|
لماذا ومتى وكيف نختلف؟!
|
قد تقسو الظروف على الإنسان، فلا يملك بعضنا ممن مسّه ولو سهمٌ واحدٌ من قسوتها حيلة للتغلُّب عليها، ولا وسيلة قادرة للانتصار في موقف كهذا، أو الظَّفر بما تتمنّاه النفس ويرتاح له الضمير.
وقد يواجه المرء الكثير من التحدِّيات وقسوة هذا النوع من الظروف، دون أن تكون لديه القدرة على الصمود أمامها، فيتأثَّر مع الزمن مزاجه وسلوكه وتعاملاته وكلُّ ما يؤثِّر في شخصيته، بما قد يكون سبباً مهماً بما شابها من متغيِّرات.
***
وفي ضوء هذا..
ومثلما قلنا..
فنحن أمام حالة ينبغي التعاطي معها باهتمام، في ظل ما نشهده من مستجدات في سلوك وتصرُّفات بعض أفراد مجتمعنا، فمثل هذه الظروف، قد تكون مؤثرة وجاذبة لبناء شبكات إرهابية جديدة ومتطوّرة في حياة وسلوك الناس باستثمارها لهذا الهدف.
وإذا سلّمنا بهذا التوصيف لتصرُّفات الإنسان وطبيعة سلوكه وقابليته ليكون حاضناً ومستعداً وحملاً وديعاً لما يمليه عليه غير الأسوياء من عارفيه وجلسائه، وأمكننا أن نمسك بالخيط الرفيع عن أسبابها، فعلينا أن نتأكد أولاً مما قد يؤدِّي إليه ذلك من تأثير في تصرفات الإنسان نسبة إلى طابع الظروف في سلوكه التي نتحدّث عنها، وبالتالي علينا أن نتعامل مع ما يليها من تصرُّفات مضرّة على مستوى الأفراد والمجتمع والدولة، بما يحمي الجميع من أضرارها.
***
إنّ أيَّ كلام عن المناهج الدراسية، أو الخطاب الدعوي أو الإعلامي، وأيّ حديث عن المنتديات أو النشاطات غير المنهجية في مدارسنا، وما يقال عن دور البيت أو المدرسة، وتأثير الأصدقاء أو الشارع، هو كلام حقيقي، فهذه هي مصادر ثقافة المجتمع، وهي المموِّل الحقيقي للإرهاب أو حماية المجتمع منه بقدر ما تصدِّره لعقول الشباب من أفكار.
وإنّ المراجعة المطلوبة لشؤوننا كما يطالب بذلك بعضنا، لا يعني بالضرورة إلغاء الجيِّد منها، كما أنّه لا يعني استيراد ثقافات أو ممارسات تتعارض مع قيمنا وأخلاقنا وقبل ذلك ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
وفي مقابل ذلك، فإن الإصرار على الجمود وعدم التحديث، واعتبار أنّ ما هو قائم في أيِّ شأن من شؤون حياتنا كافٍ عن أيِّ تعديل أو تحسين أو إضافة، وبالتالي فلا ينبغي مسّه أو إحداث أيِّ تغيير فيه، هو خطأ جسيم يبقي الجميع على مرمى حجر من الاعتداء على كلِّ ما هو جميل مما نحبه ونتمناه ونسعى إليه.
***
ولهذا يجب أن نقبل بالحوار، ونرحب بالرأي الآخر، ونتعامل مع المستجدات في هذه الحياة بما يخدمنا ويقوي من إرادتنا، ويحصّن دولتنا من أي سبب من أسباب الضعف والخوف دون أن نخوِّن أحداً أو نتهمه في دينه ووطنيته.
ولا بد من كل صاحب رأي أو موقف أن ينأى بنفسه عن هذا الترصد البغيض لما يُكتب في صحفنا، وأن يقبل بمبدأ الحق لكل المجتهدين في التعبير عن وجهات نظرهم، وأن نتيح لكلا الطرفين في ذلك فرصاً متساوية في حدود أدب الحوار وأخلاقياته.
