|
أدب الخلاف
|
ليقل كل منا ما يريد أن يقول..
ممهوراً ومشروطاً بما يكتبه أو يتحدث عنه بأدب الخلاف..
وله أن يعبر بحرية تامة عن وجهات نظره في جميع القضايا الساخنة..
دون خوف أو وجل..
طالما أن المرء يكتب أو يتحدث بما يمليه عليه ضميره ومحبته للخير.
***
ولا داعي للغموض أو الرمزية..
هروباً من المسؤولية، أو خوفاً من تداعياتها..
ما دمنا على قناعة بأنه لا خير في الإنسان إن لم يتحدث بوضوح عن قناعاته..
ومن أن أي إنسان ملتزم بألا يغرد خارج سرب المصلحة العامة.
***
لا يهم إن لم يخرج الإنسان سالماً من نقد غير موضوعي قد يوجه إليه من هذا أو ذاك..
طالما كانت البصمة في وجهة نظره مفيدة ومؤثرة وتصب في المصلحة العامة..
وبخاصة حين يتكئ في كلامه على اعتماد المصداقية أساساً في التعبير عن وجهة نظره بشأن هذه القضية أو تلك.
***
هناك تصادم ورفض لكثير مما ينشر في الصحف المحلية من مواضيع..
بعضها معقول، وفي مستوى الحوار، والبعض الآخر دون المستوى، وليس جديراً بالحوار..
ومثل هذا الموقف يجب ألا يثني الكاتب عن عزمه وإصراره على المشاركة في بناء مستقبلنا السعيد بما لديه من آراء..
فهناك قضايا مهمة يفترض أنها تدغدغ مشاعرنا، وتنسجم مع ما يحرك هواجسنا من أسباب مُحفّزة لها..
وبالتالي كأنها تقول لنا: يجب أن نبقى كما نريد لا كما يريد غيرنا أن نكون عليه.
***
وفي ظل هذه الأجواء..
وبحسب ما نراه..
ونعايشه..
ونتلاقى معه..
ومن خلال تعاملنا مع الغير..
فإن المطلوب منا الآن ومستقبلاً: حوار عاقل ومتزن وموضوعي وهادف، وهو ما لا يقدر عليه إلا الأسوياء..
وعلينا أن نكون في مستوى التحدي لقبول الرأي الآخر، حتى لا يقال عنّا بأننا غير أسوياء، ونحن بالتأكيد لسنا كذلك.
خالد المالك
|
|
|
بعد تمرد جنرالات (البنتاجون) رامسفيلد في مهب الريح!
|
* إعداد - عايدة السنوسي
منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 حتى الآن تخرج في واشنطن أصوات تدعو إلى إقالة أو استقالة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد باعتباره المسؤول الأول عن الكثير من الأخطاء أو الكوارث التي تعرضت لها القوات الأمريكية في العراق وغيرها من مناطق العالم. وبالفعل أبدى رامسفيلد استعداده للاستقالة في أعقاب تفجر فضيحة تعذيب المعتقلين العراقيين في معتقل أبو غريب على أيدي القوات الأمريكية عام 2004 ولكن الرئيس الأمريكي جورج بوش أبدى تمسكا شديدا به. والآن عادت هذه الأصوات مرة أخرى ولكنها أشد خطورة للمطالبة برحيل رامسفيلد. وقد تناول الكاتب جيم لوب قضية رامسفيلد في مقال بصحيفة (آسيا تايمز) تحت عنوان (سقوط بوش سيؤدي إلى سقوط الصقور) قال فيه إنه برغم الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل احتواء هذه الموجة من الانتقادات الموجهة إلى الوزير الأمريكي فإنه من غير المنتظر احتواؤها قريبا.
والحقيقة أن النتيجة النهائية لهذه المعركة الدائرة في واشنطن وهي مؤكدة تقريبا سوف تؤثر تماما على السياسة الأمريكية في العديد من الملفات من إيران إلى الصين ومن العراق إلى كوريا الشمالية خلال ما تبقى من سنوات حكم الرئيس الأمريكي جورج بوش.
