|
هيئة الصحفيين: أمل وقد تحقق..!
|
ما كاد وزير الإعلام يعلن عن صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على إنشاء هيئة للصحفيين حتى رأينا بعض الزملاء من أهل المهنة يتسابقون في الحديث عنها من زاوية أحادية، مركزين على موضوعين رئيسيين، أحدهما ما سموه الفصل التعسفي للصحفيين، والآخر انتخابات رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، كما لو أنهما هدفها الوحيد.
لا بأس أن يكون ضمن السياق حين نكتب عن نظام جديد كهذا كلام عن حقوق الصحفي ومن بينها فصله من عمله بطريقة تعسفية، مع أن نظام العمل مرجعية قانونية لا تسمح بمثل ذلك، وهي الأقوى في حماية الصحفي من تصرف كهذا حتى مع صدور نظام لهيئة الصحفيين.
ولا بأس أيضاً!! أن يطرح التساؤل حول اسلوب وآلية اختيار القيادات لهذه الهيئة، خلال انعقاد الجمعية العمومية وليس قبلها.
***
ما أثار انتباهي..
واستغرابي معاً..
أن نظام الهيئة لم يعلن بعد..
وأن الذين تحدثوا عنه لم يطلعوا عليه، وإنما بنوا آراءهم على ما سمعوه..
كما أن المطلعين على تفاصيله لم يستوفوا في أحاديثهم كل بنود هذا النظام، وليس هذا هو المطلوب منهم الآن.
وبذلك، فقد كان من الأفضل لو تريث الزملاء قليلاً ولم يستعجلوا الحديث عنه، بانتظار نشر النظام وإشهاره كاملاً..
حينئذ، ستكون وجهات نظرهم أقرب إلى تلمس الواقع، وإلى الإفادة من آراء تساهم في تأسيس هيئة صحفية بمستوى ما نتمناه..
***
ماذا يهمنا مَن سيكون رئيساً لمجلس ادارة الهيئة في دورته الأولى؟ ومَن سيُختار لعضوية المجلس من المنتسبين للهيئة..؟
إن ما يهمنا هو أن يُحسن الاختيار بعيداً عن العواطف والشللية..
بالتصويت لمن يرى الأعضاء أن فيه الكفاءة والكفاية للقيام بهذه المهمات..
ومن المهم عدم استباق موعد الانتخابات، بإملاءات قد لا تكون صحيحة، أو آراء لم يحن موعد الحاجة لها بعد..
قد يتبين لنا مستقبلاً وبعد الاطلاع على نظام الهيئة خطأنا في التقدير وفي كثير من التصورات.
وقد تتغير وجهات نظرنا، بعد الاستئناس ببنود هذا النظام إثر قراءتنا لها.
***
إن وجود هيئة للصحفيين يعد نقلة نوعية ومتقدمة لخدمة الصحفيين..
وإنجازاً كبيراً يحسب لمن فكر به ووافق عليه وأعلن عن مولده..
ولابد من تطويرها بما يتلاءم مع الحاجة التي استدعت انشاءها في هذا الوقت بالذات..
وهذا يتم وينبغي أن يتم بعد سنوات على قيام الهيئة..
ومن المهم أخيراً أن نتذكر أن الغرض من وجود هيئة للصحفيين بالإضافة إلى حماية الصحفي وصيانة حقوقه، تطوير كفاءته وتحسيس المجتمع بأهمية دوره، والقائمة تطول..
هل أنا متفائل بانشاء هذه الهيئة..؟
إذا سألتني، أقول نعم..!
خالد المالك
|
|
|
بعد أفغانستان.. واشنطن: القوة لحماية القوة!! دبابة عراقية محطمة من مخلفات حرب الخليج العراق.. بداية طريق سريع وطويل!! خنق المنافسين المحتملين حتى الموت
|
* مجلة الجزيرة خاص:
يبدو ان كل الطرق تؤدي الى الحرب، وليس ثمة ما يكبح جماح واشنطن العازمة على خوض غمارها مهما كانت النتائج، يوجد الآن اكثر من مائة ألف جندي أمريكي منتشرين بالفعل في المنطقة المحيطة بالعراق بالإضافة إلى حوالي خمسة وسبعين ألفا آخرين في طريقهم إلى هذه المنطقة، اما عثور المفتشين الدوليين على رؤوس حربية فارغة مصممة لحمل أسلحة كيماوية، فقد ترك في جعبة الولايات المتحدة قاعدة يمكن ان تبني عليها مبرراتها المزعومة، وحتى قبل هذا الاكتشاف فإن كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية يصرون على أن صدام حسين لا يتعاون مع الأمم المتحدة ويجب نزع أسلحته بالقوة، يمكن لاحتمالات الحرب ان تتضاءل فقط إذا تمت الإطاحة بصدام حسين من خلال مجموعة من ضباط جيشه أو إقناعه بالرحيل عن العراق والتخلي عن سلطته. من خلال هذا الملف نلقي الضوء على النتائج المحتملة لهذه الحرب الوشيكة:
وفقا لأكثر السيناريوهات تفاؤلا وهي تلك التي يتبناها دعاة الحرب فإن القوات العراقية ستبدي مقاومة محدودة وسيستولي الجيش الأمريكي على العاصمة العراقية بغداد بسرعة ويزيح صدام حسين عن السلطة سواء بقتله أو باعتقاله. ويؤكد مايكل كلاري استاذ دراسات السلام والامن الدولي في كلية همبشاير بولاية ماساتشوستس الأمريكية في العدد الاخير من مجلة «فورين بوليسي ان فوكس»، يؤكد ان هذا السيناريو يفترض أن العراقيين سوف يمتنعون عن استخدام ما لديهم من أسلحة دمار شامل أو أن القوات الأمريكية سوف تمنعهم من ذلك من خلال عملية عسكرية وأن الخسائر في صفوف المدنيين ستكون عند حدها الأدنى وأن أغلب العراقيين سوف يرحبون «بتحريرهم» من صدام حسين!!. علاوة على أنه سيتم تنصيب الحكومة الموالية لأمريكا خلفا لحكومة صدام حسين بسهولة وبسرعة، وفق هذا السيناريو فلن يكون هناك أي قتال واسع بين المجموعات العرقية والدينية المختلفة في العراق أو سيتم السيطرة عليه إذا ما اشتعل مثل هذا القتال المحدود.
