|
بين الإفراط والتفريط!
|
يبوح المرء أحياناً وعلى غير عادته بما لديه من أسرار إلى أقرب الناس إليه، ملغياً بذلك مبدأ السرية أو التحفظ التي تسود عادة العلاقات بين الناس..
يريد في هذا أن يتعرف على وجهة نظر من يتحدث إليه، أو أن يستمع إلى رأي سديد منه، أو مشورة ربما تفيده، أو مشاركة وتبادل في الرأي حول قضية أو موضوع بهدف الاستئناس بالرأي الآخر.
***
المرء معذور أحياناً إن هو أحاط خصوصياته بشيء من الاحتفاظ بها لنفسه..
ومن الطبيعي عدم إفشاء المرء لأسراره في بعض الأحيان، أو تعريف الناس بها، أو نقلها إلى الآخرين دونما سبب يبرر لذلك.
***
لكن بعض الناس يموت على كنز كبير من الأسرار..
يخلف وراءه ألغازاً كثيرة، وأسراراً مهمة، وتساؤلات لا نهاية لها..
وخفايا لا يعلمها أحد بما في ذلك أقرب الناس إليه..
مع أن بعضها من المفيد أن يكون أهله وأصدقاؤه ومن هو قريب منه على علم بها، كل وما يخصه وبما يكون مفيداً أن يعلم به من هذه الأسرار.
***
الغالب الأعم، أن المرء يموت ولا يضمّن وصيته بكل ما لديه..
ولا يُعثر فيها بعد وفاته على ما يجيب على كثير من الأسئلة..
فتضيع بذلك حقوق، وتختفي مطالب، وتغيب معلومات مهمة..
ولهذا السبب كثيراً ما تدب الخلافات بين أقرب الناس من الورثة وذوي الصلة القريبة بمن فارق الحياة.
***
ما عنيته في إشارتي لهذا الموضوع، وفي إشاراتي إلى بعض ما يسود المجتمعات حول هذا الشأن..
أن كتم الأسرار ليس كله شراً، مثلما أنه ليس كله خيراً..
لهذا لابد من المواءمة، وتدبر الأمر، وأخذ النصيحة، والبحث عن المشورة المفيدة، وهذه لا تتحقق إلا بأن يفتح المرء في حياته صندوق أسراره أمام من يثق بسداد رأيه، وأمام من تتوافر فيه الأمانة والصدق والإخلاص.
***
صحيح أنه ليس كل ما لدى المرء يمكن أن يقال، وأنه ليس من المناسب أن يمكّن الغير من أن يتعرف دائماً عليه..
وصحيح أن أموراً تتطلب المصلحة الشخصية للإنسان عدم اطلاع غير صاحبها عليها، أو الإفصاح عنها في غير توقيتها المناسب..
لكن هناك أشياء ربما كان من المفيد إشراك الغير بالحديث عنها، والبوح ببعض التفاصيل عن أمور منها..
وهنا يمكن القول بأنه لابد أن يتدبر المرء شؤونه، ويفكر بما ينبغي أن يقوله لمن هو لصيق به ممن هو موضع ثقته وقناعته بسداد رأيه.
***
إن إبقاء المرء على أسراره محتفظاً بها في ذاكرته، بما في ذلك أسراره الثقافية والتاريخية، إنما يبقي بذلك على مشاكل وتساؤلات كثيرة تورث عنه لغيره لو أنه مات قبل أن يتحدث بها لمن يعنيه أمرها أو يهمه موضوعها..
ولهذا كان على الإنسان أن يوثق ما يراه ضرورياً قبل أن يداهمه الموت على حين غرة، إذ إن الموت يزورنا دون استئذان أو أخذ موافقة من أي منا..
