|
أطلقوا للصحف حرية تحديد سعرها
|
أكثر من خمسة عشر عاماً مضت منذ تحديد سعر بيع الصحف السعودية اليومية بريالين..
كان سعرها قبل ذلك بريال واحد فقط إثر تدرج من سعرها بالقروش إلى نصف الريال..
ولا أجد ما أفسر به إلزام الصحف بعدم زيادة سعر بيعها عن ريالين..
بينما هناك صحف غير سعودية تباع بثلاثة ريالات في أسواق المملكة ويمكنها أن تزيد على ذلك لو أرادت..
***
أسعار مواد الطباعة وتكاليفها ارتفعت أضعاف ما كانت عليه عندما حدد سعر بيعها بريالين..
وهي في تصاعد جنوني قد لا يشعر به القارئ وقد لا يثقل ميزانية الصحف التي تطبع أعداداً متواضعة..
لكنها مقلقة بالنسبة للصحف التي تضخ في السوق نسخاً كثيرة لتلبية الطلب عليها..
وهو ما لم ينتبه له صاحب قرار تحديد السعر بريالين لتكون لديه قناعة بأن هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر فيه من جديد.
***
لقد كانت وزارة الثقافة والإعلام تتحمل نفقات تكاليف شحن الصحف على طائرات الخطوط الجوية السعودية..
وكانت الدولة تقدم معونة سنوية لكل المؤسسات الصحفية بالتساوي وبشكل منتظم..
وتوقف هذا الدعم المباشر وغير المباشر منذ أكثر من عام..
وارتفعت أسعار الورق ومواد الطباعة سنة بعد أخرى مما صعد من تكاليف إنتاج الصحيفة الواحدة دون أن يقابله ارتفاع في سعر بيعها..
مثلما أن إعداد الصحيفة وتحسين مستواها ظل يتطلب من القائمين عليها الاستعانة بأعداد أكثر من الصحفيين والفنيين وتوفير أجهزة طباعية متطورة تضاهي ما هو موجود بأكبر وأشهر الصحف العالمية..
وكل هذه تكاليف ينبغي أن تكون موضع ملاحظة ودراسة ومناقشة للوصول إلى تعامل أفضل مع مثل قضية أسعار بيع الصحف.
***
إذ لولا أن أسعار الإعلانات وحجمها تغطي هذه التكاليف وتمنح ملاك الصحف هامشاً معقولاً من الأرباح لتوقفت الصحف عن الصدور أو صدرت بشكل هزيل..
غير أن الإعلانات وقد وصلت أسعارها الآن إلى الحد الذي قد يتعذر معه أن يتم تعديلها ارتفاعاً وبالنسب القادرة على مواجهة تكاليف إصدار صحيفة يومية، لا يمكن أن يعتمد عليها وحيدة في مواجهة هذه المتغيرات..
وبنظرنا، فإنه لا بد من إطلاق حرية التصرف بأسعار الصحف للمؤسسات الصحفية، ودون إلزامها سواء بسعر البيع المحدد بريالين أو أقل أو أكثر.
***
ومثلما أشرت، فإنه من المستغرب أن يسمح للصحف غير السعودية بأن تبيع بالسعر الذي تريده، فيما تحرم الصحف السعودية من هذا الحق..
وإن إعطاء الصحف حرية التصرف في تحديد سعرها، سوف يجعل أسعارها متفاوتة حسب نجاح كل صحيفة ووفق تكاليف إنتاجها..
إذ إن عدد الصفحات وكمية الطبع وحجم الإنفاق على الصحيفة ستكون ضمن المؤشرات التي تحدد سعر بيع الصحيفة..
وعلينا أن نترك للقارئ الحق بأن يقتني الصحيفة بالسعر الذي يرى أنها تستحقه دون تدخل غير مبرر قد يضر بطرف على حساب طرف آخر.
***
إن مثل هذا القرار لو تم اتخاذه فقد يتيح الفرصة لصحف بأن تبيع بأقل من الريالين وأخرى أن تبقى على سعرها الحالي بريالين وقد ترى بعض الصحف أن من مصلحتها أن تجعل سعرها بثلاثة ريالات..
