* تقرير - وضحى العجمي
رعاية المرأة والطفل وتأمين حياة مستقرة ومجتمع آمن بهدف تحقيق مجتمع خالٍ من العنف والإهمال الأسري والإيذاء الجسدي داخل وخارج الأسرة للحصول على أسرة قوامها الرحمة والاحترام المتبادل بين أفرادها، أمر يستدعي جهداً وطنياً متناغماً بين المؤسسات من خلال تقديم المحاضرات والتوعية الإرشادية في المساجد والمدارس، لإنشاء جيل واعٍ يتحمل مسؤولياته، كما يستدعي برنامجاً أسرياً لمسببي العنف كالآباء المعتدين على الأطفال، وآخر للطفل. إلى جانب العمل على تصويب وضع الأسر من حيث الأبعاد الاقتصادية والثقافية والتعليمية ومعالجة مشاكل الأسرة كافة.
سلوكيات غريبة
ومن العوامل التي ساهمت في استشراء ظاهرة العنف الأسري في المجتمعات العربية - إذا جاز لنا أن نضعها في مستوى الظاهرة - هو اكتساب بعض الشباب سلوكيات غريبة عن البيئة الأصلية من خلال الغزو الثقافي الذي ساهمت فيه وسائل الإعلام المختلفة والمؤطرة بغلاف المصالح الخاصة ضمن أفكار وأيدولوجيات وحروب عالمية وإعلامية، وكذلك أجهزة التكنولوجيا والإنترنت خصوصاً كانت أحد مصادر الانحراف في مجتمعاتنا مما أوجد تناقضاً بين الأهداف والوسائل لجعل الأسرة تبحث في اتجاه والشاب في اتجاه معاكس وإصرار هذه الوسائل على غرس مفاهيم من شأنها التأثير في عقول شبابنا وتعاملهم مع هذه المفاهيم بطريقة سلبية دون توجيه ومراقبة.
التفكك الأسري
وفي جانب مهم من جوانب تفشي العنف الأسري، فقدان الأسرة لأحد أركانها، كغياب الأب المتكرر عن البيت وعدم رعايته لأبنائه، أو التعسف في الطلاق الذي يوقعه الآباء على الأمهات وبالتالي فقدان الركن الأهم في الأسرة.
الارتفاع في نسب الطلاق في المملكة، يؤدي في النهاية إلى فقد الأسرة لأحد أركانها، حيث بينت دراسة أجرتها مديرة وحدة الأبحاث في مركز الدراسات الجامعية للبنات الدكتورة نورة الشملان أن معدلات الطلاق في المملكة ارتفعت من 25% إلى 60% خلال الـ20 سنة الماضية.
وفي سياق متصل بينت الدكتورة الجوهرة الزامل من قسم الدراسات الاجتماعية من خلال بحث أعدته أن 43% من حياة الأسر والعلاقات الزوجية في المملكة ممن شملتهم الدراسة قائمة على الإهمال والتجاهل والعنف والقسوة والخلافات الدائمة إلى جانب سيطرة أحد الطرفين على الآخر.
كما أن التفكك الأسري موجود في عائلات يتربع على رأسها الأب والأم لكنهم غير مهتمين بأبنائهم وتستخدم العنف وعدم العدل والجهل وقلة الخبرة بالتنشئة الأسرية السليمة. كذلك عدم احترام الأسرة لرأي الشباب واستثناؤهم من صناعة القرارات حتى وإن كانت بسيطة وهذا يعتبر نوعاً من الإشباع القسري لاحتياجات الشباب.
رأي علم النفس
وقد سلّط علم النفس الضوء على اتخاذ القرار من طرف واحد - وأسماه بالأسلوب التسلطي - والذي يؤدي إلى عدم العدالة بين الأبناء مما ينتج جيلاً يعيش في صراع ويبحث عن الهوية من خلال الممارسات الخرافية التي تؤدي إلى اضطراب الشخصية واعتلال الصحة النفسية بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الإجراءات في التنشئة العربية التي أدت إلى تأخير شخصية الأبناء وقولبتهم كما يريد الآباء.
كما حث علماء النفس الآباء على توفير العدالة الوالدية بين الأبناء وعدم تصنيفهم بالابن الأول والأوسط والأخير وكذلك العدالة بين الذكور والإناث، كما نصح بعدم طرح الخلافات الزوجية أمام الأبناء.
التربية أولاً
والتربية هي الركيزة الأساسية لأي أسرة ولأي مجتمع ولا يمكن للمجتمع أن ينقل إلا من خلال تربية صحيحة، فالتربية تعني نقل المجتمع للفرد أي نقل القيم والعادات والتقاليد والأخلاق. قد اختلف مفهوم العنف بين الأمس واليوم في المجتمعات، فالعنف في الماضي كان نتاج قسوة الحياة والتطلع لبناء الإنسان القادم والقادر على حمل المسؤولية، أما العنف اليوم فقد أصبح يأخذ أشكالاً متنوعة ومتعددة، حتى الإهمال هو نوع من أنواع العنف ضد الشباب مما ينعكس على مسيرته اللاحقة، فالتربية الحاضرة غير متوازنة للتطور المادي السريع والتخلف الاجتماعي المريع!
8% عنف أسري
وفي تقريرها الأول الذي أصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة منذ تأسيسها في مارس 2004م سجل ما يزيد على 8750 شكوى كان نصيب العنف الأسري 8% من هذه الشكاوى أي حوالي 700 حالة.
أشكال متعددة
وقد اختلفت حالات العنف الأسري وتراوحت بين الاعتداء على المعلمات في مدارسهن وقيام البعض باحتجاز أسر بأكملها تحت تهديد السلاح وحرق المنزل وكذلك احتجاز بعض الآباء لأطفالهم وتهديدهم بالقتل، بل إن بعض الحالات وصلت إلى القتل.
ففي الشهر الماضي فقط طالعتنا الصحف بعدد من حوادث الاعتداء تمثّل أحدها باعتداء على إحدى معلمات المدرسة المتوسطة 129 بحي الازدهار في شمال الرياض وهجوم قريبتين لإحدى الطالبات بالمدرسة على المعلمة المناوبة.
وفي القطيف لقيت امرأة حتفها قتلاً على يد زوجها، وفي المدينة المنورة قام شاب باحتجاز أسرته داخل مبناهم في حي السحمان، وأشعل النار في العمارة بهدف القضاء على كل من فيها، وتمكّنت دوريات الأمن والدفاع المدني بمنطقة الرياض من تحرير طفل احتجزه والده لمدة ساعة ونصف بعد أن هدد بقتله، وذلك إثر خلافات عائلية.
وفي حادث غريب آخر أقدم والد على قتل طفلته البالغة من العمر سنة ونصف في محافظة القطيف وذلك بوضعها أمام عجلات سيارته ودهسها إثر خلاف مع زوجته!
ماذا بعد؟
وبعد كل ذلك، إلى متى سنبقى مكتوفي الأيدي دون حراك مكتفين فقط باستهجان هذه التصرفات، والتعاطف مع من ترتكب ضده؟!
ألا ترون أننا حقاً بحاجة إلى يد طولى تضمد الجراح تتمثَّل بجهة رسمية تتولَّى حماية الأسرة وبالتالي المجتمع؟!