والظاهرة التي أتحدث عنها لها استثناءات ولا شك، ومن يستثنون ممن لا يصنفون ضمن هؤلاء المفرطين في توثيق ما لديهم هم أولئك الذين يبوحون بأسرارهم لفئة من الناس، أو يوثقونها كتابة ويودعونها خزائنهم ليجدها من يعنيه أمرها بعد وفاة صاحبها واضحة ومفصلة وتجيب عن أي سؤال. وليت كل منا يتصرف كما تصرف مثل هؤلاء.
|
|
|
حكايات وأسرار دورة خاصة الأفلام العربية في مهرجان مسقط السينمائي
|
* إعداد - محمد رضا
كان المرء يتمنى لو أن مهرجان مسقط السينمائي كبر حجمه وازداد عنفوانه وهو يلتئم في دورته الرابعة، ويُقام المهرجان مرة كل عامين والمرء إذا أمّ هذا المهرجان في دورته الثانية يلاحظ كم كانت كبيرة وزاخرة بالمقارنة مع هذه الدورة، وليس كل الحق على القائمين عليه،
فهناك أسباب أخرى.
كبداية، وحسب مسؤولين، تمت دعوة خمسين سينمائياً حضر نصفهم واعتذر (أو غاب من دون اعتذار) النصف الثاني، ومن بين المعتذرين المخرج السوري محمد ملص الذي كان لجانب عرض فيلم جديد له ما زال مرفوضاً أو محجوباً عن الظهور في المهرجانات العربية غير السورية، اختير رئيساً للدورة الحالية من هذا المهرجان. والذي اختاره لم يكن رئيس المهرجان خالد الزدجالي، الذي هو رئيس مجلس إدارة (جمعية عمان للسينما) التي تشرف على هذا المهرجان من بين نشاطات أخرى، بل - حسب مطلع - تم باتصال من المنتج التونسي أحمد بهاء الدين عطية، الذي لم يكن يعلم بوجود المهرجان إلا من خلال حديث عارض مع مخرج تونسي كانت تمت دعوته.
المنتج التونسي اقترح محمد ملص رئيساً للجنة التحكيم. والزدجالي سعد كثيراً بهذا الاقتراح ووافق عليه، إذ إن محمد ملص اسم كبير الشأن في عالم السينما العربية. وغني عن القول أن رئيس المهرجان العماني وافق على الفور ومن المكالمة الأولى. لكن قبل أيام قليلة فقط من موعد الدورة اتصل به أحمد عطية وتحدث عن (شروط تعجيزية) حسب المصدر. المناورة كما تبدو من الخارج بوضوح، الانتظار إلى الأيام الأخيرة السابقة للدورة قبل الطلب بمخصصات مالية كبيرة على أساس أن ذلك سيضع المهرجان في مأزق لا يمكن معه سوى الموافقة، لكن الزدجالي، عن حكمة، اعتذر وأفهم مكلّمه أن المهرجان ليس في مقدوره ذلك على الإطلاق.
***
آراء
الافتتاح تم بعرض فيلم روائي طويل أنتجته سلطنة عمان وهو (ألبوم) (وهو نوع من سفن الصيد العمانية) والمخرج هو نفسه رئيس المهرجان خالد الزدجالي. بذلك دخل المخرج تاريخاً على أساس أنه صاحب أول فيلم عماني روائي طويل. لذلك كان رائعاً لو أن المخرج تصرف بتجرد حسب أهمية هذه المناسبة, لكن، وتبعاً لآراء مختلفة سمعناها من المشاركين، الفيلم يعاني من مشاكل جسيمة في مجالات الكتابة والموسيقى والتنفيذ والتوليف (المونتاج). المخرج رشيد فرشيو، وهو تونسي صاحب بضعة أعمال جيدة في تاريخ السينما التونسية، قال: (كان الفيلم صدمة. به قليل من جيمس بوند وقليل من الكوميديا وزعيق وموسيقى تهطل كالمطر).
الناقد السوري صلاح سرميني حين سؤاله قال: (أسوأ ما فيه السناريو. لا. المونتاج. لا. الموسيقى...).
اختار المخرج من البيئة الاجتماعية قصة تقع أحداثها بين الصيادين ودمجها، على ما يبدو، بحكاية بوليسية مثلة ب(تمثيل مفتعل) على حد قول سينمائي ثالث.
على ذلك، إذا كان لا بد من تسجيل موقف إضافي، فهو في أن الولادة تمت بصرف النظر عن المستوى وأن الزدجالي مدعو الآن إلى الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة والناطقة باسم بلده ككل. وأن بعض المعلّقين والصحافيين رأى تجاوز هذه المشاكل الفنية المختلفة بغاية تشجيع المبدأ بحد ذاته وتشجيع المخرج على الاستمرار أيضاً.