سيناريوهات مستبعدة
ويتابع كلاري قائلا: «كما ان السيناريو يستبعد اندلاع المظاهرات المناهضة لأمريكا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي بما يخرج عن السيطرة، وأن القوات الأمريكية سوف تنسحب من العراق بعد فترة احتلال قصيرة نسبيا تتراوح بين ستة أشهر وعام واحد»، غير ان تخيل سيناريوهات أقل تفاؤلا ليس صعبا، ومن بين هذه السيناريوهات إن يبدي الجيش العراقي مقاومة شديدة ويخوض قتالا من منزل إلى منزل في العاصمة بغداد مما يؤدي إلى سقوط خسائر بشرية مؤلمة في صفوف القوات الأمريكية مما يدفعها إلى تكثيف هجماتها الصاروخية والجوية على المناطق العراقية المأهولة بالسكان المدنيين ومن ثم سقوط خسائر هائلة في صفوف المدنيين العراقيين.
أيضا فإنه في ظل هذه السيناريوهات، قد يلجأ العراقيون إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل المتاحة لديهم في إطار عملية انتحار جماعي على طريقة شمشون الذي هدم المعبد على نفسه وعلى أعدائه، في هذه الحالة ستجد خسائر مفزعة في صفوف القوات المتقاتلة والمدنيين على السواء، كما أن العراقيين الذين سينجون من هذه الأهوال سوف ينقلبون على «محرريهم» الأمريكيين مما يؤدي إلى عمليات فدائية ضد القوات الأمريكية المحتلة، كما سيدخل الأكراد والشيعة والسنة وغيرهم من الطوائف العراقية في حروب أهلية من اجل الفوز بغنائم الحرب مما يعني حالة واسعة من الفوضى والاضطرابات التي ستجد القوات الأمريكية نفسها وسط خضمها بدون حيلة.
هنا ستجد القوات الأمريكية نفسها أيضا مضطرة للبقاء في العراق لمدة جيل كامل أو أكثر مما يغذي مشاعر العداء المقاومة للوجود الأمريكي في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ويزيد من مخاطر الإرهاب في كل مكان في العالم.
التوقعات صعبة
لكن أي السيناريوهات هي الاقرب لتتحقق؟.. لا أحد يستطيع أن يجيب على هذاالسؤال بصورة قاطعة في هذا التوقيت بالذات، فهؤلاء الذين يميلون للحرب ضد العراق في أمريكا يعتقدون بأن المقاومة العراقية ستكون بسيطة وأن باقي تفاصيل السيناريو المتفائل ستتحقق بسهولة، ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن يؤكد أن هذه الأمور ستحدث بهذا الشكل.
هناك خبراء عديدون يعتقدون أن احتمال تدهور الأمور مازال كبيرا، فعلى سبيل المثال تشير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى وجود احتمال كبير أن يستخدم العراق أسلحة الدمار الشامل المتاحة لديه في حالة شعور العراقيين بأن هزيمتهم أصبحت وشيكة.
والحقيقة أنه عند حساب النتائج المحتملة للحرب ضد العراق يجب على أن يحسب أسوأ النتائج وليس أفضلها، ويجب السؤال هل المكاسب التي يمكن تحقيقها من هذه الحرب تعادل حجم العواقب السلبية المحتملة؟، هذا يقودنا إلى السؤال الأكثر أهمية «والكلام للكاتب الأمريكي مايكل كلاري»، وهو لماذا نذهب إلى حرب العراق؟ وما هي دوافع الرئيس الأمريكي جورج بوش وكبار مستشاريه لكي يواجهوا مثل هذه المخاطر الكبيرة؟.
في بياناتهم المعلنة يطرح الرئيس بوش وكبار مساعديه ثلاثة أسباب لإشعال هذه الحرب والإطاحة بصدام حسين، السبب الأول هو التخلص من ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين، والثاني القضاء على خطر الإرهاب الدولي، والثالث هو دعم الديموقراطية في العراق، هذه بالفعل دوافع قوية للذهاب للحرب.. ولكن هل هذه هي الأسباب الحقيقية التي تدفع بوش إلى هذه الحرب؟.
محاولة للاجابة
لكي نجيب على هذه الأسئلة، يؤكد مايكل كلاري على اننا يجب أن نراجع هذه الدوافع وندرسها، ولكي نقوم بهذه المهمة يجب أن يبقى في ذهننا علاوة على ذلك أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقوم بكل شيء، بمعنى أنه إذا كان يمكن لأمريكا أن توفر مئات الآلاف من الجنود ومئات المليارات من الدولارات لغزو واحتلال العراق فإنها لا تستطيع أن تفعل ذلك دون التحالف مع باقي دول العالم، لأن أمريكا ببساطة لا تمتلك الموارد التي تكفي لغزو واحتلال أي دولة تمثل تهديدا خطيرا للولايات المتحدة أو تستحق تغيير نظام الحكم فيها، هكذا فان قرار مهاجمة العراق يعني تبنى الخيار العسكري على حساب خيارات اخرى كانت مهمة أيضا بالنسبة لأمن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم ككل، فمن حيث التخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية، فان الإدارة الأمريكية هدفها هو تقليل مخاطر احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجوم بأسلحة دمار شامل.
كارثة مروعة
بالطبع فإن تعرض أمريكا لهجوم بأسلحة الدمار الشامل سيكون كارثة مروعة ومن المناسب للرئيس بوش أن يتخذ كافة الوسائل الفعالة واللازمة للحيلولة دون وقوع هذه الكارثة، ولكن هل هذا هو ما يفعله بوش فعلا؟..
