|
هيئة الصحفيين: أمل وقد تحقق..!
|
ما كاد وزير الإعلام يعلن عن صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على إنشاء هيئة للصحفيين حتى رأينا بعض الزملاء من أهل المهنة يتسابقون في الحديث عنها من زاوية أحادية، مركزين على موضوعين رئيسيين، أحدهما ما سموه الفصل التعسفي للصحفيين، والآخر انتخابات رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، كما لو أنهما هدفها الوحيد.
لا بأس أن يكون ضمن السياق حين نكتب عن نظام جديد كهذا كلام عن حقوق الصحفي ومن بينها فصله من عمله بطريقة تعسفية، مع أن نظام العمل مرجعية قانونية لا تسمح بمثل ذلك، وهي الأقوى في حماية الصحفي من تصرف كهذا حتى مع صدور نظام لهيئة الصحفيين.
ولا بأس أيضاً!! أن يطرح التساؤل حول اسلوب وآلية اختيار القيادات لهذه الهيئة، خلال انعقاد الجمعية العمومية وليس قبلها.
***
ما أثار انتباهي..
واستغرابي معاً..
أن نظام الهيئة لم يعلن بعد..
وأن الذين تحدثوا عنه لم يطلعوا عليه، وإنما بنوا آراءهم على ما سمعوه..
كما أن المطلعين على تفاصيله لم يستوفوا في أحاديثهم كل بنود هذا النظام، وليس هذا هو المطلوب منهم الآن.
وبذلك، فقد كان من الأفضل لو تريث الزملاء قليلاً ولم يستعجلوا الحديث عنه، بانتظار نشر النظام وإشهاره كاملاً..
حينئذ، ستكون وجهات نظرهم أقرب إلى تلمس الواقع، وإلى الإفادة من آراء تساهم في تأسيس هيئة صحفية بمستوى ما نتمناه..
***
ماذا يهمنا مَن سيكون رئيساً لمجلس ادارة الهيئة في دورته الأولى؟ ومَن سيُختار لعضوية المجلس من المنتسبين للهيئة..؟
إن ما يهمنا هو أن يُحسن الاختيار بعيداً عن العواطف والشللية..
بالتصويت لمن يرى الأعضاء أن فيه الكفاءة والكفاية للقيام بهذه المهمات..
ومن المهم عدم استباق موعد الانتخابات، بإملاءات قد لا تكون صحيحة، أو آراء لم يحن موعد الحاجة لها بعد..
قد يتبين لنا مستقبلاً وبعد الاطلاع على نظام الهيئة خطأنا في التقدير وفي كثير من التصورات.
وقد تتغير وجهات نظرنا، بعد الاستئناس ببنود هذا النظام إثر قراءتنا لها.
***
إن وجود هيئة للصحفيين يعد نقلة نوعية ومتقدمة لخدمة الصحفيين..
وإنجازاً كبيراً يحسب لمن فكر به ووافق عليه وأعلن عن مولده..
ولابد من تطويرها بما يتلاءم مع الحاجة التي استدعت انشاءها في هذا الوقت بالذات..
وهذا يتم وينبغي أن يتم بعد سنوات على قيام الهيئة..
ومن المهم أخيراً أن نتذكر أن الغرض من وجود هيئة للصحفيين بالإضافة إلى حماية الصحفي وصيانة حقوقه، تطوير كفاءته وتحسيس المجتمع بأهمية دوره، والقائمة تطول..
هل أنا متفائل بانشاء هذه الهيئة..؟
إذا سألتني، أقول نعم..!
خالد المالك
|
|
|
الحرب العالمية الثالثة.. قادمة والسبب... شائعة!! الخطر يهرول مسرعاً.. فهل من استعداد؟! قديماً قال فرعون: «أنا ربكم الأعلى» فصدقوه.. والآن ينوب عنه الآخرون فماذا نحن فاعلون؟؟!!
|
نعيش اليوم واقعا مريرا مليئاً بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ساهم في صناعته من ابتدع الشائعات وصدقها من استسلم لها وللتبعات.. فالشائعات كانت وراء كل ذلك.. فقديما صنعت الشائعات من فرعون إلهاً فصدقوه وعبدوه كأكبر إشاعة عقدية وحديثاً ولدت فينا اسرائيل كأكبر كذبة سياسية فكرية تلبس ثوب العقيدة والمبدأ الهالك والآن نقدم على حرب عالمية ثالثة حضارية وفكرية ودينية وعسكرية تدق طبولها الآن والسبب كله أننا صدقنا الشائعات فصنعت من الآخرين أسداً شرسا ومن بني قومنا حملاً وديعاً سائغ اللقمة والطعم.. إنها الشائعة.... فما هي وكيف ولدت وكيف دعمت وصارت واقعاً.. في هذا الحديث عزيزي القارىء دعنا نتعرف على ملامح من ذلك..
