|
الافتتاحية مستقبل العراق
|
مع كل التطمينات التي يقدمها الرئيس الأمريكي بوش بين الحين والآخر لمواطنيه وللعراقيين وللعالم أجمع..
والوعود التي تتصدر كلماته وتصريحاته ولقاءاته في كل المناسبات..
مع كل التبريرات التي يفسر بها التحدي الكبير الذي تواجهه القوات الأمريكية في احتلالها للعراق..
وتقليله من أهمية المقاومة العراقية الشرسة والزعم بأن ما يجري في العراق لا يعدو أن يكون ترجمة لحالة اليأس والاحباط التي يعانيها فلول النظام السابق..
مع كل ذلك فإن تصاعد وتيرة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي يقول لنا ويحدثنا بغير ذلك..
وأن ارتفاع معدل القتلى في صفوف الأمريكيين والعراقيين على حد سواء يثير مخاوفنا مثلما يثير مخاوف الأمريكيين وإن أنكروا ذلك..
***
ومن تتبعنا لسيناريو وأسلوب المقاومة العراقية المتواصل والمستمر بضراوة وعنف شديدين..
وردود الفعل الأمريكية على الأرض وعبر وسائل الإعلام المختلفة..
ومن خلال قراءتنا لخريطة القتال الذي يجري هناك وبتصاعد كبير والذي لم يكن في حجم التقدير له قبل احتلال القوات الأمريكية للعراق..
سواء بنتائج هذا الاحتلال أو بأسبابه وما وصل إليه وبما هو مرشح له..
فإن المخاوف مما نراه يومياً تزداد وتتسع..
وبالقدر الذي يختفي فيه التخطيط العاقل والحكيم لإنهائه..
***
فما الذي ينبغي فعله لتطويق أزمة أضحت تلقي بظلال من الرعب والخوف والشعور باليأس على مساحات كبيرة تتجاوز حدود العراق الى منطقة الشرق الأوسط بكاملها وربما الى ما هو أكثر من ذلك بكثير؟..
***
في تقديرنا المتواضع أن الخروج من هذه المحنة والتخلص من تداعيات هذا الاحتلال وتخليص العراق أرضاً وشعباً من هذا الايذاء الدامي..
وإيقاف هذا السيل العرم من الدماء بين صفوف الأمريكيين..
إنما يقوم على إيكال مهمة استكمال عافية العراق إلى الأمم المتحدة..
ضمن تعاون دولي نزيه يراعي في قراراته وخطواته مصلحة شعب العراق أولاً وأخيراً..
وبذلك تُعفى الولايات المتحدة الأمريكية من دور في العراق باتت تخص به نفسها دون إذن أو رضا من شعب العراق..
ثم البدء بعد ذلك باختيار قيادة وحكومة ومؤسسات عراقية تقود العراق الى ما هو أفضل تحت مظلة المنظمة الدولية..
***
وبهذا لن يترحم أي من العراقيين على غياب نظام فاسد كان يقوده صدام حسين.
خالد المالك
|
|
|
الفتاوى يجيب عنها الشيخ سلمان ابن فهد العودة
|
حكم السواك في رمضان
* السؤال: ما حكم السواك في رمضان؟
الجواب: الراجح في أمر السواك في رمضان أنه جائز قبل الزوال وبعده. ويستحب في الأوقات التي جاء النص باستحبابه فيها. مثل: الصلاة. وقراءة القرآن عند من يصحح حديثه. وما شابه ذلك.لكن لا يصح في خصوص السواك في رمضان حديث. إذ حديث «استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي» ضعيف رواه الدار قطني «2/204» والطبراني في الكبير «4/78». والبيهقي في السنن الكبرى «4/274» من حديث علي وخباب رضي الله عنهما . ومثله حديث «رأيت رسول الله ما لا أحصي يستاك وهو صائم» رواه الترمذي «725» وأبو داود «2364» وأحمد «15678» من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه . ويكفي في المسألة عموم الأحاديث الواردة بمشروعية السواك. كحديث لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة رواه البخاري«887». ومسلم «252» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . و «كل» من ألفاظ العموم. فتشمل رمضان وغيره. وما قبل الزوال. وما بعده. والله أعلم.
