|
الليل الأنيس.. أو ليل العشاق!
|
ما أن يقترب قرص الشمس من المغيب، لكي لا يترك أثراً من ضياء كان يمنحه للكون والناس منذ إشراقته مع كل صباح، حتى تبدأ رحلة الجميع مع ليل لا يبدد ظلامه الدامس سوى هذه الكثافة من أعمدة الإنارة المزروعة في كل الشوارع والميادين في مدينة الرياض، ولا يحرك سكونه غير هذا العدد الكبير من السيارات الفارهة والعادية التي يقودها الشباب والكهول معاً من شارع إلى آخر في هذه المدينة المكتظة بالناس والسيارات.
***
إنه ليل عامر بالحركة، تسوده أجواء ليلية مختلفة عن نشاطات كثيرة اعتادها الناس في النهار، فهم يسامرونه في ظل وجود الرغبة لديهم في إشباع النفس بما حال العمل دون تحقيقه بالنهار، أو شغلهم عنه شاغل أو مشاغل، فلم يدرك المرء أو يتمكن من إنجاز حاجته وتحقيق ما يدخل ضمن اهتماماته، أو بالإبحار في عالمه المختلف، إلا مع إطلالة ليلة أو ليال جميلة ومثيرة على حياته وعالمه الخاص.
***
ولم يعد هناك - بالمناسبة - خوف أو وحشة من ليل بهيم، أو سكون قاتل، لا يحركه إلا انبلاج أشعة من ضوء الشمس مع كل صباح، فالحياة في ليالي الرياض المقمرة أو غير المقمرة مليئة بالحركة والنشاط، وقادرة على إنجاز ما لم يتم إنجازه في النهار، فالرياض تتميز بليل جميل لا مثيل له في مدينة أخرى، حيث الهواء النقي والمنعش والعليل، وحيث السماء التي تبدو في كامل زينتها إما بقمرها ونجومها أحياناً، أو بسحبها المصحوبة بالمطر - على ندرتها - في الشتاء أحياناً أخرى، بما يلهم الشعراء وأهل الطرب والعشاق كلا في مجاله للإبداع، مع استثمار مناسب لهذه الأجواء المميزة بزخات من العواطف الجياشة، ومطر من المشاعر الإنسانية، وبرق ورعد تحرك وتكشف الأسرار الجميلة على امتداد الصحاري التي تتسع لكل ما هو أثير وجميل وأنيس مما يحبه الإنسان ويهواه ويلهو به عن كل ما يشعره بالضيق أو عدم الراحة في ليله ونهاره.
***
وكثير من الأعمال لا ينجزها بعضنا إلا ليلاً، وهناك من لا تكتمل فرحته بالمناسبات إلا حين يكون توقيتها بعد مغيب الشمس واختفاء آخر شعاع منها، وكل الأفراح والليالي الملاح هي في الليل لا في النهار، بشكل أخل بما كنا نعتاد عليه قبل أن ننعم بالكهرباء والسيارات والإمكانات المالية الهائلة.
***
ولم يعد الليل يحمل الأسرار لا غير، أو أن جماله محصور فقط في قمره ونجومه المضيئة في السماء، أو في اختيار الصحراء للهروب إليها لكي يقضي الإنسان شطراً من هذا اليل الجميل، بعيداً عن الروتين والهموم وما اعتاد عليه.
فالليل في الصيف أو في الشتاء، بالربيع أو في الخريف، هو الليل المؤنس والرائع دائماً، إذ إن الأحلام الجميلة تولد ليلاً، في لحظات استرخاء للجسم تثيره نسمات من الهواء العليل، والسكون والهدوء إن لم يكن هناك مطر ورعد وبرق.
والليل لا يحاسبك على ما أنجزت، ولا يحقق معك في أي من أخطائك، ومن صفاته التسامح، ومن طبعه أن ينسى ما كان أو فات، إنه ليس خصماً لأحد، وإنما هو الصديق والخل، وهو أبداً ودائماً المعطاء والكريم والمحب والعاشق لكل الناس.
***
وكل إبداع لشاعر أو كاتب يأتي غالباً في أجواء ليلية، وكل راحة بعد تعب لا تتحقق إلا في الليل، وأي مريض لا يغفل عن أوجاعه إلا حين ينام ليلاً، ولا نشاط لإنسان في النهار إن لم يسبقه نوم كاف في الليل، وكل الأجواء العاطفية عادة ما تكون وغالباً ما تتم ولادتها في الليل أكثر مما هي في النهار.
