|
هذا العالم المجنون
|
عبثاً أحاول أن أفهم ما يجري في هذا العالم من تطورات يحاول صنَّاعها أن يغيِّبونا عنها..
وأن أقترب من أسرارها وخفاياها وما هو غامض منها..
فكل ما أقرأ عنه أو أستمع إليه أو أراه من مشاهد يجعلني بهذا الحرص وبهذه الرغبة ويحفّزني لمعرفة ما وراء ذلك..
وكل ما اصطدم به من حواجز وعقبات لا تسمح لي ولا لغيري بالوقوف على حقيقة ما يجري تدفعني إلى مزيد من الإصرار لكي أكون قريباً من معرفة أسرار هذه التطورات.
***
لا أعلم يقيناً ماذا تخفي الدول الكبرى في تعاملها مع من هي أقل منها قوة من الدول الأخرى..
ومع شعوب غير قادرة على التعامل معها بالمثل..
وكل المخططات والمناورات التي أمامنا تبدو في ظاهرها وباطنها معاً مخيفة وقاتلة وإن لم تتبيّن لنا تفاصيلها وأسرارها بمثل ما نريد..
وإذا كان ما هو جلي وواضح لنا يحمل مضامين قاتلة ومؤلمة، فماذا عن ذلك الذي يلفه الغموض ويحاط بالسرية ولم يعلن عنه بعد.
***
أحاول أن أخرج من هذا الجو الملبّد بغيوم من الخوف والشعور الدائم بالصدمات..
وأن أنظر إلى ما يجري على أنه حالة طارئة لن تدوم ولن تطول..
فتهزم محاولاتي وتعود إلى نقطة اليأس بفعل هذا الظلم المتنامي والمتسع بحق الأبرياء والمستضعفين.
***
لا أتكلم عن أوهام..
ولا أتحدث من خيال..
وما أقوله هو من إفرازات اعتداء الإنسان على الإنسان..
ومصادرة حقوقه الإنسانية..
إيذائه جسدياً وإباحة هدر دمه والتنكيل به دون رأفة أو شفقة أو شعور بالرحمة.
***
تابعوا ما يجري في فلسطين على أيدي قوات العدو الإسرائيلي..
وانظروا للحالة التي يمر بها العراق الشقيق..
إنها مشاهد دامية لا قدرة للإنسان السوي على تحملها..
وبخاصة حين يرى موقف مجلس الأمن المتفرِّج إن لم أقل المؤيِّد والمبارك لهذا السلوك المشين.
***
تلك هواجسي مع هذا الصباح وكل صباح..
وخوفي وحزني معاً على ما آل إليه عالمنا اليوم..
بعض تساؤلاتي عن غياب الحكماء والعقلاء في هذا الكون الواسع..
ثم سؤالي الأخير: وماذا ينتظر الأجيال القادمة، ما الذي سيحل بها؟!!
خالد المالك
|
|
|
شقيقان اختبآ 23 عاما خوفاً من نظام صدام
|
حين غادر سعد وابراهيم القيسي منزلهما في حي الكرادة ببغداد للمرة الاولى منذ 23عاما بعيد سقوط نظام صدام حسين، ضلا الطريق المؤدية الى بيتهما ومنذ ذلك الحين يسعيان الى تعلم الحياة مجددا.
فطوال كل تلك الأعوام، عاش الشقيقان مختبأين في غرفة صغيرة خشية ان يقعا في قبضة استخبارات النظام السابق بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة الشيعي المحظور.
ويقول سعد (47 عاما) الذي سخر اناس صادفوه في الطريق من ملابسه التي تعود الى السبعينيات (كان محرجا بالنسبة لنا أنا وشقيقي، ان نطلب ارشادنا الى الطريق المؤدية الى منزلنا).
