|
الافتتاحية فصل من مصير العراق |
من السابق لأوانه التوقع بما سيؤول إليه الوضع في العراق، حتى بعد تشكيل الحكومة العراقية ومباشرتها لسلطاتها بحماية أمريكية، على النحو الذي تم قبل الموعد المحدد لها بيومين، بانتظار إجراء الانتخابات العامة في العام القادم.
أقول ذلك، وقد اقتيد صدام حسين أخيراً مُكَبَّلاً بالأغلال إلى المحكمة ليقول القضاء كلمته في حقبة طويلة من تاريخ العراق الدموي بقيادة رئيسه السابق صدام حسين، الذي يواجه سبع تهم جنائية، تكفي إدانته بواحدة منها لتنفيذ حكم الإعدام فيه.
نعم، لا يمكن التنبؤ بحقيقة المستقبل الذي ينتظر العراق وشعب العراق في ضوء المناخ الذي يسود الحياة في العراق، منذ سقوط حكم البعث ووقوع العراق في قبضة المحتل بالسيناريو الدامي الذي دفع ثمنه الكثير من الأبرياء العراقيين وغير العراقيين.
ولا شك أنَّ مشهد مثول أحد عشر مسؤولاً كبيراً من رموز نظام صدام حسين أمام شاشات التلفازات وعدسات المصورين، وإن كان يؤكد أنَّ النظام السابق قد انتهى وولَّى وأصبح جزءاً من التاريخ، إلاَّ أنه غير كافٍ لإعطاء قراءة صحيحة للتطورات المستقبلية المتوقعة في هذا البلد الشقيق.
أما لماذا هذه النظرة غير المتفائلة لمستقبل العراق، ولمَ الخوف عليه ومنه، والثقة من أنَّ ما يخفيه المستقبل من تطورات قد لا تصب في مصلحة هذا البلد الشقيق؛ فلأنَّ الممارسات الإرهابية التي تشهدها الساحة العراقية صباح مساء تعطي مؤشراً غير سار، وقد تعيق أي محاولة للخروج من هذا النفق المظلم.
فالعراق يفتقر اليوم إلى الحد الأدنى من الأمن..
وهناك كما هو معروف ثارات قديمة بين أفراده وقبائله..
فضلاً عن التدخلات الخارجية لزعزعة استقراره..
وما يصاحبها من أطماع ورغبة في السيطرة على مقدراته من الداخل والخارج..
وهناك قائمة أخرى طويلة تعزز من حجم الخوف على بلاد الرافدين.
والمطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة والقاتلة في تاريخ العراق..
وما ينبغي عمله في هذا المنعطف الخطير الذي توجهه البوصلة، على ما يبدو، نحو ما هو أسوأ..
أن يكفَّ العدوّ عن إشعال الفتنة بين المواطنين..
وأن يُترك الخيار لأبناء العراق في تصريف أمور بلادهم..
بلا وصاية منه..
أو مخططات لا تخدم استقراره..
وأن يلتفَّ المجتمع العراقي نحو ما يعزز استقرار بلاده.
وبهذا تفوت الفرصة على الأعداء المتربصين شراً بالعراق..
سواء كانوا من الداخل..
أو من أولئك الذين جاءوا من الخارج..
وهنا سوف يسرع المحتل بأخذ عتاده والرحيل من أرض الرافدين..
ويعود العراق كما يريد أهله، وكما نتمنى أبيَّاً وقوياً وسنداً لقضايانا العربية.
خالد المالك
|
|
|
العنف الأمريكي يفرِّخ إرهاباً عالمياً! ناعوم تشوميسكي: الشعب العراقي تخلَّص من نظامين قمعيين |
* إعداد أشرف البربري
إذا حوكم افراد الإدارة الأمريكية الحالية بمعايير محكمة نورمبرج التي أنشأها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة مسئولي النظام النازي في ألمانيا لاستحق الكثير منهم عقوبات قاسية .
