|
العراق الجريح..! |
لم نعد نتوقف كثيراً عند أحداث وحوادث العراق الدامية..
إلاَّ من حيث الألم الذي نشعر به نحو ما يعانيه الأشقاء هناك..
فأخبار العراق..
حيث القتلى والإصابات بين المواطنين..
والدمار الذي مس كل شبر من أراضيه..
مسلسل مكرَّر ومُعاد لصورة ما يجري هناك..
***
هل من بارقة أمل لإيقاف نزيف الدم؟..
ومن توقعات بأن لهذا الذي نراه ونسمعه نهاية سعيدة في زمن قريب؟..
هل آن الأوان للإبقاء على البقية الباقية من مقومات هذا الكيان الكبير؟..
ومن الاحتفاظ بتاريخه دون تشويه؟..
***
هذه بعض أسئلة..
أملتها الحالة المأساوية لشعب عظيم..
في ظل احتلال بغيض..
وممارسات طائشة من المستعمر ومن صاحب الأرض على حدٍّ سواء..
أطرحها بغيرة..
وبحب..
وبشيء من التمنيات أن تتغير الصورة إلى ما هو أحسن..
***
وبمرارة..
وأسًى..
أشعر أن الليل قد طال..
وأنه سيطول أكثر..
مع أوار حرب وعودة استعمار..
في مقابل خلافات بين أصحاب الحق..
ومؤامرات خارجية أبقت وتُبقي نار الفتنة بين الإخوة دائمة الاشتعال..
***
ويضيف ما نراه ونسمعه في أرض الرافدين..
من قتال غير مبرَّر واختلافات لا معنى لها..
المزيد من مرارة القهر والتهميش وسلب الحقوق..
وهو ما يجب أن يحرك الشعور بالمسؤولية في عقول ومشاعر شعب العراق..
بانتظار أن يعود العراق..
أبياً وقوياً وفاعلاً..
على الساحة العربية والدولية..
***
وإلى أن يُطلَّ ذلك الأمل على شعب العراق..
مشرقاً ومشعاً وممطراً بما يتمناه العراقيون..
وإلى أن يأتي ذلك اليوم يحمل للأشقاء ولنا سحب الخير والأخبار السارة..
سنحتفظ بما تبقَّى لدينا من أمل قليل حياً في عقولنا ومشاعرنا..
بانتظار أن نسمع قرع خطوات العدو وهو يحمل عصاه على كاهله ويرحل.
خالد المالك
|
|
|
هل تسهم عودتهم في تدعيم أسس السلام؟ السودانيون النازحون يبدأون (موسم الهجرة إلى الجنوب) ! |
* الخرطوم رومبيك إبراهام ماكلوجلين وميرا سيلفا(*)
عبر أحد السهول القاحلة شاسعة المساحة التي تحيط بالعاصمة السودانية الخرطوم حيث يملأ الغبار الأحمر الأفق، جلس (رميجو لادو) محدقاً يحلم بالعودة إلى مسقط رأسه، حيث يمكنه أن يحيا بين الأشجار وسلاسل التلال، بدلاً من الحياة في مكان كهذا يخلو من مظاهر الحياة. ويستطيع (لادو) هناك أيضاً زراعة أراض شديدة الخصوبة بدلاً من استجداء الطعام، كما أنه سيكون بمقدوره في هذه الحالة بناء منزل بالطوب الأحمر يؤويه هو وأطفاله الخمسة بدلاً من مواصلة الحياة في كوخ مصنوع من الورق المقوى كما هو الحال الآن.
أكثر من كل ذلك يكفي أنه سيتمكن في حالة عودته إلى مسقط رأسه من أن يرى ابتسامة أخيه التي غابت عنه منذ اثني عشر عاماً.