***
الليل وباختصار ليس للمعاش، بل إنه للراحة والاستمتاع أولاً وثانياً وأخيراً، وإن كان هناك من يستقطع منه بعض الوقت لعمل ما، لكنه يبقى جميلاً ورائعاً ومؤنساً وأخاذاًَ سواء إن نحن قتلناه بالنوم أو أحييناه بالسهر، ويا ليل ما أروعك!!
خالد المالك
|
|
|
خبراء ومحللون يؤكدون: الحرب ضد الإرهاب ليست تكراراً للحرب الباردة!
|
* إعداد - عايدة السنوسي
على مدى أكثر من خمس سنوات هي عمر الحرب التي أطلقتها الإدارة الأمريكية ضد ما تسميه الإرهاب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 تردد هذه الإدارة باستمرار أن تلك الحرب هي تكرار للحرب الباردة التي خاضتها أمريكا والمعسكر الغربي ضد الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الشرقي على مدى نحو أربعة عقود وانتهت بانتصار أمريكا عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية.
ورغم أن الكثيرين تقبلوا هذه المقاربة بين الحربين باعتبارها محاولة لتسهيل إدراك الرأي العام الأمريكي لحقيقة أن الحرب ضد الإرهاب لن تكون قصيرة ولا بسيطة فإن العديد من الخبراء باتوا يرون أن الإدارة الأمريكية تتلاعب بهذه المقارنة.
قد نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) تقريرا تحت عنوان (هل من العدالة مقارنة الحرب ضد الإرهاب بالحرب الباردة؟) قالت فيه إن الرئيس الأمريكي جورج بوش أعاد التركيز على الحرب ضد الإرهاب على أساس أنها نضال جيل بأكمله. ومن خلال إيجاد نوع من التناظر التاريخي شبه الرئيس بوش أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بالأعداء الايديولوجيين الذين واجهتهم الولايات المتحدة خلال القرن العشرين من الزعيم السوفيتي فلاديمير لينين والزعيم الألماني النازي أدولف هتلر وربط بوش بين الحرب ضد الأصولية حاليا بالحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
فهم العدو
ويتفق المحللون على أن مثل هذه المقارنات والتشبيهات يمكن أن تساعد الأمريكيين في فهم حقيقة العدو الذي يواجههم ويمكن أن تساعد في تحديد ملامح التحدي الذي يواجههم. على سبيل المثال فقد كانت الحرب الباردة معركة أيديولوجية استمرت أربعة عقود وأن الحرب ضد الإرهاب سوف تستمر لفترة زمنية طويلة أيضا. ولكن مثل هذه المقارنات يمكن أن تنسف كل محاولات الأمريكيين لفهم حقيقة المعركة التي يواجهونها الآن إذا ما تم استخدامها للتغطية على أخطاء السياسة الأمريكية أو لتبرير أعمال لا ترتبط بالحرب ضد الإرهاب.
يقول أندرو بيسفيتش الكولونيل السابق في الجيش الأمريكي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن حاليا إن (الحرب الباردة هي قالب جيد لكي تبدأ التفكير في كيفية التعامل مع التحدي الذي تمثله قوى الأصولية.. والمشكلة هي أنه وبغض النظر عما يقوله الرئيس بوش الآن فإن سياسات إدارته لا تعكس سياسات الحرب الباردة بدءا من حقيقة أن الإستراتيجية الأمريكية أثناء الحرب الباردة لم تكن قائمة على أساس اللجوء إلى خيار القوة العسكرية أولا) كما هو الحال الآن في الحرب ضد الإرهاب. كما أنه في الوقت الذي يردد فيه الرئيس بوش نفسه أن الحرب ضد الإرهاب ليست مجرد معركة عسكرية، فإن الحربين في أفغانستان والعراق هما أبرز أعمال إدارته فيما يسميه بالحرب ضد الإرهاب وهما معارك عسكرية بحتة.
في الوقت نفسه فإن الرئيس بوش يواصل عقد المقارنات بين هذه الحرب ضد الإرهاب والصراعات التي شهدها القرن العشرين. فبوش يقول: (لابن لادن وحلفائه نوايا واضحة تماما كما كان الحال بالنسبة للينين وهتلر من قبل). ومثل هذا التشبيه مفيد لكنه يثير مشكلة في الوقت نفسه كما يقول الخبراء.