***
بيع الحلي بالتقسيط
* ما هو حكم بيع الذهب بالتقسيط «الحلي»؟ و هل يدخل في حكم الأصناف الربوية المذكورة في الحديث أم لها حكم خاص بها؟
الجواب وبالله التوفيق: نورد النصوص الشرعية. ثم نذكر خلاف العلماء في مدلولها.
الحديث الأول: ما رواه مسلم «1591» عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تباع حتى تفصل».الحديث الثاني: ما رواه مسلم «1587» عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار. فجاء أبو الأشعث قال: قالوا: أبو الأشعث أبو الأشعث. فجلس. فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم. غزونا غزاة وعلى الناس معاوية. فغنمنا غنائم كثيرة. فكان فيما غنمنا آنية من فضة. فأمر معاويةرجلا أن يبيعها في أعطيات الناس. فتسارع الناس في ذلك. فبلغ عبادة بن الصامت. فقام فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب. والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير. والتمر بالتمر. والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين. فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فرد الناس ما أخذوا. فبلغ ذلك معاوية. فقام خطيبا. فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعهامنه. فقام عبادة بن الصامت. فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية أو قال: وإن رغم ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.الحديث الثالث: ما رواه مالك في الموطأ «1327» قال: عن زيد بن أسلم. عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها. فقال أبوالدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية. أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويخبرني عن رأيه. لا أساكنك بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب. فذكر ذلك له. فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن. ورواه أحمد والنسائي و إسناده منقطع كما ذكر ابن عبدالبر في التمهيد«17/41» وغيره ، لأن القصة حدثت في عهد عمر رضى الله عنه كما هو ظاهر، وعطاء إنما ولد سنة عشرين أو إحدى وعشرين على خلاف. ولا يحفظ لعطاء سماع من أبي الدرداء. ولا يعرف الخبر إلا من طريق عطاء.
وقد حدث لعبادة بن الصامت قصة شبيهة بها مع معاوية فلعلها هي والله أعلم وقصة عبادة محفوظة من طرق. فهذه الأحاديث وغيرها تدل على تحريم بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد. وكذلك الفضة بالفضة. ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ثم يتفرع عن هذا عدة مسائل نعرض لبعضها:
أولا: ما حكم بيع الذهب المصوغ بذهب خالص أكثر منه والزيادة في مقابل الصنعة؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: لا يجوز. وهو قول جمهور العلماء في المشهور. واستدلوا بالأحاديث السابقة وما شاكلها وهي تزيد على سبعة عشر حديثا، وقال بعضهم إنها متواترة.
قال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة «ص: 302»: والسنة المجتمع عليها أنه لا يباع شيء من الذهب عينا كان أو تبرا أو مصوغا أو نقرة أورديئا بشيء من الذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد. وكذلك الفضة عينها ومصوغها وتبرها والبيضاء منها والسوداء. والجيدة والرديئة سواء. لا يباع بعضها ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد. من زاد أو نقص في شيء من ذلك كله أو أدخله نظرة فقد أكل الربا. اهـ
و قال الشافعي في الأم: ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ الفضة بالحلي الفضة المعمولة. ويعطيه إجارته، لأن هذا الورق بالورق متفاضل.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح «1/212»: أجمع المسلمون على أنه لايجوز بيع الذهب بالذهب منفردا والورق بالورق منفردا. تبرها ومضروبها وحليها إلا مثلا بمثل. وزنا بوزن. يدا بيد. وأنه لا يباع شيء منها غائب بناجز.