***
تواريخ
على أن هذا لا يجيب على السؤال المهم: لماذا المهرجان ولد أكبر مما انتهى إليه؟
إحدى المشكلات التي يبدو تواجه تتمثّل في الإلمام بالعقبات التي يستدعيها مثل هذا الأمر. إقامة مهرجان سينمائي ليست فقط عملية اختيار أفلام ودعوة أصحابها وبعض النقاد. يجب أن يكون هناك هدف أسمى، ومعرفة كيفية تحقيقه. ويجب أن يكون لدى القائمين على المهرجان طموحات يشتغلون لإنجازها ومعرفة بالأسواق الخارجية وما هو المطلوب لشد قدم المنتجين العرب والأجانب إلى هذا المهرجان الذي يتوجّه اليوم محيطاً من المهرجانات العربية التي كلها أكثر نجاحاً واستقطاعاً. الموازي في الأهمية والذي يجعل كل ذلك أمراً ممكناً. الميزانية. وحسب ما وجدناه الدعم الذي حظي به المهرجان سابقاً ربما كان أعلى من هذا الذي حصده هذا العام. هذا يتضح من عدد المشتغلين في هذا المهرجان من إداريين ويتضح من الإمكانات المختلفة المتوفرة كما يتضح من الفندق الذي تم إنزال الضيوف فيه (مرة أخرى بالمقارنة مع ذلك الذي استضاف المهرجان سابقاً).
ويتضح من نوعية الأفلام أن من بين إحدى عشر فيلماً أدرجت تحت (السينما العربية) هناك فيلم من إنتاج العام 2003م، وستة من إنتاج العام 2004م، فقط أربعة يمكن القول عنها إنها من إنتاج العام الماضي.
من بين ثمانية عشر فيلماً أجنبي الإنتاج، هناك فيلم من إنتاج 2001م (كما يشير كاتلوغ المهرجان نفسه) وواحد من إنتاج العام 2003م وخمسة عشر فيلماً من إنتاج العام 2004م، والباقي من إنتاج العام الماضي.
صالتان تعرضان الأفلام مع عدد من ملحوظ من الإقبال خصوصاً على الأفلام العربية، التي حضر معظم مخرجيها. ما سبق لا يقصد الإساءة إلى الجهود المبذولة، لكن دائماً وكما بات معروفاً، الجهود تضيع إذا لم تكن الخطوة الأولى نفسها مسبوقة بالأهداف والطموحات التي يمكن تحقيق معظمها.
***
الأفلام العربية
بعد فيلم الافتتاح توالت الأفلام العربية المشاركة. من لبنان فيلم بهيج حجيج (زنار النار) الذي يدور حول رحى الحرب الأهلية في لبنان، و(يوم آخر) الفيلم الذي أخرجه كل من جوانا حاجي توما وخليل جريج عن أحداث تقع بعد الحرب لكنها مرتبطة بها. الفيلمان من بين أفضل ما تم تحقيقه في إطار السينما اللبنانية منذ سنوات وكلاهما من أبرز ما حققته السينما العربية في العامين الأخيرين.
(بحب السيما) لأسامة فوزي و(ملك وكتابة) لكاملة أبو ذكرى هما الفيلمان المصريان وفيهما معاً الممثل محمود حميدة (الممثل الوحيد الحاضر في هذه الدورة. مخرج (بحب السيما) وهو أسامة فوزي ومخرجة (ملك وكتابة) هي كاملة أبو ذكرى وكلا الفيلمين من الأعمال الجادة في إطار السينما المصرية. الكويت قدّمت (شباب كول) لمحمد الشمري والإمارات فيلم (حلم) لهاني الشيباني وتونس قدمت (بابا عزيز) للمخرج المقل الناصر خمير. ومن المغرب (في الدار البيضاء الملائكة لا تطير) لمحمد العسلي. فيلم مغربي آخر عرض هنا هو (جوهرة) لسعيد الشرايبي.
الفيلم السوري (تحت السقف) وهو الأول لمخرجه نضال الدبس، عمل جيد مثير لنواحيه الفنية المختلفة وهو مثل كل الأفلام المذكورة حال كل المهرجانات الممكنة عربياً لحين وصوله إلى هذا الاحتفال.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|