تشبيهات تاريخية
يقول توماس هينركسين المؤرخ المهتم بالسياسة الخارجية الأمريكية في معهد ستانفورد بولاية كاليفورنيا الأمريكية إن مثل هذا التشبيه (يكون مفيدا لأنه يضع الأمور في سياق يمكن للرأي العام فهمها ولكن في الوقت نفسه فإن مثل هذه التشبيهات التاريخية نادرا ما تكون دقيقة بنسبة 100 في المئة وهو ما يمكن أن يقود إلى سوء فهم.. فالحقيقة أن الحرب ضد الإرهاب ستكون صراعا طويلا. كما أنه عندما يقول الرئيس بوش إنها أكبر من مجرد صراع عسكري فهذا أيضا حقيقة).
ولكن السيد هينركسين وغيره من الخبراء يقولون إن هناك عوامل عديدة تضعف أوجه الشبه بين الحرب ضد الإرهاب وصراعات القرن العشرين. فعلى سبيل المثال فإن الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة كانتا ضد دول مثل ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة في حين أن العدو في الحرب ضد الإرهاب عبارة عن كيانات هلامية وليست دولا فهي منظمات سرية وأديولوجيا تغذيها.
المشكلة الأخرى في مثل هذا التشبيه أنه يعطي إيحاء بأنه يمكن العثور على حلول لمشكلاتنا الحالية من خلال العودة إلى التاريخ وهو أمر يؤدي إلى أخطاء تكون تكلفتها باهظة في أوقات كثيرة.
يقول جيوفري كيمب خبير الأمن القومي في مركز نيكسون للدراسات الإستراتيجية بواشنطن إنه من الناحية الظاهرية تبدو المقارنة بين الحرب ضد الإرهاب والحرب الباردة ذات مصداقية من ناحية أنها تنطوي على تحد أيديولوجي ولكن هذه المقارنة تبدأ بالانهيار عندما نقارن بين العدو الذي تحاربه أمريكا في الحربين.
ويضيف كيمب الذي عمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان: الحرب الباردة كان العدو الأيدلوجي الذي تواجهه الولايات المتحدة مدعوما بعدد من الدول الكبيرة ذات الإمكانيات الكبيرة. في حين أن الأيديولوجيا الأصولية التي تواجه أمريكا تغذيها أيديولوجيا عامة. ولذلك عندما تفكر في العدوين بقدر كبير من التركيز بحثا عن التفاصيل ستجد أن الاختلاف بينهما شاسع جدا.
ويصل كيمب إلى نتيجة مؤداها أن العدو الراهن الذي تواجهه أمريكا يحتاج إلى المعاملة بطريقة مختلفة تماما. فالطرق التقليدية تبدو غير مناسبة تماما للتعامل مع خطر التطرف.
رفض القوة العسكرية
في الوقت نفسه فإن أغلب الخبراء يرفضون رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش التي تعتمد على استخدام القوة العسكرية في الحرب ضد الإرهاب كما يرفضون محاولاته اعتبار الحرب في العراق وأفغانستان جزءا من الحرب العالمية ضد الإرهاب.
والرئيس بوش من ناحيته يواصل تأكيد هذه الرؤية حيث يقول (إن العراق أصبح ساحة المعركة الرئيسية التي سيتحدد فيها مصير الحرب ضد الإرهاب).
ولكن البروفيسور باسيفتش يقول إنه لو كانت الولايات المتحدة قد طبقت أفكار بوش أثناء الحرب الباردة لكانت قد غزت بولندا.
ويقول بعض الخبراء إن محاربة التطرف تختلف جدا عن الحروب السابقة التي خاضتها الولايات المتحدة بل إن تلك المواجهات العسكرية التي يمكن أن تشتعل في إطارها لا يمكن إطلاق كلمة حرب عليها. يقول تشارلز بينا خبير الأمن القومي في منظمة التحالف من أجل سياسة خارجية واقعية بالعاصمة الأمريكية واشنطن: إن الرسالة الحماسية بشأن العراق هي أننا مازلنا نعتقد أننا نستطيع الانتصار هناك بالقوة العسكرية وهو أمر غير صحيح تماما. وقد شرح بينا فكرته بالتفصيل من خلال كتابه الذي جعل عنوانه (انتصار في اللاحرب).
وبعيدا عن رفضه للخيار العسكري في التعامل الأمريكي في الحرب ضد الإرهاب فإن تشارلز بينا يطالب الإدارة الأمريكية بالتخلص من (النفاق) في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. ويضيف (إذا لم نعد تقييم سياستنا الخارجية ونتعامل مع الأسباب الحقيقية التي تدفع الكثيرين تبني رسالة التطرف فإننا سوف نخسر الحرب ضد الإرهاب).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|