ويعد هذا الرجل الذي يقع مسقط رأسه في جنوب السودان تلك الأرض الموعودة التي تبعد سبعمائة ميل عن الخرطوم واحداً من بين ملايين السكان في الجنوب السوداني الذين نزحوا من ديارهم خلال سنوات الحرب الأهلية في البلاد التي تعد الأطول في إفريقيا على الإطلاق، والتي دارت رحاها بين القوات الجنوبية و القوات الموالية للحكومة في الشمال العربي المسلم.
وقد استؤنفت محادثات السلام بين الجانبين بعد توقف استمر بعض الوقت وتعد أبرز العقبات التي تواجه هذه المفاوضات هي الاتفاق على شكل الحكومة الانتقالية في البلاد، ومصير ثلاث مناطق متنازع عليها بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان تقع في وسط البلاد، إلى جانب التوصل إلى اتفاق حول ما إذا كان سيتم تطبيق الشريعة الإسلامية في العاصمة الخرطوم أم لا.
أكبر عملية نزوح
ووسط الآمال التي تنتاب الكثيرين حالياً إزاء إمكانية توصل الجانبين إلى اتفاق سلام، بدأ (لادو) وغيره من النازحين في إعداد العدة للعودة إلى المدن والبلدات التي أتوا منها في الجنوب، فيما قد يشكل أكبر عملية نزوح يشهدها التاريخ الحديث، حيث يتوقع أن يعود في إطارها نحو نصف مليون شخص خلال العام الحالي وحده، بل إن البعض من هؤلاء سيعودون سيراً على الأقدام حاملين ما استطاعوا من متاع.
وقد يساعد الشكل الذي ستتخذه عملية عودة هؤلاء الملايين إلى ديارهم على تحديد مستقبل السلام والاستقرار في أكبر البلدان الإفريقية من حيث المساحة، فإذا اتسمت عملية العودة هذه بالسلاسة والهدوء، فإن ذلك سيعزز السلام في السودان، أما إذا سادتها الفوضى فإن ذلك سيكون نذيراً بإمكانية اندلاع توترات جديدة.
وتواجهنا في هذا الشأن العديد من الأسئلة من قبيل: هل سيعامل العائدون باعتبارهم أوراقاً للعبة السياسية في يد الأطراف التي كانت تتصارع في السابق ؟ هل يستطيع هؤلاء تجنب الألغام المزروعة في كل مكان والعقبات الأخرى التي ستقابلهم في طريق رحلة العودة؟.
هل سيتم الترحيب بالعائدين من قبل أقربائهم الذين قد لا يكونون على استعداد لإعادة أراضيهم لهم مرة أخرى ؟.
وهل سيشعر هؤلاء العائدون بالضيق من الحياة مرة أخرى في ديارهم التي قد لا تتمتع بالطرق الممهدة والمدارس والمستشفيات خاصة بعد عقود من العيش في المدن ؟ ولا بد لنا هنا من التأكيد على أن الحياة في مناطق الجنوب السوداني لها طابع شديد البدائية، إلا أن شخصاً مثل (لادو) يقلل من أهمية كل هذه المخاوف قائلاً بكل بساطة: (موطني هناك).
معضلات العودة
تستعد منظمات الإغاثة حاليا لمواجهة احتمالات بدء عملية نزوح جماعي باتجاه الجنوب، فمنظمة الأمم المتحدة للطفولة المعروفة باسم (اليونيسيف) تسعى لجمع ما يقرب من 465 مليون دولار خلال العام الجاري لمساعدة العائدين إلى ديارهم في جنوب السودان.
وعلى الرغم من أن الجهات المانحة قد تعهدت بتقديم مساهماتها المالية فور التوصل إلى اتفاق سلام، إلا أن منظمات الإغاثة تؤكد أنها في حاجة ماسة إلى الأموال بشكل فوري، وذلك حسبما جاء على لسان (جويسون اديكوبا) الذي يعمل في إحدى منظمات الإغاثة بمدينة (رومبك)، حيث أشار إلى أن هذه المنظمات ستصبح مثقلة بالأعباء بمجرد توقيع مثل هذا الاتفاق، لأن النازحين سيأتون إليها على الفور طالبين العون والمساعدة وهو ما لن تستطيع تلك المنظمات الوفاء به دون الحصول على مساعدات كافية.