هذه الفكرة جاءت على لسان عالم اللغويات الأمريكي الشهير ناعوم تشوميسكي ، وقد جاء أحدث هجوم لتشوميسكي على الطريقة التي تتصرف بها بلاده مع العالم من خلال كتابه الأخير (السيطرة أو البقاء : الغزو الأمريكي للسيطرة على العالم) .
تشومسكي يلقي الضوء في الحوار التالي الذي أجراه مراسل احدى الصحف البريطانية على الكثير من قضايا الساعة كالوضع في العراق والدور الأمريكي في صياغة السياسة العالمية:
* ما حقيقة ما قلته بشأن عدم وجود أي شيء جديد فيما يسمى بمبدأ بوش لشن الحروب الاستباقية ضد الدول التي تهدد السيطرة الأمريكية؟
ناعوم تشوميسكي : حسنا الأمر يتوقف على عدة أمور ، فالبعض ينظر إلى هذا المبدأ باعتباره ثورة في السياسة الخارجية الأمريكية ، وقد وصفه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بأنه تحول ثوري في السياسة الخارجية وأنها وضعت حدا لحقبة النظام العالمي الذي وضعته معاهدة ويستفاليا في القرن السابع عشر وبالطبع ميثاق الأمم المتحدة .
والحقيقة أن هذه الرؤية من جانب كيسنجر تعرضت لانتقادات حادة من جانب النخبة العاملة في مجال السياسة الخارجية ، وأنا أرى أن مبدأ بوش ليس جديدا على الإطلاق وإن كان متطرفا .
هجمات سبتمبر :
* ما الذي كان يفترض أن تفعله الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ؟ فقد كانت ضحية لهجوم متعمد ضخم ، فماذا كان عليها محاولة القيام به؟
لماذا اخترت 11 سبتمبر ولم تختر عام 1993؟ في الحقيقة ، أن العمل الإرهابي الذي نجح في الحادي عشر من سبتمبر لم يغير من تحليل المخاطر ، ففي عام 1993 نجحت مجموعة إرهابية مماثلة مدربة في أمريكا أيضا في الاقتراب من تفجير مركز التجارة العالمي ولو أتيح لها قدر من التخطيط الأفضل لكانت قد قتلت عشرات الآلاف من الأشخاص ، ومنذ ذلك الوقت أصبح الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك من جانب الجماعات الإرهابية أمرا محتملا ، والحقيقية أنه خلال التسعينات كانت هناك محاضرة فنية تنبأت بهذا الهجوم .
* ولكنك تقول إن الولايات المتحدة في هذا الوقت هي التي تخلق أعداءها بنفسها ؟
حسنا ، بداية هذا ليس رأيي وحدي ولكنه رأي كل المتخصصين في مكافحة الإرهاب تقريبا ، ولتلق نظرة على ما قاله جاسون بورك في كتابه الأخير عن تنظيم القاعدة وهو أفضل كتاب تقريبا في هذا الموضوع ، ففي هذا الكتاب يؤكد المؤلف أن كل عمل عنيف تقوم به الولايات المتحدة يزيد أعداد المنضمين إلى تنظيم القاعدة وأعداد المستعدين لتمويله ، كما أن كل عمل عنيف من جانب أمريكا هو انتصار صغير لأسامة بن لادن على حد تعبير جاسون بورك .
غزو العراق :
* ولكن لماذا تتصور أن بوش يتصرف هكذا؟
لأنني أعتقد أن بوش وإدارته لا يهتمون كثيرا بالإرهاب ، ونحن نعلم ذلك تماما ، ولعل غزو العراق يقدم لنا دليلا قاطعا على صحة موقفي ، فقد غزت الولايات المتحدة العراق رغم تنبؤ كل المحللين تقريبا بأن الغزو سوف يزيد خطر تنظيم القاعدة ويزيد عدد أعضائه وهو ما حدث بالفعل .