ماهية الشائعة
تعني الشائعة في اللغة انتشار الخبر دون التثبت فيه، أما اصطلاحاً فهي تدخل في تعريفات كثيرة تختلف باختلاف البيئة التي تتعامل معها كعلم.. من التعريفات التي ذكرها بعض الباحثين ان الشائعة رواية تتناقلها الافواه دون التركيز على مصدر يؤكد صحتها أو أنها اختلاق لقضية أو خبر ليس له على أرض الواقع وجود. الباحثان جوردن أولبورت Allport. w. g وليوبوستمان Postman Leo عرَّفا الشائعة على أنها (كل قضية أو عبارة موضعية نوعية مطروحة للتصديق وهي تتداول من فرد الى آخر بالكلمة الشفهية في العادة دون ان تستند الى دلائل مؤكدة على صدقها وتحتوي كل شائعة دائماً على شيء من الحقيقة).
أما أكثر التعاريف الرائجة عن الشائعة فهي أنها رواية مصطنعة عن شخص أو جماعة أو دولة يتم تداولها شفهياً أو إعلامياً.
ميلاد الشائعة وتطورها التاريخي
*. وقد تطورت الشائعة عبر الأزمان على حسب الهدف المنشود. ففي إشاعة إبليس اللعين لأبينا آدم كان ذلك بدافع الحسد الذي ولَّده في نفسه الكِبر والتعالي على أن الله خلقه من نار وخلق آدم عليه السلام من طين ولذا عصا أمر الله له بالسجود لآدم. وعندما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أشيع في قومه أنه كاذب رغم معرفتهم بأمانته التي عُهد بها فاستخدموها في مواقع كثيرة بقصد النيل منه، في غزوة أحد أشيع مقتله على لسان أبي سفيان بن حرب ولولا لطف الله بالمسلمين لنالت منهم الشائعة كل منال، وقد انبرى فيما بعد المنافق عبدالله بن ابي سلول بإشاعة حادثة الإفك وكم آلمت الرسول صلى الله عليه وسلم وأحزنته ولكن الله حسمها وحياً ينزل على رسوله الكريم.
وهكذا كانت تسير قوافل الشائعات في الحرب والسلم الى زماننا هذا، ففي الحرب العالمية الثانية كانت تستخدم الاذاعات من داخل المانيا أو على حدودها لإعلان معارضة هتلر ونظامه النازي بينما كان الهدف الحقيقي خداع اعداء هتلر ونظامه وبث الشائعات لتحطيم الروح المعنوية لديهم، وقد حدث ما يشبه ذلك في إحدى محطات فرنسا على لسان شخص يدعى فرودنيت الذي كان يزعم انه فرنسي محب لوطنه بتوجيه أقذع النعوت الى حكومته التي يدّعي أنها تتمتع بكل مباهج الحياة بينما الجنود يعانون ويلات الظروف القاسية، وهناك شائعة أخرى أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية تتلخص في أن أسيراً أمريكياً كان معتقلا في معسكر الماني ارسل خطاباً لأسرته يفيد بأن آسريه قطعوا لسانه وقد كانت هذه الشائعة تنافي الحقيقة حيث إن الخطاب عليه طوابع بريد في حين ان خطابات الأسرى لا توضع عليها طوابع بريد وأكبر كذبة نعيشها الآن هي كذبة اسرائيل الكبرى التي أدعت بأن فلسطين هي وطنها كما أدعت أن هيكل النبي داود عليه السلام معروف المكان والاثر في القدس وهذه أم الشائعات التي روج لها الغرب كثيراً واسرائيل بصفة خاصة وأصبحت واقعاً نعيشه بكل أصناف الصلف والعذاب والتشريد لإخواننا في فلسطين الجريحة.
أساليبب نشر الشائعة
إن مصدر الشائعة في الماضي كان فقط الكلمة المنطوقة كأول أسلوب اتبعه الإنسان في نقل شائعته الى الجهة التي يستهدفها ومن ثم يبحث عن طريقة انتقال هذه الشائعة المنطوقة كمثل تبادل الحديث في الجلسات المتنوعة أو إرسالها عبر وسائل الانتقال البدائية كالحيوانات التي يستخدمها كوسيلة للترحال أو حتى سيراً على الأقدام عبر الوهاد والجبال.
