|
أدب الخلاف
|
ليقل كل منا ما يريد أن يقول..
ممهوراً ومشروطاً بما يكتبه أو يتحدث عنه بأدب الخلاف..
وله أن يعبر بحرية تامة عن وجهات نظره في جميع القضايا الساخنة..
دون خوف أو وجل..
طالما أن المرء يكتب أو يتحدث بما يمليه عليه ضميره ومحبته للخير.
***
ولا داعي للغموض أو الرمزية..
هروباً من المسؤولية، أو خوفاً من تداعياتها..
ما دمنا على قناعة بأنه لا خير في الإنسان إن لم يتحدث بوضوح عن قناعاته..
ومن أن أي إنسان ملتزم بألا يغرد خارج سرب المصلحة العامة.
***
لا يهم إن لم يخرج الإنسان سالماً من نقد غير موضوعي قد يوجه إليه من هذا أو ذاك..
طالما كانت البصمة في وجهة نظره مفيدة ومؤثرة وتصب في المصلحة العامة..
وبخاصة حين يتكئ في كلامه على اعتماد المصداقية أساساً في التعبير عن وجهة نظره بشأن هذه القضية أو تلك.
***
هناك تصادم ورفض لكثير مما ينشر في الصحف المحلية من مواضيع..
بعضها معقول، وفي مستوى الحوار، والبعض الآخر دون المستوى، وليس جديراً بالحوار..
ومثل هذا الموقف يجب ألا يثني الكاتب عن عزمه وإصراره على المشاركة في بناء مستقبلنا السعيد بما لديه من آراء..
فهناك قضايا مهمة يفترض أنها تدغدغ مشاعرنا، وتنسجم مع ما يحرك هواجسنا من أسباب مُحفّزة لها..
وبالتالي كأنها تقول لنا: يجب أن نبقى كما نريد لا كما يريد غيرنا أن نكون عليه.
***
وفي ظل هذه الأجواء..
وبحسب ما نراه..
ونعايشه..
ونتلاقى معه..
ومن خلال تعاملنا مع الغير..
فإن المطلوب منا الآن ومستقبلاً: حوار عاقل ومتزن وموضوعي وهادف، وهو ما لا يقدر عليه إلا الأسوياء..
وعلينا أن نكون في مستوى التحدي لقبول الرأي الآخر، حتى لا يقال عنّا بأننا غير أسوياء، ونحن بالتأكيد لسنا كذلك.
خالد المالك
|
|
|
فترات هدوء واستقرار تعقبه غزوات الجراد الموسمية لنحو ستين دولة غزوات الجراد 2-2
|
هناك عشرات الملايين من الكيلومترات المربعة من المزارع والمراعي في شمالي أفريقيا ودول الشرق الأوسط وآسيا تصلها أسراب الجراد في غزواته الموسمية المتكررة مما يهدد وسيلة حياة حوالي 10% من البشر على سطح الأرض.
ويمكن أن يتكون السرب الواحد من 40 إلى 80 مليون جرادة في كل كيلومتر مربع، وإذا كانت كل حشرة تستهلك يوميا قدر وزنها من المزروعات أي جرامين اثنين فمعنى ذلك أن سربا بهذا العدد من الجراد يمكنه أن يستهلك ما يصل إلى 192 ألف طن من النباتات كل يوم. وإذا علمنا أنه خلال القرن الماضي فقط كانت هناك سبع فترات تكررت خلال كل فترة منها هجمات الجراد واستمرت أطولها لمدة 13 عاما متقطعة، لأدركنا خطورة هذه الحشرة.
***
الأضرار التي تتعرض لها المزارع والمراعي من هجمات الجراد تشكل خطرا ماحقا على الأمن الغذائي للعالم وربما أدت إلى حدوث مجاعات في المناطق التي تتعرض لها لذلك تتعاون دول العالم لمكافحة هجمات الجراد والحد منها. ومنذ الحرب العالمية الأخيرة أخذت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO دورا رائدا في النبؤ بحدوث هجمات الجراد ومكافحتها وتتعاون في ذلك مع بعض علماء الايكولوجيا في وكالة الفضاء الأمريكية الذين يستخدمون وسائل الاستشعار عن بعد بالأقمار الصناعية لرصد تحركات الجراد والتنبؤ بالمناطق التي يحتمل أن ينطلق منها الغزو.