ورغم أن الدعوة غير المسبوقة من جانب ستة من كبار الجنرالات الأمريكيين المتقاعدين إلى إقالة رامسفيلد استندت إلى عجزه وأسلوب إدارته للعمل في وزارة الدفاع واستراتيجيته لغزو العراق فالحقيقة أن خروج رامسفيلد من الوزارة سوف يصيب معسكر المحافظين الجدد وصقور الحرب داخل الإدارة الأمريكية وخارجها بالعجز خلال السنوات المتبقية من حكم بوش. ولعل هذا يفسر لنا تلك الحملة القوية التي يقودها المحافظون الجدد من خارج الإدارة الأمريكية لدعم بقاء رامسفيلد وإقناع الرئيس بوش بأن تخليه عن وزير دفاعه في هذه المرحلة يشكل هزيمة شخصية له. وبالفعل فإن صفحة الرأي في صحيفة (وول ستريت جورنال) اليمينية الأمريكية التي يسيطر عليها المحافظون الجدد أبدت انزعاجا شديدا من فكرة استقالة رامسفيلد وتسعى إلى إقناع الرئيس بوش بأن الحملة الحالية لا تستهدف وزير دفاعه وإنما تستهدفه شخصيا.
***
نفوذ غير مسبوق
والحقيقة أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد وبفضل التعاون مع صديقه القديم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني تمتع بنفوذ غير مسبوق في عملية صناعة القرار للسياسة الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى سيطرته الواسعة على العمليات العسكرية خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل. وقد جاء الغزو الأمريكي للعراق رغم كل ما أحاط به من اعتراضات وعقبات ليؤكد قدرة رامسفيلد على فرض أجندته على الإدارة الأمريكية.
فالوثائق وشهادات الدوائر القريبة من صناعة القرار في إدارة الرئيس بوش أكدت أن رامسفيلد اقترح بعد ساعات قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد واشنطن ونيويورك ضرورة البدء بغزو العراق إلى جانب مهاجمة القاعدة. ويقول أحد مساعدي رامسفيلد إن الوزير الأمريكي قال في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة: (إن على الولايات المتحدة اجتياح كل خصومها سواء الذين لهم علاقة بالهجمات أو الذين ليس لهم علاقة بها). وكما هو الحال بالنسبة إلى نائب الرئيس ديك تشيني فإن رامسفيلد يتبنى مواقف شديدة الصرامة ضد إيران وسوريا والصين. كما يعمل على زيادة دور وزارة الدفاع على حساب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مواجهة الإرهاب والدول المناوئة لأمريكا. كما يسعى إلى زيادة دور وزارة الدفاع في تحديد سياسة المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى حلفائها على حساب وزارة الخارجية، وهو ما أثر على العلاقات الثنائية للولايات المتحدة مع أصدقائها وأعدائها على السواء. وبسبب الانتقادات التي وجهت إلى رامسفيلد من جانب القادة العسكريين ومن جانب مجلس الشيوخ الأمريكي أيضا فإن أي شخص سيتولى وزارة الدفاع خلفا له سوف يكون أقل تطرفا منه وأقل اقترابا من ديك تشيني. وهذا بالطبع سيحرم نائب الرئيس الأمريكي من حليف عملياتي وأيديولوجي شديد الأهمية كان يدعم نفوذه غير المسبوق في توجيه السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش.