القول الثاني: وهو منسوب لمعاوية رضي الله عنه. والحسن وإبراهيم والشعبي. انظر المصنف لعبد الرزاق «8/69» وتكملة المجموع «0/357 ،359» وابن الأثير جامع الأصول «/553،559،560،561» والجامع في أصول الربا «ص: 160»، وهو اختيار جماعة كبيرة من الحنابلة كظاهر نص ابن قدامة «4/29» وقال في المقنع «2/65». والإنصاف «5/14»: «وعليه العمل». واختاره ابن تيمية رحمه الله كما في تفسير آيات أشكلت «2/622». وابن القيم كما في إعلام الموقعين «2/141» وأجازه مالك رحمه الله للمسافر خاصة لضرورة السفر كما أشار إليه خليل وغيره، وانظر أضواء البيان «1/256».
قال ابن تيمية في الاختيارات للبعلي «ص: 112»: ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل. ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة. سواء كان البيع حالا أو مؤجلا ما لم يقصد كونها ثمنا. اهـ
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين «2/141»: إن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع. لا من جنس الأثمان. ولهذا لم تجب فيها الزكاة. فلا يجري الربا بينهما وبين الأثمان. كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها. فإن هذه الصناعة قد خرجت من مقصود الأثمان وأعدت للتجارة. فلا محذور في بيعها بجنسها. ولا يداخلها «إما أن تقضي وإماأن تربي» إلا كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل. الخ كلامه رحمه الله.
ويصلح أن يكون هذا طرد رأي جماعة كبيرة من الفقهاء، فقد قال ابن رشد «2/103»: اختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة، مما أصله منع الربا فيه، مثل الخبز بالخبز، فقال أبو حنيفة: لابأس ببيع ذلك متفاضلا ومتماثلا ، لأنه قد خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا، وقال ابن مفلح «4/149»: إن ماخرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي.
وهذا قول جميع القائلين بأن لا ربا إلا في النسيئة. أدلة هذا القول: استدل لهم الإمام ابن تيمية في تفسير آيات أشكلت «2/622»، و ابن القيم في إعلام الموقعين بما يلي:
«1» أن علة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية. فإذا كانا حليا فإنهما يصبحان مجرد سلعة من سائر السلع. قلت: وقد يلزم من لا يقول بهذا القول ألا يجري الربا عنده في الورق النقدي لأنه إنما اعتبره جنسا ربويا بعلة الثمنية قياسا على الذهب والفضة.
«2» أن مبادلة حلي الذهب بالذهب بالتفاضل على أن يكون الفضل في مقابل الصنعة والصياغة. والعاقل لا يبيع الصياغة بوزنها فإنه سفه وإضاعة للصنعة. والشارع لا يقول لصاحب هذه الصياغة: بع هذا المصوغ بوزنه واخسر صياغتك. ولا يقول له: لا تعمل هذه الصياغة. واتركها. ولا يقول له: تحيل على بيع المصوغ بأكثرمن وزنه بأنواع الحيل. فالشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك. والشريعة لاتأتي به. ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه. فلم يبق إلاأن يقال: لا يجوز بيعها بجنسها البتة. بل يبيعها بجنس آخر. وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة. فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به مايحتاجون إليه من ذلك. والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب. وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذراً أو متعسراً. والحيل باطلة في الشرع. وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب. وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع. فلو لم يجزبيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس. والنصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما هو صريح في المنع.
«3» يوضحه أن الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتخذون الحلية وكان النساء يلبسنها وكن يتصدقن بها في الأعياد وغيرها. والمعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج ويعلم أنهم يبيعونها. ومعلوم قطعا أنها لا تباع بوزنها فإنه سفه. ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي دينارا. ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها. وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها للناس.
«4» يوضحه أنه لا يعرف عن احد من الصحابة أنه نهى عن أن يباع الحلي إلا بغير جنسه. أو بوزنه. والمنقول عنهم إنما هو في الصرف.
«5» أن الذهب والفضة نقدان تجب فيهما الزكاة بلا خلاف. فإذا صارا حليا لم تجب فيهما الزكاة عند بعض الفقهاء، قلت: وهو مذهب الأئمة الثلاثة خلافالأبي حنيفة.
