يبدو أن التقنية التي صاحبت الإعلام العربي كجزء من الإعلام العالمي الحديث لم تصاحبها نقلة على الصعيد الحرفي والمهني بذات المستوى وعلى نفس الوتيرة، ويتجلى ذلك من خلال أداء الإعلام وتعاطيه مع مختلف القضايا والفعاليات، حيث نجد أن القدرات التقنية والآلية استطاعت أن تعزز حضور وسائل الإعلام بشكل متمكن في موقع الحدث وبسرعة قياسية، لكنها لم تسجل نفس التطور على مستوى الحضور المهني، ولارتقاء بأداء الإعلاميين بالصورة التي تناسب أهمية الأحداث والقضايا المرتبطة بها.
نلاحظ ذلك مثلاً في المؤتمرات الصحافية المهمة المرتبطة بجوانب مصيرية للأمة العربية أو لشعب بعينه، فتجد في قاعة المؤتمرات أعداداً كبيرة من الميكروفونات التابعة للقنوات الفضائية بمختلف أطيافها، بل تلاحظ مراسلي تلك القنوات يحرصون على أن يكون ميكروفون كل منهم على مقربة من المتحدث - ربما ليغرف المزيد من التصريحات - ولكن عندما تشاهد وتستمع إلى ذات الفعالية وقد نقلت عبر مختلف الفضائيات، ولا تجد اختلافاً في الطرح ولا إبداعاً في العرض، ولا تميزاً لأي منها عن غيرها، وكأنها نسخة واحدة تم تعميمها على كل الفضائيات وطلب منها بثها على المشاهدين.. أين الإبداع هنا؟
وأين المهنية والاحتراف؟ هذه الصورة المأساوية لإعلامنا العربي تكشف مدى ضآلة الجانب المهني والقدرات البشرية مقارنة بالتطور التقني.
هل وجود هؤلاء المراسلين بأحدث وسائل التقنية في موقع الحدث أو الفعالية أو المؤتمر الصحافي أو حتى (القمة) هو فقط لمجرد الظهور ووسيلة ناقلة لما يدور وحسب أم أنها دعاية لتلك الفضائيات كونها حاضرة ومواكبة؟
أليس هناك دور للمتابعة وقراءة الحدث بعين ثالثة؟ أليس هناك ما يسمى بصناعة الخبر وتطوره وتداعياته والبحث عما وراء الحدث؟ أليس من مهمة الإعلامي تحليل الخبر وقراءته بمهنية حتى يضع المتلقي أمام كل الجوانب المحيطة به؟
إن الإعلام سلطة وليست سلطته الحضور والنقل وإيجاد نسخة مكررة لما يعرضه الآخرون، سلطة الخبر مرتبطة بالحقيقة أينما وجدها ووجد مصادرها الموثوقة وتحرى المصداقية والموضوعية في نشرها، لكن يظل البحث عن المزيد من الحقائق والمصادر من مهمة الإعلامي الحصيف المهني المحترف أما أن تظل الفضائيات تنقل صورة واحدة في وقت واحد فهذه وصمة في جبين الإعلام، وتغييب للمهنية وروح الإبداع وتجنِ على المهنية بشكل سافر.
تركي البسام
tb787@hotmail.com