إعداد: د.نهاد ربيع البحيري
اتهم عنصر ثاني أكسيد التيتانيوم في الآونة الأخيرة بأنه من المواد المسرطنة ولذا انتشر الجزع بين المستهلكين إذا وجدوا أي غذاء أو أي مادة يستخدمونها تتضمن هذا العنصر، وللمستهلك كل الحق في هذا فالصحة كنز وتاج على رؤوس الأصحاء لا يشعر بها إلا المرضى,......... ولكن هل هذه الاتهامات في محلها وأن ثاني أكسيد التيتانيوم مسرطن بالفعل وعلينا أن نتحاشاه بشتى الطرق أم أن للقضية ملابسات أخرى يجب أن نعلمها؟
ما ثاني أكسيد التيتانيوم وفيم يستخدم؟
هو معدن ذو لون رمادي قديم وموجود منذ الأزل في قشرة الكرة الأرضية ومنتشر في طبقاتها انتشاراً كبيراً ويوجد في الهواء والماء بنسب معينة كما يوجد في النباتات التي نتناولها حيث إن غذاءها من الأرض، بمعنى أنه في حالته تلك هو عنصر طبيعي كما خلقه الله وليس صناعيا, ولكنه لخواصه المبيضة استغل في الصناعة في الأمور التالية:
- يستخدم في صناعة البارود والمتفجرات لأن له القابلية للانفجار
- في صناعة معجون الأسنان
- في صناعة بعض الأغذية التي تحتاج لتبييض كالحلاوة الطحينية والطحينة
- في صناعة مستحضرات التجميل وخاصة كريمات التبييض
- يستخدم كمستحضر واق من أشعة الشمس حيث إنه له خاصية حفازة للضوء.
ولا عجب من استخدامه في مثل هذه الصناعات فاستخدامه قديم الأزل وليس حديثاً علينا في هذه الأيام، فاستخدامه في الصناعات المختلفة لم يحدث من فراغ ولكن بسبب أنه من المواد التي تكون أكاسيد عالية المقاومة ولا تتحلل بسهولة؛ لذا تنجح جدا الصناعات التي يدخل فيها وتؤتي بالنتيجة المرغوبة وخاصة الخاصية المرتبطة بالتبييض التي تكون مطلوبة للكثير من الصناعات بل وتزيدها قيمة وتحسن من خواصها كما تشجع على استهلاك هذه المنتجات.
التجارب على الحيوانات
كانت التجارب على الحيوانات كالفئران هي أصدق دليل على مدى صحة الشائعات أو بطلانها فكانت النتائج كالتالي:
- أذيب ثاني أكسيد التيتانيوم كملح في الماء الذي تشربه تلك الحيوانات منذ الميلاد حتى الوفاة فلم يحدث أي قصر ملحوظ في عمر الحيوان، أي أن التيتانيوم مهما تركز فهو لا يتسبب في حدوث الوفاة.
- أثبتت التجارب كذلك أن معدن ثاني أكسيد التيتانيوم لا يتسبب في حدوث تسمم للحيوان وإلا كان سببا في قتل الفئران في عمر مبكر.
- كانت الملاحظة فقط هي حدوث بعض التليف في رئتي الحيوان وليس حدوث أورام سرطانية.
- حدثت الأورام الخبيثة بسبب التيتانيوم فقط في حالة واحدة فقط وهي حقن الحيوان يوميا بمعدن ثاني أكسيد التيتانيوم نفسه.
- الاستنتاج هو أن معدن ثاني أكسيد التيتانيوم غير مسرطن ولا مسمم.
خطره على العاملين فيه
اتسقت الأبحاث المختلفة على العاملين في مناطق تصنيع التيتانيوم، أو متعرضون له بسبب دخوله في الصناعات المختلفة مع التجارب على الحيوان فقد توصل الباحثون لنتائج مماثلة بالفعل، ومضمونها أن هؤلاء المتعرضين للتيتانيوم بكميات كبيرة تفوق تعرض الإنسان العادي له لم يصابوا بأورام سرطانية أو تسمم ولم تحدث لهم الوفاة بسببه واستدل على ذلك بتشريح جثث المتوفين من هؤلاء العاملين فقد وجد أن الوفاة طبيعية وأن التيتانيوم لم يكن سببا فيها لا بالتسمم ولا بالسرطنة, وأن الضرر الوحيد هو تليف غير شديد في الرئتين، كما دلت نتائج التجارب على الفئران, فهذا الدليل من واقع حياة الإنسان كثير التعرض له دل على أنه غير مسرطن ولا مسمم.