«6» أن تحريم ربا الفضل إنما كان سدا للذريعة. وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة. كما أبيحت العرايا من ربا الفضل. فكذلك ينبغي أن يباح بيع الحلية المصوغة صياغة بأكثر من وزنها، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك. وتحريم التفاضل إنما كان سدا للذريعة. فهذا محض القياس. ومقتضى أصول الشرع. ولاتتم مصلحة الناس إلا به. أو بالحيل. والحيل باطلة بالشرع. وغاية ما في ذلك جعل الزيادة في مقابلة الصياغة المباحة المقومة بالأثمان. الخ كلامه رحمه الله.
وقال ابن قدامة في المغني: إن قال لصائغ صغ لي خاتما وزنه درهم. وأعطيك مثل وزنه وأجرتك درهما فليس ذلك ببيع درهم بدرهمين. قال: وقال أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين: أحدهما: في مقابلة الخاتم. والثاني: أجرة له. انظر المغني «4/29». وكشاف القناع «3/253».
وهذه الأدلة تدل على جواز بيع الحلية بالذهب متفاضلا، لأنه لما خرج عن مسمى الذهب بالذهب وصار سلعة من السلع جاز بيعه متفاضلا. والله أعلم.
بقي الجواب على حديث معاوية وحديث القلادة:
أجاب ابن القيم بقوله: إن ما أنكره عبادة على معاوية لم يكن إلا لأنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان. فلم يكن الأمر متعلقا بحلي أو بمصوغ مباح. أو حلية سلاح. بل كان متعلقا بآنية من فضة. واتخاذ الأواني من الذهب والفضة ممنوع شرعا. ولهذا كان الإنكار ولم يكن لسبب متعلق بالربا.
وأما الجواب على حديث القلادة: فقالوا: إن الذهب الذي دفع ثمنا للقلادة كان أقل مما في القلادة نفسها من ذهب. فصارت المبادلة ذهبا بذهب مع التفاضل. وهو غير جائز. ولو كان الذهب المفرد أكثر من الذهب المقرون لجاز، لأن المبادلة تصير عندئذ: الذهب بالذهب مثلا بمثل. والفضل في مقابل الصنعة. ولا يخفى ما في هذا القول من القوة والوجاهة. وأنه في ذروة النظر والتحقيق. والله أعلم.
فتوى الشيخ عبدالله بن منيع: بيع الذهب بالقيمة إذا كان مشغولا. أي: فيه صنعة وصياغة، لايخفى أن الذهب قد يباع بذهب. وقد يباع بنقد آخر. من فضة أو ورق نقدي. أو فلوس. فإذا كان الذهب المبيع مشغولا. كأن يكون حليا. فإن بيع بذهب فلا بأس أن يكون الثمن أكثر وزنا من وزن الذهب الحلي. وتكون الزيادة في الوزن في مقابل الصياغة والعمل «الذهب في بعض خصائصه وأحكامه» ورقة مقدمة للدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي.
ثانيا: حكم بيع الحلي بالذهب نسيئة: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين أيضا:
القول الأول: أنه لا يجوز بيع شيء من الذهب. تبرا كان. أو مضروبا. أو مصوغا بذهب نسيئة. وهو مذهب الجمهور. وحكاه بعضهم إجماعا. «انظر: الإجماع لابن المنذر رقم547. والاستذكار لابن عبد البر «19/192». والإفصاح «1/212» وغيرها. وهو الاختيار القديم لابن تيمية، كما في الفتاوى «29/425» وحكى اتفاق الأئمة عليه، وحجتهم ما مضى في المسألة الأولى من قوله عليه الصلاة والسلام: الذهب بالذهب،. وفي بعض ألفاظ الحديث يدا بيد،. كما في حديث أبي بكرة في صحيح مسلم«1590» وغيره.. وفي بعضها: هاء وهاء،. كما في الصحيحين والسنن من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وفي بعضها: ولا تبيعوا غائبا منها بناجز كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد«1584». وفي بعضها: نهى عن بيع الذهب بالورق دينا. كما في حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم في البخاري «2070» وكل هذه الألفاظ متقاربة. ومعناها جواز البيع الناجز من غير نظرة ولا تأجيل. وتحريم النسيئة في ذلك.