غير أن اسلوب انتشار الشائعة تطور عبر السنين الى وسائل عصرية تواكب زمنها.. خاصة بعد اكتشاف الهاتف إلى جانب الفاكس والتلكس ومن ثم وسائل الاعلام المختلفة كالصحافة المكتوبة، فالمسموعة، فالمرئية كالاذاعة ومحطات التلفزة ووكالات الأنباء. وأخيراً الشبكة العنكبوتية التي جعلت العالم قرية صغيرة.. وبالتالي ازدادت سرعة انتشار الشائعة بازدياد التقنية المستخدمة كوسيلة.. فبواسطة البريد الالكتروني يمكن الان ارسال كمية هائلة من المواد والمعلومات خلال وقت قصير بين المرسل والمستقبل. وقد تشمل هذه المواد الصور والرسومات والمخططات الإيضاحية التي تساعد في زيادة قناعة المتلقي كما يمكن برمجة الحاسوب ليقوم بهذه المهمة خير قيام. ويتضح اهمية تكنولوجيا العصر الحديث في ازدياد سرعة انتشار الشائعة كما تفعل الولايات المتحدة الآن حيث تستخدم شبكة الانترنت والأقمار الصناعية في تثبيت دعواها المتعلقة بوجود دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل بالعراق، ويمكن لها وقد فعلت جمع المعلومات بسرعة الانترنت الفائقة ودعمتها بالصور لتدعم شائعتها بالدليل المصطنع ولذلك لم يعد الآن هناك أية إشكالية في نقل ورسم الشائعة وبأي سرعة تريد.
أنواع الشائعات
يشير الدكتور ساعد العرابي الحارثي إلى أن الشائعات تختلف في أنواعها بحسب محتواها، فهناك اشاعات الرعب التي تهدف إلى بث الخوف والرعب في أنفس الجنود والمدنيين على حد سواء والغرض من جراء ذلك محاولة إجبار هؤلاء على الهروب أو الاستسلام. وهناك اشاعات متعلقة بالأوبئة والأمراض ومدى انتشارها وحجم خطورتها وتخويف الناس منها أو تخويف الناس من استعمال أغراض معينة ذات صلة في الحياة اليومية. ومن أنواع الإشاعات أيضاً تلك المتعلقة بسوء سيرة شخص ما وهذه تنتشر خصوصاً في أوساط الفنانين والرياضيين والتجار. اضافة إلى وجود نوع آخر يمكن تسميته بالشائعات الوردية أو الحالمة والتي تعكس رغبة الناس في تحقيق أمنية أو تقريب شيء بعيد المنال لهم. وهناك نوع آخر من الشائعات يأتي على شكل النكتة والغرض منه السخرية بشخص ما وانتقاده بشكل لاذع.
ويوجد تقسيم آخر لمثل هذه الإشاعات على أساس الهدف الذي يكمن من وراء نشر هذه الإشاعات فهناك إشاعات تهدف إلى إطلاق الشرارة الأولى لحدوث المظاهرات والمشاجرات وإذكاء نارها، وهناك إشاعات جس نبض الجماهير والتي تستعمل لرصد ردود فعل الجماهير وقياس رأيهم العام.. وهناك اشاعات «سُحُب الدخان» أو «الخداع» وهي التي يتم توظيفها كستار من الدخان لإخفاء بعض النوايا لخداع العدو. وأخيراً هناك الإشاعات الهدامة أو ما يُسمى ب«اشاعات دق الإسفين» والتي تعمل على مبدأ «فَرِّق تَسُد».
واجمالاً يمكن وضع الشائعات داخل ثلاثة أطر: الاجتماعي، الاقتصادي، والسياسي.. وما يعنينا في هذا التحقيق هوالإطار السياسي المرتبط بالإشاعات.
الإشاعات السياسية
عند الحديث عن الإشاعة ذات الطابع السياسي لابد من التأكيد على أهمية التعامل مع جانبين هنا هما: السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، إذ إن طبيعة الشائعة المستخدمة في أوساط السياسة الداخلية تختلف عنها في أوساط السياسة الخارجية. ويكثر استخدام الشائعات في اوساط السياسة الداخلية داخل الأنظمة الديموقراطية وخصوصاً في أوقات الانتخابات بهدف الكسب السياسي للأحزاب والنيل من قادة الأحزاب المنافسة عن طريق البحث في ماضي مرشح الحزب المنافس وتضخيم الأمر. وإذا كانت هذه الشائعات تنتشر في الأوساط الديموقراطية ذات الطبيعة الإعلامية والتخاطبية الحرة، فما بالك بالبلدان التي تنعدم فيها حرية الرأي والنشر، إذ يجد فيها أصحاب الشائعات مرتعاً خصباً لبث سمومهم وسوقاً رائجة لتسويق بضاعتهم من الشائعات وهو ما يمثل مصدر خطر على مثل هذه الدول التي تفتقر إلى الشفافية ومقدار الحرية الكفيل بالوقوف في وجه الشائعات، ويمثل الاتحاد السوفييتي سابقاً حالة نموذجية ومثالاً واضحاً على ذلك.