وتدل دراسات المتابعة للجراد على أنه خلال فترات الهدوء والاستقرار يكون الجراد الصحراوي محصورا في حزام مساحته 16 مليون كيلومتر مربع يمتد خلال الصحراء الكبرى في شمالي أفريقيا عبر شبه الجزيرة العربية إلى شمالي غرب الهند، ولكن في مرحلة النشاط وتكوين الأسراب التجمعية المهاجرة تنطلق الأسراب المهاجرة الكثيفة لتغزو جميع المناطق المجاورة من كل اتجاه فتصل شمالا حتى اسبانيا وروسيا وشرقا حتى الهند وجنوب شرق آسيا. وهناك حوالي 60 دولة يمكن أن تتأثر بهجمات الجراد الذي يعبر البحر الأحمر بشكل عادي من أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية بل وهناك تقارير تسجل عبوره المحيط الأطلنطي ليصل إلى دول البحر الكاريبي.
ونظرا لاتساع مساحة المنطقة التي يشغلها الجراد خلال فترات الهدوء والاستقرار وشمولها لعدد من الدول النامية التي تكثر فيها الصراعات السياسية والحروب ولا تتوافر وسائل التقنية اللازمة لتتبع حالة الجراد فإن ذلك يزيد من صعوبة عملية التتبع للتنبؤ بموعد تحوله إلى الطور المهاجر الغازي. ومن هنا برزت أهمية طرق الاستشعار عن بعد باستخدام الأقمار الصناعية.
وغني عن القول التأكيد بأن طرق الاستشعار عن بعد لا يمكنها أن ترصد تكاثر الجراد وتحوله إلى الطور المهاجر وإنما يمكن التنبؤ بتكوين الأسراب المهاجرة الغازية من مراقبة التحولات البيئية المشجعة لتكوينها مثل هطول المطر واخضرار الغطاء النباتي في منطقة الهدوء والاستقرار، وبمجرد أن تظهر في إحدى الصور الفضائية منطقة قد اخضرت بشكل واضح بعد أن كانت قاحلة عارية في الصور السابقة فإن احتمال تحول الجراد في المنطقة إلى الطور المهاجر الغازي يكون متوقعا. وللتأكد من حقيقة الوضع يتم توجيه مراكز مراقبة الجراد الأرضية للتوجه إلى المنطقة وفحصها والتأكد من وضع الجراد فيها. وفي المنطقة لا يحاول علماء الدراسات الحقلية رصد أعداد الجراد فحسب وإنما يرصدون بشكل أدق تحول الحالة الاجتماعية للحشرات الموجودة وهل مازالت على حالتها الانفرادية التي تنعزل فيها كل حشرة عن الأخرى وتعزف تماما عن المعيشة الاجتماعية.
***
متى يحدث التحول؟
أسراب الجراد المهاجرة تتكون فقط متى
غيرت الحشرات لونها المميز لمرحلة الاستقرار والهدوء وبدأت تتقبل وجود الحشرات الأخرى من نوعها وتتجمع معا نتيجة حدوث انفجار سكاني في عدد الحشرات مما يجعلها تتحول إلى المعيشة الاجتماعية والتكدس وتكوين الأسراب الكثيفة. وقد أظهرت الدراسات أن العامل الأساسي في هذا التحول هو توافر المياه نتيجة هطول الأمطار. وللمياه فعل السحر في الصحارى القاحلة فسرعان ما تنمو النباتات الحولية الموسمية وتخضر بعض مناطق الصحراء وأكثر من ذلك تبتل التربة وتصبح صالحة لكي تضع الإناث فيها بيضها، بل وتكفل الظروف الملائمة لحضانة البيض وفقسه. وعند خروج الحوريات تجد أمامها كمية أكثر من كافية من الغذاء النباتي الأخضر فتنمو وتنسلخ مرة كل أسبوع في المتوسط لتصل إلى الحشرات البالغة المجنحة في حوالي خمس أسابيع.