***
إن أخطر ما تواجهه الدول والمجتمعات والأمم في حاضرها ومستقبلها حين يتحول الحوار فيما بينها إلى عناد وصراع وتصادم غير عاقل على الأفكار ووجهات النظر المتباينة، وبخاصة حين يتبيَّن للعقلاء أن نقاشاً فاسداً يجري على الساحة، وأنه قد يقود إلى إيجاد شرخ في جسم المجتمع، وبالتالي يؤجج حياة الناس نحو إشعال الفتن وإشاعة المزيد من الأعمال الإرهابية التي لا يستفيد منها أي أحد.
والرسالة التي ينبغي أن نؤديها جميعاً نحو الوطن والأمة، هي القبول بما يفيدنا جميعاً من أفكار، فلا ننكفئ على أنفسنا بحجة الخوف من الغريب، والشك بكل جديد، والحذر من أي طرح لم نألفه من قبل، بداعي أن ذلك سوف يقودنا إلى ما يدمر قيمنا ويؤثِّر على سلوكياتنا وأخلاقياتنا.
ومثله، فإن من الخطأ أن نطالب بما يمس الثوابت، أو أن نرحب بما يتبيّن لنا بأنه غزو أجنبي لقيمنا واختراق مشبوه لتعاليم ديننا، إلاّ إذا اتضح لنا أن هذا التخوّف ليس له ما يبرره، وأن ما يُعترض عليه لا يعدو أن يكون أوهاماً وادعاءً في عقول وتفكير بعضنا، فهنا علينا أن نترك العربة تسير دون أن نلقي بالاً أو نعطي أهمية لهؤلاء، وأن نمضي بحماس وتفاعل مستجيبين لما يكون حينئذ قد تأكد لنا أنه في صالحنا ومصلحتنا.
***
فالعالم يمضي سريعاً، يتطور وينجز، بينما نحن نتخاصم ونختلف، ونترصد لأخطاء بعضنا، وننشغل عن مصالحنا، وقد آن الأوان لنتدبر أمورنا حتى لا يفوتنا القطار ونحن نتفرج.
فالقطار يتسع الآن لنا، كما اتسع من قبل لغيرنا. أما في المستقبل، فقد يتعذَّر عليه استقبال المزيد بعد أن يكون قد سبقنا إلى مقاعده أولئك الذين اختلفوا ليتفقوا وتحاوروا لكي يتصالحوا، فالله الله أن يؤخرنا الاختلاف - غير الرشيد - عن بلوغ حقنا في ركوب القطار قبل أن يتحرك وحينها لن ينفع الندم.
خالد المالك
|
|
|
العلاج في الولايات المتحدة لم يعد خياراً جذاباً خسائر بالملايين للمستشفيات الأمريكية لغياب السعوديين عنها
|
على الرغم من مرور ما يقرب من 5 سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن أصداء تلك الهجمات لا تزال تتردد في مختلف المجالات حول العالم، بآثار سلبية على العرب والمسلمين.
ولعل من أبرز تداعيات تلك الهجمات هو فرض المزيد من التضييقات الأمنية على العرب والمسلمين في تنقلاتهم وفي تحويلاتهم المالية، واستهدافهم للتفتيش والمراقبة والتنصت على هواتفهم.
وفي المقابل ورداً على تلك الإجراءات الصارمة أصيب الغرب هو الآخر بتداعيات عكسية؛ حيث فقد العالم الغربي مليارات الدولارات نتيجة هروب الأموال العربية والإسلامية من ذلك المناخ الذي أصبح يتشكك في كل شيء حوله.
وقد اتخذت السعودية مؤخراً قراراً بإغلاق أحد برامجها الصحية الذي استمر لعشر سنوات تقريبًا الذي كان يرسل المرضى السعوديين للعلاج في مستشفيات مدينة بوسطن الأمريكية ودفع نفقات الرعاية الصحية هناك، وذلك القرار حرم مستشفيات بوسطن من عدة ملايين من الدولارات كانت تتلقاها سنوياً نظير الخدمات العلاجية التي كانت تقدمها في مستشفياتها.
ويرصد تقرير في جريدة (بوسطن جلوب) الأمريكية تداعيات هذا القرار على الخدمات الصحية في المدينة، وقد استطلعت الصحيفة آراء الدبلوماسيين السعوديين الذين أكدوا أن التأخير الطويل من الولايات المتحدة في منح تأشيرات دخول المواطنين السعوديين إلى أمريكا كان سبب إغلاق هذا البرنامج، وهو نتيجة مباشرة للقواعد الصارمة التي فرضتها أمريكا على زائريها من الشرق الأوسط في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فكان التأخير والإجراءات الصارمة سببين أساسيين في وقف ذلك البرنامج الطبي. ويشير التقرير إلى تقلص أعداد السعوديين الذين زاروا الولايات المتحدةلأغراض مختلفة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويرجع هذا النقصان الحاد إلى العوائق المتعلقة بالحصول على التأشيرة الأمريكية، وأيضاً بسبب خوف الكثيرين من توجيه اتهامات تعسفية لهم بدعوى علاقاتهم بمنظمات (إرهابية).