أما في مجال السياسة الخارجية، فإن الشائعات كانت ولا تزال احد أشد معاول الهدم والتحطيم خطراً وخصوصاً في اوقات الحروب. وهذا النوع من الشائعات، كما أشرنا من قبل، يمثل جزءاً من الحرب النفسية وحرب المعلومات التي تهدف إلى التأثير المباشر على العقول وتستهدف ايضاً اصحاب صنع القرار واتخاذه في الحكومات والقادة العسكريين ايام الحروب بغرض التأثير على توجيه معتقداتهم وسلوكياتهم وإدراكهم بشكل يخدم الطرف الذي ينشر الشائعة. وهكذا فإن الشائعة ما هي إلا جزء من النشاطات السياسية والاقتصادية والمعلوماتية التي تمارسها بعض الدول ضد البعض الآخر وتأخذ هذه الشائعات أشكالاً متنوعة تتراوح بين الاتهامات الوحشية للأفراد أو نشر معلومات تسيء إلى سمعتهم أو الاستقطاب «إن لم تكن معي فأنت ضدي» والحقيقة ان استخدام الحرب النفسية كسلاح فعال في المواجهات له جذور تاريخية ممتدة فالقائد الصيني «صن تزو» عبر كتابه «فن الحرب» يشير إلى أمكانية تحقيق الانتصارات من دون قتال وعبر احتلال عقول الخصم.. بل ويذهب «صن تزو» إلى التأكيد على أهمية تدمير رغبة العدو في الجهاد وإحباط نفسيات أفراده.
استخدام الشائعات في الحروب
في العهد الأول من البشرية المتحاربة كانت الحرب تبدأ بكلمة هنا وأخرى هناك وكانت تستخدم الشائعة آنذاك قبل خوض الحروب أو أثناءها أو حتى بعدها لكي تكون سبباً في إخافة العدو من خلال بث الصفات التي تدعم الموقف القوي فقد كان الجاهليون يستخدمون أشعارهم لوصف القبيلة وقائدها من حيث الشجاعة والمروءة والإقدام والعدد ومراسهم في الحروب.
وقد نذكر حرب البسوس التي كان بدؤها بالشائعات تنقل هنا وهناك وكيف استطاعت المرأة البسوس أن تنقل كلاماً إلى الحاكم عن جمال الجليلة ليتزوجها عنوة ولكن الزواج ينتهي بموت الحاكم وفوز كليب بها ومن ثم يأتي دور كليب الذي أصبح حاكماً على قبيلة تغلب ولكن البسوس زرعت شيئاً في نفسه حيال أخيه المهلهل وتمضي الايام لتزرع الفتنة بين كليب وأهل نسبه بعد مقتل ناقتها التي كان قد منعها من أن ترعى مع أنعامه.
إن مسيرة استخدام الشائعات في الحروب تمضي الى يومنا هذا وقد مضت عبر عصور متعددة مروراً بحروب الكافرين والمنافقين في فجر الإسلام الأول باستخدام الشائعات كمثل اشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة احد بغرض محاربة المسلمين معنويا ونفسيا إلى دخول العرب المسلمين إلى أوروبا وتأسيس الاندلس إلى غزو المستعمر دول العالم الثالث ولكن تستوقفنا أكبر شائعة شهدها التاريخ وهي ادعاء إسرائيل بأن فلسطين هي موطنهم والمتابع للصراع العربي/ الإسرائيلي يجد ان إسرائيل قد حاربت العرب عسكرياً ونفسياً متسببة بشائعات ترتبط بالفكر او العقيدة أو المبدأ كجزء من الحرب النفسية وهي عموماً حرب على الأرض والمبادىء وقد شعرت إسرائيل بأن استخدام الشائعة في هذه الحرب أكثر وقعاً ونفعاً وأقل تكلفة ولذلك قالت (دائماً نستهلك كمية كبيرة من الذخيرة الغالية لتدمر موقعا واحداً من مواقع العدو، ولكن أليس من الأفضل أن نستعمل الدعاية والحرب النفسية لشل الاصابع التي تضغط على زناد المدفع) ومن أجل ذلك دأبت اسرائيل على نشر شائعاتها عن جيشها وقوته التي لا تهدم ولا تقهر، وعن خط بارليف الذي يمثل قلعة لا يمكن عبورها، إلى غير ذلك من شائعات تتعلق بالحق التاريخي لليهود في فلسطين.