ومثل هذا القرار.. إن قُدر له أن ينال القبول، فسوف يدفع بالصحف دون استثناء إلى تحسين مستواها، وبخاصة تلك التي سوف تلجأ إلى زيادة أسعارها، وهو ما يعني إنفاق أو استثمار ما سيتم تحصيله من هذه الزيادة في تطوير المستوى الصحفي لضمان عدم هبوط مستوى التوزيع عند الحد المضر إعلانياً أو إعلامياً بها.
***
ذلك ما أردت أن أذكِّر به في ظل القائمة الجديدة القاتلة لأسعار الورق التي بُلِّغت بها المؤسسات الصحفية الأسبوع الماضي..
وخوفاً من أن يؤثر ذلك على حجم المطروح من الصحف في الأسواق، مع مساهمته في تخفيض عدد الصفحات إلى الحد الذي قد تطغى فيه نسبة الإعلانات على المادة الصحفية..
فلعل وزارة الثقافة والإعلام في شخص معالي وزيرها النشط تعطي هذا الموضوع ما يستحق من الاهتمام والعناية والدراسة للوصول إلى ما يفيد وينفع.
خالد المالك
|
|
|
المفكر الفرنسي مارسيل حليم لـ(مجلة الجزيرة) لبنان يعيش اليوم خطر الحرب الأهلية وخطر الانقسام!
|
* حوار ياسمينة صالح
مارسيل حليم مفكر وكاتب وصحفي فرنسي مستقل من أصل لبناني.
مؤلف لعدد من الكتب منها كتاب (سلام بيروت) الذي كان قراءة عن الوضع السياسي والثقافي اللبناني بعد الحرب الأهلية.
تعرض إلى محاولة اغتيال سنة 1999 يتهم الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراءها. يعد من الكتاب المحللين الأكثر حضوراً في الصحافة الفرنسية.
في هذا الحوار الذي أجريناه معه عبر الانترنت، يرد الكاتب على مجموعة من الأسئلة المرتبطة بالوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط وبعض القضايا العالمية:
***
* قبل فترة، دخلتم في خانة المعارضة الفرنسية للدستور الأوروبي، وأسستم ما يسمى ب(لجنة الرفض) التي صنعت تياراً فكرياً وإعلامياً رافضاً للدستور نفسه. كيف وصلتم إلى هذا القرار الرافض للهيكلة الفرنسية وفق الدستور الأوروبي الجديد؟
أحب قبلا أن أقول أن رفض الدستور الأوروبي لم يكن ترفاً سياسياً، وأن الجهات الرافضة ليست عادية، بل مهمة تشكل في الحقيقة القوة القاعدية المهمة داخل فرنسا.
ما يهمنا اليوم هو القول إن صياغة الدستور الأوروبي بهذا الشكل لن يخدم البسطاء ولن يتفهم مشاكلهم المهنية أو الاجتماعية لأنه ببساطة يلغيهم وسط جملة من ال(حتميات) التي يراها أهم من الشؤون الفردية البسيطة. منها حق العمل وحق التعبير وحق الممارسة السياسية الفاعلة.
كلها أشياء يلغيها الدستور تحت سقف الوحدة التي بدورها لن تصنع وحدة بالمعنى الكامل، بل بالمعنى الضيق الذي رفضه الفرنسيون، وبالتالي نجحوا في قول (لا) للتفرقة الاجتماعية تحت سقف (الوحدة الأوروبية) القائمة على المصلحة وليس على الوحدة ككل.
* لكن هذا الرفض أبعد فرنسا بشكل نسبي عن دول الاتحاد.
دعيني أقول إن الدول الرافضة للدستور لم تقتصر على فرنسا وحدها، لهذا لا خوف على (اللاءات) الفرنسية الصادرة في الحقيقة عن القاعدة الشعبية أكثر من أي شيء. التغيير السياسي الفرنسي صار مطلوباً، وصار على فرنسا أن تستوعب المتغيرات الحاصلة على المستويين الداخلي والخارجي. فرنسا تعيش جملة من المشاكل التي يصعب حلها سطحيا. صدمة (اللاءات) التي جاءت مؤخرا هي التي كانت الهزة الأرضية السياسية، وبالتالي نتوقع تغييرا قادما يمكن أن يصنع متنفسا للقاعدة الشعبية التي خنقتها (سياسة الأمر الواقع) التي للأسف الشديد أحدثت القطيعة بين الجمهورية الخامسة والدستور الفرنسي. الناس تغيرت، صارت أكثر وعياً من ذي قبل، صارت تستوعب وتفهم أن الحرية الشخصية ليست مطلباً كارزماتياً فقط، بل ضرورة إنسانية لا يجب أن تمس حرية الجماعة أو وجود الآخرين. هذا منطلق من الصعب تجاوزه في أي حوار سياسي.