وبالرغم من أن التقديرات تشير إلى أن عدد السودانيين الذين نزحوا من ديارهم خلال العشرين عاماً الماضية بفعل الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص، إلا أنه لا توجد إحصاءات موثوق بها تعطي أرقاماً مؤكدة في هذا الصدد، كما أنه ليس معروفاً أيضا كم من هؤلاء النازحين توجه للإقامة في مكان آخر بداخل السودان، وكم منهم توجه إلى إحدى البلدان المجاورة. في الوقت نفسه توجد أعداد أخرى من السودانيين نزحت من ديارها جراء نزاع آخر منفصل تتصاعد حدته في إقليم دارفور الواقع في غربي البلاد، وقد بدأت الأمم المتحدة خلال هذا الأسبوع إرسال مساعدات غذائية عن طريق الجو لمئات الآلاف من اللاجئين الفارين من هذا النزاع والذين يعيشون حالياً في المناطق الحدودية بين السودان وتشاد.
وتشير منظمات الإغاثة الإنسانية إلى أن ما بين 400 ألف إلى 600 ألف لاجئ من أصل مليونين يعيشون بالقرب من الخرطوم قد يعودون على الفور إلى الجنوب حال توقيع اتفاق سلام .
سيراً على الأقدام
يوجد نصف مليون لاجئ سوداني، يعيشون في دول الجوار مثل كينيا وأوغندا وإثيوبيا، وقد بدأت رحلة العودة إلى الوطن بالنسبة للبعض من هؤلاء بالفعل.
ومن بين هؤلاء اللاجئين (سانتينو بوم) ذلك السوداني النحيف الخجول الذي بدأ رحلة عودته إلى وطنه بعد أن ترامت إلى مسامعه أنباء توقف القتال، حيث انطلقت رحلته من معسكر إثيوبي للاجئين عاش فيه طيلة ستة عشر عاماً.
وقد سار (بوم) على قدميه شهرين كاملين حتى وصل إلى مدينة (لير) التي شهدت في الماضي اشتباكات شديدة الضراوة في الماضي، ووجد لدى عودته والدته وأخته في معسكر قريب للإعاشة بعد أن قتل والده وأخوته الثلاثة بسبب الحرب.
ويقول بوم: عندما بدأت الحرب فقدت أسرتي في غمار حالة الفوضى التي سادت حينذاك، وطيلة هذه السنوات لم أكن أعلم ما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا.
وأضاف قائلا: بعد أن علمت أن هناك سلاماً قادماً أدركت أن عليّ العودة للبحث عنهم. ولا تعد هذه القصة فريدة من نوعها بل تتردد مثيلات لها في مختلف أنحاء الجنوب السوداني، فقد استقبل إقليم (بور) الذي تغمره الفيضانات عادة 30 ألف شخص عادوا إلى ديارهم خلال العام الماضي، ويتوقع المسؤولون أن تصل حصيلة هذا العام إلى 60 ألفا، وهو ما سيشكل زيادة كبيرة لعدد سكان الإقليم ، الذي لا يستطيع حتى توفير الغذاء والمياه النقية الكافيين لسكانه الحاليين البالغ عددهم 200 ألف شخص. وحتى هذه اللحظة قوبل العائدون إلى ديارهم في جنوب السودان بالترحاب من قبل أقاربهم وأصدقائهم، إذ إن النظام القبلي السائد في هذه المناطق يتميز بصرامته في مثل هذه الأمور حيث يجعل الأقارب يشعرون بالتزام تجاه العائدين من
رحلة النزوح الطويلة، إلا أن تزايد أعداد هؤلاء قد يتيح الفرصة لنشوب مشكلات وتوترات.
وقد كان للحرب الأهلية نتائج كارثية مدمرة على مناطق جنوب السودان فلا يوجد هناك هواتف أو طرق معبدة ولا كهرباء، حتى في المدن الكبرى مثل رومبيك وبور اللتين تبدوان كما لو كانتا من بين مدن الأشباح.