لقد استطاعت إسرائيل ان تجنِّد الصهيونية العالمية ومؤسساتها الإعلامية المختلفة لصالح حربها ضد العرب كمثل السينما ودور النشر والإذاعة والتلفاز لإدراكها الدور الكبير الذي يمكن ان تلعبه هذه الوسائل في التأثير على الرأي العام لصالحها وقد تم لها أن تتلاعب بالمنطقة وتزوِّر التاريخ وتجذب المهاجرين إليها عن طريق إشاعة أن فلسطين هي أرض المعياد لإسرائيل وأرض اللبن والعسل، وقد لحقت هذه الشائعة أخريات كأن تم تجميع اليهود في فلسطين بإرادة إلهية إضافة الى تأكيد اشاعة كبرى هي ان ما حدث لليهود على يد هتلر كان لاستدرار عطف العالم وكسب تأييده لحق اليهود في العيش بسلام على أرض اسرائيل المزعومة، وهكذا اعتمدت إسرائيل إشاعة الاكاذيب في العالم وسيلة رئيسية لتحقيق أهدافها.
بصورة عامة صارت الشائعة حاليا هي إحدى أهم وسائل تحقيق الأهداف المنشودة لكثير من الدول فبعدما انتهت الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي بين الاتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة التي استخدمت فيها أكثر الشائعات حساسية وخطورة كعمل سياسي واستخباراتي، انفردت امريكا بعد نصرها بقيادة العالم وصارت القوة العظمى الوحيدة حتى الآن وحتى تصل الى ذلك استخدمت شائعات كثيرة تتحدث عن تقدمها في صناعة الحرب وآلياتها على أحدث الطُرُز وبآخر ما تنتجه التكنولوجيا. لقد كان العالم قبل سنين قليلة يصدق بما تنشره وتبثه عبر اعلامها وغيره من أنها تستطيع ان ترى النملة السوداء في الصخرة الصماء في قاع البحر وفي لحج السماء. ولكن جاءت أحداث 11 سبتمبر لتكشف حقيقة امريكا وتعريها من كثير من شائعاتها حتى الآن وإن كنا نعترف بقوتها التكنولوجية والحربية.. إلخ.
ما زالت امريكا ماضية في الاستفادة مما تملك من وسائل التكنولوجيا في نشر شائعاتها بطريقة اكثر قوة وأدمغها حجة ورهبة. فقبل سنين قليلة اتهمت عددا من دول العالم الثالث بأنها تمتلك اسلحة كيميائية وتصنعها فضربت مصنع الشفاء في السودان بحجة أنه مصنع للسلاح الكيميائي وهي تقصد بذلك أن تضرب الاقتصاد السوداني، ثم بعد ذلك اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن اتهامها كان مجرد افتراء، فبعد احداث 11 سبتمبر الشهيرة بواشنطن ونيويورك أراد بعض الامريكيين اشاعة أن الإسلام دين إرهاب وأن العالم بأسره يعاني من هذا الارهاب الذي يدَّعيه، ومن ثم ترفع العصا لمن خرج عن طاعتها وعصا، وبما تملك من وسائل تكنولوجية عصرية تريد أن تتعامل مع العالم على اساس «من ليس معها فهو ضدها» وهي تُعد للحرب ضد الارهاب الذي تزعم تفشيه وتحشد لها كل قوى العالم الظالم والمظلوم قويها وضعيفها لتردع من يقول لا لأمريكا.
الآن تبحث امريكا عن طريقة تربط بها النشاط العراقي الحالي بتنظيم القاعدة لتقنع العالم بأنها تحارب لصالحه، وهي توظف الامم المتحدة للبحث عن دليل على أن العراق ينتج السلاح الكيميائي وحتى تخرج للناس بدليل دامغ تطلب من العالم ان يصدقها فهي تستخدم كل الفضاء وعلومه لمعرفة ما يدور في العراق وما جاوره.. والهدف مفهوم، إنه التسلط على العالم اجمع والعالم العربي بصورة خاصة وإن كان قد اعتبر الكاتب ديسك ان ما تدعيه امريكا لا يخرج عن كونه هراء.
