|
عالم بلا ضمير.. وأمة في سبات!!
|
أتابع بأسى وقلق ما تتناقله القنوات الفضائية من أخبار عن أحداث وتطورات دامية في الساحات العربية والإسلامية، وأقف مشدوداً أمام هذه الصور وتلك المشاهد لحملات القتل والتدمير في أكثر من بلد عربي وإسلامي، متسائلاً: ولِمَ لا يحدث هذا إلا في دولنا وبين شعوبنا؟! بينما تعيش دول العالم الأخرى في أمان وسلام، وإن عُكر هذا الأمن فتلك حالات نادرة وشاذة، ولا يقاس عليها لمعرفة واقع الأوضاع في هذه الدول.
***
ففي العراق وفلسطين والصومال وأفغانستان مشاهد مؤذية لدماء الأبرياء، وكأن هذا الدم الزكي رخيص إلى حد إهداره بهذا الحجم الكبير؛ وبالتالي استفزاز الخيرين في هذه الأمة بمثل هذه الجرائم التي رمّلت أسراً كثيرة وهجّرت مثلها وقضت على كل إنجازات لهذه الدول، فيما كان المؤمل أن تتواصل مثل هذه الإنجازات بسواعد الرجال من أبنائها، تواصلاً مع الطموحات السابقة التي تميزت بالعطاءات السخية لهذه الدول وشعوبها.
***
والمؤسف أن يتجاوب أفراد من شعوب هذه الدول مع المحتلين الذين جاءوا لاستغلال ثروات هذه الدول، وتمزيق وحدتها، وخلق الفتن والثارات بين فئاتها وطوائفها ومذاهبها، بما لا سابق له في العصر الحديث، من حيث التوسع في إذلال هذه الشعوب، والنيل من مقدراتها، وتوسيع دائرة العنف والصراع الدامي بين هذه الفئة وتلك.
على أن أكثر ما يلفت النظر ويشد الانتباه لدى العقلاء في هذه الأمة التزام دولها بالصمت أمام هذه المجازر التي تقع في دول شقيقة ترتبط معها باللغة والعقيدة أو بإحداهما، ضمن قواسم مشتركة كثيرة تمثل مصالح عدة لكل منها على امتداد التاريخ؛ مما كان ينبغي التمسك بها حتى لا يطويها النسيان.
***
والغريب أن الولايات المتحدة طرف رئيسي في كل ما يجري لهذه الأمة من مصائب وويلات؛ فهي في العراق، كما هي في فلسطين، وهي موجودة بأفغانستان، ومثل ذلك فلها مشاركة في الصومال، سواء بشكل مباشر أو بواسطة طرف آخر، وفي هذا تسفيه لكبرياء هذه الأمة، واحتقار لها، وتجاهل حتى لإرادتها.
ومع الاحتقان والشعور بالصدمة من الحالة التي تمر بها أمتنا، وما صاحب ذلك من كره للسياسة الأمريكية التي آذت الأمة، وقوّضت مصالحها، وساهمت في تخلفها، وأشغلتها عن البناء والعمل الصالح، فإن ما يجري إنما هو حلقة في سلسلة طويلة من المؤامرات التي تصبّ في مصلحة إسرائيل والعملاء في وطننا، بينما يبقى العالم بلا ضمير، ويستمر عالمنا العربي والإسلامي متمسكاً بصمته مردداً: إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب؛ فأضعنا بذلك الذهب مثلما افتقدنا القدرة على الإمساك ولو بالفضة!!
خالد المالك
|
|
|
هل قصد مل جيبسون في فيلم (أبوكاليبتو) إدانة أميركا؟
|
* إعداد - محمد رضا
حين زار مل جيبسون بعض أدغال أمريكا اللاتينية ليشاهد بأم العين معالم حضارة قبائل (المايا) بهرته أن الأهرامات التي بناها هؤلاء قبل 2000 سنة أو أكثر، حسب العلماء، هي (أكبر حجماً من الأهرامات المصرية). وهو فعل ذلك في مطلع العام 2006م بينما كان يحضّر لتصوير فيلمه الجديد (أباكاليبتو). فالفيلم يدور عن تلك الحضارة، أو بالأحرى عن زوالها. كيف فقدت في النهاية معالمها وكياناتها وكل ما سمح لها بالنشوء مختلفة أشد الاختلاف عن معظم القبائل المسمّاة بالهندية والتي سكنت القارة الأمريكية شمالها وجنوبها.
