراكز الشرطة في بغداد والحلة وكركوك ومركز تدريب قوات الدفاع المدني العراقية في تكريت. وفي كل محطة من محطات هذه الزيارة كان يؤكد على ان العراقيين فقط هم القادرون على توفير الامن لبلادهم. وهذا حقيقي بالطبع لكنني أشك فعلا في مدى إيمان وولفويتز بان القوات العراقية الجديدة قادرة على تحمل عبء الامن في العراق بمفردها بسرعة.
المجندون العراقيون الجدد شجعان بالفعل ولكنهم لا يعادلون عناصر المقاومة العراقية. ومازال وولفويتز يشعر بالولاء لحلفائه العراقيين. هذا يساعدنا في فهم السبب وراء إصراره على ضرورة بقاء القوات الامريكية في العراق حتى تنتهي من مهمتها مهما كان الثمن الذي يدفعه الامريكيون. ففي كل مكان ذهب إليه بالعراق وجد من يذكره بالثمن الذي يدفعه العراقيون.
ففي اجتماع الحلة تحدث أحد الزعماء المحليين قائلا أنه فقد 34 فردا من أفراد عائلته أثناء الانتفاضة ضد نظام حكم صدام حسين عام 1991. ويحمل هذا الزعيم صورة شقيقه الاكبر الذي أعدمه صدام حسين حتى يذكر نفسه باستمرار في الهدف الذي يقاتل من أجله. وسأل وولفويتز الحاضرين عن عدد الذين فقدوا أقارب لهم على يد شرطة صدام حسين السرية، رفع حوالي نصف الحاضرين أيديهم بالموافقة، وبالقرب من كركوك توقف الرجل الثاني في البنتاجون في أحد المواقع التي تعرضت فيه القوات الامريكية لكمين من جانب المقاومة العراقية منذ أيام قليلة. واستمع هناك إلى قصة الملازم دافيد برنستين الذي كان الثامن على دفعته في كلية وسيتبوينت العسكرية المرموقة والذي قتل في هذا الكمين ليحمي أحد رجاله.
امتزاج الدماء بالمثاليات
والحقيقة أن رؤية وولفويتز للعراق متأثرة جدا بقصص هؤلاء الذين ماتوا من أجل الحرية في العراق. وهذه هي معضلة المفكرين والسياسيين. حيث تختلط الافكار المثالية مع الدماء التي تسيل في العراق من أجل تحقيق هذه المثاليات. وقد اكتشفت بالفعل أنه من المستحيل معارضة التحرك الامريكي للاطاحة بصدام حسين من المنظور الاخلاقي على الاقل. فأمريكا فعلت الصواب بتحرير العراق من الطاغية.
ولكن صدام حسين لم يكن يمثل تهديدا حاليا للامن القومي الامريكي بالفعل قبل الحرب كما كانت الادارة الامريكية تزعم. ويتحمل وولفويتز جانباً كبيراً من مسئولية المبالغة في تصوير الخطر الذي يمثله صدام حسين على الامن القومي الامريكي.
والان فإن التشكيك في أسباب الحرب قد يبدو شكلا من أشكال التفكير في الماضي. و أعتقد أن التخلي عن العراق الآن خطأ كبير. فمن غير المقبول أن نترك العراق لأن عدداً صغيراً من الناس يشنون حملة شرسة ضد القوات الامريكية من أجل عرقلة التغيير وإعادة البناء الذي يتطلع إليه أغلب العراقيين.
والحقيقة إن أحد الدروس التي نخرج بها من هذا العام الدامي هو مدى الخطورة التي تنطوي عليها تغليب النزعة الاخلاقية على الحنكة السياسية. يجب أن تتراجع قليلا مثاليات وولفويتز أمام الاحكام القاطعة عن كيفية حماية المصالح الامريكية.
قال الرجل الثاني في البنتاجون أثناء حوار له مع محرر في صحيفة «فانتي فير» أوائل العام الحالي أنه «سياسي مثالي» وأن هذا يعني بالنسبة له أن صناعة القرار ليست مجرد أن يجعل الامور تتم وتبدو معقولة. وقد يبدو هذا الكلام مقبولا من الناحية المبدئية ولكن من الناحية السياسية لا يمكن أن تتحقق أحلام المثاليين في الكمال سواء في العراق أو في أي مكان آخر.
والحقيقة أن مشكلة أمريكا في العراق ترجع إلى التفكير المتفائل أو الاماني التي فكر فيها وولفويتز ورجاله. لذلك على الرجل أن يتجنب المزيد من مثل هذا النوع من الامنيات.
ولعل أكثر ما أثار قلقي أثناء رحلتي مع وولفويتز في العراق، يختم اجناتيوس مقاله، كان عدم معرفة الكثيرين من الجنود الامريكيين لخصومهم في العراق. ففي مؤتمر صحفي تحدث فيه أحد القادة الامريكيين عمن يقود المقاومة العراقية قال الرجل «ليس لدينا المخابرات الكافية للقيام بهذا العمل أو للوصول إلى هذه المعلومات». والآن يجب على إدارة الرئيس الامريكي جورج بوش التفكير فيما يحدث بالعراق بمزيد من العقل وقليل من المشاعر. فالمثاليون يمكنهم أن يكسبوا الحرب الحالية ولكن إذا ما عملوا إلى جانب الواقعيين الشرفاء.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|