في هذا العصر تساند كل من أمريكا وإسرائيل إحداهما الأخرى وتقوِّي كل منهما الأخرى بإفشاء شائعاتها والعمل على تصديق العالم لها ومن ثم اتباع أوامرها وتنفيذها بعد ذلك.
خصوصية أثر الشائعات
وكما ثبت فإن الشائعات سلوك منافٍ للقيم والأخلاق والفضائل والآداب ولذا فهي لا تجد طريقها للانتشار إلا في المجتمعات التي تكون فيها كلمة الحق مغيبة بشكل أو بآخر وقد وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم القوم الذين يتفاعلون مع الشائعات بكثير من النشوة والاستجابة بأنهم إمّعات لأن مثل هؤلاء ينقلون كل شائعة وقد يقلدونها دون التثبت من حسن صحتها وعاقبتها وفي حديث نبوي جاء «لايكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا الناس أساء ولكن وطنوا أنفسكم على أن تحسنوا إذا أحسن الناس وأن تتجنبوا الإساءة إذا أساؤوا»، وفي هذا الحديث يريد النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعاً قدوة ومثالاً للمجتمعات التي تعمل على تقوية وجودها وعقليتها وتزيد من ثباتها حتى لا يخترق من قبل الأعداء الذين يرصدون كل حركة وسكنة ليستفيدوا منها في اندلاع حرب نفسية ضد المسلمين فالله سبحانه وتعالى كان عندما يقدر حدثا في أمة محمد وهم في عهدهم الأول يكون بمثابة درس يتأدب به المسلمون ويستفيدون منه، وهناك من الشواهد ماهو كافٍ للتدليل على صدق هذا الحديث، ففي الآية التي يقول فيها الله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا أّن تٍصٌيبٍوا قّوًماْ بٌجّهّالّةُ فّتٍصًبٌحٍوا عّلّى" مّا فّعّلًتٍمً نّادٌمٌينّ}.
جاء في تفسير ابن كثير ان الرسول صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق لجمع الزكاة، فسمعوا بذلك فتلقوه بالابتهاج، والفرح والتعبير عن مشاعرهم بسلاحهم ورجالهم فحدث الشيطان الوليد بن عقبة أنهم يريدون قتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ان بني المصطلق قد منعوني الزكاة وأرادوا قتلي فنزلت الآية السابقة وأمر الله تعالى بالتثبت ولولا لطف الله لوقعت فتنة كبرى بين المسلمين على شائعة لم تتأكد صحتها بعد.
ثقافة المجتمع الإسلامي في فجره الأول
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ان الشائعة أحد أهم الاستخدامات البشرية ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء كذباً ان يحدث بكل ما سمع»، كما كان يبني عقول المسلمين على أساس القوى الصحية في السمع والقول والفعل، عندما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أكثر الصحابة ثباتاً في القول والفعل ومن الذين ساهموا في بناء المجتمع الإسلامي على الحق والعدل، جاء مستفهماً النبي صلى الله عليه وسلم ما إذا كان قد صدقت الشائعة التي تقول إنه طلق نساءه فكانت إجابته بالنفي، فما كان منه إلا أن قام على باب المسجد منادياً بأعلى صوته «لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه» فنزلت الآية: {وّإذّا جّاءّهٍمً أّمًرِ مٌَنّ الأّمًنٌ أّوٌ الخّوًفٌ أّذّاعٍوا بٌهٌ وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ وّإلّى" أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً...} والذي يطلع على مسيرة الإسلام والمسلمين وانتشارهم في أرض الله الواسعة يجد ان المجتمع في ذلك الزمان كان أكثر قوة وترابطاً وعفة ومروءة وأعظمه قدوة لعالم جديد لأنه تربى على التعامل مع الأشياء بكثير من الفهم العقلاني الإسلامي ويأبى حتى مجرد الظن ناهيك عن القول والمساعدة على نشره، فقد تعلموا ان المؤمن ليس بهماز ولا لماز.. يبتعدون عن مسالك الغيبة والبهتان ابتعاد صحيح البدن من الأجرب، إن المجتمع الذي تربى على الفضيلة كان همه وهدفه نشر الفضيلة أيضاً، ولكن بمرور الزمن وتعاقب العصور تبدلت المفاهيم والقيم لكثير من البشرية لابتعادهم عن منبع الفضيلة ومدرسة الأوائل الذين لايقهرهم عدو ولا ينال منهم من سوّلت له نفسه سوءاً طالما كانوا يعرفون كيف يتعاملون مع شائعات عصرهم بشيء من الفهم والعقلانية التي تدرك مخاطرها وعواقبها.