***
يزداد التعداد بمعدل هائل عندما يتركز الغذاء في بقع معينة
يزداد عدد الحشرات الناتجة زيادة هائلة وتضطر إلى أن تتركز حول مناطق الغطاء النباتي المخضر المتناثرة في الصحراء مما يؤدي إلى أن تتركز الحشرات حول بعضها حتى يمكنها أن تتغذى وهنا تفقد الحشرات خواصها الانفرادية المستقرة ويكتسب الصفات التجمعية المهاجرة، فعندما تضطر الحشرات إلى التجمع حول مناطق التغذية المحدودة تتلاصق الأرجل الخلفية للحشرات المتجمعة ويؤدي ذلك إلى حدوث تغيير فسيولوجي يؤدي إلى تحول الحشرات من الطور الانفرادي إلى الطور التجمعي المهاجر ويتغير لونها إلى اللون المميز للحشرات المهاجرة وهو الأصفر المبقع بالأسود وأكثر ما يظهر ذلك على الحشرات اليافعة أو الحوريات غير المجنحة بعد، وهذا التغير في اللون يرسل اشارة تحذير عالية لأعدائها من المفترسات قائلة أنها تتغذى على نباتات سامة وأنه من الأفضل لها أن تبقى بعيدة.
مع التغير في اللون تصبح أجسام الحشرات أقصر وتطلق هرمونات طيارة تدعو الأفراد الأخرى إلى التجمع حول مناطق التغذية مما يشجع تكوين الأسراب الكثيفة المهاجرة. وعندما يزداد عدد الحشرات المتركزة في منطقة تغذية معينة بشكل هائل فإنها إما أن تموت أو أن تبقى ويعتمد ذلك على مدى استمرارية الظروف البيئية الملائمة. ومتى شجعت الظروف البيئية الحشرات المتركزة في المنطقة على البقاء فإنها تشكل فورة من الأفراد التي إن بقيت دون أن تتشتت فإنها تتكاثر بمعدل هائل وتتحول إلى سرب لا يلبث أن ينطلق مهاجرا بأعداد قد تحجب ضوء الشمس لآلاف من الكيلومترات.
وبسبب شدة التغيرات التي تحدث في الحشرات أثناء تحولها من الطور الانفرادي المستقر إلى الطور التجمعي المهاجر فإن العلماء رغم معرفتهم الطويلة الوثيقة بهذه الحشرة لم يتوصلوا إلى حقيقة أن الجراد التجمعي المهاجر هو نفس نوع الجراد الصحراوي الانفرادي المستقر إلا في عام 1921م.
***
طرق ووسائل عصرية لتتبع حالة الجراد
ويعتبر الاستشعار عن بعد بالأقمار الصناعية للغطاء النباتي في بيئات الجراد الصحراوي هو الوسيلة الأساسية المعتمد عليها حاليا في تتبع حالة الجراد الصحراوي والتنبؤ بتكون الفورات والأسراب. وتتم متابعة هذه المناطق ورصدها بشكل يومي تقريبا باستخدام أحدث وسائل الاستشعار عن بعد حيث يمكن للجراد الانفرادي المستقر أن يتحول إلى الطور التجمعي المهاجر خلال فترة أربع ساعات من التهامز بالأرجل الخلفية حيث تكفي تلك الفترة إلى إحداث التغير الفسيولوجي الضروري للتحول. وحيث يتم التعامل بسرعة باستخدام المبيدات الحشرية الكيميائية للقضاء على أي فورة من الجراد المهاجر في مساحة محدودة من الأرض فإن العلماء يعتقدون أنه في ضوء نظم التنبؤ الدقيقة المستخدمة حاليا في تتبع الجراد الصحراوي ورصده وتطور نظم الاتصالات والمعلومات بين الدول بسرعة وكفاءة فإن غزوات الجراد المهاجر التي تقضي على الأخضر واليابس ستصبح في القريب المنظور من بين أخبار الماضي التاريخية.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|