|
وجه الشبه..!
|
بين ما يجري في فلسطين، وما نراه في العراق، هناك أكثر من وجه شبه يجمع فيما بينهما..
الأسلوب واحد..
والسيناريو لقتل الأبرياء لا يختلف..
الصورة مكررة..
والفعل ورد الفعل معادان ولا جديد فيهما..
مسرح العمليات ربما كان هو المكان الذي يخرج عن القاسم المشترك فيما بينهما..
***
فإسرائيل بجرافاتها وطيرانها وعدتها وعتادها تدك المدن وتقتل الأبرياء بلا هوادة باسم أن هؤلاء إرهابيون وأنها تزيل المباني لأنها تؤويهم..
وأمريكا هي الأخرى تتواصل غاراتها بلا رحمة على بغداد ومدن عراقية أخرى ليلاً ونهاراً مستهدفة الأحياء الشعبية حيث سكنُ المدنيين فيموت الأبرياء ويكون التبرير أن النظام العراقي يستخدم المباني مع ساكنيها دروعاً لحماية بعض أهدافه العسكرية ومخازن ترسانته من الأسلحة والذخيرة..
***
إسرائيل ترفض إيقاف الحرب على الفلسطينيين.. وكذلك تفعل الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق.. وكلتاهما لا تستجيبان لقرارات الشرعية الدولية.. بعد أن قررتا مسبقاً أن لا حاجة لأخذ تفويض من مجلس الأمن بما تقومان به..
***
والعالم، واأسفاه..
يلتزم الصمت إزاء ما يجري في فلسطين..
والموقف من العدوان على العراق ليس بأفضل من ذلك..
وكأن المنظمة الدولية تعيش هذه الأيام لحظات احتضارها..
وكأن حرب الخليج الثالثة بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت عليها دون أن يتأثر أو يأسى أو يتأسف أيٌّ منا على ذلك..
ربما لأن دورها قد غيب منذ زمن..
أو أنه انتهى..
ربما..
***
إذاً:
أمريكا..
وإسرائيل..
وجهان لعملة واحدة..
في فهمهما وتطبيقهما للديمقراطية وحقوق الإنسان..
على نحو ما نراه يجري في العراق وفلسطين..
وبمواصفات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب..
***
لا نقول كلامنا هذا تعاطفاً مع نظام بغداد الفاسد..
أو دفاعاً عن جرائمه بحق شعبه وجيرانه..
مثلما أن هذا الكلام لا يبرىء ساحة المسؤولين الفلسطينيين من تجاوزاتهم وأخطائهم..
وإنما نعبر به عن شيء من حزن الناس على انسياق أمريكا نحو مواقف تمس تاريخها بالتشويه..
بتعاونها مع إسرائيل على ظلم الآخرين..
وتطبيقها للمنهج الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية في العدوان على الشعوب..
دون أن نرى ولو بارقة أمل في تصرف عاقل يوقف الحرب وينهي العدوان.
خالد المالك
|
|
|
صارت أشهر وأخطر ثلاث كلمات في حياتنا اليومية: أسلحة «الموت» الشامل تستطيع أي دولة الآن وبتكلفة بسيطة إلى حد ما الحصول على قنبلة نووية كاملة التخلص من الكميات الكبيرة من الذخيرة الكيمائية التي تراكمت لدى دول كثيرة أصبحت مشكلة صعبة بالفعل
|
* إعداد محمد يوسف / أحمد خضر
يحترق التراب!
يحترق الحجر!
يحترق السحاب!
أبيات ثلاثة، كتبها الشاعر اللبناني الكبير خليل حاوي، هي أدق وصف للحياة وقت أن تنقض عليها أسلحة «الموت» الشامل من أي صوب.. الشاعر هنا لم يقل «يحترق الإنسان»، لأنه إذا كان الحجر الذي هو حجر يحترق، فما بالنا بالإنسان، الذي هو لحم ودم؟
خطورة أسلحة الدمار الشامل لا تكمن في الآثار المدمرة التي تخلفها وراءها، فالإنسان لم يخترع حتى الآن سلاحا «غير» مدمر.. كل الأسلحة سواسية.. لكن الخطورة هنا تكمن في أنها أداة ينتهي بها المقام في أيدي مجموعة من الأفراد، يطلقون عليهم رجال سياسة، ينفردون وقت ما شاءوا بقرار إطلاقها ككلاب الصيد الجائعة على كل من يخالفونهم الرأي أو الإرادة..
أشكالها وأحجامها متنوعة، قل مائة أو ألف، وطرق إنتاجها لم تعد سرا مغلقا تملكه دولة دون أخرى، وآثارها، إنسانيا وبيئيا وسياسيا واقتصاديا و.. صحيا، لا يمكن وصفها بخطيرة.. فهذا تقليل من شأنها..
نعرضها هنا، أسلحة الشر والدمار والخراب والموت واليأس والمرض، الشامل، قاصدين التلويح بما يمكن أن يصير عليه مستقبل الإنسان إن هو أصر على هذه الصناعة التي لا نجد لها وصفا لائقا بها، فليشملنا الله برحمته!
منذ إنتاج أسلحة التفجير النووي في عام 1945 وهي تمثل أكثر أسلحة التدمير الشامل رعبا، وذلك لسببين، أولهما هو قدرتها العالية على إحداث تدمير شديد وسريع، وثانيهما التأثير المستمر للإشعاع المنبعث والذي لا يمكن التعرف علية بواسطة حواس الإنسان.
الشقيقة الكبرى
لقد كلف المشروع النووي الأمريكي الضخم، المعروف باسم مشروع «مانهاتن»، الولايات المتحدة حوالي بليوني دولار في عام 1945م، واستهلك كما هائلا من الطاقة، واحتاج جهوداً مشتركة من مشاريع صناعية عملاقة ومجموعة كبيرة من العلماء كان كثير منهم قد حصل على جائزة نوبل وكثيرون آخرون منهم تم ترشحيهم لنفس الجائزة، وتجمعت كل هذه الإمكانات في عام 1942 لتحقيق أمل إنتاج هذاالسلاح خلال الحرب العالمية الثانية، ولأن التفجير النووي جرب لأول مرة في ألمانيا وبالتالي أصبحت هي موطن مجموعة من العلماء البارزين في الصناعة النووية.. فقد اعتبرت الولايات المتحدة نفسها في سباق محموم مع الألمان لبناء هذه القنبلة، وعندما بدأ مشروع مانهاتن، لم يكن العالم كله يمتلك سوى بضعة ميكروجرامات من مادة البلوتونيوم، وكانت كيمياء البلوتونيوم لم تتوصل بعد وبصورة مؤكدة إلى تحديد متوسط عدد النيوترونات المنبعثة من انشطار مادتي اليورانيوم235 والبلوتونيوم 239 وأيضا «الكتلة الحرجة» التي تضمن حدوث التفاعل المتسلسل، ورغم ضرورة توافر العلماء الموهوبين لنجاح أي برنامج نووي، فإن أساسيات الطبيعة والكيمياء والهندسة التي يحتاجها هذا المشروع أصبحت معروفة للجميع، ولذلك فإن البرنامج النووي الذي بدأ مثلا في سنة 1996 لن يحتاج إلى هذا الكم من العلماء الموهوبين كالذي احتاج إليه مشروع مانهاتن على سبيل المثال، ولعقود بقيت الإمكانات الهائلة التي توفرت لمشروع مانهاتن تحديا قويا أمام أي دولة ترغب في امتلاك السلاح النووي، وتستطيع أي دولة الآن، وبتكلفة بسيطة إلى حد ما، الحصول على قنبلة نووية كاملة من موارد تتاجر في شراء وبيع مكونات البرامج النووية، وقد تختار أي دولة بناء برنامج نووي كامل، بما في ذلك الحصول على اليورانيوم من مناجمه وعمليات تخصيب مادة اليورانيوم، ليصبح في صورة النظير الانشطاري يورانيوم 235 ثم استخراج البلوتونيوم وإنتاج تريتيم وفصل الديوتيريم لإنتاج قنبلة نووية حرارية، فعلى سبيل المثال، أنتجت جنوب أفريقيا 6 قنابل نووية حرارية كاملة بتكلفة أقل من مليار دولار (حسب أسعار الثمانينات) ولم تستخدم سوى 400 فرد في برنامجها ولم يتطلب الأمر سوى تكنولوجيا متوسطة!
وتستطيع المواد الانشطارية إنتاج طاقة بواسطة الانشطار النووي سواء في مفاعل أو سلاح نووي، وبالتالي فإن أي دولة ترغب في الانضمام إلى النادي النووي، عليها أولا الحصول على المواد الانشطارية الأساسية (يورانيوم 235 أو بلوتونيوم 239).
ومن المعروف عموما أن الحصول على مواد انشطارية بكميات كافية هو أكبر عقبة تقف أمام إنتاج السلاح النووي، فعلى سبيل المثال، استهلك إنتاج المواد الانشطارية لمشروع مانهاتن 80 % من إجمالي ميزانية المشروع .
متطلبات مفاعل البلوتونيوم
إن استخدام مفاعل لإنتاج البلوتونيوم يحتاج أولا إلى استخراج وتنقية اليورانيوم، وفي مرحلة معينة أخرى، يحتاج إلى إنشاء مصنع للتخصيب، ونتيجة قيود معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وصعوبة الحصول على اليورانيوم، يكون العامل الحاسم للبدء في البرنامج النووي هو مدى توفر اليورانيوم أو الزيادة في الطاقة الكهربية في البلد الساعي إلى امتلاك هذا البرنامج.
ورغم ذلك، امتلاك القدرات النووية العسكرية يحتاج إلى أكثر من مجرد شراء أو تصنيع السلاح النووي ذاته، حيث يحتاج البرنامج النووي إلى اهتمام شديد بأنظمة الأمن والسلامة وتعليمات تداول السلاح والاستخدام الأمثل للمواد النووية الثمينة وأيضا إلى سلسلة من الإجراءات التي تضمن أن هناك عدداً محدوداً من الأشخاص لديهم سلطة استخدام السلاح النووي، وأيضا تدريب مكثف للأفراد العسكريين الذين سيقومون بإطلاق هذه الأسلحة على أهدافها، مع العلم أن أي سلاح نووي إرهابي لا يحتاج إلى هذه الإجراءات المعقدة.