سلام لبنان
* عام 2000 أصدرت كتاب (سلام لبنان)، كيف تنظر إلى هذا السلام اليوم؟
نعم. أريد بداية أن أقول شيئا مهما وهو أننا كنا دائما نشعر كمواطنين في العالم بالتهديد منذ انطلاق الحلم الامبريالي الجديد لصياغة جغرافيا دولية جديدة وبالتالي صياغة (شرق أوسط كبير).
هذا لم يكن بعد أحداث سبتمبر فحسب، بل منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومنذ أن انتهت الحرب الباردة القديمة وبدأت الحرب الباردة الجديدة بأساليب الإرهاب الفكري والنفسي الذي ظلت تمارسه الولايات المتحدة على العالم.
يجب ألا ننسى التجاوزات الرهيبة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات.
التاريخ ليس فقط 11 سبتمبر، لأن الخطة الأمريكية ليست جديدة، ولهذا كان تنفيذها علانية في بعض المناطق بعد أحداث سبتمبر لأجل القول أن أمريكا لا تفعل سوى الدفاع عن نفسها من الإرهاب الخارجي. هذا ما يجب الرجوع إليه للكلام عن منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي للكلام عن لبنان اليوم.
* حدثنا عن لبنان اليوم إذا من منطلق تخصصك الجامعي في الشؤون اللبنانية.
ما يجري في لبنان مؤامرة تشارك فيها للأسف قوى سياسية داخلية تسعى إلى فرض خيار الأمر الواقع على اللبنانيين. ما يجري في لبنان هو تقريبا ما جرى في أوكرانيا وجورجيا وفي دول أخرى تتكلم عن (الديمقراطية) على الطريقة الأمريكية. إنها خطة كانت مجهزة منذ أعوام وربما أجهضتها قوى وطنية عرفت كيف تجند اللبنانيين للوقوف في وجه الانقسامات، اليوم تبدو الحرب معلنة على الوطنيين اللبنانيين وبالتالي تبدو الأمور أكثر غموضا وتشعبا إنها مؤامرة.
* مؤامرة مَن ضد من؟
من الذين يسعون إلى المحافظة على الأمن الإسرائيلي على حساب أمن المنطقة. الرهانات الحالية لم تعد عبارة عن تحديات لأجل سلام سياسي فقط، بل لأجل استقلال حقيقي، وهذا ما لا يريده الخونة.
* من هم الخونة؟
كل من يريد المتاجرة بأمن واستقلال لبنان، المسألة لا تحتاج إلى توضيح، لبنان يعيش اليوم خطراً مزدوجاً، خطر الحرب الأهلية وخطر الانقسام على حد سواء والذين يصطادون في المياه العكرة يسعون إلى فرض الخطرين على اللبنانيين، بدليل التفجيرات التي تحدث والتي تريد جهات تسويقها لخلق حالة من الانتقام المضاد وبالتالي فتنة الاقتتال..
اغتيال الحريري
* كيف قرأتم اغتيال رفيق الحريري؟
اغتيال رفيق الحريري جريمة كبرى ضد لبنان ككل، شخصياً أعتقد أن الجريمة كانت مدبرة بشكل احترافي، بحيث يوحي أن الاغتيال كان تصفية لشخص الحريري، بينما الحقيقة أن العملية كانت مدبرة لأجل زعزعة أمن لبنان نحو انقلاب سياسي تستفيد منه أطراف خارجية أكثر من اللبنانيين أنفسهم. الاغتيال عملية تحضير دقيقة للتدخل المباشر في الشؤون اللبنانية، وبالتالي نشر هذا الخوف الذي يعرفه كل لبناني والذي مفاده أن البلد على حافة الحرب، العملية أكبر من اغتيال شخص، إنها تستهدف منذ البداية زعزعة لبنان وفتح الباب إلى التدخل المباشر في شؤونه، وتعطيل آلية المقاومة في الجنوب، ثم إيقافها نهائياً، لأنها كانت تهدد الكيان الإسرائيلي، والهيكلة الحالية للمنطقة تسير في اتجاه حماية إسرائيل مهما كان الثمن.