الإجابة بالطبع لا، فأي شخص ينظر حوله لرؤية مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل عن قرب فسوف يدرك على الفور أن اكبر تهديد حالي لأمريكا بالنسبة لمسألة أسلحة الدمار الشامل يأتي من جانب كوريا الشمالية وباكستان وليس من جانب العراق، فكوريا الشمالية وباكستان تمثلان تهديدا بأسلحة الدمار الشامل لأمريكا أكثر كثيرا مما يمثله العراق لعدة أسباب، أول هذه الأسباب أن كلتا الدولتين تمتلكان ترسانة أسلحة دمار شامل أكبر مما يمتلك العراق، كما أنه من المعروف عن باكستان أنها تمتلك عدة عشرات من الرؤوس النووية بالإضافة إلى الصواريخ والطائرات التي تستطيع حملها ونقلها لضرب أهداف على بعد مئات الأميال من باكستان.
وهناك شكوك حول امتلاك باكستان لأسلحة كيماوية متطورة، أما بالنسبة لكوريا الشمالية فهناك اعتقاد بامتلاكها كمية من البلوتنيوم تكفي لصنع قنبلة أو قنبلتين نوويتين بالإضافة إلى قدرتها على إنتاج المزيد من البلوتنيوم، كما أنها تمتلك مخزونا كبيرا من الأسلحة الكيماوية وعددا كبيرا من الصواريخ البعيدة المدى.
في المقابل فإن العراق لا يمتلك اليوم أي أسلحة نووية ويعتقد أنه يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتمكن من انتاج أي سلاح نووي، ورغم احتمال امتلاك العراق لأسلحة كيماوية أو بيولوجية وعدد محدود من صواريخ سكود بعيدة المدى أمكن إخفائها أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991م فإنه لا توجد أي معلومات محددة حول مدى صلاحية مثل هذه الصواريخ أو الأسلحة للاستخدام بصورة سليمة أو للاستخدام العسكري من الأصل.
باكستان والهند
هناك سؤال آخر لا يقل أهمية وهو أي من هذه الدول يزيد احتمالات استخدامه لأسلحة الدمار الشامل فعليا؟، لا يستطيع أحد أن يجيب على هذا السؤال بصورة قاطعة بالطبع، ولكن هناك عدة أمور يمكن ذكرها في هذا السياق، لنبدأ بالرئيس الباكستاني برويز مشرف الذي يعلن صراحة أنه كان قد بدأ نشر أسلحته النووية ضد الهند في العام الماضي عندما حشدت الهند قواتها على الحدود مع باكستان وهددت بمهاجمة باكستان إذا لم توقف الأخيرة الهجمات التي يشنها الثوار المسلمون في ولاية كشمير المتنازع عليها بين الدولتين، ورغم أن هذا لا يعني إمكانية استخدام هذه الأسلحة النووية الباكستانية ضد الولايات المتحدة إلا أنه مؤشر على استعداد هذه الدولة لنشر هذه الأسلحة باعتبارها وسيلة من وسائل الحرب، لذلك يمكن للفرد أن يتخيل وصول شخص آخر أكثر عداء لأمريكا من مشرف إلى السلطة في باكستان في ظهر السيناريو الأكثر سوءا.
اعلان حرب
أما كوريا الشمالية فالموقف أكثر خطورة فقد أعلنت بالفعل عن أن أي محاولة من جانب الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة لفرض عقوبات عليها لإجبارها على وقف برامجها النووية تعد إعلان حرب ضدها وسوف ترد عليها على هذا الأساس وبتحويل الولايات المتحدة إلى بحر من النيران.
مرة أخرى هذا لا يعني أن الكوريين الشماليين سوف يختارون فعلا استخدام أسلحتهم النووية ولكن ليس من الصعب تخيل سيناريو تشتعل فيه الحرب وتلجأ فيه كوريا الشمالية إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل المتاحة لديها كخيار أخير حتى تتجنب الهزيمة. من ناحية أخرى فإن المخابرات الأمريكية ترى أن صدام حسين لن يلجأ إلى استخدام ترسانة بلاده من أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة الأمريكية مادام نظام حكمه قادرا على البقاء، وأن الحالة الوحيدة التي قد يضطر فيها الى استخدام الأسلحة المحظورة ستكون عندما تهاجم القوات الأمريكية العاصمة العراقية بغداد للقضاء على صدام حسين نفسه.
مبررات الحرب
أيضا تزعم إدارة بوش أن حربها ضد العراق مبررة كمحاولة من جانبها لمنع العراق من تقديم أسلحة دمار شامل إلى الجماعات الإرهابية الدولية المناهضة لأمريكا، وبالفعل فإن خطر نقل تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل إلى هؤلاء سبب مقبول للخوف ولكن هذا الخطر موجود في باكستان وليس في العراق.
الخطر هناك
من كل ما سبق نصل إلى حقيقة أن حماية الولايات المتحدة الأمريكية من خطر أسلحة الدمار الشامل تحتاج إلى التركيز على كوريا الشمالية وباكستان في حين يأتي العراق في المركز الثالث بعدهما، لكن هذا لا يحدث بالفعل مع هذه الإدارة الأمريكية، بل على العكس من ذلك، فان هذه الإدارة تقلل من الخطر الذي تمثله كل من كوريا الشمالية وباكستان وتركز أغلب الاهتمام على الخطر القادم من العراق، إذن يتضح أن حماية الولايات المتحدة من خطر الهجوم بأسلحة دمار شامل ليس المبرر الرئيسي للغزو المنتظر للعراق وإذا كان هذا الخطر موجودا أصلا فهو موجود في كل من كوريا الشمالية أو باكستان وليس في العراق.
الإرهاب الدولي
المبرر الثاني الذي تسوقه الإدارة الأمريكية هو محاربة الإرهاب الدولي حيث تلح إدارة الرئيس بوش منذ وقت طويل على ان غزو العراق والإطاحة بصدام حسين سيعتبر نجاحا كبيرا في الحرب العالمية ضد ما يسمى بالإرهاب، لكن لا يتم توضيح هذه النقطة أبدا، بل يقال باستمرار أن عداء صدام تجاه أمريكا يدعم بصورة ما التهديد الإرهابي الذي تواجهه الولايات المتحدة، إذن فهذا يعني أن التخلص من صدام حسين سوف يؤدي إلى هزيمة كبيرة للإرهاب الدولي ويضعف قدرة هذا الإرهاب على شن هجمات ضد الولايات المتحدة في المستقبل، ولكن هل حقا أن غزو أمريكا للعراق يمكن أن يكون له معنى من وجهة نظر الحرب ضد الإرهاب؟..