قاعدة الرجلين
ولدى الولايات المتحدة سلسلة طويلة ومعقدة من الإجراءات التي تضمن استخدام الأسلحة النووية فقط بأوامر من الرئيس أو من يفوضه، ومن بين هذه الإجراءات قاعدة تعرف باسم «قاعدة الرجلين»، بمعنى أنه من غير المسموح أبدا تواجد شخص واحد مع سلاح نووي، فضلا عن الإجراءات المتعلقة بالترقيم المطلوب لتشغيل السلاح النووي، كما يتم إجراء اختبارات نفسية شديدة التعقيد والصرامة على العاملين في البرنامج النووي ويتم استبعاد أي شخص غير لائق، ولا يتم تركيب المفجر للأسلحة النووية إلا قبل الاستخدام المباشر، وحتى في حالة نجاح ديكتاتور ما في الحصول على سلاح نووي، فإنه أيضا سيكون حذرا بخصوص إجراءات استخدامه لضمان عدم توظيفه في قمع أي حركة ثورية ضده!
الإنتاج النووي
السلاح النووي جهاز معقد، واعتمادا على تعقيد التصميم وقيود المصمم من حيث حجم ووزن وكمية المواد النووية المستخدمة، قد يحتاج السلاح النووي إلى عمليات تصنيع دقيقة جدا، ورغم كل ذلك، فإن المصانع التي تنتج مكونات نووية يجب أن تكون قادرة على قياس الأبعاد الكيميائية بدقة متناهية ومقارنة المعادلات الكيميائية طبقا لمجموعة من المعايير القياسية بدقة متناهية، وقد صار شيئا عاديا الآن أن تتم عملية تصنيع المكونات النووية بمساعدة أجهزة الحاسب، وعلى الأخص الحواسب الرقمية خماسية الأبعاد فضلا عن الحاجة إلى معدات تفتيش معينة وأجهزة إنسان آلي (روبوتات).
وبدون توافر قدرات تصنيعية معينة، يكون من الصعب إنتاج المعدات العسكرية عموما، لكن الآن كثير من قدرات التصنيع التجارية تتجاوز القدرات التكنولوجية التي كانت متاحة في الولايات المتحدة عند تصنيع أول سلاح نووي، كما تظهرالحاجة أيضا إلى أنظمة قياس يتم تشغيلها أثناء التصنيع، بالإضافة إلى معدات قياس بعد التصنيع تراقب الجانب الخاص بالجودة الشاملة.
اختبار نووي
إن أي دولة تحاول تصنيع سلاح نووي الآن لا تحتاج إلى إجراء تفجير نووي كامل للتأكد من صلاحية هذا السلاح، ومع ذلك، تظل الحاجة قائمة إلى إجراء بعض الاختبارات والقياسات طوال البرنامج للتأكد من صلاحية المكونات غير الذرية، مثل مجموعة التفجير وأجهزة توليد النيوترونات. ومما يؤكد عدم الحاجة إلى إجراء تفجير نووي كامل أن الدول النووية الست التي أجرت تجارب نووية كاملة نجحت في أول محاولة لإجراء هذا التفجير، لدرجة أن أول سلاح نووي القي على هيروشيما استخدم مجموعة من القنابل الأولية التي لم يتم تجربتها.
قوة التفجير
يمكن تقسيم برامج الاختبار بصفة أساسية إلى مجموعتين رئيسيتين: إحداهما تستخدم يورانيوم عالي التخصيب مع جهاز بدء، والأخرى تستخدم إما البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب مع جهاز تفجير داخلي، في حالة إجراء تفجير نووي من أعلى برج ارتفاعه بضع مئات من الأقدام أو معلق في بالون، يمكن تصوير ما ينتج عن التفجير من كرة نار وسحابة دخانية نووية، كما تمكن ملاحظة موجة صدمة الهواء، فضلا عن ملاحظة تأثير السلاح على أهداف حقيقية مثل المباني والمركبات، وأكثر قياس دقيق لقوة التفجير يتم عن طريق تحليل كيميائي إشعاعي لنواتج تربة التفجير.
تأثيرات الأسلحة النووية
تمكن محاكاة بعض تأثيرات الأسلحة النووية باستخدام نموذج رياضي بواسطة حواسب عملاقة، بينما لا يمكن تقييم بعض التأثيرات أو التأثيرات المركبة بهذه الطريقة.
وتعتمد الدول النووية الكبرى كالولايات المتحدة على مقارنة نتائج هذه التجارب والتحليلات مع النتائج الفعلية لتجاربها الحية التي استمرت تقريبا 50 سنة، ولا يمكن الوثوق تماما في نتائج الاستنتاج النظري والرقمي لتأثيرات الأسلحة النووية إذا لم تدعمها تجارب فعلية، بينما توفر الاختبارات تحت سطح الأرض فرصاً جيدة لقياس كفاءة التصميم والتأثير الإشعاعي.
قياس التأثير
توفر هذه التجارب مؤشراً لقياس قوة احتمال المعدات العسكرية بالإضافة إلى دراسة ظواهر التأثيرات النووية الرئيسية، من حيث كفاءة السلاح والتأثير الإشعاعي والانفجاري والموجي والحراري.
محاكاة الانفجار
كان من الضروري إيجاد وسيلة لتحديد صمود الإنشاءات عن طريق المحاكاة نتيجة القيود التي فرضتها اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية على التفجيرات في طبقات الجو وتحت سطح الماء. بالنسبة لمحاكاة الانفجار والموجة الانفجارية، فإنه يتم ذلك عن طريق استخدام متفجرات كيماوية في الجو بكميات كبيرة، أو يتم إجراؤه في مكان مصمم للاختبار يمكنه إنتاج تأثيرات حرارية مماثلة لتلك الناتجة عن تفجير نووي، ورغم ذلك، تختلف الموجة الانفجارية في الحالتين بسبب تسخين النبضة الحرارية العالية المنبعثة من التفجير النووي لطبقات الهواء قرب الأرض بسرعة وبالتالي تسير الموجة الانفجارية أسرع مما يحدث إذا كان الهواء باردا في حالة التفجير الكيماوي.
تأثيرات الأسلحة
لقد اتضح بعد إجراء دراسات ميدانية دقيقة ومكثفة أن التلوث الذي حدث نتيجة انفجار مفاعل تشيرنوبل في روسيا كان أكبر بكثير مما هو متوقع من تفجير نووي قوته 20 كيلو طناً على مستوى الأرض، وكانت التأثيرات الناجمة عن هذا التفجير تشبه حربا نووية صغيرة تم فيها تفجير دستة من الأسلحة النووية ذات قوة تفجير متوسطة على ارتفاع محسوب لتحقيق أكبر خسائر نتيجة الانفجار. بشكل عام، ينتج عن التفجير النووي تأثيرات عديدة مثل الموجات الانفجارية والنبضات الحرارية وإشعاعات من نيوترونات وجاما وأكس والنبضات الالكترومغناطيسية، وأيضا تأين طبقات الجو العليا، واعتمادا على البيئة التي يتم فيها التفجير، تختلف نسب التأثيرات التالية، ومنها الهزات الأرضية والمائية والسحابات النووية وانبعاث كميات هائلة من الأتربة والمواد المشعة المتساقطة.
وتنتقل طاقة الانفجار النووي إلى الوسط المحيط في ثلاث صور محددة، هي الانفجار والإشعاع الحراري والإشعاع الذري، ويعتمد توزيع الطاقة على هذه الصور الثلاث على قوة التفجير ومكان الانفجار وطبيعة البيئة المحيطة بمكان الانفجار.
فعلى سبيل المثال، سيكون توزيع طاقة تفجير نووي متوسط القدرة في حدود كيلوطن وعلى ارتفاع منخفض من سطح الأرض كما يلي: 50% موجة انفجارية، 35% إشعاع حراري، 15% إشعاع نووي، كما يتم تصنيف التفجيرات النووية إلى تفجيرات في الجو، وتفجيرات على سطح الأرض، وتفجيرات تحت سطح الأرض، وتفجيرات في طبقات الجو العليا، بالنسبة للتفجيرات النووية الأقل من ميجاطن، يكون العامل المدمر على الأهداف أساسا هو الموجة الانفجارية والهزة.
التأثير الانفجاري
أوضحت صور هيروشيما وناجازاكي وصور المباني المنشأة في موقع الاختبارات النووية الأمريكية في صحراء نيفادا أن تدمير الأهداف المعادية كان نتيجة الموجة الانفجارية والاهتزاز، بينما ستكون الهزة الأرضية لتفجير سطحي أو تحت السطح هي الطريقة الوحيدة لتدمير الإنشاءات المحصنة تحت الأرض مثل مراكز القيادة وصوامع الصواريخ، إذ يقع التدمير نتيجة درجة الحرارة العالية جدا والضغط العالي في مكان الانفجار، وتتحرك الغازات الساخنة بسرعة عالية جدا من مركز الانفجار في شكل كروي، وتتجاوز هذه السرعة في بدايتها سرعة الصوت، وهذا يعني أن سرعتها ستتجاوز عدة مئات من الكيلومترات/ ساعة مسببة ضغطا يتجاوز بكثير 35 ،0 ضغط جوي (وهو ضغط كاف للتدمير بدرجة متوسطة)، وسيمتد هذا الأثر لمسافة أكثر من 15 كيلو في حالة تفجير نووي قوته 15 ميجا طن، وأغلب التدمير سيكون نتيجة التأثيرالمزدوج للضغط الثابت والضغط المتحرك لرياح التفجير، وقد تستمر موجات الضغط والخلخلة ثواني معدودة أو أكثر ولكن شدتها ستكون أكثر من أي إعصار مدمر معروف على وجه الأرض.
