تعود العلاقة (القدوة) بين المملكتين الشقيقتين - المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين - إلى أزمنة سحيقة؛ إذ إنها علاقة حب ووئام وتعاون تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وما من أحد تتبع مسار هذه العلاقة، وسبر أغوار مراحلها، واقترب من تفاصيلها الدقيقة، إلا وكان انطباعه عنها وتقييمه لها يمثل زخماً من الإعجاب والانبهار بما تعرّف عليه.
لا أقول عن هذه العلاقة شيئاً لا يمثل الواقع، أو أتحدث عنها خارج إطار هذه الصورة التي تنطق بهذه الوشائج عن الصلة المتجذرة بين شعبين جمعهما كل هذا الحب والصدق ونظرة الفرد الحميمة نحو أخيه الآخر، وإنما أكتب عن حقيقة يلمسها كل من يريد أن يتعرّف على العلاقة السعودية البحرينية حالياً وعلى مدى الأزمنة الماضية بأوضاعها ومدلولاتها الحقيقية.
***
فهناك علاقات أسرية كبيرة بين شعبي المملكتين، حيث النسب والتصاهر والقرابة الأسرية التي تشكل كل هذا العمق في تشكيل هذه الصلة بين مكونات الدولتين، بما لا مجال لقائل أن يقول بأن العلاقة (السعودية - البحرينية) بكل جذورها ليس لها أو بها ما يعزز هذا الانطباع عن تفردها بهذه الخصوصية، مقارنة بأي علاقة ثنائية لأي من المملكتين مع دول أخرى.
إذ لا يذكر التاريخ الحديث أن خلافاً قد حدث بين الجارتين على الحدود بينهما على سبيل المثال، أو أن المملكة أو البحرين قد اختطتا سياسة مغايرة أو غير منسجمة مع سياسة إحداهما، فضلاً عن أن تكون سياسة إحدى الدولتين مضرة بمصلحة الدولة الأخرى، وهذا الانسجام ما كان له أن يتواصل ويصمد لولا الحكمة والتعامل العاقل اللذان تتميز بهما سياسة القيادة في كلتا الدولتين.
***
وجسر الملك فهد الذي ربط المملكتين بهذا الطريق، بعد أن ظل البحر على مدى التاريخ يفصل بين الجارتين قبل إنشائه، لا يعدو أن يكون عنواناً بارزاً يشير إلى عمق هذه الصلة وإلى تلك العلاقة بين السعودية والبحرين، بالتأكيد على أن البحر لن يحول دون وحدة الأرض بين الدولتين الشقيقتين، طالما أن مشاعر الشعبين لا تحمل إلا هذا النوع من الحب الصادق والرغبة المخلصة في السلام، وبما صاحب هذه المشاعر دوماً من حماس نحو تجسير العلاقة بعزم وتصميم.
لقد جاء بناء الجسر بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ليضيف إلى ما كان قائماً المزيد من فرص التعاون وتسهيل الحركة وتوفير هذا المناخ الاقتصادي الجميل للدولتين، بما اعتُبر هذا الإنجاز تجربة ناجحة ينبغي أن يقاس عليها وأن تحاكى عند التفكير في مشاريع مماثلة بين الدول سواء في منطقتنا أو في غيرها، وهذا ما أفرحنا وأسعدنا، وأكد لنا أن القيادتين بإنشاء هذا الجسر إنما اختارتا الطريق الصحيح والسليم والمفيد للجميع.
***
لقد مضى عشرون عاماً منذ أن تم افتتاح هذا الجسر وتدشينه لحركة العبور بين المملكتين، بما أغنى الناس عن استخدام البحر أو الجو في الوصول من المملكة إلى البحرين ومن البحرين إلى المملكة؛ إذ أصبح المرء بإقامة هذا الجسر لا يحتاج سوى إلى بضع دقائق ويكون قد وصل إلى المنامة قادماً من الخبر أو إلى الخبر قادماً من المنامة.
وتبع ذلك تنميةٌ للسياحة وتسهيلٌ لحركة التبادل الاقتصادي وتنشيطٌ للخدمات الصحية والتعليمية في البلدين الشقيقين، ضمن استثمارات كثيرة وفّرها هذا الإنجاز الكبير، ومن ثم ساعد على نجاحها وبلوغها هذه المستويات الكبيرة والمتقدمة من المصالح المشتركة التي استفادت منها المملكتان.
***
ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا ذلك التشكيك المبكر بجدوى إقامة الجسر حين ولدت الفكرة وبدأ التوجه نحو تنفيذها، بل علينا أن نتذكر تلك الطروحات التي تميزت بالتخويف والتحذير من تبعات إقامة الجسر على الأمن والانضباط في الدولتين، ضمن محاولات كثيرة لقتل الفكرة وهي في مهدها، لولا إصرار الملك فهد والشيخ عيسى - رحمهما الله - على بناء هذا الجسر غير عابئين أو مكترثين بما كان يقال عنه.
فقد اعتدنا مع كل مشروع حيوي كهذا المشروع أن تظهر الأصوات المُثبِّطة والقوى التي تثير البلبلة والتشكيك في المصالح التي تُنْتَظَرُ من أي إنجاز طموح، وهؤلاء يمكن تصنيفهم على أنهم أعداء لمصالح شعوبهم ومستقبل دولهم ربما عن جهل وقد يكون عن موقف عدواني من أي جديد يضيف فائدة أو مصلحة للمواطنين.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244