الحقيقة أنه لا يوجد أي مؤشر يدل على ذلك وإن كان هناك دليل فهو على العكس حيث يشير إلى أن مثل هذا الغزو يزيد من مخاطر الإرهاب الذي يهدد أمريكا، ونظام الحكم البعثي في العراق لا يعد من أنظمة الحكم التي تتبنى الرؤية الاسلامية لذلك فإنه ووفقا لمبدأ تنظيم القاعدة يجب إزالته، هذا يعني أن جهود الولايات المتحدة لازاحة صدام حسين وتنصيب حكومة أخرى مكانه تدعمها القوة الأمريكية العسكرية لن يؤثر سلبيا بأي صورة على المتطرفين بل بالعكس سوف يثيرهم أكثر. ولكي نعالج هذه النقطة بصورة افضل يجب أن نضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أيضا في الاعتبار، فمهما تكن نظرة أغلب العرب والمسلمين لصدام حسين فإن الولايات المتحدة من وجهة نظرهم قوة باطشة لأنها تتسامح بل إنها تدعم استخدام إسرائيل لإرهاب الدولة ضد الفلسطينيين في حين أنها تشن حربا ضد بغداد لنفس النوع من السلوك الذي يمارسه الإسرائيليون تقريبا.
من هذا المنظور فإن الغزو الأمريكي للعراق سوف يزيد من مشاعر العداء لأمريكا المتنامية بالفعل في كل أنحاء العالم الإسلامي، لذلك فإنه من الصعب تصور كيف يمكن أن يكون الغزو الأمريكي للعراق انتصارا في الحرب ضد الإرهاب، الواقع أن هذا الغزو إذا اسفر عن شيء على هذا الصعيد فإنه سيسفر عن جولة جديدة من اعمال العنف ضد الولايات المتحدة.
إذن من الصعوبة بمكان تصور أن دافع الإدارة الأمريكية لغزو العراق هو مواصلة الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.
دوافع مريبة
نأتي للمبرر الثالث الذي تسوقه الإدارة الأمريكية وهو دعم الديموقراطية، تزعم هذه الإدارة أن الإطاحة بصدام حسين سوف توفر فرصة للعراقيين وفي ظل التوجيهات الأمريكية بالطبع لكي يقيموا حكومتهم الديموقرطية بحيث تصبح التجربة العراقية نموذجا تحتذي به، لكن ليس هناك سبب يدفعنا للاقتناع بأن الإدارة الأمريكية تتحرك لغزو العراق بدافع الرغبة في خدمة الشعب العراقي؟..
العكس هناك أسباب كثيرة تجعلنا نشك في حقيقة هذا الدافع، أول هذه الأسباب هو أن العديد من كبار المسؤولين في هذه الإدارة على وجه التحديد وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد كانوا سعداء تماما بالتعاون مع الديكتاتور صدام حسين خلال الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان العراق عدوا لإيران التي كانت عدوا لأمريكا في ذلك الوقت لذلك فقد كان النظام العراقي الديكتاتوري صديقا لأمريكا، عليه فقد قررت الإدارة الأمريكية للرئيس الأسبق رونالد ريجان والذي يشغل عددا كبيرا من مسؤوليها المناصب العليا في إدارة بوش الحالية، قررت مساعدة العراق في حربه ضد إيران خلال الفترة من عام 1980م وحتى عام 1988م، وقد رفعت إدارة ريجان اسم العراق من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومنحت العراق ضمانات قروض لاستيراد منتجات زراعية أمريكية تقدر بعدة مليارات من الدولارات وغير ذلك من أشكال المساعدات التي حصل عليها نظام صدام من أمريكا.
أقنعة رامسفيلد المتعددة
الحقيقة أن الذي حمل هذه الأنباء السعيدة للرئيس العراقي في ذلك الوقت لم يكن سوى وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد الذي سافر إلى بغداد عام 1983م كممثل خاص للرئيس ريجان، وفي نفس الوقت قدمت وزارة الدفاع الأمريكية التي كان يتولاها نائب الرئيس الأمريكي الحالي ديك تشيني معلومات الأقمار الصناعية الأمريكية عن المواقع العسكرية الإيرانية، وقد قدمت وزارة الدفاع هذه المعلومات إلى نظام صدام حسين رغم أن وزارةالخارجية الأمريكية أبلغت وزارة الدفاع في أول نوفمبر عام 1983م أن صدام حسين كان يستخدم أسلحة كيماوية «بصورة يومية غالبا» ضد الإيرانيين وأن هذه المعلومات التي تقدمها أمريكا يمكن ان تساعد بغداد في توجيه ضربات بأسلحة كيماوية إلى المواقع الإيرانية، لم يتحدث لا رامسفيلد ولا تشيني عن استخدام العراق للأسلحة الكيماوية ولا أشارا إلى ضرورة تقليص الدعم الأمريكي للعراق بسبب هذا في تلك الفترة، لذلك لا يوجد أي سبب يدعونا للاعتقاد بأن هذه الإدارة الأمريكية لديها اعتراض مبدئي على الحكم الديكتاتوري في العراق، وأن كل ما حدث هو أنه عندما أصبح صدام حسين يمثل تهديدا لأمريكا وليس لأعداء أمريكا التفتت هذه الإدارة الأمريكية إلى سلوك هذا النظام العراقي القمعي.
دوافع حقيقية
هكذا، لم يكن الخوف من انتشار أسلحة الدمار الشامل ولا الحد من خطر الإرهاب الدولي ولا حب الديموقراطية هي دوافع الرئيس بوش ورجاله لغزو العراق.. ماهي الدوافع؟، أعتقد ان الدافع هو مزيج من هذه العناصر الثلاثة ومعها الرغبة في السيطرة على بترول العراق التي تعد صاحبة ثاني أكبر احتياطي مؤكد على مستوى العالم مما يمكن معه الحفاظ على مكانة أمريكا كقوة مسيطرة على العالم.