«كرة النار»
تنبعث كميات هائلة من الإشعاع الالكترومغناطيسى من «سطح كرة النار» في الدقيقة الأولى للتفجير، وتكون سرعة الإشعاع الحراري بنفس سرعة الضوء، أي 300000كم/ ثانية، وخلال ثوان، ترتفع درجة الحرارة كرة النار لتصل إلى 10 7، وهذا يسبب حروقاً شديدة وإصابات لعيون الأشخاص غير المحميين من التأثير الحراري.
وسندرك مقدار درجة الحرارة الجهنمية هذه إذا عرفنا أن أي تفجير كيماوي عادي يعطي درجة حرارة 5000 فقط! وبعد حوالي 1 ،0 ثانية من التفجير، تحدث موجة حرارية ثانية أشد من الأولى نتيجة تداخل درجة حرارة كرة النار مع الهواء الساخن المحيط ويتم فيها إشعاع 99% من الطاقة الحرارية لكرة النار، وقد تستمر هذه الموجة لمدة 20 ثانية لتفجير 10 ميجا طن من الإشعاع، وهي فترة كافية للقضاء على كل مظاهر الحياة.
التأثير الإشعاعي
تنفرد التفجيرات النووية بأنها قادرة على نشر كمية هائلة من الإشعاعات القاتلة، وهذا الإشعاع يتكون أساسا من نوعين، الكترومغناطيسى وجزئيات، ولا ينبعث هذا الإشعاع لحظة التفجير (إشعاع فوري) فقط، ولكن هناك أيضا الإشعاعات الثانوية (تحسب بعد ستين ثانية من التفجير)، بشكل عام، يتم قياس جرعة الإشعاع القاتلة على مدار 60 يوما من حيث تأثيرها على الإنسان، ونتيجة لانبعاث حوالي 300 نظير بسبب التفجير النووي، أغلبها ذو نشاط إشعاعي، فقد يستمر الخطر الإشعاعي الثانوي في مكان التفجير لعدة شهور أو سنوات.
النبضة الالكترومغناطيسية
في حالة التفجيرات النووية على ارتفاعات عالية وبسبب فيض أشعة جاما الناتجة عن الانفجار النووي في صورة فوتونات، يحدث انبعاث للإلكترونات الحرة ذات طاقة عالية التي تنتشر على ارتفاع من 20 إلى 40 كم فوق سطح الأرض، ونتيجة احتباس هذه الإلكترونات في المجال المغناطيسي للأرض، فإنه ينشأ عنها تيار إلكتروني متذبذب، وهو تيار غير متناسق يسبب مجالا إلكترونيا مشعا يسمى «النبضة»، وتؤدي هذه النبضة إلى تعطل الأنظمة العسكرية برا وجوا وبحرا ولمسافة تمتد لمئات الكيلو مترات من موقع التفجير، لكن هذا التأثير يستدعي أن تكون قوة التفجير في حدود ميجا طن الأمر الذي يفرز معه مخاوف من امتداد التأثير إلى القوات المهاجمة أيضا وبالتالي لا يمكن أبدا توجيه هذه النبضة إلى العدو فقط!
الأسلحة البيولوجية..
الشقيقة الوسطى
كانت دول عديدة قد خططت للاستخدام المتعمد للجراثيم والميكروبات والفيروسات المسببة لأمراض خطيرة أغلبها ليس له علاج شافٍ كسلاح بيولوجي لتحقيق خسائر جسيمة في القوة البشرية للعدو سواء العسكرية أو المدنية.
ولعل أشهر الأمراض الناجمة عن استخدام الجراثيم والبكتريا كأسلحة بيولوجية الأنثراكس وسموم المعلبات والحمى القلاعية.. وفيما يلي عرض سريع لأخطر عناصر ترسانات الموت البيولوجية.
الأنثراكس
أصل الانثراكس أنه مرض يصيب الحيوانات ويظهر في الإنسان على صورتين، الأول هو الانثراكس الجلدي، ويظهر على شكل فقاعات جلدية محاطة باحمرار وتورم ثم تتحول إلى تقيحات وجروح، وفترة الحضانة لهذا النوع تتراوح ما بين يوم إلى سبعه أيام ويسبب الوفاة في حوالي 10 20% من المصابين؛ لكن باستخدام المضاد الحيوي المناسب تنخفض هذه النسبة إلى 1%، أما الثاني فهو انثراكس الجهاز التنفسي، ويحدث عند استنشاق البكتريا ووصولها إلى الرئة، ولا علاج تقريبا لهذا المرض، وقد بلغت نسبة الموت في الولايات المتحدة في الإصابات الأخيرة حوالى 90%، وعند استخدام الانثراكس كسلاح بيولوجي يتم نشره في الهواء، وإذا ما تم نشر 100 كجم من الانثراكس من طائرة تطير على ارتفاع منخفض في ليلة سمائها صافية في منطقة مزدحمة لأدى ذلك إلى قتل ثلاثة ملايين شخص! وتظهر أعراض المرض تدريجيا بعد فترة حضانة من 1 6 أيام، وتشمل الأعراض حمى وإحساس شديد بالتعب قد يكون مصحوبا بكحة جافة وألم في الصدر، وكل المرضى الذين أصيبوا بهذا المرض وبدأ علاجهم بعد ظهور أعراضه لقوا حتفهم في النهاية، ويستخدم البنسلين والتتراسيكلين والأرثومايسين والكلورا ميفنيكول والسبيروفلوكساسين للعلاج، وتوجد بعض التطعيمات ضد الانثراكس، لكن تأثيرها ضد التركيز العالي للبكتريا غير مؤكد، لكن في كل الأحوال، وعند التأكد من الإصابة، يجب تعاطي المضادات الحيوية لمدة 4 أسابيع.
سموم المعلبات
ينتج هذا المرض عن نوع من البكتريا المماثلة للموجودة في حالة التسمم بالمعلبات، وتفرز هذه البكتريا سبعة أنواع من السموم تمنع توصيل الإشارات العصبية إلى المخ وتسبب ارتخاء العضلات وشلل خاصة في الجهاز التنفسي والأطراف والعين وجفاف بالفم والحلق، وقد يحدث أيضا احتباس للبول، وأخطر المضاعفات التالية هي هبوط في الجهاز التنفسي حيث يؤدي في النهاية إلى الوفاة، وكانت نسبة وفيات هذا المرض قبل الخمسينات تبلغ حوالي 60% من المصابين ولكنها انخفضت الآن إلى 5%.
الحمى القلاعية
وهي في الأصل مرض حيواني يسببه أربع أنواع من البكتريا، وتعيش في الأنسجة والنخاع العظمي، ومن الصعب جدا التغلب عليها حتى مع استخدام المضادات الحيوية القوية، وتصيب هذه الحمى أساسا الأنعام مثل الماعز والخراف والجمال والجاموس والبقر، وتنتقل العدوى إلى الإنسان عن طريق شرب لبن أو أكل لحم حيوان مريض أو تلوث جرح أو إصابة بكترية بالجلد أو العين؛ لكنه لا ينتقل من إنسان إلى إنسان آخر، ولذلك لا تحتاج إلى عزل المرضى، ويظهر المرض بعد فترة حضانة 3 4 أسبوع؛ ولكن أحيانا يظهر بعد أسبوع واحد وقد تمتد إلى عدة أشهر، وتظهر أعراضه على صورة عرق وصداع وتعب وفقد وزن واكتئاب وقد تحدث كحة في 1525% من الحالات؛ لكن لا تتعدى نسبة الوفاة في هذا المرض 5%، ويعتمد العلاج على تناول دوكسيسيكلين + ريفامبين (أوستربتومايسين).
الكوليرا
وهو مرض يتسبب في قيء وإسهال شديدين وينتقل أساسا عن طريق الأكل أو السوائل الملوثة، ويكون الجفاف المصاحب للمرض هو السبب الرئيسي للموت، ويعتمد العلاج أساسا على تعويض السوائل الناقصة، والمصل المعروف يحقق مناعة لمدة ستة أشهرلحوالي 50% من الذين يتم تطعيمهم.
آكلة العضلات
نوع من البكتريا اللاهوائية تؤدى الإصابة بها إلى التسمم والغرغرينا وتآكل العضلات والأنسجة والتهاب الأمعاء، وتسبب هذه البكتريا نسبة وفيات عالية، وتظهر أعراض التسمم مثل الاضطراب والعرق، وتنتج هذه البكتريا 12 نوعا من البروتينيات يمكن استخدام أي منها كسلاح بيولوجي في الحروب، ولا يوجد وقاية أو علاج من المرض، وإن كانت هذه البكتريا حساسة إلى حد ما ضد البنسلين، والعلاج المبكر بالمضادات يعتبر ناجحا إذا تم تناوله قبل تراكم كمية كبيرة من السموم في الجسم.
حمى النزف
الفيروس المسبب للمرض ينتقل عن طريق قرص البراغيث أو عند ذبح حيوان مصاب، والانتشار من مريض إلى آخر قليل الحدوث، ويسبب هذا المرض الوفاة بنسبة 1530% من الإصابات، وتعتمد فترة حضانة المرض على طريقه الإصابة وتتراوح بين 113 يوم، وتظهر أعراض المرض في صورة صداع شديد وقيء وألم في الفقرات القطنية وهذيان، والحالات الشديدة يصاحبها نزيف حاد وغيبوبة ورعشة، ويجب عزل المرضى تماما مع احتياطات شديدة للتمريض في المستشفيات، ويمكن استخدام الريبا فيرين كعلاج عند الشك في استخدام الفيروس كسلاح بيولوجي؛ لكن لا توجد جرعة محددة ويتم استخدام تطعيم فمي في بلغاريا ضد المرض، لكن أيضا لا توجد نتائج محددة.