في هذا العصر الذي اعتمد الشائعة كإحدى معيناته على توصيل رسالته وجد مجتمعا اتصف بأنه مرتع خصب لزراعة الشائعات والخدع لطالما يمتلك وسائل انتشارها وعلى أكبر مستوى.
ولعل واحدة من خصائص الشائعات هو أنها تظهر بكثرة في تلك الثقافات وداخل تلك الشعوب التي يتم استهدافها بحرب الاستلاب الحضاري والثقافي ذلك ان مثل هذه المجتمعات والثقافات يجمعها عامل مشترك متمثل في بطء استجابتها لأي تغيير نتيجة قوة قيمها وعقيدتها وهكذا يصبح الإخلال بأمنها بوابة العبور لتهيئة مثل هذه الشعوب لقبول أفكار وقيم ونزعات عقائدية وقبلية، وهنا يبرز دور الشائعات كواحدة من وسائل عديدة لزرع بذرة الاختلاف والشقاق داخل المجتمع وإحداث صدع بائن في جدارها وتمزيق نسيجها الاجتماعي والنفسي والفكري وبالتالي تهيئة المجتمع لقبول أية أفكار جديدة.
والحقيقة هي ان التجارب التاريخية المختلفة قد أثبتت بما لايدع أي مجال للشك ان فئات المجتمع تألف أزيز الطائرات وفعقعة الرصاص وهدير الدبابات في حالات الحروب مع مرور الوقت فيقل أثر هذه الوسائل المرعب على الشعب غير ان الإشاعات تستمر في إحداث تأثيرها السلبي بشكل مستمر ومتجدد وبالتالي تنعدم الثقة بين مختلف فئات المجتمع وما يحدث اليوم في عصر التكنولوجيا والعولمة يدل على خطورة انتشار الشائعة في المجتمعات المستهدفة.
إن قوى الهيمنة في العالم الغربي أرادت ان تستبدل قهر الشعوب وإذلالها بالسلاح بأنواعه بأقوى أنواع الشائعات التي تهزمه نفسياً وروحياً وتجعله فريسة سهلة الاصطياد فما عاد بالإمكان ان يجهز قائد أو حكومة أو فئة من ذوي التفوق في بقعة من الأرض جيشاً جراراً مدججاً بالسلاح ليدخل هذه البلدة أو تلك عنوة معلنا أنه يريد ان يستغل خيراتها ومواردها الطبيعية والبشرية لصالح بلاده دون ان يكون هناك سبب مباشر ومقنع للعالم المتطور بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي بان يقتحم أو يحتل هذا البلد أو ذاك، ومن المؤسف حقا ان يصاحب التطور المذهل الذي جعل من العالم كله قرية صغيرة هذا النوع من الاستغلال اللا إنساني في الوقت الذي تبنى فيه مؤسسات ومنظمات عالمية طويلة وذات نفوذ عالمي بغرض حفظ الحقوق الإنسانية بمختلف أشكالها لكل شعب وأرض ووطن وتنشأ فيه محاكم للعدالة لمحاكمة مجرمي الحرب.. الخ.
أصبحت هذه المنظمات العالمية منظمات كرتونية تعمل تحت تحكم الأقوى وبدأت تدخل في شؤون الناس والشعوب والحكومات مستخدمة الشائعة والاتهام الباطل كمدخل لتنفيذ المخططات وهي في ذلك تجند كل ما تمتلك من قوى اقتصادية وبشرية ونفوذ إعلامي لكي توهم العالم بان الشائعة ماهي إلا حقيقة، بعدها تنفرد باستصدار القرارات التي تمنحها التدخل المباشر وهذا ما يحدث الآن في كل شعوب الدنيا.
إن أمريكا بقوتها وجبروتها وجدت نفسها لا تستطيع ان تحتل أرضاً أو تستغل مورداً كان لشعب آخر.. كما لا تستطيع ان تمنح أرض فلسطين لشعب اسرائيل الذي لفظته دول أوروبا من كل شعب ودولة ولا هو الآخر استطاع ان يخلي أرض فلسطين من يتنفسها وطناً أصيلا وأصلاً، فذهبت إلى بث الشائعات مجندة كل وسائل انتشارها الأرضية والجوية والبحرية على إحداث ما أنتجته التكنولوجيا الآن تصول وتجول في كل العالم شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً بعدما تطبخ شائعتها جيداً ويستوي أكلها فيصدقها جسم الأمم المتحدة أو لا يصدقها ولكن يتماشى بشكل أو بآخر مع مخططاتها وسياستها لتنفيذ ما أمرت لتجني ثماراً تتمناها.. ومايحدث في اتهام بعض الدول بامتلاكها السلاح النووي أو تلك التي تتعامل مع القاعدة أو تلك التي تدعي أنها تنتهك حقوق الإنسان وفق مبادئها وقراءاتها.. مايحدث الآن هو كله شائعات أمريكية مختلقة.