توريط سوريا
* كيف؟
يردد الكثيرون أن المتهم الأول في عملية الاغتيال هو سورية، وسورية تعيش وضعا سياسيا خلقته ضدها إسرائيل عبر لسان الأمريكيين. من مِن مصلحته توريط سورية؟ الشيء الثاني هو أن اختيار هذا التوقيت الحساس لم يكن صدفة أيضا باعتبار أن المساومة كانت واضحة إما يتنازل السوريون عن المطالبة بالجولان وإما يفقدون مواقعهم الاستراتيجية في لبنان، وهي مواقع نعرف أهميتها بالنسبة للسوريين باعتبار أنهم يخافون من استغلال منطقة البقاع اللبنانية في أية محاولة اجتياح للأراضي السورية كما حدث في العراق عبر ما سمي بالمنطقة الخضراء. السوريون وجدوا أنفسهم في الفخ، فخ الجريمة التي ارتكبت لمقايضتهم وفخ الانسحاب الذي حدث فعليا، وعليه فالأمور صارت واضحة بأنه تم التحضير لها على شكل واسع وخطير من قبل المستفيدين من الأوضاع. إدخال لبنان في العنف سيكون مكسبا كبيرا لإسرائيل التي تريد إضعاف المقاومة اللبنانية وبالتالي تريد تصفيتها تماما عبر إقحامها في العنف الداخلي نفسه. أنا لا أدافع عن الوجود السوري في لبنان لأنه فقد مبرراته منذ زمن، ولكني أقول أن الذين يطالبون بخروج سورية في الحقيقة يرسمون واقعا آخر غير الذي يطمح إليه اللبنانيون الشرفاء.
نحن نريد الاستقلال الكامل، وهذا الاستقلال غير ممكن في الوضع الذي تسعى فيه جهات كثيرة في الداخل وفي الخارج إلى سياسة العنف، حتى وهي تحاول إيهام العالم بأنها تقود سياسة (الثورة المخملية). أمريكا هي التي تدير الخيوط لصالح إسرائيل في المنطقة، تريد جر الجميع إلى الاعتراف بأنهم لن يستطيعوا إقامة دول حقيقية بدون مباركة إسرائيلية، بدليل ما ترتكبه إسرائيل إلى اليوم عبر انتهاك الأجواء اللبنانية علانية وباستمرار، وعبر محاولات المساس بالأمن اللبناني وفق الخروقات التي تريد تحويلها إلى عنف شامل ضد اللبنانيين، ومن ثمة ضد دول الجوار.
* ما تعليقكم على نتائج تقرير الحقائق بشأن اغتيال الحريري؟
هي نتائج أفقدتها اللهجة التهديدية مصداقيتها. النتائج وجهت التهمة إلى سورية بأنها كانت وراء الضغوطات قبل الاغتيال، وهذا الاتهام كان متوقعا وكان واضحا أن سير التحقيق وُجّه نحو الجهة السورية بالخصوص، هذا جعل الكثير من الأسئلة مطروحة.. هل كانت مهمة اللجنة الدولية المحققة هي الكشف عن الحقيقة أم صياغة بيان سياسي رسمي؟
* وكيف تنظرون إلى نتائج الانتخابات اللبنانية في ظل ما تقوله؟
دعيني أقول لك أن لبنان ليست دولة صغيرة سياسيا، بل محورا سياسيا ضخما في المنطقة. بالنسبة للأمريكيين، من الصعب صياغة مشروع الشرق الأوسط الجديد من دون تغيير الواجهة اللبنانية عبر (انقلاب) أبيض على الطريقة الأوكرانية.
أمريكا بدأت حربها على المنطقة، بدأتها من أفغانستان إلى العراق، وتسعى إلى تطبيقها فعليا على بقية الدول لأجل تكريس هيمنتها الكاملة. ما تعيشه الولايات المتحدة في العراق هو الشيء الرهيب. القوة العظمى تتعرض إلى خسائر رهيبة من قبل مقاومة عراقية لا تملك غير الإيمان. إنها تدافع عن أرضها من المحتل، أمام قوة تكنولوجية رهيبة. قبل بداية الحرب على العراق. أمريكا لن تستطيع فعل أي شيء من دون مساعدة مباشرة من الموالين لها في الوطن العربي، وهذا بالضبط ما تسعى إلى الوصول إليه في لبنان.