الإيبولا
يعتبر من الفيروسات الفتاكة، وينتقل بالتلامس والدم والإفرازات والحيوانات المنوية، وبسبب هذا التنوع في طرق انتقاله، يرشح للاستخدام في الحروب البيولوجية بكثرة، وتبلغ نسبة الموت للمصابين من 50 90%، وضعت كثير من الاحتمالات لهذا المرض منها القوارض أو تعاطي الفقاريات لنباتات مصابة بفيروسات، وفترة حضانة المرض من 221 يوم ويسبب حمى وضعف وألم بالعضلات وصداع وألم بالحلق وقيء وطفح جلدي مع انخفاض كفاءة الكبد والكلى، ولا يوجد علاج أو تطعيم للمرض، لكن يجب عزل المرضى تماما، مع ضرورة حرق المرضى المتوفين.
الطاعون
يصاب الإنسان بهذا المرض عن طريق القوارض والبراغيث، في الحروب البيولوجية، يتم نشر النوع الجسدي بواسطة البراغيث، أما النوع الرئوي فيتم نشره عن طريق الهواء، يؤدي النوع الجسدي إلى تمحور الغدد الليمفاوية في أجزاء الجسم وتكون مؤلمة ثم تسبب الالتهاب والتآكل وتنتشر السموم ويصيب المرض الجهاز العصبي والرئة، ولا علاج محدد له، وتبلغ نسبة الوفيات 50%، أما الطاعون الرئوي والذي قد ينتقل عن طريق التنفس من إنسان لآخر، فإنه يسبب ضيقاً في التنفس، ويتطور سريعا إلى اختناق، ويعتبر الاستربتومايسين والنتراسيكلين والكلوراميفينكول من المضادات المؤثرة عند تعاطيها مبكرا، وبدون علاج، من الممكن أن تبلغ نسبة الوفيات 100%.
الحمى المالطية
يصاب به الإنسان عن طريق تنفس الجزئيات الملوثة بالميكروب من الحيوانات الحاملة له، مثل الإبل والماعز والجمال وفترة حضانة المرض من 2 14 يوماً، ويحدث الالتهاب الرئوي عادة كأحد مضاعفات هذا المرض، ويمكن الوقاية عن طريق جرعة تطعيم واحدة، والعلاج باستخدام التتراسيكلين والأوكسيسيللين.
سم الرايسن
هو سم بروتيني من نبات الكتان، ويعتمد تأثيره على منع تكون البروتين في الإنسان عن طريق إحداث تغييرات في الحمض النووي مما يؤدي إلى موت الخلية، وقد يستخدم في الحرب البيولوجية لانتشاره في بقاع العالم وسهولة إنتاجه وشدة فتكه بالجهاز التنفسي.
الجدري
تم القضاء نهائيا على هذا المرض سنة 1978، ولم يعد الفيروس موجودا إلا في معامل الولايات المتحدة وروسيا، وظهور هذا الفيروس خارج معامل تلك الدولتين معناه أنه تم استخدام الفيروس كسلاح بيولوجي، وينتقل الجدري من إنسان إلى آخر، وفترة حضانة المرض من 1017 يوماً، تظهر بعدها الحرارة ثم حبوب جلدية يملؤها الصديد وتتكون قشرة تسقط وتترك ندبات غائرة، ولا يوجد علاج خاص لهذا المرض، ونسبة الموت 35% للأفراد غير المطعمين، وتضم قائمة الحرب البيولوجية أنواعا أخرى عديدة من الميكروبات والفيروسات والسموم، من أشهرها: سموم الأعصاب، وحمى الوادي المتصدع ؛ والسموم الفطرية، والتهاب المخ الفنزويللي.
الأسلحة الكيميائية.. الشقيقة الصغرى
تستخدم الأسلحة الكيميائية الخواص السامة للمواد لتحقيق تأثير مادي وفسيولوجي على العدو، ورغم أن المواد التي يمكن تسميتها أسلحة كيميائية يرجع تاريخها إلى زمن بعيد، فإن تراث الأسلحة الكيميائية كما هي معروفة الآن يرجع إلى الحرب العالمية الأولى، حيث جرى استخدام «الغاز» بكفاءة مرات عديدة بواسطة المتحاربين لتغيير نتائج المعارك، ونتج عن ذلك خسائر جسيمة في المعارك، مما استتبع التوقيع على معاهدة جنيف التي منعت استخدام الأسلحة الكيميائية في المعارك في سنة 1925م، وقد تحفظت مجموعة من الدول عند توقيعها، وكان من بينها الولايات المتحدة، بحجة أنها لن تكون البادئة باستخدام هذا السلاح ولكنها تحتفظ بحقها في الرد المماثل بالأسلحة الكيميائية في حالة استخدامها ضدها (لم تصادق الولايات المتحدة على المعاهدة حتى عام 1975)، وفيما بين الحربين العالميتين استخدمت دولتان موقعتان على المعاهدة الأسلحة الكيميائية، الأولى هي إيطاليا ضد أثيوبيا والثانية هي اليابان ضد الصين، ورغم مئات الأطنان المخزنة من الأسلحة الكيميائية، لم يتم استخدام الأسلحة الكيمائية خلال الحرب العالمية الثانية سواء بواسطة قوات الحلفاء أو قوات المحور، وبقيت حالات استخدام هذه الأسلحة في الحروب المحلية بعد ذلك محل نقاش رغم أنها استخدمت بالفعل في الحرب العراقية الإيرانية فيما بين 1982 1987م.
رياح «الكلور»
وكان استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الأولى بطريقة تقليدية تماما، وذلك عن طريق «ملء» وعاء ذخيرة بالمادة الكيميائية، وكانت هذه الكيماويات مواد تجارية معروفة أو نواتج ثانوية له، حيث قام الألمان ببساطة بفتح العبوات المعدنية التي تحوي غاز الكلور وتركوا للرياح السائدة نشره، وبعد ذلك بفترة قصيرة، قام الفرنسيون بوضع غاز الفوسجين في طلقة مدفعية وأصبحت هذه هي الطريقة المثلى المتبعة في نشر عناصر الأسلحة الكيمائية، واستخدم الألمان لأول مرة عام 1917 طلقات تحتوي على غاز الخردل، وفي نفس الوقت حاولوا استخدام مادة صلبة مقيئة وهي مادة دافنيل كلورو أرسين للتغلب على الأقنعة.
ويستطيع غاز الخردل التسلل واختراق الجلد والأقمشة مسببا حروقا مؤلمة على جلد الإنسان، وركزت أبحاث الدول المتقدمة لتطوير الأسلحة الكيميائية خلال سنوات عديدة على زيادة سمية المواد الكيميائية بطريقة كبيرة، فبداية، يجب أن تكون المواد الكيميائية قادرة على مهاجمة الجسم من خلال الجلد ويستحسن أن تكون لها القدرة على النفاذ من خلال الملابس، والأكثر استحسانا أن تكون قادرة على النفاذ من خلال أي ملابس واقية! ويصاحب ذلك محاولة اختراق القناع الواقي «كسر مقاومته» بحيث يصبح عديم الفائدة في حماية الجهاز التنفسي للعدو، ونظريا، مع زيادة سمية المادة الكيميائية، تنخفض الكمية المطلوبة لتحقيق تأثير في المعركة، ورغم هذه الزيادة في السمية، فقد يكون الاستخدام غير مجدٍ إذا كانت وسائل النشر منخفضة الكفاءة، وقد ركزت الأبحاث الحديثة على وسائل تضمن توصيل المادة الكيميائية بكفاءة تامة إلى الهدف.
الكيماويات الكلاسيكية
ويمكن تصنيف الكيماويات التي استخدمت قبل الحرب العالمية الثانية بأنها أسلحة كيماوية كلاسيكية، حيث كانت مواد بسيطة نسبيا وأغلبها مواد تجارية أو مشتقاتها، وكمثال لذلك الفوسجين وهو غاز خانق (يهيج العين وأوعية التنفس).
والفوسجين مادة صناعية هامة تستخدم في عمليات المعالجة بالكلور، ومثال آخر مادة سيانيد الهيدروجين، ويسمى مادة كيماوية للدم (حيث يمنع انتقال الأكسجين إلى الأنسجة) ويستخدم حاليا على نطاق واسع في العالم لتصنيع بوليمرات الأكريلك، وحاليا، تعتبر هذه الأسلحة الكيمائية الكلاسيكية مفيدة جزئيا في الحروب الحديثة فقط ضد عدو لا يملك معدات ذات تقنية عالية وتحتاج إلى استخدام كميات كبيرة لتحقيق تأثير عسكري مهم وهذا بالتالي يؤدي إلى تعقيد الإمدادات.
إنتاج الكيماوي
لتحقيق تأثير سريع، يتم تطوير مركب زرنيخي نفطي يسمى لويسيت، وأغلب مخزون الاتحاد السوفيتي السابق كان خليطا من اللويسيت، وكان الدافع وراء ذلك هو بطء الخردل في إحداث خسائر في المعركة، وكانت هناك تجارب مستقلة في بلدان عديدة لعمل خليط من الخردل واللويسيت باستخدام القنابل، وبرغم عدم استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الثانية، فإن التخلص من الكميات الكبيرة من الذخيرة الكيمائية التي تراكمت لدى دول كثيرة أصبحت مشكلة صعبة بالفعل، وتم في النهاية التخلص منها بدفنها في أعماق كل محيطات العالم في سفن مستهلكة!
أما غاز الأعصاب، فهو سائل وليس غاز، ويعتمد تأثيره على تحطيم أنزيم ضروري لعمل الجهاز العصبي المركزي، ويتم تقسيم غازات الأعصاب إلى مجموعتين رئيسيتين هما «جي» و«في»، وجميع غازات الأعصاب المنتجة كأسلحة كيمائية تعتبر مركبات فوسفورية عضوية وتكون سائلة في درجة حرارة الغرفة، ويبدأ تأثير هذه الغازات عند استنشاقها أو تسربها داخل الجلد أو الاثنين معا، رغم وجود اختلاف في التأثير في الحالتين، وعموما، كلما قل تطاير المادة (وبالتالي يقل خطر استنشاقها) زادت سميتها، وقد اكتشف الألمان غاز الأعصاب سنة 1930 وتم تطويره خلال الحرب العالمية الثانية.