***
مرشحون لخلافة رامسفيلد
ويمكن القول إن قائمة المرشحين المحتملين لخلافة رامسفيلد في وزارة الدفاع تضم دان كوتس السفير الأمريكي لدى ألمانيا ونائب وزير الخارجية السابق ريتشارد أرميتاج الذي يدعو إلى حوار مع إيران ويعد من (الواقعيين) بين صناع السياسة الأمريكية، وهناك
أيضا جون وارنر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي وجوزيف ليبرمان عضو مجلس الشيوخ والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية وهو من مؤيدي إسرائيل ويطالب بالمواجهة مع إيران بسبب ملفها النووي. وكانت الجولة الحالية من الهجوم على دونالد رامسفيلد قد بدأت الشهر الماضي عندما نشر الميجور جنرال الأمريكي المتقاعد بول إيتون الذي تولى مسؤولية تدريب القوات العراقية في السنة الأولى للاحتلال الأمريكي للعراق مقالا في صحيفة (نيويورك تايمز) وصف فيه رامسفيلد بأنه (عاجز استراتيجيا وتكتيكيا وعملياتيا).
وبعد نشر هذا المقال القنبلة نشر اللفيتنانت جنرال متقاعد أيضا جريجوري نيوبولد رئيس العمليات في هيئة الأركان المشتركة الأمريكية أثناء التخطيط لغزو العراق مقالا في مجلة تايم الأمريكية بدأه بانتقاد القيادة المدنية في وزارة الدفاع الأمريكية قبل غزو العراق ثم انتقد افتقاد الصقور الذين سيطروا على صناعة القرار في المؤسسة العسكرية الأمريكية أي خبرات قتالية.
وأضاف: رؤيتي الخالصة هي أن قرار إرسال قواتنا لخوض هذا القتال (في العراق) اتخذ بصورة احتيالية وعارضة من جانب مجموعة من الأشخاص لم يكن يجب السماح لهم لعمل ذلك على الإطلاق. كما ضمت قائمة القادة العسكريين المطالبين بإقالة رامسفليد الميجور جنرال جون باتيستا الذي قاد الفرقة الأولى مشاة من القوات الأمريكية بالعراق وعمل كبير المساعدين العسكريين لنائب وزير الدفاع السابق بول وولفويتز، وأيضا الميجور جنرال شارلز سواناك الذي قاد الفرقة 82 المحمولة جوا في العراق والميجور جنرال جون ريجز وكذلك الجنرال أنطوني زيني قائد القيادة المركزية الأمريكية سابقا والجنرال ويسلي كلارك قائد قوات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) سابقا الذي دعا إلى استقالة رامسفيلد منذ نحو عامين. في الوقت نفسه فإن كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة السابق الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية من قبل والكولونيل لورانس ويلكرسون اتهما رامسفيلد وتشيني بالإمساك (بالحبل) الذي يحيط بعملية صناعة القرار الرسمي بهدف توجيه السياسة الخارجية الأمريكية في اتجاه التطرف.
كما اتهما وزارة الدفاع بارتكاب (أخطاء خطيرة)، لكن باول وهو عسكري سابق لم يطالب رامسفيلد بالاستقالة.
***
دعم رئاسي لرامسفيلد
وفي مواجهة حملة الانتقادات الشرسة الموجهة إلى رامسفيلد أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش بيانات أكد فيها دعمه الكامل وتقديره العميق لوزير الدفاع. في الوقت نفسه أرسل البنتاجون مذكرة إلى مجموعة من القادة العسكريين السابقين والمحللين المدنيين الذين
يظهرون باستمرار في البرامج الحوارية التلفزيونية تتضمن ما يمكن قوله دفاعا عن رامسفيلد.
وتضم قائمة المدافعين عن رامسفيلد قائد الحرب الأمريكية ضد العراق الجنرال تومي فرانكس ورئيس هيئة الاركان المشتركة أثناء الحرب أيضا الجنرال ريتشارد مايرز. والحقيقة أن شهادة هذين الجنرالين لا تحظى بمصداقية كبيرة بسبب اتهام المعارضين لهما بالجبن أمام رغبات رامسفيلد وعدم التصدي لقراراته الخطأ. كما ظهر الرئيس الحالي لهيئة الأركان المشتركة الجنرال بيتر بيس ليدافع عن رامسفيلد متحدثا عن وطنيته ودأبه في العمل وأخلاقه العالية.