* إذن لماذا يفعل بوش ذلك؟
لأن غزو العراق كان قيمة في حد ذاته بالنسبة للرئيس بوش ، أقصد أن قرار غزو العراق كان جاهزا بالفعل بغض النظر عن مسألة الإرهاب .
* ما هي القيمة في غزو العراق؟
تشوميسكي : تكمن القيمة في ضمان إقامة أول قاعدة عسكرية أمريكية في دولة غير مستقلة في قلب مركز إنتاج واحتياطي النفط في العالم .
صدام والعقوبات :
* ألا تعتقد أن الشعب العراقي أفضل الآن بعد التخلص من نظام حكم صدام حسين؟
ناعوم تشوميسكي : الحقيقة أن الشعب العراقي تخلص من نظامين قمعيين في آن واحد الأول نريد أن نتحدث عنه دائما والثاني لا نريد أن نتحدث عنه على الإطلاق ، فالنظام القمعي الذي تخلص منه الشعب العراقي ونتحدث عنه باستمرار هو نظام حكم صدام حسين ، أما النظام الثاني الذي تخلصوا منه ولا نريد أن نتحدث عنه فهو العقوبات الاقتصادية التي تزعمت الولايات المتحدة وبريطانيا فرضها على العراق لمدة 12 عاما تقريبا وأدت إلى مقتل مئات الآلاف من العراقيين وزادت من اعتماد الشعب على حكم صدام حسين نفسه ، وقد اتضح الآن تماما أن هذه العقوبات كانت سلاحا لتدمير المجتمع العراقي دون غزو ، وقد كان من الممكن أن يتخلص الشعب العراقي من الطاغية صدام حسين كما تخلصت العديد من الشعوب من الحكام الطغاة الذين كانت تؤيدهم الولايات المتحدة وبريطانيا في مختلف أنحاء العالم ، فقد أطاحت شعوب العالم بالعديد من الطغاة مثل نيقولاي شاوشيسكو في رومانيا وسوهارتو في إندونيسيا وماركوس في الفلبين ودوفالييه في هايتي ، والحقيقة أن كثيرين من الخبراء الغربيين المتخصصين في الشئون العراقية كانوا يتنبأون بثورة شعبية في العراق تتطيح بنظام حكم صدام حسين دون الحاجة إلى الغزو الأمريكي .
المساواة الأخلاقية :
* تبدو لي وكأنك تشير الى أو تساوي ضمنيا بين رؤساء الدول المنتخبين ديموقراطيا مثل الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وبين أنظمة حكم في دول مثل العراق
تعبير المساواة الأخلاقية يبدو مثيرا بالنسبة لي واعتقد أنه ظهر على يد جين كيرك باتريك المندوبة الأمريكية السابقة في الامم المتحدة كوسيلة لمنع توجيه أي انتقادات للسياسة الخارجية أو قرارات الدول ، فهو يعني أقل قدر ممكن من الأفكار العامة ، وأنا اعتقد أنه لم يوجد في أي وقت من الأوقات ما يسمى بالمساواة الأخلاقية .
فكرة جيدة :
* إذا كان من المفضل لأي شخص أن يعيش في مجتمع لبيرالي ديموقراطي ، فهل هناك فائدة من تحقيق ذلك من خلال نشر القيم الديموقراطية بالطريقة التي تتمكن منها؟
يذكرني سؤالك هذا بالسؤال الذي وجِّه إلى الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي عن موقفه من الحضارة الغربية ، فقد رد قائلا : نعم قد تكون الحضارة الغربية فكرة جيدة ، فبالفعل قد يكون نشر القيم الديموقراطية فكرة جيدة ، ولكن هذا شيء مختلف تماما عما تحاول أمريكا وبريطانيا القيام به حاليا في العالم ، كما أن هذا يختلف تماما عما فعلته أمريكا وبريطانيا في الماضي ، ولتلق نظرة على المناطق التي خضعت للنفوذ البريطاني والأمريكي على مدى عشرات السنين فستجد أنهما لم يحاولا نشر الديموقراطية ولا الحرية ولكنهما نشرتا الاحتلال والخضوع بين شعوب الدول التي دارت في فلكيهما ، وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء معارضة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لأنها لا تنطوي على أي نية تجاه نشر الديموقراطية والحرية فيها . واعتقد أن هذا كان معروفا تماما في الخمسينيات من القرن العشرين .