واكتشف الكيمائي الألماني جيرهارد شرويدر خلال دراسته للمبيدات الحشرية سنة 1936 مادة تسمى تابون أو «جي أيه»، وبعد عامين اكتشف شرويدر مادة أكثر سمية هي «السارين» أو «جي بي»، ودرجة سمية هذه المواد تفوق قدرات سمية المواد المستخدمة في الحرب العالمية الأولى، ولحسن حظ قوات الحلفاء لم يستخدم الألمان أبدا هذه الميزة التكنولوجية رغم إنتاجهم كمية كبيرة من القذائف المملوءة بمادة التابون، وحاول المنتصرون في الحرب العالمية الثانية استغلال ميزات غازات الأعصاب، حيث استولى البريطانيون تحديدا على كمية صغيرة من مخزون السارين لدراسة تأثيراته، وقام السوفيت بنقل المصنع الألماني لإنتاج السارين إلى بلادهم، واعتبر غاز الأعصاب في ذلك الوقت أحسن سلاح كيماوي بسبب سميته الشديدة وقابليته للاستنشاق، وقامت الولايات المتحدة بتصميم قنبلة مركبة تستفيد من خواص السارين ثم تطورت وسيلة نشر الغاز لتشمل المدفعية والصواريخ وحتى الخزانات الرشاشة.
وفي خمسينات القرن المنصرم، اكتشف البريطانيون فصيلة أخرى من غاز الأعصاب وهي فصيلة الغاز «في»، وامتازت هذه الفصيلة بشدة سميتها وقابليتها لاختراق الأقنعة الواقية، ثم طورت كلا من بريطانيا والولايات المتحدة هذا المنتج إلى «في أكس» بطريقتين مختلفتين.
وفي الستينات، اكتشف غاز «سي أس»، وهو شديد التهيج للأغشية المخاطية، بدون أن يكون له تأثير قاتل، وبالتالي يحقق عجزا مؤقتا بدون إلحاق أذى شديد بالضحايا.
الإعاقة الذهنية.. أهم
ومع استمرار تطوير غاز «سي أس»، تم التوصل إلى مركب جديد، هو «بي زد»، ولكن اتضح أن هذا المركب يسبب الإعاقة الذهنية أكثر من الإعاقة الجسدية وأعراضه غير مميزة ولا تظهر إلا بعد فترة حيث يجعل الضحية مشوش وغير قادر على اتخاذ قرار ويستمر تأثيره لمدة طويلة تصل إلى 48 ساعة، وهذا يصعب من عملية السيطرة على الأسرى المصابين به! وبالتالي تم تطوير مركبات عديدة منه تضاعف من مفعوله وتزيد من سرعة انتشارها وقوتها ويستمر تأثيرها لفترة أقصر، بينما ظهرت مركبات ثانوية للصناعات الدوائية يمكن استخدامها لإلحاق الإعاقات الجسدية بالآخرين.
وتعتمد الأسلحة الكيماوية «الثنائية» على خلط مركبين قبل أو أثناء الاستخدام، ويمكن أيضا استخدام هذه الطريقة لإنتاج مواد ومركبات قاتلة لكنها متطايرة، وبالتالي لا يمكن تخزينها لفترة طويلة، كما أمكن إنتاج مواد اعتبرت مادة حيوية رغم أنها غير حيوية ولكنها تنتج من مواد حيوية وتكون ذات تركيب جزيئي معقد.
أسلحة تكتيكية
واعتبرت الأسلحة الكيمائية أسلحة تكتيكية قد تستخدمها الدول في أغراض عسكرية وأمنية، وقد جرت المحاولة الأولى لاستخدامها بواسطة الجماعة اليابانية الإرهابية برئاسة كولت أم شينريكو، وتراوح هذا الاستخدام بين محاولة كسر صمود القوات في الحرب العالمية الأولى إلى الاستخدام الحديث بواسطة العراق لإيقاف موجات الزحف البشرية الإيرانية في الحرب بينهما، وبقيت الأسلحة الكيمائية دائما مثار جدل حيث كان دائما هناك اتهامات باستخدامها فعليا في كل صراع عسكري شهدته العقود الأخيرة في مناطق مختلفة من المثال، أنتجت جنوب أفريقيا 6 قنابل نووية حرارية كاملة بتكلفة أقل من مليار دولار (حسب أسعار الثمانينات) ولم تستخدم سوى 400 فرد في برنامجها ولم يتطلب الأمر سوى تكنولوجيا متوسطة!
وتستطيع المواد الانشطارية إنتاج طاقة بواسطة الانشطار النووي سواء في مفاعل أو سلاح نووي، وبالتالي فإن أي دولة ترغب في الانضمام إلى النادي النووي، عليها أولا الحصول على المواد الانشطارية الأساسية (يورانيوم 235 أو بلوتونيوم 239).
ومن المعروف عموما أن الحصول على مواد انشطارية بكميات كافية هو أكبر عقبة تقف أمام إنتاج السلاح النووي، فعلى سبيل المثال، استهلك إنتاج المواد الانشطارية لمشروع مانهاتن 80 % من إجمالي ميزانية المشروع .
متطلبات مفاعل البلوتونيوم
إن استخدام مفاعل لإنتاج البلوتونيوم يحتاج أولا إلى استخراج وتنقية اليورانيوم، وفي مرحلة معينة أخرى، يحتاج إلى إنشاء مصنع للتخصيب، ونتيجة قيود معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وصعوبة الحصول على اليورانيوم، يكون العامل الحاسم للبدء في البرنامج النووي هو مدى توفر اليورانيوم أو الزيادة في الطاقة الكهربية في البلد الساعي إلى امتلاك هذا البرنامج.
ورغم ذلك، امتلاك القدرات النووية العسكرية يحتاج إلى أكثر من مجرد شراء أو تصنيع السلاح النووي ذاته، حيث يحتاج البرنامج النووي إلى اهتمام شديد بأنظمة الأمن والسلامة وتعليمات تداول السلاح والاستخدام الأمثل للمواد النووية الثمينة وأيضا إلى سلسلة من الإجراءات التي تضمن أن هناك عدداً محدوداً من الأشخاص لديهم سلطة استخدام السلاح النووي، وأيضا تدريب مكثف للأفراد العسكريين الذين سيقومون بإطلاق هذه الأسلحة على أهدافها، مع العلم أن أي سلاح نووي إرهابي لا يحتاج إلى هذه الإجراءات المعقدة.
قاعدة الرجلين
ولدى الولايات المتحدة سلسلة طويلة ومعقدة من الإجراءات التي تضمن استخدام الأسلحة النووية فقط بأوامر من الرئيس أو من يفوضه، ومن بين هذه الإجراءات قاعدة تعرف باسم «قاعدة الرجلين»، بمعنى أنه من غير المسموح أبدا تواجد شخص واحد مع سلاح نووي، فضلا عن الإجراءات المتعلقة بالترقيم المطلوب لتشغيل السلاح النووي، كما يتم إجراء اختبارات نفسية شديدة التعقيد والصرامة على العاملين في البرنامج النووي ويتم استبعاد أي شخص غير لائق، ولا يتم تركيب المفجر للأسلحة النووية إلا قبل الاستخدام المباشر، وحتى في حالة نجاح ديكتاتور ما في الحصول على سلاح نووي، فإنه أيضا سيكون حذرا بخصوص إجراءات استخدامه لضمان عدم توظيفه في قمع أي حركة ثورية ضده!
الإنتاج النووي
السلاح النووي جهاز معقد، واعتمادا على تعقيد التصميم وقيود المصمم من حيث حجم ووزن وكمية المواد النووية المستخدمة، قد يحتاج السلاح النووي إلى عمليات تصنيع دقيقة جدا، ورغم كل ذلك، فإن المصانع التي تنتج مكونات نووية يجب أن تكون قادرة على قياس الأبعاد الكيميائية بدقة متناهية ومقارنة المعادلات الكيميائية طبقا لمجموعة من المعايير القياسية بدقة متناهية، وقد صار شيئا عاديا الآن أن تتم عملية تصنيع المكونات النووية بمساعدة أجهزة الحاسب، وعلى الأخص الحواسب الرقمية خماسية الأبعاد فضلا عن الحاجة إلى معدات تفتيش معينة وأجهزة إنسان آلي (روبوتات).
وبدون توافر قدرات تصنيعية معينة، يكون من الصعب إنتاج المعدات العسكرية عموما، لكن الآن كثير من قدرات التصنيع التجارية تتجاوز القدرات التكنولوجية التي كانت متاحة في الولايات المتحدة عند تصنيع أول سلاح نووي، كما تظهرالحاجة أيضا إلى أنظمة قياس يتم تشغيلها أثناء التصنيع، بالإضافة إلى معدات قياس بعد التصنيع تراقب الجانب الخاص بالجودة الشاملة.
اختبار نووي
إن أي دولة تحاول تصنيع سلاح نووي الآن لا تحتاج إلى إجراء تفجير نووي كامل للتأكد من صلاحية هذا السلاح، ومع ذلك، تظل الحاجة قائمة إلى إجراء بعض الاختبارات والقياسات طوال البرنامج للتأكد من صلاحية المكونات غير الذرية، مثل مجموعة التفجير وأجهزة توليد النيوترونات. ومما يؤكد عدم الحاجة إلى إجراء تفجير نووي كامل أن الدول النووية الست التي أجرت تجارب نووية كاملة نجحت في أول محاولة لإجراء هذا التفجير، لدرجة أن أول سلاح نووي القي على هيروشيما استخدم مجموعة من القنابل الأولية التي لم يتم تجربتها.
قوة التفجير
يمكن تقسيم برامج الاختبار بصفة أساسية إلى مجموعتين رئيسيتين: إحداهما تستخدم يورانيوم عالي التخصيب مع جهاز بدء، والأخرى تستخدم إما البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب مع جهاز تفجير داخلي، في حالة إجراء تفجير نووي من أعلى برج ارتفاعه بضع مئات من الأقدام أو معلق في بالون، يمكن تصوير ما ينتج عن التفجير من كرة نار وسحابة دخانية نووية، كما تمكن ملاحظة موجة صدمة الهواء، فضلا عن ملاحظة تأثير السلاح على أهداف حقيقية مثل المباني والمركبات، وأكثر قياس دقيق لقوة التفجير يتم عن طريق تحليل كيميائي إشعاعي لنواتج تربة التفجير.