وهناك عدد آخر من الجنرالات الذين يستعدون للظهور في وسائل الإعلام الأمريكية للدفاع عن رامسفيلد. في المقابل هناك عدد آخر ظهر مهاجما لوزير الدفاع مثل الميجور جنرال دون شيبرك الذي قال إن وزارة الدفاع الأمريكية ارتكبت (بعض الأخطاء الخطيرة) في العراق.
في حين قال الجنرال المتقاعد جيمس ماركس إن القادة الميدانيين في العراق طالبوا بدعم قواتهم في توقيت حرج من الحرب، ولكن القيادة المدنية لوزارة الدفاع لم تسمع لهم.
وتقول صحيفة (وول ستريت) جورنال إن (سيطرة رامسفيلد على السياسة العسكرية الأمريكية أصبحت ضعيفة)، وأشارت إلى أشياء عديدة تدل على ذلك منها الاتجاه المتزايد لدى العديد من كبار الضباط الأمريكيين إلى تجاهل أو معارضة أولويات سياسة رامسفيلد بصورة علنية، ومنها الحد من التعاون العسكري مع الصين. وعلى سبيل المثال فإن رامسفيلد كرر الشهر الماضي اتهاماته لسوريا بتدريب وتسهيل عبور المسلحين الأجانب إلى العراق لمحاربة القوات الأمريكية وحلفائها. ولكن الجنرال جون أبو زيد قائد القيادة المركزية الأمريكية قال أمام الكونجرس إن دمشق تتعاون مع الجهود الأمريكية للسيطرة على الحدود السورية العراقية. والحقيقة أن تدهور شعبية ونفوذ رامسفيلد لم يقتصر على المؤسسة العسكرية وإنما امتد إلى الكونجرس حتى أن السيناتور وارنر المعروف بدعمه غير المحدود للإدارة الأمريكية وسياساتها رفض الدفاع عن رامسفيلد عندما طلب منه التعليق على الجدل الدائر حاليا بشأنه مكتفيا بالقول إن مصير رامسفيلد في يد الرئيس بوش.
***
مطالبة رامسفيلد بالرحيل
وفي معالجة ثانية لقضية رامسفيلد الذي أعاد إلى الأذهان ذكرى وزير الدفاع الأمريكي الذي ورط بلاده في حرب فيتنام في ستينيات القرن العشرين روبرت ماكنمارا نشرت صحيفة (آسيا تايمز) مقالا للمحلل الاستراتيجي إحسان أحراري الرئيس التنفيذي لمؤسسة (ستراتيجيك بارادجيم) للاستشارات العسكرية في ولاية فرجينيا الأمريكية تحت عنوان (لماذا يجب على رامسفيلد الرحيل؟).
ويبدأ أحراري إجابته على هذا السؤال بالقول إن هناك قاعدة تقول (الأمريكيون لا يحبون الخاسرين) فمدربو فرق كرة القدم والسلة والبيسبول يفقدون وظائفهم بمجرد خسارة الفرق التي يدربونها البطولة. ولا يذرف أي إنسان دمعة على رحيل هؤلاء الخاسرين.