السيطرة الأمريكية :
* ولكن هناك مجموعة كاملة من دول شرق أوروبا التي يقول شعوبها إنهم الآن في حال أفضل مما كانوا عليه في ظل سيطرة الإمبراطورية السوفيتية بفضل الطريقة التي تعامل بها الغرب مع تلك الدول؟
حسنا ربما يكون ما تقوله صحيحا ولكنك تتجاهل حقيقة وجود عدد أكبر من الدول التي خضعت للسيطرة الأمريكية وبخاصة في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي والتي تتمنى التحرر من السيطرة الأمريكية ، فنحن لا نهتم كثيرا بما يحدث في هذه الدول ولكن شعوبها تهتم . في الثمانينيات عندما كان المسئولون الأمريكيون الحاليون في الحكم أيضا تحت رئاسة الرئيس الأسبق رونالد ريجان ذبح مئات الآلاف من سكان دول أمريكا الوسطى ، فقد نفذت أمريكا مذابح مروعة ضد النيكاراجويين وبخاصة أثناء الحرب على الكنيسة هناك ، فقد قتل الأمريكيون قس الكنسية وستة من المفكرين المسيحيين الكبار في نيكارجوا ، ثم ان المخابرات الأمريكية أطاحت بالرئيس السلفادوري المنتخب سلفادور ألليندي وساندت الطاغية أوجوست بينوشيه بعده ، فأي ديموقراطية وأي حرية نشرتها سيطرة أمريكا على تلك الدول؟ لا شيء .
الشريك البريطاني :
* ذكرت أكثر من مرة خلال حديثك هذا العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة ، فهل تفهم لماذا تصرف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على هذا النحو في كل من أفغانستان والعراق؟
حسنا ، إذا ألقيت نظرة على التاريخ الدبلوماسي البريطاني وبالعودة إلى الأربعينيات من القرن العشرين ستجد أن بريطانيا كانت مطالبة بصناعة قرار ، فقد كانت بريطانيا قوة عالمية كبرى في حين أن الولايات المتحدة ورغم أنها كانت أغنى دولة في العالم لم تكن تلعب دورا رئيسيا في المشهد العالمي بعيدا عن حدود نفوذها الإقليمي في أمريكا الوسطى والمحيط الهادي ، ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية أصبح واضحا أن الولايات المتحدة ستصبح قوة عالمية مسيطرة ، وقد كان الجميع يعلم ذلك ، وكان على بريطانيا أن تختار ، هل عليها أن تتحول إلى جزء من أوروبا الموحدة التي تستطيع التحرك نحو الاستقلال عن الولايات المتحدة أو تصبح شريكا صغيرا للولايات المتحدة كما قالت وزارة الخارجية؟ ومن الواضح الآن أن بريطانيا اختارت الخيار الثاني ، لذلك ففي أثناء أزمة الصواريخ الكوبية بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في أوائل الستينيات على سبيل المثال تعاملت أمريكا مع بريطانيا وفقا للوثائق المعلنة بقدر كبير من الازدراء والاحتقار ، فلم يهتم هارولد ماكميلان بإبلاغ البريطانيين بتطورات الأزمة وظل وجود بريطانيا على المحك ، وقد كان الأمر خطيرا .
والحقيقة أن مسئولا أمريكيا رفيع المستوى وقد يكون دين أتكيرز في ذلك الوقت وصف بريطانيا بأنها (مساعدنا وهو التعبير العصري لكلمة شريك) ، فهذا هو الاختيار الذي اختارته بريطانيا لنفسها وهذا هو السبب في الطريقة التي تصرف بها بلير .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|