(أبوكاليبتو) ليس فيلماً تبشيرياً، لكنه في مشهد يسبق النهاية بنحو دقيقتين تشاهد مبشّراً مسيحياً يصل الشاطئ مع مسلّحين أوروبيين دلالة بداية عهد جديد احتل فيه الأوروبيون أطراف القارّة أولاً ثم القارّة بأسرها. هذا المبشّر نراه يقف إلى يمين القارب ليس في الصف الأمامي تماماً لكنه ظاهر بجلاء. وعند هذه الصورة تتداعى الكثير من المعطيات التي في البال؟ فهل يعني مل جيبسون هنا أن قبائل المايا هي المسؤولة عن فسادها وضعفها وإلا لما تمكّن منها الأجنبي؟ هل المشهد هو مجرد توثيق واقعي لما حدث فعلاً؟ وبالتالي عمّ يدور الفيلم عنه؟
مخلب الفهد
قصّة الفيلم الذي يتحدّث طوال عرضه لكنة قبيلة يوكاتيك (إحدى بطون المايا) من دون حرف إنكليزي واحد منطوق، تبدأ بمطاردة (وتنتهي بأخرى). والطريد هو خنزير برّي هارب من ثلّة من أبناء القبيلة سعياً للنجاة. أما المطاردة فتطول لكن نهايتها باترة. فخاخ صيد برؤوس حادة تطبق على الخنزير فترديه. حين يلتئم شمل الصيّادين (معظمهم شبّان) يتقاسمون الطريدة فينال أحدهم حصّة مهينة كونه لا ينجب. بعد ذلك يمضي الفيلم وقتاً حرجاً في بلدة القبيلة.. حرجاً لأنه هزلي حول مصيبة ذلك الشاب وأم زوجته التي لن تبرح مكانها أمام الخيمة قبل ان ينجح في منح ابنتها ولداً. الليل يتبع. بطل الفيلم (مخلب الفهد) أو (جاغوار بو)، الذي شارك المجموعة صيدها وضحكها على رفيقه ينقل ذلك الشعور بالتوتر إلى مصاف أعلى. فبينما الجميع نائم والصمت شامل يختفي صوت الكلب الذي كان ينبح. قبل ذلك، كنا شاهدنا مسلّحين ينتمون في الغالب إلى فرع آخر من المايا وهم يتقدّمون صوب القرية. جاغوار يهب واقفاً وقد أحس بالخطر، لكن الخطر يطبق ومعركة كبيرة بين المدافعين والغازين تنتهي بمقتل الكثير من أبناء القرية واعتقال من تبقّى من الرجال لسوقهم مقيّدين إلى موطن المايا. لكن جاغوار كان نجح في إخفاء زوجته الحامل وطفلهما في حفرة عميقة قبل أن يعتقل ويُقاد.
إلى هذا الحد، كل شيء في الفيلم داكن الحس. نحن أمام مجموعة من مشاهد العنف تؤكد أن مل جيبسون لم يكن يتسلّى حين أنجز مثيلاً لها في فيلمه الديني (العشاء الأخير للمسيح).
قرابين بشرية
السبب الذي يريد أفراد القبيلة الغازية القبض على من تستطيع الوصول إليه من أفراد القبائل الأخرى هو تقديمها قرباناً للآلهة. وبعد رحلة مجهدة يتقدّمها محارب شرس وعنيف وسادي تريد له أن يسقط من علٍ، نصل إلى مشهد القربان الذي سيبقى في البال طويلاً. هناك يقف زعماء المايا عند قمّة أحد تلك الأهرامات (المختلفة تكويناً عن أهرامات الجيزة) يرفعون الأيدي في دعاء لعودة الخير إلى المزارع العطشى، ويتقدّم أحدهم إلى المساجين لكي يجز رأس كل منهم ويركله فوق درجات الهرم إلى الجمهور المتعطّش للدم والذي تهيجه ممارسة دينية بالغة الشذوذ والخطأ. دور جاغوار يصل لكن كسوفاً في السماء ويدفع الزعيم لاعتبار أن الآلهة استجابت ولم يعدّ من الضروري الذبح. لكن عوض أن يتم إطلاق سراح جاغوار ومن بقي من رفاقه يمارس الصيّادون عليهم لعبة المطاردة. على كل منهم أن يطلق ساقيه للريح بينما يطلق المسلّحون عليهم السهام والرماح. وإذا ما نجا أحدهم، فإن مسلحاً يقف في نهاية الحقل يحمل فأساً كبيراً وعليه أن يجهز على الطرائد البشرية.