مراقبة لعمليات تحويل الأموال
ويقول التقرير إن المحققين الأمريكيين قاموا بمراقبة عمليات تحويل الأموال السعودية والتحويلات البنكية داخل الولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر، في إطار جهود أمريكا لتجفيف منابع (الإرهاب) ومنع المنظمات التي تشتبه بها من تلقي تمويلات من خارج أمريكا.
وتؤكد الأرقام تقلص عدد التأشيرات من الفئة (ب)، وهي التأشيرات السياحية والطبية ولرجال الأعمال، للمواطنين السعوديين من 56912 تأشيرة عام 2001 إلى 14403 فقط في عام 2002، وذلك طبقًا لأرقام وزارة الخارجية الأمريكية.
وقد ارتفعت أعداد الحاصلين على التأشيرة نسبيًا إلى 22621 تأشيرة في العام الماضي، وذلك في أعقاب لقاء الملك عبد الله بالرئيس بوش في مزرعته بتكساس، وقد وعد بوش بتسهيل القيود المفروضة على التأشيرات التي تمنح للسعوديين.
ويقول ديفيد جونز المدير التنفيذي للبرنامج القومي لشركة (بارتنرز هيلث كير) الأمريكية التي تمتلك مجموعة مستشفيات طبية في منطقة بوسطن أن أعداد السعوديين الذين عولجوا في النظام الطبي في المدينة بلغ 459 سعودياً فقط عام 2001 من بين 4 آلاف مريض من كل أنحاء العالم، وذلك في مستشفيات بريجهام والمستشفى العام للنساء ومستشفى ماساتشوستس العام. وفي العام الماضي عولج 163 سعودياً فقط من بين 3500 مريض من الدول حول العالم في تلك المنشآت الطبية.
وتلك الأرقام تشتمل على أعداد المرضى الذين عالجتهم المؤسسات الخيرية السعودية أو التي تمولها الحكومة السعودية أو الأفراد الذين يدفعون نفقاتهم الطبية بأنفسهم في عامي 2001 و2005 على الترتيب.
وقال جونز إن السعوديين سافروا للعلاج في دول مثل ألمانيا وبريطانيا والهند للحصول على الرعاية الطبية بدلاً من القدوم إلى الولايات المتحدة، في حين ظل البعض الآخر داخل المملكة لتلقي العلاج، فالدولة السعودية توفر العلاج بالمجان لكل المواطنين، كما توجد العديد من المنشآت الطبية الراقية في كبريات المدن السعودية، وذلك بعد أن قامت المملكة بتحسين نظامها الصحي منذ عام 2001، مما أدى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وأحدث التقنيات إلى القطاع الصحي السعودي.
محاولة لتعويض الخسائر المادية
ومن أجل تعويض تلك الخسائر المادية قامت المؤسسات الطبية بمدينة بوسطن الأمريكية بمحاولة بناء المزيد من المستشفيات الطبية في الشرق الأوسط، مثل المركز الطبي التابع لكلية الطب بجامعة هارفارد الذي يتم بناؤه في دبي الآن على مساحة 435 فداناً.
وتقول ليزلي ماكاريللي مديرة العلاقات الحكومية الدولية لشبكة بارتنرز: (إن تلك الخسائر المادية تعد جزءاً من إجمالي تداعيات هجمات سبتمبر، فلا نتوقع أن يعود الأمر إلى سابقه مطلقًا).
ويشير التقرير إلى أن المرضى السعوديين عادة ما كانوا يدفعون كل نفقاتالعلاج الطبي كاملة في مدينة بوسطن نظير الخدمات الطبية، على عكس الكثير من المرضى حول العالم الذين يفدون من بعض الدول النامية الأخرى الذين يعانون من دفع تكاليف العلاج، أو الذين يعالجون ضمن منظومة طبية لشركات التأمين التي تحاول تخفيض السعر إلى أقصى حد.