كيفية التعامل مع الشائعة ومعالجتها
يجب أن نتعامل مع الشائعة بطريقة تهدف الى المعالجة المناسبة وبالتالي يجب ان تجمع المعلومات الكافية عن الشائعة بغرض تحليلها واتخاذ الرد المناسب لها بخطوات تبتدىء بجمع الشائعات ومن ثم تحليلها لإعطائها الى عيادة الإشاعة بهدف اقتراح الإجراءات المضادة لعيادة الإشاعة وفي هذه الحالة يجب ان يكون هناك مرشد لتحليل الشائعة وتحديد جهتها ونوعها وعلاقتها بالواقع لكي تفسر وتجيب على كثير من الاستفهامات وحتى يتحقق ذلك يجب اتباع الآتي:
1 اختيار إجراءات الرد: يجب ان يتم تحديد الإجراءات واختيارها بناء على أسس موضوعية علمية بحيث يكون فعالاً في تحقيق الهدف من اتخاذه مع وضع الاعتبار أن تكون الخطة العامة للتحصين والدفاع شاملة متكاملة لا تدع أية شفرات أو استثناءات مهملة.
2 التغذية الراجعة: تعتبر أحد أهم عناصر نجاح الجهاز المسؤول عن مقاومة الإشاعة من خلال المساهمة في تطويره في عمله، فمن خلال الحصول على معلومات عن اثر الإجراءات التي اتخذت ومدى ما حققته من نجاح أو فشل يمكن لإدارة الجهاز تصحيح الاخطاء واختيار الاهداف التي تحقق النجاح.
إستراتيجية التحصين والدفاع
يتضمن التحصين من اخطار الشائعات نشر الوعي بين الجمهور حول اخطارها واهداف مرسليها وزيادة الثقة بما تقدمه الجهات ذات العلاقة في الدولة من معلومات وبيانات حول حقيقة ما يجري لاطلاع الجمهور عليه ومن ثم شرح الجوانب القانونية والمنطقية التي استندت إليها خطط الدولة وإجراءاتها كما يمكن تعريف الجماهير بمصدر الشائعات وجمهورها المروج لها والذي يتقبلها إضافة للتعريف بالحقائق وتوابع السلوك ومن ثم اختيار الاسلوب المناسب على الرد عليها من خلال الاسلوب المباشر الذي يفند الشائعة أو غير المباشر الذي يعتمد على نشر وعي الجمهور أو حتى الاسلوب المحايد أي استخدام اعلام محايد.
كيفية التحصين من الشائعات
لا بد ان يكون هناك جهة رسمية مسؤولة من التصدي للشائعات برصدها والعمل على إبطال مفعولها وبالتالي حماية المجتمع من اثارها الخطيرة. وهذه الجهة يجب ان تتسم بالخبرة والكفاءة وان تكون غنية بحب الوطن والولاء له مستخدمة المرونة العاقلة المفتوحة في توقعها لمختلف الاحتمالات آخذة بالموضوعية لتقييم وتحليل واختيار الأساليب المناسبة للعمل حسب طبيعة الحالة المطروحة، وهذا يتطلب تنظيماً جديداً ملائماً لطبيعة العمل محققاً لأقصى درجات الفعالية العملية من خلال اشتراك عدد من الجهات التي يمكن ان تساهم في المقاومة داخل المجتمع وهذه الجهات تشمل الأجهزة الأمنية والإعلامية والثقافية ووسائل الانتشار والتنظيمات والمؤسسات الاجتماعية والتي من ابرزها الجمعيات والأندية الرياضية والثقافية والنقابات المهنية والتنظيمات السياسية وتلك التي تأخذ طابعاً ثقافياً بالاضافة الى جماعة الصداقة والتطوع والمؤسسات التجارية والصناعية والأكاديمية. كما لا بد من شمل شريحة علماء الدين بحكم أنهم أهل ثقة.
أما مؤسسات الدولة المختلفة فيفضل أن تقتصر مساهمتها على التحصين النفسي من الشائعات من خلال سياسات ثابتة تعتمد نشر الحقائق والقوانين والإجراءات السليمة.
edesk6@suhuf.net.sa
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|