القول الثاني: أنه يجوز بيع الحلي المصوغ من الذهب أو الفضة بغيره من الذهب أو النقود نسيئة. وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم. رحمهما الله.
فقد قال ابن تيمية كما في الاختيارات، وسبق : يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه. من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة. سواءكان البيع حالا أو مؤجلا ما لم يقصد كونها ثمنا.
وهذا صريح في جواز النسأ أو التأجيل. ما دامت الفضة أو الذهب حليا أو نحوه. وليست أثمانا أو قيما للأشياء.
وهكذا نص ابن القيم. فإنه قال في صدر كلامه: إن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع. لا من جنس الأثمان. ولهذا لم تجب فيها الزكاة.. فلا محذور في بيعها بجنسها. ولا يدخلها. «إما أن تقضي وإما أن تربي» إلاكما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل.
وقد استشكل بعضهم الاختلاف بين كلام الشيخ ابن تيمية هنا. وبين كلامه في الفتاوى حيث ورد إليه سؤال حول هذه المسألة فأفتى بالمنع. وهذا نص السؤال: امرأة باعت أسورة ذهب بثمن معين، إلى أجل معين. هل يجوز أم لا؟ فأجاب:إذا بيعت بذهب أو فضة إلى أجل لم يجز ذلك باتفاق الأئمة، بل يجب رد الأسورة إن كانت باقية، أو رد بدلها إن كانت فائتة، والله أعلم. «الفتاوى 29/425».
وقالوا إنه حكى الإجماع هنا فكيف ينقضه هناك؟
والصواب دون شك عندي أن الشيخ رحمه الله رجع عن هذا القول بالتحريم، إلى القول بالجواز، وهذه بعض الأدلة:
«1» أن هذه الإجابة القصيرة المجملة هي سمة إجاباته القديمة، بخلاف إجاباته المتأخرة فيغلب عليها التوسع والتفصيل ، لأنها أحيانا تكون مخالفة للمألوف. فتحتاج إلى سرد الحجج، ورد الاعتراضات عنها.
«2» أن القول بالجواز هو الذي اختاره البعلي في اختياراته ومن الواضح في الاختيارات أنها تمثل رأي الشيخ الأخير غالبا.
«3» أنه ذكره وأطال فيه النفس ورد ما يعارضه في تفسير آيات أشكلت وهو من كتبه المتأخرة. بل لعله ألفه وهو سجنه الأخير، كما أشار إلى ذلك ابن عبدالهادي «العقود الدرية ص 240».
«4» أن ابن القيم رحمه الله. وهو من أخص تلاميذ الشيخ نقله عنه باستفاضة في إعلام الموقعين كما سلف في المسألة الأولى.
أما حكاية الإجماع فلعله اعتمد فيها على نقل ابن المنذر أو غيره ثم ظهر له أن في نقل الإجماع نوعا من التساهل. والله أعلم.
ولعله ركن في القول بالجواز إلى ما روي عن الحسن وإبراهيم والشعبي، كمافي المصنف «8/96». ولخصه النووي في المجموع «10/357» فقال: وعن الحسن وإبراهيم والشعبي. قالوا كلهم: لا بأس بالسيف فيه الحلية والمنطقة والخاتم بأن يبتاعه بأكثر مما فيه. أو بأقل. أو نسيئة.
وقد يكون في نسبة هذا القول لهم. أعني بيع الحلي بالذهب نسيئة. توسع وتسامح.لأن كلامهم المنقول هو في الذهب المخلوط بغيره. وهذه مسألة مختلفة. لكنه مبني على أنهم لما أخرجوا الحلية عن أصل الحكم، فكأنهم أجازوا فيها التفاضل والنسأ معا. والله أعلم.