السيطرة على النفط
منذ انتهاء الحرب الباردة وصناع السياسة الأمريكية سواء كانوا ديموقراطيين أو جمهوريين يحاولون الحفاظ على مكانة أمريكا كقوة عظمى وحيدة في العالم ومنع ظهور أي منافس لها يمكن أن يتحدى السيطرة الأمريكية على الأرض، في نفس الوقت أصبح قادة أمريكا أكثر قلقا بشأن تزايد اعتماد بلادهم على البترول المستورد من الخارج خاصة من منطقة الخليج العربي، فالولايات المتحدة تستورد حاليا 55 في المائة من احتياجاتها البترولية ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى 65 في المائة بحلول عام 2020م وتواصل ارتفاعها بعد ذلك، في ظل هذا الاعتماد على استيراد البترول فإن عدم سيطرة أمريكا على منابع البترول يهدد قدرتها على الاحتفاظ بمكانتها كقوة عظمى وحيدة بالعالم، هذا العامل يتداخل مع الدوافع الثلاثة التي تعلنها إدارة بوش باستمرار لغزو العراق كما أنه يتفق مع مبدأ الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي كان يؤكد على ضرورة منع أي دولة معادية لأمريكا من احتلال موقع يمكنها من خلالها منع وصول أمريكا إلى بترول الخليج العربي، بالإضافة إلى أن السيطرة على بترول الخليج يعني التحكم في تدفقه إلى باقي دول العالم وهو ما يعني فرض السيطرة على الاقتصاد العالمي ككل.، هذا الدور هو الذي يريده بوش أن يكون لأمريكا وليس لأي دولة أخرى من دول العالم!!.
وهناك سبب آخر مرتبط بعنصر البترول يتمثل في القلق بشأن توفر البترول في المستقبل، فالولايات المتحدة أصبحت تعتمد بشكل متزايد على دول بعينها للحصول على حاجاتها من البترول المستورد هي تشعر بالقلق من هذا الاعتماد المتزايد على دول او دولة واحدة وتسعى للبحث عن مصدر بديل لهذه السلعة، والدولة الوحيدة التي يمكن أن توفر بديلا مناسبا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هي العراق.
مبدأ كارتر
منذ الحرب العالمية الثانية وعندما ادرك صناع السياسة الأمريكية أن بلاده سوف تصبح في يوم من الأيام معتمدة على بترول منطقة الخليج فقد أصبحت رغبة الولايات المتحدة على الوصول إلى بترول هذه المنطقة بدون أي معوقات واحدة من أساس السياسة الخارجية للحكومات الأمريكية المتعاقبة.
في البداية اعتمدت أمريكا على بريطانيا العظمى لضمان وصول أمريكا إلى بترول الخليج، ولكن بريطانيا انسحبت من هذه المنطقة عام 1971م واختارت أمريكا الاعتماد على شاه إيران للقيام بهذه المهمة، وعندما أطاحت الثورة الإسلامية الإيرانية بحكومة الشاه عام 1979م قررت واشنطن ضرورة اضطلاعها بالمسؤولية المفترضة لحماية حقها في الوصول إلى منابع بترول الخليج، كانت النتيجة هي صدور مبدأ كارتر في الثالث والعشرين من يناير عام 1980م الذي أعلن أن الوصول غير المقيد إلى الخليج العربي يعد من المصالح الحيوية للولايات المتحدة وأن الولايات المتحدة ستستخدم كافة الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية لحماية هذه المصالح، تم تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع لأول مرة عام 1987م عندما بدأت السفن الحربية الأمريكية ترافق ناقلات البترول الكويتية أثناء عبورها منطقة الخليج العربي لحمايتها من أي اعتداءات إيرانية، ثم جاءت المرة الثانية في أغسطس عام 1990م عندما قام العراق بغزو الكويت، حيث رد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب على هذا التهديد بطرد العراق من الكويت في عملية «عاصفة الصحراء» ولكنه لم يواصل الحرب حتى يتم إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين نفسه، وبدلا من ذلك تبنت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة «الاحتواء» وفرضت حصارا بحريا وجويا خانقا على العراق على مدى السنوات الماضية.
والآن يأتي الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن ليتخلى عن سياسة الاحتواء ويسعى لاستئناف عاصفة الصحراء من حيث انتهت عام 1991م، والسبب الذي يرفعه بوش هو أن صدام حسين تمكن من تطوير أسلحة دمار شامل اكثر تطورا في حين أن السبب الحقيقي هو مبدأ كارتر وهو ان العراق تحت قيادة صدام حسين أصبح يمثل تهديدا لوصول أمريكا إلى بترول الخليج العربي لذلك تجب الإطاحة به.
تحذيرات تشيني
وقد أشار نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني نفسه في خطاب له العام الماضي أمام مجموعة من الجنود الأمريكيين إلى أن صدام حسين الذي يمتلك هذه الأسلحة ويسيطر على عشر احتياطي العالم من البترول يمكن أن يسعى للسيطرة على الشرق الأوسط بالكامل والسيطرة على جزء كبير من إمدادات الطاقة العالمية وبالتالي يهدد أصدقاء أمريكا في المنطقة بصورة مباشرة ويمارس الابتزاز النووي لأمريكا أو لأي دولة في العالم.
الحقيقة أن كلام تشيني هو تعبير جديد عن مبدأ كارتر، ولكي تفهم هذا بصورة أكبر يمكن أن تقارن بين حديث تشيني هذا وبين تعليقاته منذ 12 عاما في أعقاب الغزو العراقي للكويت أمام لجنة القوات المسلحة لمجلس الشيوخ الأمريكي، فقد قال تشيني «العراق يسيطر على عشرة في المائة من احتياطي البترول العالمي قبل غزوه للكويت، وبمجرد استيلاء صدام حسين على الكويت فقد ضاعف هذه الحصة لتصل إلى عشرين في المائة من الاحتياطيات البترولية العالمية المعروفة».
المناخ قد يكون متغيرا منذ عام 1990م ولكننا مازلنا نتعامل مع مبدأ كارتر، فصدام حسين يجب أن يرحل لأنه يمثل تهديدا محتملا لوصول أمريكا إلى بترول الخليج!.