لا ضرر من طبيعته
كما قلنا سابقا أن ثاني أكسيد التيتانيوم متوفر في البيئة بصورة طبيعية فهو جزء من قشرة الكرة الأرضية ومكون من مكونات الطبيعة ويوجد في الماء والغذاء بنسب معينة ولكن لأن من خواصه تكوين أكاسيد عالية المقاومة فهو لا ينفذ من خلال الجهاز الهضمي ولا يمتص في الجسم بل يحذفه الجسم خارجه مع البول، أي لا يضر ولا ينفع، إلا في حالة التعرض المكثف له بسبب طبيعة العمل في مناطق تصنيعه فالأثر السلبي الوحيد هو تليف الرئة كما دلت التجارب على الحيوان وليس الوفاة أو السرطانات من أي نوع. أي أن التعرض الطبيعي له لا يسبب أي ضرر.
متى يكون التيتانيوم مسرطناً؟
كانت التجارب السابقة على الحيوان والأبحاث على السكان أو العاملين في مناطق تصنيع التيتانيوم من شديدي التعرض لأكاسيد التيتانيوم أكبر دليل على براءته من التهم والادعاءات المنسوبة إليه، ولكن ما هذه الجلبة حول استخدامه في الآونة الأخيرة والأدلة التي أثبتت أنه مسرطن رغم ما أثبتته التجارب على الإنسان والحيوان من كونه غير مسرطن ولا سام. الإجابة هي أن التكنولوجيا المتقدمة هي السبب الأول والأخير، فمعدن التيتانيوم في حد ذاته غير مسرطن ولكن التقدم الشديد في التكنولوجيا التي تستخدم في تصنيعه سواء في المواد الغذائية أو في مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة هي المسؤولة وحدها..... ولكن كيف؟
بسبب التقدم العالي في التكنولوجيا الدقيقة التي تصغر ذرات المواد المستخدمة لدرجة لا نتخيلها بحيث تحصل منها على أعلى فائدة صناعية وأعلى درجة من الدقة والجودة والجاذبية للمستهلك, هذه التكنولوجيا تسمى Nanotechnology أو تكنولوجيا المواد الدقيقة ففيها يتم تصغير الذرات لدرجة لا يتخيلها عقل بحيث تكون مادة ثاني أكسيد التيتانيوم في هذه الحالة من دقة جزيئاتها أعلى في درجة تبييضها الذي هو الهدف من إدخالها في الصناعة من أجل التبييض، فكلما زادت الجزيئات دقة كانت قدرة المادة على التبييض وتحسين الصناعة أكثر، وكلما كانت أكثر وقاية وحماية من الضوء في حالة مستحضرات التجميل, ويزداد التقدم وتزداد الجزيئات في دقتها ويتحسن المنتج الغذائي أو التجميلي ومن هنا يحدث الخطر, فجزيئات المعدن في حالتها الطبيعية التي خلقها الله ويتعرض لها الإنسان لا يمكن لها أن تسبب السرطان لأنها جزيئات خشنة أو ناعمة نعومة طبيعية لا تنفذ من خلال البشرة أو من خلال الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي، وبذلك لا يحدث السرطان لأنها تحذف خارج الجسم، أما في حالة الجزيئات الدقيقة فقد أثبتت الدراسات على مستخدمي مستحضرات التجميل أنها تنفذ إلى طبقات البشرة وأنه قد تم معاينتها بالفعل بالأشعة فوق البنفسجية خاصة بعد 4-6 أسابيع من الاستخدام فوجدت هذه الدقائق من ثاني أكسيد التيتانيوم في طبقات البشرة وهنا يحدث السرطان بالفعل، والأمر ينطبق على الغذاء أنه كلما زادت التكنولوجيا لزيادة تبييض المنتج الغذائي كانت الذرات المستخدمة من ثاني أكسيد التيتانيوم أدق وكان هذا سببا في حدوث الأورام السرطانية التي تظهر بكثرة تناول هذه الأغذية.
حماية طبيعية للبشرة
دون التيتانيوم
لكل امرأة ترغب في الجمال وتحسين وتبييض البشرة وحمايتها من أشعة الشمس الضارة نقول لها لا تلجئي لتلك المبيضات الصناعية المسرطنة أو غيرها مما قد يكون آمنا فقد لا نستطيع التفرقة كمستهلكين، بل تلجأ إلى الطرق الطبيعية وأهمها الغذاء بتناول أكبر قدر من مضادات الأكسدة التي تبعد الأكسدة وتحمي البشرة من أضرار الشمس والتجاعيد المبكرة بالإضافة إلى المستحضرات الموضعية الطبيعية مثل زيت الزيتون.
وهنا تكون قضية التيتانيوم قد حسمت بالفعل، فالتيتانيوم صديق البيئة ولكن التدخل في ذراته وتغيير نظامها وحجمها بسبب التكنولوجيا طمعا في الوصول لدرجة أعلى من التحسن في الصناعة هو المسؤول وحده.