المسألة الثالثة: حكم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بالورق النقدي نسيئة. والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها. أن هذه المسألة خاصة بكون الثمن ورقا نقديا. من جنس الريالات أو الدولارات أو غيرهما. أما التي قبلها فالثمن ذهب أو فضة. تبرا كان أو مضروبا أو غير ذلك. وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يجوز بيع الذهب أو الفضة بالورق النقدي مطلقا. لا نقدا ولا نسيئة. وذلك بحجة أن الورق النقدي هو عبارة عن سند بذهب أو فضة. فيكون البيع فيه غائبا بناجز. حتى مع تسليم الورق النقدي، الذي هو سند بدين حسب قولهم وهذا النظر. الذي هو توصيف للورق النقدي وتكييف له بأنه سند بذهب أو فضة يعتمد على ما هو مكتوب عليها من التعهد بدفع قيمتها لحاملهاعند الطلب. وهذا عند وجوده شيء رمزي لا حقيقة له. ولا أحد يطلب. ولا أحد يدفع. ولايلزم أن يكون لها مقابل. ومع ذلك فقد أخذت بهذا التكييف مشيخة الأزهر في السابق، واختاره الشيخ أحمدالحسيني في كتابه بهجة المشتاق. كما في الورق النقدي للشيخ ابن منيع«ص 46». ولا يلزم من هذا القول طرد منع المبايعة الناجزة بذهب أو فضة، فقد يخرج القائلون به من هذا الإلزام بمخرج الضرورة أو غيرها. ولكن الشيخ محمد الشنقيطي صرح بذلك في تفسيره «1/257» فقال الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنها يعني الورق النقدي ليست كعروض التجارة، وأنها
سند بفضته. وأن المبيع الفضة التي هي سند بها. ومن قرأ المكتوب عليها فهم صحة ذلك. وعليه فلا يجوز بيعها بذهب ولا فضة. ولو يدا بيد ، لعدم المناجزة.بسبب غيبة الفضة المدفوع سندها،.. الخ وهذا قول غريب. ولا سند له من الواقع، ويترتب على القول به حرج عظيم على الأمة. والله أعلم.
القول الثاني: القول بتحريم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بالورق النقدي نسيئة. ويعتمد هذا القول على تعليل الربا في الذهب والفضة بالثمنية. أي: أنها أثمان وقيم للأشياء. وهذا القول أعني التعليل بالثمنية إحدى الروايات عن الإمام مالك، وأبي حنيفة. وأحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما «انظر الفتاوى29/470474». كما أن تحريم بيع الحلي بالورق النقدي نسيئة هو طرد رأي القائلين بأن الورق النقدي نقد مستقل قائم بنفسه مثله في ذلك مثل الدراهم والدنانير وغيرها من العملة الذهبية أو الفضية. وهذا اختيار الشيخ محمد رشيد رضا «الفتاوى 2/528».
وعليه جرت الفتوى من هيئة كبار العلماء بالسعودية كما في مجلة البحوث «1/212222» ومنهم الشيخ عبدالله بن منيع. كما في كتابه «الورق النقدي». وبحثه متطابق مع بحث الهيئة. وانظر خصوصا «ص 125127» أما الأدلة فقد سبقت الإشارة إلى شيء منها في صدر هذا البحث.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يلزم من القول بأن العلة هي الثمنية المطلقة. تحريم بيع الحلي بالورق النقدي نسيئة. باعتبار أن هناك من يرى أن الحلي لا يدخل في العلة. بل هو قد صار بالصنعة سلعة من السلع. من جنس الثياب والأثاث وغيرها. فلا يدخله الربا. ولذلك كان اختيار الشيخين «ابن تيمية. وابن القيم» ومن وافقهم جواز بيع الحلي بالذهب نسيئة. مع أن مذهبهم أن العلة في النقدين هي الثمنية.