تأثيرات الأسلحة النووية
تمكن محاكاة بعض تأثيرات الأسلحة النووية باستخدام نموذج رياضي بواسطة حواسب عملاقة، بينما لا يمكن تقييم بعض التأثيرات أو التأثيرات المركبة بهذه الطريقة.
وتعتمد الدول النووية الكبرى كالولايات المتحدة على مقارنة نتائج هذه التجارب والتحليلات مع النتائج الفعلية لتجاربها الحية التي استمرت تقريبا 50 سنة، ولا يمكن الوثوق تماما في نتائج الاستنتاج النظري والرقمي لتأثيرات الأسلحة النووية إذا لم تدعمها تجارب فعلية، بينما توفر الاختبارات تحت سطح الأرض فرصاً جيدة لقياس كفاءة التصميم والتأثير الإشعاعي.
قياس التأثير
توفر هذه التجارب مؤشراً لقياس قوة احتمال المعدات العسكرية بالإضافة إلى دراسة ظواهر التأثيرات النووية الرئيسية، من حيث كفاءة السلاح والتأثير الإشعاعي والانفجاري والموجي والحراري.
محاكاة الانفجار
كان من الضروري إيجاد وسيلة لتحديد صمود الإنشاءات عن طريق المحاكاة نتيجة القيود التي فرضتها اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية على التفجيرات في طبقات الجو وتحت سطح الماء. بالنسبة لمحاكاة الانفجار والموجة الانفجارية، فإنه يتم ذلك عن طريق استخدام متفجرات كيماوية في الجو بكميات كبيرة، أو يتم إجراؤه في مكان مصمم للاختبار يمكنه إنتاج تأثيرات حرارية مماثلة لتلك الناتجة عن تفجير نووي، ورغم ذلك، تختلف الموجة الانفجارية في الحالتين بسبب تسخين النبضة الحرارية العالية المنبعثة من التفجير النووي لطبقات الهواء قرب الأرض بسرعة وبالتالي تسير الموجة الانفجارية أسرع مما يحدث إذا كان الهواء باردا في حالة التفجير الكيماوي.
تأثيرات الأسلحة
لقد اتضح بعد إجراء دراسات ميدانية دقيقة ومكثفة أن التلوث الذي حدث نتيجة انفجار مفاعل تشيرنوبل في روسيا كان أكبر بكثير مما هو متوقع من تفجير نووي قوته 20 كيلو طناً على مستوى الأرض، وكانت التأثيرات الناجمة عن هذا التفجير تشبه حربا نووية صغيرة تم فيها تفجير دستة من الأسلحة النووية ذات قوة تفجير متوسطة على ارتفاع محسوب لتحقيق أكبر خسائر نتيجة الانفجار. بشكل عام، ينتج عن التفجير النووي تأثيرات عديدة مثل الموجات الانفجارية والنبضات الحرارية وإشعاعات من نيوترونات وجاما وأكس والنبضات الالكترومغناطيسية، وأيضا تأين طبقات الجو العليا، واعتمادا على البيئة التي يتم فيها التفجير، تختلف نسب التأثيرات التالية، ومنها الهزات الأرضية والمائية والسحابات النووية وانبعاث كميات هائلة من الأتربة والمواد المشعة المتساقطة.
وتنتقل طاقة الانفجار النووي إلى الوسط المحيط في ثلاث صور محددة، هي الانفجار والإشعاع الحراري والإشعاع الذري، ويعتمد توزيع الطاقة على هذه الصور الثلاث على قوة التفجير ومكان الانفجار وطبيعة البيئة المحيطة بمكان الانفجار.
فعلى سبيل المثال، سيكون توزيع طاقة تفجير نووي متوسط القدرة في حدود كيلوطن وعلى ارتفاع منخفض من سطح الأرض كما يلي: 50% موجة انفجارية، 35% إشعاع حراري، 15% إشعاع نووي، كما يتم تصنيف التفجيرات النووية إلى تفجيرات في الجو، وتفجيرات على سطح الأرض، وتفجيرات تحت سطح الأرض، وتفجيرات في طبقات الجو العليا، بالنسبة للتفجيرات النووية الأقل من ميجاطن، يكون العامل المدمر على الأهداف أساسا هو الموجة الانفجارية والهزة.
التأثير الانفجاري
أوضحت صور هيروشيما وناجازاكي وصور المباني المنشأة في موقع الاختبارات النووية الأمريكية في صحراء نيفادا أن تدمير الأهداف المعادية كان نتيجة الموجة الانفجارية والاهتزاز، بينما ستكون الهزة الأرضية لتفجير سطحي أو تحت السطح هي الطريقة الوحيدة لتدمير الإنشاءات المحصنة تحت الأرض مثل مراكز القيادة وصوامع الصواريخ، إذ يقع التدمير نتيجة درجة الحرارة العالية جدا والضغط العالي في مكان الانفجار، وتتحرك الغازات الساخنة بسرعة عالية جدا من مركز الانفجار في شكل كروي، وتتجاوز هذه السرعة في بدايتها سرعة الصوت، وهذا يعني أن سرعتها ستتجاوز عدة مئات من الكيلومترات/ ساعة مسببة ضغطا يتجاوز بكثير 35 ،0 ضغط جوي (وهو ضغط كاف للتدمير بدرجة متوسطة)، وسيمتد هذا الأثر لمسافة أكثر من 15 كيلو في حالة تفجير نووي قوته 15 ميجا طن، وأغلب التدمير سيكون نتيجة التأثيرالمزدوج للضغط الثابت والضغط المتحرك لرياح التفجير، وقد تستمر موجات الضغط والخلخلة ثواني معدودة أو أكثر ولكن شدتها ستكون أكثر من أي إعصار مدمر معروف على وجه الأرض.
«كرة النار»
تنبعث كميات هائلة من الإشعاع الالكترومغناطيسى من «سطح كرة النار» في الدقيقة الأولى للتفجير، وتكون سرعة الإشعاع الحراري بنفس سرعة الضوء، أي 300000كم/ ثانية، وخلال ثوان، ترتفع درجة الحرارة كرة النار لتصل إلى 10 7، وهذا يسبب حروقاً شديدة وإصابات لعيون الأشخاص غير المحميين من التأثير الحراري.
وسندرك مقدار درجة الحرارة الجهنمية هذه إذا عرفنا أن أي تفجير كيماوي عادي يعطي درجة حرارة 5000 فقط! وبعد حوالي 1 ،0 ثانية من التفجير، تحدث موجة حرارية ثانية أشد من الأولى نتيجة تداخل درجة حرارة كرة النار مع الهواء الساخن المحيط ويتم فيها إشعاع 99% من الطاقة الحرارية لكرة النار، وقد تستمر هذه الموجة لمدة 20 ثانية لتفجير 10 ميجا طن من الإشعاع، وهي فترة كافية للقضاء على كل مظاهر الحياة.
التأثير الإشعاعي
تنفرد التفجيرات النووية بأنها قادرة على نشر كمية هائلة من الإشعاعات القاتلة، وهذا الإشعاع يتكون أساسا من نوعين، الكترومغناطيسى وجزئيات، ولا ينبعث هذا الإشعاع لحظة التفجير (إشعاع فوري) فقط، ولكن هناك أيضا الإشعاعات الثانوية (تحسب بعد ستين ثانية من التفجير)، بشكل عام، يتم قياس جرعة الإشعاع القاتلة على مدار 60 يوما من حيث تأثيرها على الإنسان، ونتيجة لانبعاث حوالي 300 نظير بسبب التفجير النووي، أغلبها ذو نشاط إشعاعي، فقد يستمر الخطر الإشعاعي الثانوي في مكان التفجير لعدة شهور أو سنوات.
النبضة الالكترومغناطيسية
في حالة التفجيرات النووية على ارتفاعات عالية وبسبب فيض أشعة جاما الناتجة عن الانفجار النووي في صورة فوتونات، يحدث انبعاث للإلكترونات الحرة ذات طاقة عالية التي تنتشر على ارتفاع من 20 إلى 40 كم فوق سطح الأرض، ونتيجة احتباس هذه الإلكترونات في المجال المغناطيسي للأرض، فإنه ينشأ عنها تيار إلكتروني متذبذب، وهو تيار غير متناسق يسبب مجالا إلكترونيا مشعا يسمى «النبضة»، وتؤدي هذه النبضة إلى تعطل الأنظمة العسكرية برا وجوا وبحرا ولمسافة تمتد لمئات الكيلو مترات من موقع التفجير، لكن هذا التأثير يستدعي أن تكون قوة التفجير في حدود ميجا طن الأمر الذي يفرز معه مخاوف من امتداد التأثير إلى القوات المهاجمة أيضا وبالتالي لا يمكن أبدا توجيه هذه النبضة إلى العدو فقط!
الأسلحة البيولوجية..
الشقيقة الوسطى
كانت دول عديدة قد خططت للاستخدام المتعمد للجراثيم والميكروبات والفيروسات المسببة لأمراض خطيرة أغلبها ليس له علاج شافٍ كسلاح بيولوجي لتحقيق خسائر جسيمة في القوة البشرية للعدو سواء العسكرية أو المدنية.
ولعل أشهر الأمراض الناجمة عن استخدام الجراثيم والبكتريا كأسلحة بيولوجية الأنثراكس وسموم المعلبات والحمى القلاعية.. وفيما يلي عرض سريع لأخطر عناصر ترسانات الموت البيولوجية.