(جاغوار) ينفذ من الشرك. يقتل المسلّح في نهاية الحقل ويطلق ساقيه للريح. والد المسّلح يطارده ونحو ثمانية من رجاله. والفيلم من هنا مطاردة طويلة فيها المتوقّع وغير المتوقّع، لكنها دائماً شيّقة وكحالة الفيلم بأسره جديدة على الأعين. في لحظات منها ينتقل المخرج إلى وضع الزوجة ومخاطر وجودها في حفرة لا تستطيع الخروج منها. ويربط لاحقاً بين محاولة جاغوار الوصول إليها (وقد وضعت طفلاً في الشتاء الذي كوّن بركة تهدد الزوجة وطفليها بالغرق) وبين ما تواجهه. الغالب في نصف الساعة الأولى من الفيلم، المعركة الشرسة بين القوّتين وفي نصف الساعة التالية، قيد المغلوبين على أمرهم إلى بعضهم البعض وسوقهم فوق ممرّات وعرة وخطرة وصولاً إلى موطن المايا. الساعة التالية هي المطاردة الطويلة المصنوعة بمهارة سينمائية عالية وبتصوير فذ من (دين سملر) الذي وزّع عدداً من كاميرات الدجيتال لكي تلتقط المشاهد من كل زاوية تؤمّن الاختيارات الأفضل على طاولة المونتاج.
قلب الفيلم
قلب الموضوع هنا انهيار الحضارة التي كانت آنذاك عالية الشأن في ذلك الجزء من العالم القديم. جيبسون ينطلق من سؤال في البال، ولكنه غير مترجم إلى صورة، حول السبب الذي من أجله تداعب هذه الحضارة وانتهت. من هذا السؤال قد يرمي لاستجواب حضارات أخرى. وأقول قد لان المسألة فيها اختلاف جذري. السبب الذي من أجله تداعت حضارة المايا، تبعاً للفيلم وصانعه، يعود إلى فسادها دينياً وأخلاقياً واجتماعيا. إيمانها بغزو الآخر واستخدام قوّتها للعدوان والاستعباد ثم نحرها الأبرياء تقرّباً من آلهة صماء بكماء يؤمنون بها. وفي حين أن المرء يستطيع أن يترجم هذا كلّه إلى حالة أمريكية راهنة (كما فعل عدد كبير من النقاد الأميركيين) من حيث استخدام القوّة والعدوان المفرط،... الخ. إلا أن القلب في الفيلم ربما كان على مسافة بعيدة من كل هذا.
مل جيبسون، المنتمي إلى كنيسة مُحافظة لكنها ليست يمينية السياسة، يصوّر الانهيار على أنه فساد أخلاقي. مشاهد قطع الرؤوس ليست فاصلاً قصصياً، ولا العنف المتولِّد فيها عبارة عن شوق للإثارة الغريزية الفارغة. ما يجسّده الفصل من تلك المشاهد هو فكرة التوجّه لإله مُبتدع غير الله سبحانه وتعالى. إله لا يحل ولا يربط لكن المايا تؤمن به كما كانت تؤمن به وبأمثاله شعوب كثيرة في سنوات ما قبل الميلاد وبعدها. هذا هو لب المرجع المطروح كمسبب أول لانهيار الحضارة بما في ذلك فكرة القربان إلى الآلهة عبر طريقة وحشية تنقلك إلى أبشع ما تم تسجيله على أشرطة سينمائية منذ أن كانت هوليوود تصوّر (بمشاهد أقل دموية لا ريب) حكايات البيض الذين غامروا في أدغال إفريقيا فألقت القبض عليهم قبائل متوحشة. نظرة عنصرية؟ ليس في هذا الفيلم، لكنها مُدينة بلا ريب. والمهم أيضاً أن المقارنة بين نهاية حضارة بادية وأي تلاقيات مشابهة حالية أمر يعود إلى المشاهد وما يشاء أن يستوحيه وليس إلى الفيلم إلا بقدّر ما قد يوحي به، علماً بأن هذا القدّر أقل حجماً وتأثيراً مما يجب ليكون سنداً لمثل هذه المقارنة.
وهل تذكر ذلك المبشّر الذي تحدثت عنه في مطلع هذه المقالة النقدية؟ الفيلم يوعز ببداية جديدة قوامها الدين الذي جاء به الأوروبيون. بالتالي، يكون الفيلم مؤيداً لذلك التبشير على أساس أنه نقلة نوعية للحياة وخلافة لدين رزح طويلاً تحت حكم المعتقدات المسفّة والشاذّة. كل هذا في مكانه باستثناء أن تلك المعتقدات المُدانة في الفيلم كانت موجودة في أوج نهضة وحضارة المايا. كيف إذا تكون السبب في هدمها؟ المخرج الوحيد من ورطة هذا السؤال هو أن الحضارات وانهيار الحضارات لا علاقة لها بالإيمان وكنهه. الأغلب أنها نتاج عقل منصرف للبناء ولاستخدام المهارات والرقي يأتي بالرقي إلى أن يتوقف المعين فينقلب كل شيء إلى الوراء.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|