الأمر نفسه ينطبق على الحقل السياسي. فالخاسرون لا يحظون في أمريكا بأي قدر من الاحترام. والآن فالولايات المتحدة تخسر الحرب في العراق. ولما كانت هذه الحرب هي حرب الرئيس جورج بوش فالمفروض أن يرحل أيضا عن البيت الأبيض وفقا للقاعدة الذهبية للأمريكيين. ولكن المشكلة أن الدستور الأمريكي لا توجد به مادة تسمح بإقالة رئيس الدولة لأنه خسر حربا. لذلك فإن الشعب الأمريكي سيتجه إلى الهدف التالي الذي يمكنهم معاقبته به على هذه الخسارة والمطالبة باستقالته وهو وزير الدفاع دونالد رامسفيلد باعتباره المهندس الأول لهذا الفشل العسكري الأمريكي في العراق. وهذا بالتحديد هو ما يطالب به جنرالات الجيش الأمريكي المتقاعدون. وقد انضم مؤخرا إلى قائمة الجنرالات المتمردين على رامسفيلد القائد السابق لقوات حلف الأطلنطي ومرشح الرئاسة الأمريكية بالحزب الديمقراطي ويسلي كلارك. وتتركز الاتهامات التي يواجهها العسكريون الأمريكيون السابقون إلى رامسفيلد في عدة نقاط، الأولى أنه لم يرسل الأعداد الكافية من القوات إلى العراق.
فقد بدأت الحرب في الوقت الذي كانت القوات الأمريكية ما زالت تخضع لعملية إصلاح شامل قادها رامسفيلد منذ وصوله إلى منصبه. وقد كان رامسفيلد مصرا على استغلال غزو العراق لإثبات صحة نظريته القائمة على أساس تشكيل قوة عسكرية ذات تسليح قوي وقدرة عالية على الحركة السريعة دون الحاجة إلى أعداد كبيرة من القوات. وكان في مقدمة هؤلاء الجنرال إريك شانسكي الذي قال أمام الكونجرس الأمريكي في فبراير 2003 وقبل نحو شهر من بدء عملية الغزو إن الأمريكيين يحتاجون إلى مئات الآلاف من الجنود حتى يمكنهم احتلال العراق والسيطرة عليه بعد الغزو، ولكن رامسفيلد سخر منه وسفه رأيه.
والحقيقة أن أصواتا عديدة أبدت قلقها تجاه هذه الفلسفة حتى قبل الغزو الأمريكي للعراق، وقال بعض القادة إن الولايات المتحدة تحتاج إلى نصف مليون جندي حتى يمكنها غزو واحتلال العراق. ولكن السرعة والسهولة النسبية التي استولت بها القوات الأمريكية على العاصمة العراقية بغداد في التاسع من إبريل عام 2003 أسكتت أغلب هذه الأصوات وبدا الرئيس بوش ووزير دفاعه رامسفيلد في أقوى موقف. ليس هذا فحسب بل إن رامسفيلد أصدر أمرا بإلغاء نشر الفرقة الأولى مدرعات في العراق التي كان مقررا مشاركتها في المراحل الأولى للاحتلال بعد أن تصور أن القوات المشاركة في الغزو تؤدي الغرض تماما.
ولم تمر سوى أسابيع قليلة حتى أدرك الأمريكيون أن الغزو شيء والاحتلال وتحقيق السيطرة والاستقرار شيء آخر. كما أدركوا أن القوة العسكرية خفيفة الحركة ذات التسليح العالي تستطيع بالفعل حسم المعارك الكبيرة في مواجهة قوات نظامية أقل منها تسليحا وتدريبا كما هو الحال بالنسبة للجيش العراقي السابق ولكنها لن تكون قادرة على حفظ السلام والاستقرار بعد انتهاء المعارك.
***
سلسلة من الأخطاء
كما يتهم الجنرالات المعارضون رامسفيلد بالمسؤولية عن سلسلة من الأخطاء والقرارات التي ضاعفت من تدهور الموقف العسكري بالعراق ومنها قرار حل الجيش العراقي السابق الأمر الذي وضع عشرات الآلاف من العسكريين العراقيين أصحاب الخبرات القتالية العالية من خلال مشاركتهم في أكثر من ثلاث حروب في عهد صدام حسين تحت تصرف جماعات المقاومة العراقية. وكان رامسفيلد قد فقد جزءا كبيرا من شعبيته بين العسكريين في الجيش الأمريكي عندما رفض تكريم الجنرال شانسكي عند تقاعده بسبب الخلاف بينهما بشأن حجم القوات اللازمة لغزو واحتلال العراق. فقد أدرك جنرالات الجيش الأمريكي أن رامسفيلد لا يقبل سوى بالموافقة على ما يقول ودعمه وإلا فإنه لن يتردد في معاقبة ما يفعل غير ذلك.