سيطرة أمريكية
الأمر الثاني الذي يمكن ملاحظته من خلال كلمات تشيني أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ عام 1990م هو كلمة «السيطرة» على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي أيضا، فهذه الكلمة تعكس طريقة تفكير الإدارة الأمريكية في منطقة الخليج، فإذا عكسنا كلمات تشيني يمكن القول بأن سيطرة أمريكا بدلا من صدام حسين يضمن لها السيطرة على الاقتصاد العالمي ككل، ولعل هذا يوضح لنا لماذا تؤيد دول مثل بريطانيا واليابان وفرنسا وألمانيا «التي تعتمد على بترول الخليج أكثر من اعتماد أمريكا عليه»، أمريكا في الكثير من القضايا الدولية بما في ذلك العراق رغم أن هذه الدول لا توافق على السياسة الأمريكية، فالسيطرة على بترول منطقة الخليج يتفق تماما مع السياسة الأمريكية الرامية إلى منع ظهور اي قوة عظمى جديدة تنافس التفوق العسكري الأمريكي على كل دول العالم، وإذا ما قرأت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنتها إدارة الرئيس بوش في سبتمبر الماضي ستجد أن العنصر الأساسي والذي يتفوق على كل ماعداه هو أن أمريكا يجب أن تمنع ظهور اي قوة جديدة يمكنها منافسة انفراد أمريكا بالسيطرة على العالم.
تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف من خلال زيادة الميزانية العسكرية بعشرات المليارات من الدولارات ثم بالحصول على قبضة قوية على اقتصاديات المنافسين المحتملين، لذلك فان الإطاحة بصدام حسين وتنصيب حكومة بديلة موالية لأمريكا هي جزء من الاستراتيجية الأمريكية الكبرى لتأكيد سيطرتها على العالم.
وكما قال مايكل إيجناتيف في مقالته المنشورة بمجلة نيويورك تايمز في الخامس من يناير الماضي فإن هذا التركيز على بترول الخليج يجعله كما يقول الاستراتيجيون العسكريون مركز ثقل الإمبراطورية.
مشكلة أمريكية
وبالاضافة الى العوامل السابقة والتي قد تبرر للادارة الأمريكية غزو العراق نجد ان هناك مأزق الطاقة بالنسبة لأمريكا على المدى الطويل، المشكلة الأمريكية على هذا الصعيد تتمثل فيما يلي:
تعتمد أمريكا على البترول للحصول على أربعين في المائة من احتياجاتها من الطاقة وهو أكثر من اي مصدر آخر للطاقة فيها، وكانت أمريكا في وقت من الأوقات تعتمد على انتاجها المحلي من البترول لتوفير أغلب احتياجاتها من هذه السلعة الاستراتيجية، لكن بمرور الوقت تزايدت احتياجات أمريكا من البترول في الوقت الذي بدأت منابعه المحلية تنفد، لذلك فإن اعتماد أمريكا على البترول المستورد من الخارج سوف يتزايد بمرور السنين، وكلما ازداد اعتماد أمريكا على البترول المستورد كلما ازداد اعتمادها على بترول الخليج لأن أغلب احتياطي العالم من البترول يتركز في هذه المنطقة من العالم وقد يصل إلى الثلثين.
بالفعل يمكن لأمريكا كما يريد بوش ورفاقه الاتجاه إلى ولاية آلاسكا الأمريكية للتنقيب عن كل برميل بترول فيها ولكن هذا لن يؤدي إلى توفير أكثر من اثنين في المائة من واردات البترول الأمريكية على افضل تقدير، ويمكن أيضا لأمريكا ان تحصل على جزء من احتياجاتها المتزايدة من دول غير خليجية كما هو الحال مثل روسيا وفنزويلا ودول بحر قزوين وإفريقيا ولكن هذه الدول تمتلك بترولا يقل كثيرا عما تملكه دول الخليج كما أن استخدام هذه الدول لبترولها يتزايد بصورة اكبر، لذلك فكلما نظرت أمريكا إلى المستقبل كلما أصبحت اكثر اعتمادا على الخليج.
والآن فإن القول بأن أمريكا تعتمد على بترول الخليج يعني بكل معنى الكلمة أنها تعتمد على دول بعينها تمتلك أكبر احتياطي بترول في العالم، وهذا يمنح هذه الدول نفوذا غير مباشر على الاقتصاد الأمريكي بل وعلى طريقة الحياة الأمريكية ذاتها، كما أنها يمكن ان تستخدم هذا النفوذ للضغط على أمريكا لتغيير سياساتها في بعض الحالات مثل الصراع العربي الإسرائيلي على سبيل المثال، يصل حجم احتياطي العراق المؤكد من البترول إلى 120 مليار برميل بالإضافة إلى احتياطيات محتملة تتراوح بين مائتي وثلاثمائة مليار برميل، باحتلال العراق والسيطرة على حكومته تستيطع الولايات المتحدة حل مشكلة الطاقة لديها لمدة عشر سنوات على الأقل، وربما يكون هذا سببا أساسيا في قرار إدارة بوش بضرب العراق، الى ذلك يمكن القول أن هناك مجموعة من الأسباب تقف وراء قرار بوش بالذهاب إلى حرب العراق وليست أسلحة الدمار الشامل ولا خطر الإرهاب ولا عشق الديموقراطية.
ثمن الحرب
مع ذلك يبقى السؤال قائما.. هل أسباب إدارة بوش لشن الحرب أسباب صحيحة تبرر شن هذه الحرب؟، بعض الأمريكيين يعتقدون ذلك، فهم بالفعل يستفيدون من انتمائهم إلى أقوى امبراطورية في العالم ومن السيطرة على ثاني أكبر احتياطي بترول في العالم أيضا وهو الاحتياطي العراقي، هذا يمكن أن يوفر لهؤلاء الأمريكيين تموين سياراتهم بالبنزين بأسعار رخيصة لمدة عشر سنوات على الأقل، كما ان هذه الحرب ستوفر الكثير من الوظائف سواء في الجيش أو في مصانع السلاح أو كممثلين للشركات الأمريكية متعددة الجنسية.