* تعني أن في لبنان مثلا من يسعون إلى التغيير بالأسلوب الأمريكي؟
بالضبط، أعني أن ثمة من يريد تحقيق مصلحته الخاصة على حساب البلاد، ثمة من يريد أن يكون (بديلا براغماتيا) وهي حقيقة واضحة للعيان، وهم كثر. أنا لا أريد ذكر أسماء، ولكني أقول أن ما يعيشه لبنان أمرا ليس بريئا وليس عفويا. لبنان في دائرة الضوء، أمام فوهة المدفع، وبالتالي تكرار تجربة الحرب الأهلية هو الوارد اليوم بأسلوب مغاير، بحيث أن الخاسر الأكبر سيكون القوى الوطنية الرافضة للتطبيع مع العدو والرافضة أوضاع السلام في ظل الاحتلال الإسرائيلي الراهن لمناطق الجنوب اللبناني.
* قوى وطنية مثل حزب الله مثلا؟
نعم بالضبط. ما صنعته المقاومة اللبنانية لم تصنعه الأنظمة العربية مجتمعة، هذه تجربة مهمة في تاريخ لبنان في صراعه مع إسرائيل المحتلة للأراضي الجنوبية. إسرائيل أثبتت سياسيا وعسكريا أنها لا تقبل بالحوار ولا تؤمن به، لهذا لم يكن هنالك شيء آخر غير المقاومة، وقد فرضت المقاومة عليها ما لم تفرضه أشياء أخرى. إسرائيل تسعى إلى تصفية المقاومة اللبنانية عبر حشرها في صراعات وهمية. بالنسبة إليها المسألة السورية منتهية تقريبا في لبنان، والحال أن فتح جبهات الصراع سيكون محتملا لأن إسرائيل ستسعى إلى (ضمان حمايتها) بالاعتداء على أمن لبنان والدول المجاورة ولو بالأساليب التي نراها اليوم.
ازدواجية المعايير القرار 1559
* هل من حل لهذه الإشكالية؟
الحل في تطبيق الشرعية الدولية دون الكيل بمكيالين. أريد أن أوضح نقطة خطيرة تكمن في القرار 1559 الذي يقال إنه صيغ لأجل الانسحاب السوري من لبنان. أحب أن أقول الأسلوب الذي اتبعته الأمم المتحدة وفق الرؤية الأمريكية لم يكن يحتاج إلى قرار بتلك البنود لأجل تدوين ضرورة الانسحاب السوري من لبنان. و أعني أن القرار الذي يتكلم عنه العالم اليوم، وتضعه وسائل الإعلام الأمريكية كحل شامل للمشاكل اللبنانية يحمل بنودا أخرى سرية، لأجل نزع السلاح عن رجال المقامة، وبالتالي لأجل القول إنه بخروج سورية من لبنان لن يكون لكم سبب تحملون السلاح لأجله، وكأن الصراع الحقيقي كان سوريا لبنانيا.
هذه خدعة خطيرة وتمويه عن المشكلة الحقيقية. إسرائيل تحتل جزءا من الجنوب اللبناني، وتغتصب الأجواء الجوية اللبنانية يوميا تقريبا، وتسعى إلى إبطال مفعول المقاومة اللبنانية عبر محاصرتها سياسيا وبالتالي نزع السلاح عنها. المعني بالقرار ليس سورية وحدها بل المقاومة وبالتالي الفعاليات الوطنية التي تطالب بتحرير الجنوب من الاحتلال وترفض أن تكون تحت الهيمنة الأمريكية بأي شكل من الأشكال.
* ولكن عددا من اللبنانيين اعتبروا قرار 1559 منصفا لهم.
لأنهم يجهلون توابعه. لأنهم يعتقدون أن مشكلة لبنان تكمن في الوجود السوري فقط، بينما الخطر الحقيقي قادم من أمريكا نفسها. لبنان مرشح للعديد من الحوادث القصد منها إجبار السلطة على التنحي تاركة المجال (للديمقراطيين) الذين ستختارهم أمريكا بعناية شديدة.
وكما قلت لك من قبل، مشروع الشرق الأوسط الكبير هو في النهاية الصياغة الأخرى للحرب الباردة الأمريكية الجديدة، هذه المرة لفرض ثقافة الامبريالية التي لن تعترف بالآخر المختلف عنها، لأنها ستدوسه تحت حذائها.