ومما لا شك فيه أن رامسفيلد أساء تقدير عمق مشاعر السخط والاستياء التي فجرها الغزو الأمريكي للعراق سواء بين العراقيين أو بين الشعوب العربية والإسلامية.
وقد ظل لشهور عديدة هو وقائده الميداني تومي فرانكس يسخران من المقاومة العراقية المسلحة ويقللان من أهميتها بدعوى أنها مجرد (حلاوة روح) من جانب بقايا نظام البعث وأنصار صدام حسين. وكما ذكرنا فإن قرار رامسفيلد حل الجيش العراقي السابق من بين القضايا التي أثارت جدلا واسعا داخل الدوائر الأمريكية.
فقد أعلن الحاكم العسكري الأمريكي للعراق سابقا بول بريمر أنه حصل على موافقة وزير الدفاع على قرار حل الجيش العراقي بعد الغزو. ووفقا
لحديث الجنرال بيتر بيس الذي يرأس حاليا هيئة الأركان المشتركة الأمريكية أمام مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن عام 2004 فإن رامسفيلد لم يتشاور مع هيئة الأركان المشتركة قبل إعطاء موافقته على خطة تسريح الجيش العراقي.
***
أم الفضائح
وكانت (أم الفضائح) أو الخطايا بالنسبة لوزير الدفاع الأمريكي فضيحة تعذيب الأسرى في سجن أبو غريب بالعراق التي شكلت أسوأ فضيحة سياسية وأخلاقية للولايات المتحدة منذ أكثر من نصف قرن. وسوف يذكر المؤرخون أن هذه الفضيحة هي أشد لحظات الاحتلال الأمريكي للعراق سوادا. والحقيقة أن صورة الولايات المتحدة كمناصر لحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم التي كانت الإدارة الأمريكية تروج لها قد تضررت بشدة بسبب هذه الفضيحة. ليس هذا فحسب بل إن هذه الفضيحة أضرت بالقوات الأمريكية الموجودة في العراق بسبب مشاعر الكراهية التي تولدت لدى أعداد كبيرة من العراقيين فتحولوا إلى أرقام مهمة في معادلة المقاومة المسلحة للوجود الأمريكي بالعراق. وهناك أيضا انتقادات لأسلوب رامسفيلد في التعامل مع كبار القادة العسكريين في الجيش الأمريكي. ويرى العديد من القادة المتقاعدين أن رامسفيلد يتعامل معهم بغطرسة زائدة وعدم احترام أحيانا وبخاصة عند حدوث اختلاف بينهم في وجهات النظر. ويقول الجنرال نيوبولد إن (ثمن استمرار رامسفيلد في القيادة هو استمرار نزيف الدماء الأمريكية) في العراق وغير العراق.
وبالقطع فمجرد اتهام شخص ما بالغطرسة ليس سبابا كافيا لمطالبته بالاستقالة.
ولكن انتقاد أسلوب قيادة رامسفيلد مسألة مختلفة ولا يمكن اعتباره مجرد حنق مرؤوس على رئيسه. فهذه الانتقادات جاءت من جانب قادة لهم سمعتهم المهنية كعسكريين رفيعي المستوى. والثاني أن هذه الانتقادات تتردد كثيرا وهو ما يعطيها قدرا كبيرا من المصداقية.
ومن المنتظر أن تشهد الأسابيع والشهور المقبلة انضمام المزيد من الجنرالات المتقاعدين وربما أيضا العاملون في الخدمة إلى الجوقة التي تنتقد ليس فقط أسلوب قيادة رامسفيلد لوزارة الدفاع وإنما أيضا جوهر هذه القيادة من الأساس.