الأنثراكس
أصل الانثراكس أنه مرض يصيب الحيوانات ويظهر في الإنسان على صورتين، الأول هو الانثراكس الجلدي، ويظهر على شكل فقاعات جلدية محاطة باحمرار وتورم ثم تتحول إلى تقيحات وجروح، وفترة الحضانة لهذا النوع تتراوح ما بين يوم إلى سبعه أيام ويسبب الوفاة في حوالي 10 20% من المصابين؛ لكن باستخدام المضاد الحيوي المناسب تنخفض هذه النسبة إلى 1%، أما الثاني فهو انثراكس الجهاز التنفسي، ويحدث عند استنشاق البكتريا ووصولها إلى الرئة، ولا علاج تقريبا لهذا المرض، وقد بلغت نسبة الموت في الولايات المتحدة في الإصابات الأخيرة حوالى 90%، وعند استخدام الانثراكس كسلاح بيولوجي يتم نشره في الهواء، وإذا ما تم نشر 100 كجم من الانثراكس من طائرة تطير على ارتفاع منخفض في ليلة سمائها صافية في منطقة مزدحمة لأدى ذلك إلى قتل ثلاثة ملايين شخص! وتظهر أعراض المرض تدريجيا بعد فترة حضانة من 1 6 أيام، وتشمل الأعراض حمى وإحساس شديد بالتعب قد يكون مصحوبا بكحة جافة وألم في الصدر، وكل المرضى الذين أصيبوا بهذا المرض وبدأ علاجهم بعد ظهور أعراضه لقوا حتفهم في النهاية، ويستخدم البنسلين والتتراسيكلين والأرثومايسين والكلورا ميفنيكول والسبيروفلوكساسين للعلاج، وتوجد بعض التطعيمات ضد الانثراكس، لكن تأثيرها ضد التركيز العالي للبكتريا غير مؤكد، لكن في كل الأحوال، وعند التأكد من الإصابة، يجب تعاطي المضادات الحيوية لمدة 4 أسابيع.
سموم المعلبات
ينتج هذا المرض عن نوع من البكتريا المماثلة للموجودة في حالة التسمم بالمعلبات، وتفرز هذه البكتريا سبعة أنواع من السموم تمنع توصيل الإشارات العصبية إلى المخ وتسبب ارتخاء العضلات وشلل خاصة في الجهاز التنفسي والأطراف والعين وجفاف بالفم والحلق، وقد يحدث أيضا احتباس للبول، وأخطر المضاعفات التالية هي هبوط في الجهاز التنفسي حيث يؤدي في النهاية إلى الوفاة، وكانت نسبة وفيات هذا المرض قبل الخمسينات تبلغ حوالي 60% من المصابين ولكنها انخفضت الآن إلى 5%.
الحمى القلاعية
وهي في الأصل مرض حيواني يسببه أربع أنواع من البكتريا، وتعيش في الأنسجة والنخاع العظمي، ومن الصعب جدا التغلب عليها حتى مع استخدام المضادات الحيوية القوية، وتصيب هذه الحمى أساسا الأنعام مثل الماعز والخراف والجمال والجاموس والبقر، وتنتقل العدوى إلى الإنسان عن طريق شرب لبن أو أكل لحم حيوان مريض أو تلوث جرح أو إصابة بكترية بالجلد أو العين؛ لكنه لا ينتقل من إنسان إلى إنسان آخر، ولذلك لا تحتاج إلى عزل المرضى، ويظهر المرض بعد فترة حضانة 3 4 أسبوع؛ ولكن أحيانا يظهر بعد أسبوع واحد وقد تمتد إلى عدة أشهر، وتظهر أعراضه على صورة عرق وصداع وتعب وفقد وزن واكتئاب وقد تحدث كحة في 1525% من الحالات؛ لكن لا تتعدى نسبة الوفاة في هذا المرض 5%، ويعتمد العلاج على تناول دوكسيسيكلين + ريفامبين (أوستربتومايسين).
الكوليرا
وهو مرض يتسبب في قيء وإسهال شديدين وينتقل أساسا عن طريق الأكل أو السوائل الملوثة، ويكون الجفاف المصاحب للمرض هو السبب الرئيسي للموت، ويعتمد العلاج أساسا على تعويض السوائل الناقصة، والمصل المعروف يحقق مناعة لمدة ستة أشهرلحوالي 50% من الذين يتم تطعيمهم.
آكلة العضلات
نوع من البكتريا اللاهوائية تؤدى الإصابة بها إلى التسمم والغرغرينا وتآكل العضلات والأنسجة والتهاب الأمعاء، وتسبب هذه البكتريا نسبة وفيات عالية، وتظهر أعراض التسمم مثل الاضطراب والعرق، وتنتج هذه البكتريا 12 نوعا من البروتينيات يمكن استخدام أي منها كسلاح بيولوجي في الحروب، ولا يوجد وقاية أو علاج من المرض، وإن كانت هذه البكتريا حساسة إلى حد ما ضد البنسلين، والعلاج المبكر بالمضادات يعتبر ناجحا إذا تم تناوله قبل تراكم كمية كبيرة من السموم في الجسم.
حمى النزف
الفيروس المسبب للمرض ينتقل عن طريق قرص البراغيث أو عند ذبح حيوان مصاب، والانتشار من مريض إلى آخر قليل الحدوث، ويسبب هذا المرض الوفاة بنسبة 1530% من الإصابات، وتعتمد فترة حضانة المرض على طريقه الإصابة وتتراوح بين 113 يوم، وتظهر أعراض المرض في صورة صداع شديد وقيء وألم في الفقرات القطنية وهذيان، والحالات الشديدة يصاحبها نزيف حاد وغيبوبة ورعشة، ويجب عزل المرضى تماما مع احتياطات شديدة للتمريض في المستشفيات، ويمكن استخدام الريبا فيرين كعلاج عند الشك في استخدام الفيروس كسلاح بيولوجي؛ لكن لا توجد جرعة محددة ويتم استخدام تطعيم فمي في بلغاريا ضد المرض، لكن أيضا لا توجد نتائج محددة.
الإيبولا
يعتبر من الفيروسات الفتاكة، وينتقل بالتلامس والدم والإفرازات والحيوانات المنوية، وبسبب هذا التنوع في طرق انتقاله، يرشح للاستخدام في الحروب البيولوجية بكثرة، وتبلغ نسبة الموت للمصابين من 50 90%، وضعت كثير من الاحتمالات لهذا المرض منها القوارض أو تعاطي الفقاريات لنباتات مصابة بفيروسات، وفترة حضانة المرض من 221 يوم ويسبب حمى وضعف وألم بالعضلات وصداع وألم بالحلق وقيء وطفح جلدي مع انخفاض كفاءة الكبد والكلى، ولا يوجد علاج أو تطعيم للمرض، لكن يجب عزل المرضى تماما، مع ضرورة حرق المرضى المتوفين.
الطاعون
يصاب الإنسان بهذا المرض عن طريق القوارض والبراغيث، في الحروب البيولوجية، يتم نشر النوع الجسدي بواسطة البراغيث، أما النوع الرئوي فيتم نشره عن طريق الهواء، يؤدي النوع الجسدي إلى تمحور الغدد الليمفاوية في أجزاء الجسم وتكون مؤلمة ثم تسبب الالتهاب والتآكل وتنتشر السموم ويصيب المرض الجهاز العصبي والرئة، ولا علاج محدد له، وتبلغ نسبة الوفيات 50%، أما الطاعون الرئوي والذي قد ينتقل عن طريق التنفس من إنسان لآخر، فإنه يسبب ضيقاً في التنفس، ويتطور سريعا إلى اختناق، ويعتبر الاستربتومايسين والنتراسيكلين والكلوراميفينكول من المضادات المؤثرة عند تعاطيها مبكرا، وبدون علاج، من الممكن أن تبلغ نسبة الوفيات 100%.
الحمى المالطية
يصاب به الإنسان عن طريق تنفس الجزئيات الملوثة بالميكروب من الحيوانات الحاملة له، مثل الإبل والماعز والجمال وفترة حضانة المرض من 2 14 يوماً، ويحدث الالتهاب الرئوي عادة كأحد مضاعفات هذا المرض، ويمكن الوقاية عن طريق جرعة تطعيم واحدة، والعلاج باستخدام التتراسيكلين والأوكسيسيللين.
سم الرايسن
هو سم بروتيني من نبات الكتان، ويعتمد تأثيره على منع تكون البروتين في الإنسان عن طريق إحداث تغييرات في الحمض النووي مما يؤدي إلى موت الخلية، وقد يستخدم في الحرب البيولوجية لانتشاره في بقاع العالم وسهولة إنتاجه وشدة فتكه بالجهاز التنفسي.
الجدري
تم القضاء نهائيا على هذا المرض سنة 1978، ولم يعد الفيروس موجودا إلا في معامل الولايات المتحدة وروسيا، وظهور هذا الفيروس خارج معامل تلك الدولتين معناه أنه تم استخدام الفيروس كسلاح بيولوجي، وينتقل الجدري من إنسان إلى آخر، وفترة حضانة المرض من 1017 يوماً، تظهر بعدها الحرارة ثم حبوب جلدية يملؤها الصديد وتتكون قشرة تسقط وتترك ندبات غائرة، ولا يوجد علاج خاص لهذا المرض، ونسبة الموت 35% للأفراد غير المطعمين، وتضم قائمة الحرب البيولوجية أنواعا أخرى عديدة من الميكروبات والفيروسات والسموم، من أشهرها: سموم الأعصاب، وحمى الوادي المتصدع ؛ والسموم الفطرية، والتهاب المخ الفنزويللي.