مستقبل لبنان
* ما هي قراءتكم للمستقبل اللبناني؟
سيكون سيناريو آخر على الطريقة الأوكرانية أيضا. سيتم تجربة (ثورة الألوان) في لبنان، اللعبة واضحة، التشكيك والعمل على إثارة الفزع عبر حرب نفسية دقيقة تتخللها أعمال العنف ناهيك عن العمل الذي ستقوم بها المنظمات غير الحكومية الموالية لأمريكا والتي ستكون الغطاء المثالي لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، هذه اللعبة رأيتها بوضوح حتى قبل بدء الانتخابات نفسها، وأنا أحاول التنبيه إليها عبر مقالات ودراسات وحوارات مباشرة مع السياسيين اللبنانيين. لبنان يتعرض إلى خطر الانقسام ونأمل أن تقف القوى الشريفة في وجه هذا الخطر لأجل ضمان الوحدة التي تعني بقاء لبنان الحر والباسل.
حرب حضارات
* لقد تناولت في الكثير من المقالات الصحفية معضلة الحرب الأمريكية الجديدة، ووصفتها بأنها الحرب على الكائنات الحية.
هي فعلا الحرب على الكائنات الحية، ما يحدث في العراق لا يختلف في الحقيقة عما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إنها انتهاكات خطيرة لأبسط الحقوق الإنسانية، والحال أن تلك الانتهاكات تمارس من دول تدّعي أنها هنا (لحماية الحقوق الإنسانية) والحقيقة أنها تنتهك تلك الحقوق بأقذر الطرق. العالم تغير عما كان عليه قبل عشرين سنة ماضية والسياسة تغيرت، حتى طرق الحرب تغيرت، اليوم الحرب صارت حربا على الحضارات. العراق حضارة دمرتها الآلة الأمريكية، وسوف تمتد الحرب إلى جهات أخرى في العالم. هذا شيء منتظر ومعروف. لهذا أُصر على أن أمريكا تسعى إلى إبادة الكائنات.
* يوجد في فرنسا لوبي إعلامي يحاول (تشريع) هذا النوع من الحروب باسم مكافحة الإرهاب. هل استطعتم الوقوف في وجه هذه التيارات اليهودية المتطرفة التي تنشر ثقافة العنف ضد الآخر داخل فرنسا نفسها؟
أشكرك على هذا السؤال الكبير. نعم، هذه حقيقة نعترف بوجودها في فرنسا اليوم. انهيار المثاليات القومية في الجمهورية الخامسة فتحت جملة من الفراغات، ولهذا استطاع أن ينشط التيار اليهودي المناوئ وبشكل ملموس، واستطاع أن يحتل مناصب مهمة في الدولة الفرنسية أيضا. نيكولا ساركوزي الذي يسعى إلى منصب رئيس الجمهورية من أصل يهودي بولوني، وهو يصنع تيارا يمينيا يتقارب بشكل كثيف فكريا وعقائديا مع المحافظين الجدد في الولايات الأمريكية. من الصعب الوقوف في وجه هؤلاء دون توحيد الجهود. المشكلة هي أن الجميع يتكلم ولا أحد يصغي في الحقيقة إلى ما يقوله الآخر. مشكلة فرنسا الحالية هي أنها لم تحضِّر لكل هذا التغيير المتسارع، والخوف من القادم يبدو حقيقيا. لكن التيارات اليمينية اليهودية المتعصبة تسعى إلى فرض رؤيتها للأمور في غياب حركية انتقال سليمة من مرحلة الركود إلى مرحلة الفعل السياسي الجيد. هذه مأساة الدول الأوروبية في النهاية، ولهذا يجد اللوبي اليهودي الفرصة لسد الفراغ بهذا الشكل الذي نراه. لكن لا يجب أن ننسى أن ثمة قوى حقيقية معارضة ومناهضة للامبريالية وللصهيونية، إنها موجودة في فرنسا وفي بلجيكا وألمانيا وكندا. يجب أن ندافع عن هذه القوى لأنها منا.
* كيف تنظرون إلى العالم قبل نهاية العام؟
بصراحة لستُ متفائلاً جداً في ضوء التهديدات الأمريكية الحالية. أخاف على لبنان من الانهيار الأمني، وأخشى أن تعلن أمريكا الحرب فعليا على سورية. كما هنالك الكثير من الأمور التي تقول أن ثمة انقلابات قادمة على المستوى الشعبي في دول كثيرة من العالم!
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|