ويقول شقيقه ابراهيم (45 عاما): (كان يتوجب علينا ان نكون حذرين في التعامل مع المجتمع عندما تحررنا، وكان لا بد من التأكد ما اذا كان الناس على ما تركناهم من مبادئ وأخلاق أم تغيروا بفعل الظروف الصعبة التي عاشتها البلد بسبب الحروب الكثيرة والحصار). ويأسف سعد لعدم الاستقرار الذي يعانيه العراق حاليا، علما أنه عانى طوال عشرين عاما الخوف من أجهزة الاستخبارات التي كانت تحكم العراق بقبضة حديدية.
وقرر الشقيقان (السجن الطوعي) بعد اعتقال شقيقتهما صبيحة عام1980 بذريعة ان زوجها عضو مفترض في حزب الدعوة الشيعي الذي أصبح رئيسه ابراهيم الجعفري اليوم رئيسا لوزراء العراق، ثم اعتقل والدهما وشقيقهما محمد بالتهمة نفسها، فتولد اقتناع لدى الشقيقين بضرورة ان يتوارا.
ويقول سعد: (حينها كنت موظفا في مصفاة الدورة فانقطعت عن العمل وأبلغت والدتي بالموضوع ولم يكن هناك حل سوى الجلوس في البيت وترتيب الأمور). ويضيف: (أغلب وقتنا أمضيناه في غرفة تحتوي ثلاثة أسرة، سريري وسرير ابراهيم وسرير محمد وكانت الشبابيك مغلقة ومنزلة عليها الستائر).
أحيانا كان الشقيقان يصابان بنوبة كآبة شديدة، لكننا مع ذلك تجاوزنا هذه المراحل لأننا اعتبرنا ان ما نعيشه هو الحياة التي وضعنا انفسنا فيها مضطرين لانه لم يكن هناك خيار).
ويتابع سعد: (كنا دائما نتبع المشي في الغرف لساعة أو أكثر ونصعد وننزل السلالم كي نحرك أجسامنا قليلا هذه هي الرياضة التي مارسناها) ويؤكد انهما واجها هذه الظروف الاستثنائية بالقراءة، على أساس ان الكتاب هو أفضل صديق في أية لحظة. وفي هذا السياق، كان الشقيقان يلجآن الى كتب الطب حين يمرضان، وعام 1996 تحسنت حالهما مع نمو الاشجار في حديقة المنزل بحيث باتا قادرين على الخروج ليلا (لأن الليل يستر) وطوال كل تلك الأعوام، تولت امهما زهرة البدري الاعتناء بهما.
وتوضح الأم التي عملت في الخياطة لتأمين حاجات عائلتها انها قالت للناس ان ابنها سعد غادر المنزل بحثا عن والده المعتقل ولم يعد، في حين ان ابراهيم لم يرجع أبدا من المدرسة.
وعام 1984، أبلغها مسؤولون امنيون ان زوجها وابنتها وأولادها بمن فيهم سعد وابراهيم تم اعدامهم، ورغم ذلك ظلت عناصر الاستخبارات تتردد على المنزل الذي توارى فيه الشقيقان.
ويقول ابراهيم: (استمرت التحقيقات مع الوالدة من قبل رجال الأمن أو المخابرات والمنظمات الحزبية في الكرادة، كانوا يزورونا مرة أو مرتين في الأسبوع ثم أصبحت مرة أو مرتين في الشهر واستمرت الى ما قبل سقوط النظام بنحو شهر). وإثر سقوط نظام صدام، لم تجد زهرة بدا من خروج ابنيها من سجنهما الطوعي، لكن الخوف عليهما لا يفارق الأم التي تقول: (أنا قلقة عليهم بسبب الانفجارات، فعندما يخرجان لا أعلم اذا كانا سيعودان أم لا). واليوم، يحاول الشقيقان استعادة ايقاع حياتهما الطبيعي في بلد لا يفارقه شبح العنف. سعد استأنف عمله في مصفاة الدورة جنوب بغداد، فيما عاود شقيقه دراسة الهندسة، ويحاولان قدر الامكان الاستفادة من أوقات الفراغ.
ويعلق سعد: (الكثير من الناس يسمعون بالحرية ويتكلمون بها، لكن طعم الحرية لا يستطيع تذوقه إلا من فقده).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|