القول الثالث: أنه يجوز بيع الحلي من الذهب والفضة بالورق النقدي نسيئة. وهذا القول هو فحوى اختيار جماعة من العلماء متفرقين في تعليلهم. فهو مؤدى قول من يقول بأن الورق النقدي عروض تجارة، وليس ذهبا ولا فضة. ولا جنسا ربويا. كما ذهب إليه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي «الفتاوى 213229» والشيخ يحيى أمان. والشيخ سليمان بن حمدان. والشيخ علي الهندي رحمهم الله كما في جريدة حراء عدد 238و239 والقول بالجواز هو رأي بعض القائلين بإلحاق العملة النقدية بالفلوس، وطردهم هذا بأنه لا يجري فيها الربا بنوعيه «انظر: مجلة البحوث 1/209» وهو أخيرا رأي القائلين بقصر الربا على الأصناف الستة المذكورة في الحديث. وعدم تعديته إلى ما يماثلها في العلة. وهذا مذهب أهل الظاهر وابن عقيل من الحنابلة. والصنعاني كما في رسالة له مستقلة مطبوعة. وجماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين. والله أعلم.
ويلحظ في هذا القول أنه يقول به طوائف من أهل العلم، لكن كل طائفة تقول به مراعية لاعتبار غير ما تراعيه الطائفة الأخرى. ومما يستأنس به لهذا القول، أن الأمر لا يخلو من أحد احتمالين:
«1» إما أن تكون علة الذهب والفضة هي الثمنية، فيخرج الحلي. لأنه ليس ثمنا.وإنما سلعة كغيره من السلع.
«2» وإما أن تكون العلة كونه ذهبا أو فضة وهي علة قاصرة ضعيفة وعلى ذلك فإن الورق النقدي ليس ذهبا ولا فضة قطعا. فإما ألا تحقق العلة في الحلي، لأنه خرج عن الثمنية، وإما ألا تتحقق في الورق النقدي، لأنه ليس ذهبا ولا فضة وكل يخطئ ويصيب. ولكل مجتهد نصيب. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
***
موضوعات مقترحة لشهر رمضان
* كُلِّفت من طرف جماعة المسجد الذي أصلي فيه الجمعة بإلقاء موعظة بين التراويح. وذلك طيلة الشهر الكريم. فما نصيحتكم لي لاختيار المواضيع؟
الجواب: أقترح تسجيل قائمة موضوعات. ثم مراجعتها في مصادرها من كتب التفسير والحديث وغيرها. وإعداد عرض ولو مختصر حولها. وهذا نموذج لبعض الموضوعات المقترحة:
1 رمضان وفضله وبعض أحكامه «أ».
2 رمضان وفضله وبعض أحكامه «ب».
3 فضل القيام.
4 قراءة القرآن وفضلها وآدابها.
5 التوبة إلى الله. وما ورد فيها.
6 الصلة بين الأقارب. وحقوقها. وتحريم القطيعة.
7 الأخوة الإيمانية وآثارها ومتعلقاتها.
8 رمضان شهر الجهاد. ومأساة المسلمين في فلسطين.
9 حقوق المسلمين المستضعفين على إخوانهم في هذا الشهر خاصة. وفي هذا العصرخاصة.
10 خطر اليهود. وعداوتهم للإسلام والمسلمين.
11 الجهاد بالمال. أو رمضان شهر الصدقة.
12 المرأة المسلمة في رمضان «أ».
13 المرأة المسلمة في رمضان «ب».
14 الأطفال في رمضان.
15 العمرة في رمضان. وفضل ليلة القدر.
16 تفسير سورة العصر.
17 الكسب الحلال.
18 واجب الدعوة إلى الله تعالى. وصفات الداعي.
19 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومسؤولية المسلم والمسلمة.
20 رمضان شهر الصبر. والصبر جزاؤه الجنة.
21 الغيبة وأثرها على الصيام.
22 حفظ اللسان في هذا الشهر خاصة وفي كل وقت.
23 وجوب توحيد كلمة المسلمين.
24 تصحيح الاعتقاد. وتجريد التوحيد.
25 حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته.
26 فضل الصحابة ومكانتهم في الدين.
27 تفسير قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى».
28 من أحكام العيد.
29 صيام الست من شوال.
30 وداع رمضان.
* للمراسلة: salman@islamtoday. net *
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|