«بالمناسبة فان هؤلاء الممثلين يمكن نصحهم ألا يسافروا إلى أي مكان بالعالم دون أن يكون معهم كتيبة من الحراس الخصوصيين المدججين بالسلاح لحمايتهم من مشاعر العداء لأمريكا»!!، ولكن على هؤلاء الأمريكيين الذين يؤيدون هذه الحرب أن يدركوا أن هناك ثمنا يجب أن يدفعوه، فالامبراطوريات تميل إلى عسكرة مجتمعاتها وهذا يعني تجنيد المزيد من الناس بصورة أو بأخرى في القوات المسلحة، كما يعني زيادة الإنفاق العسكري وتقليص الإنفاق على خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الاجتماعية، ويعني ذلك ايضا فرض المزيد من القيود على الحريات وعلى الحياة الخصوصية للمواطنين، كل هذا يجب أن يكون جزءا من المعادلة عن حساب أرباح الحرب المنتظرة، ومع ذلك يمكن القول ان الإمبراطورية لا تستحق هذا الثمن حتمية المواجهة وتيرة الحرب كما ذكرنا تتصاعد، فيما المفتشون يصعدون من حملتهم للحصول على «دليل جرمي» أو Smoking Gun لإثبات المزاعم الأمريكية.
اذن هناك شعور متنام بأن المواجهة أمر محتوم لا يمكن تجنبه، فيما قدم هانز بليكس، كبير مفتشي الأمم المتحدة، تقريره لمجلس الأمن يقول مخططو وزارة الدفاع «البنتاغون» إنه سيكون لديهم 150000 جندي، وهو أقل عدد مطلوب لشن هجوم واسع حسب إعتقاد المراقبين، في المنطقة مع حلول منتصف شهر فبراير.
النقاش يحتدم في كل انحاء العالم والمظاهرات الرافضة للحرب تتصاعد
و تحتل الإختلافات السياسية صدارة الصحف في فرنسا، ألمانيا وأستراليا، ويواجه حتى بلير نفسه، النصير الأكبر لأمريكا في الحملة لإزاحة صدام، إنتقادات حادة من أعضاء حكومته والمجموعة البرلمانية لحزبه، لكن يبدو أن مثل هذه النقاشات، على أية حال، لها القليل من التأثير على تصميم أمريكا.
خلال الشهر الماضي وضع البيت الأبيض الأساس لبديل عن تحالف تقوده الأمم المتحدة، وذلك بمطالبتها رسميا لشركائها في حلف شمال الأطلسي «الناتو» تقديم مساندة عسكرية، على نحو ما فعلت من قبل عند تدخلها في كوسوفو في عام1999م.
يصرح المسؤولون الكبار في الإدارة لوسائل الإعلام الأمريكية بأن بوش مستعد للتحرك منفردا إذا اقتضى الأمر ذلك.
لغة الحرب
طغت اللغة القاسية للحرب على اللغة الناعمة للدبلوماسية، يقوم جنرالات الجيش المتقاعدون بتشديد الدعوى للمواجهة على مدار الأربع وعشرين ساعة في القنوات الإخبارية. تتدفق الخطابات العنيفة خارج واشنطن، بغداد، وغيرهما من عواصم العالم، لكن عندما يبدأ إطلاق النار، ما الذي سيكون حقا عرضة للخطر؟..
في اشارة اخرى للنفط قال دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، وهو يتحدث للصحفيين ثائرا في واحدة من أحاديثه التي لا تحصى في وقت سابق من الشهر: «المشكلة مع العراق ليست النفط».
وأضاف «إن المشكلة مع العراق هي أسلحته الكيماوية والبيولوجية اليوم والنووية غداً»، تكمن مشكلة دونالد رامسفيلد في أنه لا يكاد يوجد من يصدق أنه يقول كل الحقيقة، إذا ما كنت تبحث عن الإختلاف الحاسم بين كوريا الشمالية والعراق، فالإجابة هي: 112 بليون برميل من النفط، هنالك مسألة أخرى متعلقة بالمال، النفط لدفع فاتورة الحرب وحسب ما ذكرت التقارير، يقوم بعض مخططي البيت الأبيض بالترويج لفكرة استخدام النفط العراقي للمساعدة في تسديد نفقات الحرب التي يتوقع أن تكون ما بين50 إلى 200 بليون دولار، في لعبة الحرب الخطرة في الشرق الأوسط.
يظل النفط الورقة الرابحة، لو تحدثنا عن مشاركات الدول نجد ان البريطانيين هم اقوى الحلفاء لأمريكا، والأستراليون في طريقهم، اما من جهة كندا ولكي نكون صريحين، فإن جيش كندا المرهق وسيىء التجهيز ليس لديه الكثير ليقدمه لأية حملة دولية ضد العراق طبقا لما جاء في مجلة «ماكلينز» الكندية الصادرة في اول يناير الماضي!!
إن السؤال المطروح حاليا هو: ما الذي قام به العراق منذ توقفه حتى عن التظاهر بالتعاون في عام 1998م؟
يقول تيرينس تايلور، وهو كبير مفتشي أسلحة سابق بالأمم المتحدة عمل في العراق ويرأس الآن مكتب لندن للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمريكي، إنه لا يملك أي شكوك في أن صدام واصل جهوده السرية لتسليح نفسه، وهو يقول: «لم نحاول وقفه حتى في أكثر أوقات تدخلنا، لا ينبغي على الناس التقليل من تقديرهم لصدام حسين».
يتفق تايلور مع خبراء الأسلحة الآخرين في أن العراقيين على بعد سنوات قليلة، إن لم يكن أشهر، من إمتلاك قنبلة، وهو يقول «إن ما يقلقني بحق هو الأسلحة النووية، لقد أنفق صدام 25 عاما في العمل في هذا البرنامج وأنفق أكثر من 15 بليون دولار ولديه أناس قادرون تماما لإنجاز هذا العمل».