وفي مواجهة عدم وجود مباني مجهزة أقامت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الغربية خياماً وأكواخاً من الصفيح لاستخدامها كمستشفيات ومدارس، ولأن الحرب الأهلية الدائرة منذ عقدين من الزمان أدت إلى توقف الأنشطة الزراعية في تلك المناطق، قام برنامج الغذاء العالمي بتقديم معونات غذائية لقرابة 1.4 مليون سوداني يعيشون في الجنوب حيث لا يتمكن 75% من السكان من الحصول على مياه نظيفة.
ويقول (باول ماشوي مالوك) المسؤول عن مدينة (رومبيك) إن (علينا التزاماً باتجاه مواطنينا الذين سيعودون لديارهم سواء كنا مستعدين لذلك أو لم نكن).
ويضيف (مالوك) وهو أحد المقاتلين السابقين في الحركة الشعبية لتحرير السودان :(الآن ليس بجعبتنا ما يمكن أن نقدمه لهم في إطار الاهتمام بهم).
حالة أخرى من حالات العائدين إلى الجنوب تتمثل في (نورا ساوا)، وهي أم لستة أطفال نزحت من (رومبيك) عام 1984 حيث عاشت في الخرطوم عشرين عاماً كاملاً، وعادت أخيراً إلى مدينتها في رحلة استغرقت ستة أسابيع قطعت بعضها سيراً على الأقدام وقطعت البعض الآخر على متن شاحنة، وتسكن هذه السيدة حالياً في منزل مصنوع من جذوع النخل، بينما يعيش جيرانها في أكواخ مبنية بالطين الجاف غطيت أسقفها بالقش وهو ما يفيد في تجنب الأمطار.
وعلى الرغم من أن (ساوا) تقول إنه ليس لديها هنا في مدينتها أي شيء على الإطلاق إلا أنها تضيف قائلة :(إن هذه أرضي ويتعين عليّ البقاء فيها حتى وإن كان الأمر شاقاً).
ويقول (هيزرون كابورو) أحد العاملين في مشروعات الإغاثة التابعة لبرنامج الغذاء العالمي إن العائدين إلى ديارهم يواجهون على الأغلب عدة مشكلات اجتماعية واقتصادية، مشيراً إلى أن 40% ممن عادوا إلى الجنوب قادمين من الخرطوم توجهوا إليها ثانية بعد ستة أشهر فحسب. وأضاف (كابورو) قائلاً إن (هناك اختلافات متعددة وجدها هؤلاء بين حياتهم في المدن وحياتهم في موطنهم الأصلي، ففي المدن يقوم الناس باستخدام النقود في البيع والشراء، فيما يتم الأمر في الجنوب من خلال نظام المقايضة، ومن السهل للغاية أن يسقط هؤلاء العائدون ضحية لخداع السكان المحليين، كما أن العائدين يجدون غالبا أنهم افتقدوا الطابع الذي تتسم به المدن والذي يتميز بالهدوء تارة والإثارة تارة أخرى. وبالرغم من ذلك كله فإن (لادو) يؤكد من حيث لا يزال يقيم في الخرطوم أن الأمور ستكون أفضل حالاً فقط إذا عاد إلى مسقط رأسه، موضحاً أن منزله في معسكر اللاجئين الذي يقيم به قد دمرته الجرافات الحكومية مرتين من قبل.
ويضيف قائلا :إنه حتى وإن لم يكن هناك عمل متوفر في مدينة جوبا (جنوب السودان) إلا أن عودته إليها تعني أنه سيستطيع على الأقل العمل في الزراعة، مشيراً إلى أن ذلك سيمكنه من إقامة منزل له ست حجرات يعيش فيه مع زوجته وأطفاله.
(*) خدمة (كريستيان ساينس مونيتور) خاص ب (مجلة الجزيرة)
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|