***
فوضى العراق
وهناك سبب آخر مهم يفسر لنا ذلك الشعور بخيبة الأمل والاحباط الذي أصاب عددا كبيرا من كبار القادة الأمريكيين. فالارتباك الذي سببته الفوضى التي ضربت العراق بعد الغزو الأمريكي لم يصب فقط القادة العسكريين وإنما أيضا القيادة المدنية لوزارة الدفاع الأمريكية.
وقد أخذ القادة المدنيون الأمريكيون ما قاله خبراء عراقيون يعيشون في أمريكا لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه في ذلك الوقت بول وولفويتز إن الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين لن تكون أكثر من نزهة بالنسبة للقوات الأمريكية.
وهؤلاء الخبراء إما أنهم خضعوا لروح القطيع، وقالوا ما كان رامسفيلد ورفاقه يريدون سماعه عن الحرب المنتظرة أو أنهم كانوا جاهلين بحقيقة الأوضاع في العراق. فهؤلاء الخبراء والمعارضون العراقيون كانوا قد انتقلوا إلى الحياة في الغرب منذ سنوات طويلة وفقدوا اتصالهم بالحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في العراق. وهناك سبب آخر وراء المشكلات التي غاصت فيها إدارة الرئيس بوش عندما غزت العراق وهو أنها كانت المرة الأولى التي تغزو فيها الولايات المتحدة دولة مسلمة. فالحرب التي شنتها أمريكا ضد أفغانستان عام 2001 كانت تعتبر انتقاما من حكم طالبان الذي كان يؤوي تنظيم القاعدة المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبالتالي فإن تلك الحرب كانت مبررة بصورة أو بأخرى حتى من وجهة نظر بعض المسلمين. ولكن الأمر يختلف تماما بالنسبة للعراق.
فالعراق حتى تلك اللحظة التي سبقت الغزو لم يعتد على الولايات المتحدة وبالتالي الأخيرة هي التي تحولت إلى معتدية عندما غزت الأراضي العراقية. كما أن الحرب على العراق كانت اختيارية ولم تكن مفروضة. علاوة على ذلك فإنها كانت انتهاكا للكثير من قواعد القانون الدولي. فحقيقة أن نظام الحكم في العراق كان ديكتاتوريا ومستبدا ليس سببا كافيا لغزو البلاد وتفكيك حكومتها خاصة أن إدارة الرئيس بوش فشلت في الحصول على دعم الأمم المتحدة لقرار الغزو. ولم يتسامح المجتمع الدولي حتى الآن مع الولايات المتحدة لأنها تجاهلته وتجاهلت المنظمة الدولية والقوانين وسارت في طريق الغزو بغطرسة مثيرة للاشمئزاز.
ولكن وفي التحليل النهائي يظل السؤال: من المسؤول الأول عما حدث بالعراق وهل هو الرئيس بوش أم وزير دفاعه دونالد رامسفيلد؟ إذا اعتبرنا أن ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان قبل نحو خمسين عاما صحيحا وهو أن (كل الحشرات تتوقف هنا)، مشيرا إلى مكتبه، أي أن الرئيس يتحمل أي أخطاء تقع فيها إدارته فإن رامسفيلد لن يكون المتهم والمسؤول الأول عن كارثة العراق وأن المسؤولية تقع بالكامل على الرئيس بوش باعتباره الوحيد الذي يوقع على أمر شن الحرب.
وأخيرا يمكن القول إنه بعد نحو خمس سنوات من المعارك والحروب الخارجية التي بدأت في افغانستان ثم العراق أصبح على دونالد رامسفيلد أن يخوض معركته الشخصية وربما الأخيرة ولكن في واشنطن هذه المرة إذا كان يريد البقاء في منصبه حتى نهاية فترة حكم الرئيس بوش عام 2008 .
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|