ولم يتضح حتى الآن حجم خسائر مستشفيات بوسطن بعد هروب الأموال السعودية وخسارتها للأموال التي كان يدفعها المرضى السعوديين، هذا إضافة إلى نفقات إقامة أقربائهم وعائلاتهم الذين يأتون معهم لرعايتهم، والخسائر الاقتصادية الأخرى التي سوف تتكبدها الفنادق والمطاعم في منطقة بوسطن.
وقد أكد السيد نايل الجبير المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن أن البرنامج الخيري الذي يديره الأمير عبدالعزيز بن فهد كان ينفق ما يقرب من 15 مليون دولار سنوياً قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الفواتير الطبية ونفقات الإعاشة لما يقرب من مائة إلى 150 مريضاً، كان يتم إنفاق معظمها في مدينة بوسطن، وأضاف أن برنامج وزارة الصحة السعودية كان ينفق ما يقرب من 60 مليون دولار سنوياً، وقد تقلص هذا المبلغ إلى أقل من النصف الآن.
وقد صرح السيد مكاريللي أن خسارة الكثير من المرضى السعوديين الذين كانوا يعدون في السابق مصدرًا مهمًا للعائدات للمستشفيات الأمريكية التي عانت من تقليص الميزانيات الفيدرالية يعني خسارة المزيد من الأموال التي كانت تنفق على الفقراء غير المؤمن عليهم في النظام الصحي الأمريكي، وأضاف: (إن البرامج الدولية كانت تعد إحدى وسائل معادلة الخفض في الميزانية الفيدرالية للمستشفيات الأمريكية).
ويقول المسؤولون السعوديون إن القيود على التأشيرات الأمريكية قد خفت نوعاً ما، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة بسبب إغلاق قنصليتي جدة والظهران أمام طالبي التأشيرات لعدة أشهر، فلا يوجد أمام السعوديون سوى السفارة الأمريكية في الرياض للتقدم لطلب التأشيرات.
رجال الأعمال السعوديون..
انتظار وانتظار!
وقد صرح الأمير تركي الفيصل السفير السعودي في واشنطن: (إننا لدينا العديد من رجال الأعمال البارزين الذين قدموا طلبات لنيل التأشيرة ولا يزالون ينتظرون لمدة ستة وثمانية أشهر، وعندما يسألون السفارة الأمريكية فإنها لا تستطيع الرد، فإن الأمر ليس في أيدي السفارة الأمريكية، ولكن في أيدي وزارة الأمن الداخلي والمباحث الفيدرالية والاستخبارات العامة، ولا أحد يعلم إلى أين تذهب طلبات التأشيرات أيضاً).
ويقول موقع السفارة الأمريكية في الرياض إن زمن الانتظار للتأشيرات السياحية والتجارية والطبية يصل إلى ما بين 6 إلى 8 أسابيع، وأن السفارة تقوم بتعجيل النظر في طلبات التأشيرات في حالات الطوارئ الطبية.
وقد نشرت مجلة النيوزويك الأمريكية تقريراً في عام 2004 يفيد بأن اثنين من السعوديين الذين كانوا يرغبون في علاج أحد أفراد عائلاتهم في بوسطن يشتبه في انتمائهم إلى (خلايا إرهابية نائمة) لتنظيم القاعدة، ولم يتم توجيه اتهامات أو إدانات إلى أي منهما.
ولكن صرح أحدهما، وقد أتى إلى بوسطن لعلاجه ابنه البالغ من العمر 7 سنوات المصاب بمرض نادر في الجهاز المناعي بأن تلك التجربة كانت مريرة، فقد تعرض إلى التحقيق من الجهات الأمنية ونشر اسمه في الصحافة على أنه (إرهابي مشتبه به)، وقال إن تصويره بهذه الكيفية في الصحافة الأمريكية قد غيّر نظرته إلى أمريكا إلى الأبد.
ويؤكد أحد المسؤولين السعوديين على أن الذهاب إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج لم يعد خياراً جذاباً للمرضى السعوديين بسبب طول فترات الانتظار من أجل الحصول على التأشيرة، ويضيف: (لقد كان الهدف من ذلك البرنامج هو توفير الرعاية الطبية العاجلة التي لم تصبح عاجلة على الإطلاق).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|