* إعداد - وفاء الناصر
قد يسهل تداول هذا المثل الشعبي بين الناس كنوع من العتب على الغياب، لكن هل يجرؤ الرجل أن يلمح به لزوجته (أو العكس) إذا كانت ظروف الحياة قد اضطرت أحدهما إلى الغياب عن الآخر والسفر للعمل في الخارج؟!
تداعيات الزواج عن بعد..
رجال ونساء كثيرون يعيشون حياة العازبين، لكنهم في الواقع متزوجون مع وقف التنفيذ وعلى رغم ارتفاع نسبة الذكور الذين تنطبق عليهم هذه المواصفات مقارنة مع النساء اللاتي يلعبن دور الأم والأب في أغلب الأحيان فإن الدراسات تثبت سعي الجنسين وراء فرص العمل الجيدة حتى لو كان الاستقرار الأسري هو الضريبة التي يجب دفعها في المقابل، ما يشكل عبئاً إضافياً على المجتمعات حيث قد يخلق هذا التباعد القسري مشكلات بين الزوجين وأحياناً يتسبب بشرخ في العلاقات الزوجية.
هذه القضية شكلت مادة بحث مهمة لكثير من الأطباء النفسيين المتخصصين في قضايا الأزواج وتربية الأبناء، وقدم أحد الأطباء للأزواج الذين يغيبون عن شركاء حياتهم نصائح للوقاية من المشكلات الافتراضية التي قد يسببها هذا التباعد.
ويشير علم النفس إلى أن التعاطي مع هذه القضية يختلف من شخص لآخر، فلو كان أحد الأزواج قد تربى في عائلة أحد أطرافها يغيب كثيراً عن المنزل، لن يشكل الأمر بالنسبة إليه معضلة كبرى بينما لن يتقبلها أي شخص كانت له تجربة سابقة مع قريب منه غادره بعدما وعده أن سيعود ولكنه اختفى إلى الأبد! ما يعني أن الزوجين سيتصرفان مع بعضهما وفقاً للطريقة التي عاشاها في طفولتيهما وهذا ينعكس على تقبل أحدهما غياب الطرف الآخر.
(لو كنت تحبني لبقيت معي!)
جملة كثيراً ما يسمعها الأزواج كثيرو الأسفار، أو الذين يعيشون في مكان بعيد عن زوجاتهم فالحب مرتبط في ذهن النساء بالوجود الروحي والجسدي إلى جانب من يحبون ويشكل غياب أحد الأطراف عن الآخر في هذه الحالة فراغاً عاطفياً كبيراً!
بينما تنظر بعض النساء إلى الأمر من زاوية مختلفة، ويرين غياب شركاء حياتهن مرحلة مؤقتة لن تدوم طويلاً، ويعشن على هذا الأمل.
وقد تم إثبات قدرة المرأة على الصبر أكثر من الرجل على ذلك حيث تتمكن المرأة من القيام بدورها ودور زوجها في غيابه، وتتحمل ابتعاده الجسدي عنها وتبقى مخلصة له في سبيل تأمين حياة جيدة لها ولعائلتها. في مقابل رفض الرجل الشرقي فكرة سفر زوجته للعمل في الخارج تاركة له أسرة يهتم بها مع وجود بعض الحالات النادرة التي لا تتجاوز 5%.
الشعور بالوحدة!
قد يصيب الشعور بالوحدة الطرفين، بغض النظر عن أيهما الغائب عن المنزل والعائلة! وعلى الرغم من أن الطرف المسافر قد يحظى بفرصة التعرف إلى أناس جدد، والحصول على فرص عمل جديدة، لكنه سيشعر حتما بالوحدة لا سيما الرجل الذي اعتاد أن يسمع صوت أولاده في البيت لدى عودته من العمل، واعتاد اهتمام زوجته به. فالغربة ستخلق لديه نوعاً من الاعتماد على ذاته وتحمل مسؤوليات إضافية، منها الطبخ والغسيل وكي الملابس وغيرها من الأمور المنزلية!.
أما الزوجة التي ستبقى في منزلها وبلدها الأم تنتظر عودة زوجها فستحظى بدعم الأقرباء والأصحاب الذين يبقون إلى جانبها لكنها قد تمر في كثير من المواقف الصعبة التي تضطر إلى مواجهتها وحدها خصوصاً إذا كانت أماً لعدة أطفال بينهم أولاد في سن المراهقة.
إنعاش العلاقة الزوجية
المفتاح الرئيس لنجاح العلاقات التي تقوم على فراق الزوجين الطوعي يكمن في الصراحة التامة والمشاركة الدائمة، وبرغم البعد بعض الأزواج يقعون في خطأ إخفاء الكثير من الحقائق فحين يسأل أحدهما الآخر عن أحواله يجيبه بأن كل شيء على ما يرام في حين أن الاثنين يشعران بوحدة قاتلة ولكن يخاف كل منهما أن يطلع الطرف الآخر على الحقيقة مخافة إزعاجه.
وفي نفس الوقت يظن كلا الطرفين أن الآخر سعيد في حياته ويقضي وقتاً ممتعاً أكثر منه وأنه هو وحده الطرف المضحي! في حين أن الاثنين يعانيان مشكلات عدم الاستقرار، التي قد تشرع أبواب الخلافات بينهما وسوء الفهم والشك والغيرة وربما الخيانة بسبب الفراغ العاطفي والتباعد الفكري وعدم التواصل وقد تصل فيما بعد إلى البرود العاطفي تجاه الآخر!
يشير الطب النفسي إلى ضرورة المصارحة بين الزوجين المتباعدين لإحياء صلة الحب بينهما يومياً وإبقاء كل طرف منهما على اطلاع تام بشؤون الآخر وحياته وكل ما يمر به وهذا يقرب المسافة التي تبعد بينهما وبإمكان الطرفين أن يعتمدا كل وسائل وسبل التواصل المتاحة حتى لو بحدود ضيقة لكن بشكل يومي مثل الرسائل الهاتفية والبريد الإلكتروني، والفاكس، والاتصالات والتحدث المباشر. كما يجب تبادل الهدايا من فترة إلى أخرى ليشعر كل واحد منهما باهتمام الآخر به، ولابد من تبادل الاستشارات الزوجية والأسرية المتعلقة بتربية الأولاد وشؤون المنزل وتعزيز كلمة الرجل وقراراته حتى في غيابه. أما العرائس الجدد الذين لم ينجبوا بعد فينصح الطب النفسي بفكرة تدوين يوميات كل منهما ثم عرضها على الطرف الآخر حين رؤيته كي يشعر بوجوده العميق في حياة شريكه.
اللقاء بعد الغياب
بعض الأزواج المغتربين يضعون العديد من التصورات عن حميمية اللقاء الأول بعد الغياب، ويصدمون لاحقاً بالواقع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الزوجات المنتظرات! وقد يكون السبب الوحيد في ذلك هو التباعد الفكري وعدم التواصل الكافي بين الزوجين طوال فترة الغياب ويمكن تفادي ذلك بالتفاهم على تفاصيل اللقاء الأول هاتفياً، حيث من الصعب أن يستوعب كلا الطرفين وجود الآخر بجانبه بعد طول غياب خصوصاً إذا اعتاد في تلك الفترة الاستقلالية في حياته وقراراته وهذا ما يجب أن يتداركه كل زوجين ويجعلا من الغياب مساحة مثالية للاشتياق لبعضهما بعضا!.