الأسلحة الكيميائية.. الشقيقة الصغرى
تستخدم الأسلحة الكيميائية الخواص السامة للمواد لتحقيق تأثير مادي وفسيولوجي على العدو، ورغم أن المواد التي يمكن تسميتها أسلحة كيميائية يرجع تاريخها إلى زمن بعيد، فإن تراث الأسلحة الكيميائية كما هي معروفة الآن يرجع إلى الحرب العالمية الأولى، حيث جرى استخدام «الغاز» بكفاءة مرات عديدة بواسطة المتحاربين لتغيير نتائج المعارك، ونتج عن ذلك خسائر جسيمة في المعارك، مما استتبع التوقيع على معاهدة جنيف التي منعت استخدام الأسلحة الكيميائية في المعارك في سنة 1925م، وقد تحفظت مجموعة من الدول عند توقيعها، وكان من بينها الولايات المتحدة، بحجة أنها لن تكون البادئة باستخدام هذا السلاح ولكنها تحتفظ بحقها في الرد المماثل بالأسلحة الكيميائية في حالة استخدامها ضدها (لم تصادق الولايات المتحدة على المعاهدة حتى عام 1975)، وفيما بين الحربين العالميتين استخدمت دولتان موقعتان على المعاهدة الأسلحة الكيميائية، الأولى هي إيطاليا ضد أثيوبيا والثانية هي اليابان ضد الصين، ورغم مئات الأطنان المخزنة من الأسلحة الكيميائية، لم يتم استخدام الأسلحة الكيمائية خلال الحرب العالمية الثانية سواء بواسطة قوات الحلفاء أو قوات المحور، وبقيت حالات استخدام هذه الأسلحة في الحروب المحلية بعد ذلك محل نقاش رغم أنها استخدمت بالفعل في الحرب العراقية الإيرانية فيما بين 1982 1987م.
رياح «الكلور»
وكان استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الأولى بطريقة تقليدية تماما، وذلك عن طريق «ملء» وعاء ذخيرة بالمادة الكيميائية، وكانت هذه الكيماويات مواد تجارية معروفة أو نواتج ثانوية له، حيث قام الألمان ببساطة بفتح العبوات المعدنية التي تحوي غاز الكلور وتركوا للرياح السائدة نشره، وبعد ذلك بفترة قصيرة، قام الفرنسيون بوضع غاز الفوسجين في طلقة مدفعية وأصبحت هذه هي الطريقة المثلى المتبعة في نشر عناصر الأسلحة الكيمائية، واستخدم الألمان لأول مرة عام 1917 طلقات تحتوي على غاز الخردل، وفي نفس الوقت حاولوا استخدام مادة صلبة مقيئة وهي مادة دافنيل كلورو أرسين للتغلب على الأقنعة.
ويستطيع غاز الخردل التسلل واختراق الجلد والأقمشة مسببا حروقا مؤلمة على جلد الإنسان، وركزت أبحاث الدول المتقدمة لتطوير الأسلحة الكيميائية خلال سنوات عديدة على زيادة سمية المواد الكيميائية بطريقة كبيرة، فبداية، يجب أن تكون المواد الكيميائية قادرة على مهاجمة الجسم من خلال الجلد ويستحسن أن تكون لها القدرة على النفاذ من خلال الملابس، والأكثر استحسانا أن تكون قادرة على النفاذ من خلال أي ملابس واقية! ويصاحب ذلك محاولة اختراق القناع الواقي «كسر مقاومته» بحيث يصبح عديم الفائدة في حماية الجهاز التنفسي للعدو، ونظريا، مع زيادة سمية المادة الكيميائية، تنخفض الكمية المطلوبة لتحقيق تأثير في المعركة، ورغم هذه الزيادة في السمية، فقد يكون الاستخدام غير مجدٍ إذا كانت وسائل النشر منخفضة الكفاءة، وقد ركزت الأبحاث الحديثة على وسائل تضمن توصيل المادة الكيميائية بكفاءة تامة إلى الهدف.
الكيماويات الكلاسيكية
ويمكن تصنيف الكيماويات التي استخدمت قبل الحرب العالمية الثانية بأنها أسلحة كيماوية كلاسيكية، حيث كانت مواد بسيطة نسبيا وأغلبها مواد تجارية أو مشتقاتها، وكمثال لذلك الفوسجين وهو غاز خانق (يهيج العين وأوعية التنفس).
والفوسجين مادة صناعية هامة تستخدم في عمليات المعالجة بالكلور، ومثال آخر مادة سيانيد الهيدروجين، ويسمى مادة كيماوية للدم (حيث يمنع انتقال الأكسجين إلى الأنسجة) ويستخدم حاليا على نطاق واسع في العالم لتصنيع بوليمرات الأكريلك، وحاليا، تعتبر هذه الأسلحة الكيمائية الكلاسيكية مفيدة جزئيا في الحروب الحديثة فقط ضد عدو لا يملك معدات ذات تقنية عالية وتحتاج إلى استخدام كميات كبيرة لتحقيق تأثير عسكري مهم وهذا بالتالي يؤدي إلى تعقيد الإمدادات.
إنتاج الكيماوي
لتحقيق تأثير سريع، يتم تطوير مركب زرنيخي نفطي يسمى لويسيت، وأغلب مخزون الاتحاد السوفيتي السابق كان خليطا من اللويسيت، وكان الدافع وراء ذلك هو بطء الخردل في إحداث خسائر في المعركة، وكانت هناك تجارب مستقلة في بلدان عديدة لعمل خليط من الخردل واللويسيت باستخدام القنابل، وبرغم عدم استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الثانية، فإن التخلص من الكميات الكبيرة من الذخيرة الكيمائية التي تراكمت لدى دول كثيرة أصبحت مشكلة صعبة بالفعل، وتم في النهاية التخلص منها بدفنها في أعماق كل محيطات العالم في سفن مستهلكة!
أما غاز الأعصاب، فهو سائل وليس غاز، ويعتمد تأثيره على تحطيم أنزيم ضروري لعمل الجهاز العصبي المركزي، ويتم تقسيم غازات الأعصاب إلى مجموعتين رئيسيتين هما «جي» و«في»، وجميع غازات الأعصاب المنتجة كأسلحة كيمائية تعتبر مركبات فوسفورية عضوية وتكون سائلة في درجة حرارة الغرفة، ويبدأ تأثير هذه الغازات عند استنشاقها أو تسربها داخل الجلد أو الاثنين معا، رغم وجود اختلاف في التأثير في الحالتين، وعموما، كلما قل تطاير المادة (وبالتالي يقل خطر استنشاقها) زادت سميتها، وقد اكتشف الألمان غاز الأعصاب سنة 1930 وتم تطويره خلال الحرب العالمية الثانية.
واكتشف الكيمائي الألماني جيرهارد شرويدر خلال دراسته للمبيدات الحشرية سنة 1936 مادة تسمى تابون أو «جي أيه»، وبعد عامين اكتشف شرويدر مادة أكثر سمية هي «السارين» أو «جي بي»، ودرجة سمية هذه المواد تفوق قدرات سمية المواد المستخدمة في الحرب العالمية الأولى، ولحسن حظ قوات الحلفاء لم يستخدم الألمان أبدا هذه الميزة التكنولوجية رغم إنتاجهم كمية كبيرة من القذائف المملوءة بمادة التابون، وحاول المنتصرون في الحرب العالمية الثانية استغلال ميزات غازات الأعصاب، حيث استولى البريطانيون تحديدا على كمية صغيرة من مخزون السارين لدراسة تأثيراته، وقام السوفيت بنقل المصنع الألماني لإنتاج السارين إلى بلادهم، واعتبر غاز الأعصاب في ذلك الوقت أحسن سلاح كيماوي بسبب سميته الشديدة وقابليته للاستنشاق، وقامت الولايات المتحدة بتصميم قنبلة مركبة تستفيد من خواص السارين ثم تطورت وسيلة نشر الغاز لتشمل المدفعية والصواريخ وحتى الخزانات الرشاشة.
وفي خمسينات القرن المنصرم، اكتشف البريطانيون فصيلة أخرى من غاز الأعصاب وهي فصيلة الغاز «في»، وامتازت هذه الفصيلة بشدة سميتها وقابليتها لاختراق الأقنعة الواقية، ثم طورت كلا من بريطانيا والولايات المتحدة هذا المنتج إلى «في أكس» بطريقتين مختلفتين.
وفي الستينات، اكتشف غاز «سي أس»، وهو شديد التهيج للأغشية المخاطية، بدون أن يكون له تأثير قاتل، وبالتالي يحقق عجزا مؤقتا بدون إلحاق أذى شديد بالضحايا.
الإعاقة الذهنية.. أهم
ومع استمرار تطوير غاز «سي أس»، تم التوصل إلى مركب جديد، هو «بي زد»، ولكن اتضح أن هذا المركب يسبب الإعاقة الذهنية أكثر من الإعاقة الجسدية وأعراضه غير مميزة ولا تظهر إلا بعد فترة حيث يجعل الضحية مشوش وغير قادر على اتخاذ قرار ويستمر تأثيره لمدة طويلة تصل إلى 48 ساعة، وهذا يصعب من عملية السيطرة على الأسرى المصابين به! وبالتالي تم تطوير مركبات عديدة منه تضاعف من مفعوله وتزيد من سرعة انتشارها وقوتها ويستمر تأثيرها لفترة أقصر، بينما ظهرت مركبات ثانوية للصناعات الدوائية يمكن استخدامها لإلحاق الإعاقات الجسدية بالآخرين.
وتعتمد الأسلحة الكيماوية «الثنائية» على خلط مركبين قبل أو أثناء الاستخدام، ويمكن أيضا استخدام هذه الطريقة لإنتاج مواد ومركبات قاتلة لكنها متطايرة، وبالتالي لا يمكن تخزينها لفترة طويلة، كما أمكن إنتاج مواد اعتبرت مادة حيوية رغم أنها غير حيوية ولكنها تنتج من مواد حيوية وتكون ذات تركيب جزيئي معقد.
أسلحة تكتيكية
واعتبرت الأسلحة الكيمائية أسلحة تكتيكية قد تستخدمها الدول في أغراض عسكرية وأمنية، وقد جرت المحاولة الأولى لاستخدامها بواسطة الجماعة اليابانية الإرهابية برئاسة كولت أم شينريكو، وتراوح هذا الاستخدام بين محاولة كسر صمود القوات في الحرب العالمية الأولى إلى الاستخدام الحديث بواسطة العراق لإيقاف موجات الزحف البشرية الإيرانية في الحرب بينهما، وبقيت الأسلحة الكيمائية دائما مثار جدل حيث كان دائما هناك اتهامات باستخدامها فعليا في كل صراع عسكري شهدته العقود الأخيرة في مناطق مختلفة من العالم ، لكن دون أن يكون هناك أدلة قاطعة تثبت أستخدام تلك الأسلحة .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|