مخاوف وشكوك
في النهاية، ربما تكون مثل هذه المخاوف والشكوك كل الدليل الذي تحتاج إليه إدارة بوش لشن حرب، فيما يحاول هانز بليكس وفرق تفتيشه في العراق العثورعلى «دليل جرمي»، فقد غدت العبارة المكررة لدى واشنطن «غياب الدليل ليس بدليل غياب» في عالم ما بعد 11 سبتمبر، فإن فكرة وجود ديكتاتور قلق مسلح بأشد أنواع الأسلحة خطرا، يجلس فوق حصة كبيرة من إمدادات النفط العالمية، لهي أمر تشعر أمريكا بأنها لا تستطيع تحمله، ربما كان مصير صدام حسين قد جرى تحديده في 17 سبتمبر 2001.
ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، فإن ذلك اليوم هو الذي أصدر فيه جورج بوش أوامره لمسؤوليه في وزارة الدفاع، التي كانت لا تزال تحترق، للبدء في التخطيط لحرب في أفغانستان و، بالمرة، عرض خيارات عسكرية لنزاع مع العراق، بعد ستة عشر شهرا من ذلك، ورغم الجهود الكبيرة لوكالة الإستخبارات المركزية وغيرها من الأجهزة الإستخباراتية الأخرى، لا يتوفر بعد دليل على وجود صلة، مباشرة أوخلافها، بين صدام حسين والهجمات ضد نيويورك وواشنطن، أو الإرهاب بشكل عام.
يقول مانغوس رانستورب، نائب مدير مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي بجامعة سانت أندرو في اسكتلندا، «لا يوجد دليل يبرر العمل العسكري» و إذا أرادت الولايات المتحدة أن تذهب لحرب ضد العراق فهي ليست حربا بشأن علاقات بغداد بالقاعدة».
إنه بالأحرى الإصرار الثابت للبيت الأبيض على إزالة شوكة قديمة في الجانب الذي تستند عليه أمريكا، جزئيا على الأقل، بالزعم أن صدام ظل خطرا في الماضي وسوف يثبت حتما كونه خطرا جديدا آخر في المستقبل، إنها إستراتيجية ل«حرب وقائية» إتجاه جديد للسياسة الخارجية الأمريكية ظل يدعو لها صقور الجمهوريين من نحو نائب الرئيس ديك تشيني قبل وقت طويل من 11 سبتمبر.
كما كان الحال في عام 1991م، يذهب بعض المتخصصين والمحللين الإستخباراتيين لتصوير أن صدام حسين اذا حوصر سيقوم بالرد، بإرسال فرق الإرهابيين، المسلحةربما بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية، لجلب الحرب إلى عقر دار الغرب، ذلك أمر يبدو ممكنا، غير أنه ليس إحتمالا قويا، حسب إعتقاد رانستورب.
ثقة أمريكية
بغض النظر عن التهيؤ لأسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين حقيقة أو توهما، فإن المخططين الأمريكيين يشعرون بثقة كبيرة في فرصهم في حرب خليج القادمة، بأشكال عديدة، فإن التهديد العسكري التقليدي من قبل العراق هو أقل ما يقلق البيت الأبيض.
إن بوش ومستشاريه يتطلعون الآن إلى عالم ما بعد صدام والنتائج العرضية المحتملة.
يقول السيناريو الأمريكي الأكثر وردية، ما يسمى بالحالة «الناعمة» للحرب، إن حكومة ديمقراطية، صديقة للغرب يمكن أن تكون الخطوةأو قطعة الدمينو التي ستستهل التحول في مجمل المنطقة.
يجادل فؤاد عجمي، مدير دراسات الشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز، بالقول بأن تغيير النظام في بغداد هو الخطوة الأولى ل«سحب الأوكسجين» من الانظمة المعادية لأمريكا. وهو يضيف أن عراقا منزوع السم سيقف مثالا على نوايا أمريكا الحسنة ومصدرا لإلهام المصلحين.
ستكون هنالك أيضا استحقاقات «علاوات» إضافية للسياسة الأمريكية، إن إيران، وهي جزء من «محور الشر» لدى بوش، ستكون محصورة بين حكومات أكثر تقدما في أفغانستان وبغداد، ما يعني وضع ضغوط إضافية على نظام يقول عديدون بأنه يواجه ثورة أخرى، يمكن للعراق أن يمثل دور الصديق الجديد الأفضل لأمريكا في الشرق الأوسط!!.
ويضيف «العراق ليس مكانا فقط لإبراز أن الإمبراطورية الأمريكية ميزانيات عسكرية وقنابل ذكية، ولكن أيضا إصلاح وإلتزام تجاه حكومة» إنه رأي يعبر عن العديدين من كبار الجمهوريين.
دور خيري
يقول هوارد زين، مؤلف الكتاب الرصين «تاريخ أهل الولايات المتحدة» إن تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية كان تاريخا من التوسع المستمر منذ نهاية حرب الثورة إلى الوقت الحاضر»، وهو يضيف «إنه إمتداد مستمر من القوة العسكرية والإقتصادية والسياسية الأمريكية»، إن الحديث عن إقامة ديمقراطية، وترقية الحريات وتحرير الناس المضطهدين لهو مجرد كلام.
يشير زين إلى قائمة طويلة كئيبة من الحكومات الإستبدادية التي تحظى بدعم الولايات المتحدة. وهو يقول «نحن غير مهتمين بإصلاحات ديمقراطية، نحن مهتمون فقط بالحكومات التي نستطيع السيطرة عليها»، إن تاريخ أزمة الخليج السابقة ليقدم بالتأكيد أسباباً قليلة تدعو للتفاؤل.
في الشهور التالية للحرب، عندما حمل الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب السلاح ضد الحكومة العراقية، إختارت الولايات المتحدة الوضع الاستبدادي الراهن لصدام على فوضى التمرد، وحتى بعد تحرير الكويت، كان المدنيون العراقيون هم أكثر من عانوا في كلتا الحربين القنابل الذكية والضربات الجراحية التي تحولت إلى دموية وبشاعة لا تقل عن أي عمل عسكري آخر و12 عاما من العقوبات التي تلت.
هنالك شعور بأن التاريخ يعيد نفسه. إن فريق تشيني، رامسفيلد، باول، صدام هو نفسه إلى حد كبير، كما أن لغة الخطابة هي نفسها، ربما يكون الاختلاف الحاسم هذه المرة استطلاعات الرأي، رغم شهور من قعقعة!.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|