|
أدب الخلاف
|
ليقل كل منا ما يريد أن يقول..
ممهوراً ومشروطاً بما يكتبه أو يتحدث عنه بأدب الخلاف..
وله أن يعبر بحرية تامة عن وجهات نظره في جميع القضايا الساخنة..
دون خوف أو وجل..
طالما أن المرء يكتب أو يتحدث بما يمليه عليه ضميره ومحبته للخير.
***
ولا داعي للغموض أو الرمزية..
هروباً من المسؤولية، أو خوفاً من تداعياتها..
ما دمنا على قناعة بأنه لا خير في الإنسان إن لم يتحدث بوضوح عن قناعاته..
ومن أن أي إنسان ملتزم بألا يغرد خارج سرب المصلحة العامة.
***
لا يهم إن لم يخرج الإنسان سالماً من نقد غير موضوعي قد يوجه إليه من هذا أو ذاك..
طالما كانت البصمة في وجهة نظره مفيدة ومؤثرة وتصب في المصلحة العامة..
وبخاصة حين يتكئ في كلامه على اعتماد المصداقية أساساً في التعبير عن وجهة نظره بشأن هذه القضية أو تلك.
***
هناك تصادم ورفض لكثير مما ينشر في الصحف المحلية من مواضيع..
بعضها معقول، وفي مستوى الحوار، والبعض الآخر دون المستوى، وليس جديراً بالحوار..
ومثل هذا الموقف يجب ألا يثني الكاتب عن عزمه وإصراره على المشاركة في بناء مستقبلنا السعيد بما لديه من آراء..
فهناك قضايا مهمة يفترض أنها تدغدغ مشاعرنا، وتنسجم مع ما يحرك هواجسنا من أسباب مُحفّزة لها..
وبالتالي كأنها تقول لنا: يجب أن نبقى كما نريد لا كما يريد غيرنا أن نكون عليه.
***
وفي ظل هذه الأجواء..
وبحسب ما نراه..
ونعايشه..
ونتلاقى معه..
ومن خلال تعاملنا مع الغير..
فإن المطلوب منا الآن ومستقبلاً: حوار عاقل ومتزن وموضوعي وهادف، وهو ما لا يقدر عليه إلا الأسوياء..
وعلينا أن نكون في مستوى التحدي لقبول الرأي الآخر، حتى لا يقال عنّا بأننا غير أسوياء، ونحن بالتأكيد لسنا كذلك.
خالد المالك
|
|
|
شكوك من الأمريكيين وتهديدات من المقاومة المترجمون العراقيون بين نارين!
|
* إعداد - أشرف البربري
بعيداً عن كل الجدل والمناقشات التي تتحدث عن الاحتلال الأمريكي للعراق والعقبات التي تحول دون تشكيل حكومة عراقية جديدة رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على إجراء الانتخابات، فإن هناك ملفاً يبدو بسيطاً، لكنه بالفعل ملف ذو شجون. هذا الملف هو ملف المترجمين العراقيين الذين اختاروا أو اضطروا إلى العمل مع القوات الأمريكية في العراق.
تناولت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) هذا الملف في تحقيق صحفي من العراق حمل عنواناً يقول: (المترجمون محل شك الجميع). وبدأت الصحيفة تحقيقها بالحديث عن مترجم عراقي كردي اختار لنفسه اسماً كودياً هو (روجر) الذي اشتهر في هذه القاعدة العسكرية الأمريكية، وهو اسم مقتبس من اللغة الإذاعية الغربية التي كانت تستخدم في أفلام الحرب الأمريكية القديمة والتي كان يشاهدها من أجل تعلم اللغة الإنجليزية. وقد كان يدرك أنه لو كشف عن هويته فسوف يقتل على الفور. ولكي يضمن حماية أفراد عائلته لم يكن يزورها سوى مرة واحدة كل عام على الرغم من أنها تعيش على بعد دقائق قليلة من مكان إقامته.
ويعتقد أصدقاؤه أنه يعمل لدى إحدى قنوات التلفزيون الأجنبية خارج العراق. والحقيقة أن روجر لا يبالغ في مخاوفه بشأن سلامته الشخصية وسلامة عائلته؛ فالرجل يعمل مترجماً لدى القوات الأمريكية في العراق. وفي مدينة الموصل فقط قتل ما بين 50 و60 مترجماً منذ الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003م.
والمفارقة أن هؤلاء المترجمين يعانون من التشكيك المستمر في مواقفهم من الجانبين، سواء من الأمريكيين أو من جماعات المقاومة العراقية؛ فالعراقيون ينظرون إليهم باعتبارهم خونة، والأمريكيون ينظرون إليهم باعتبارهم عملاء مزدوجين محتملين؛ حيث يشكون باستمرار في احتمال تجنيد الجماعات العراقية المسلحة مثل هؤلاء المترجمين الذين يرافقون القوات الأمريكية.
***
موقف خطير
يقول روجر: (إذا نظرت إلى موقفنا ستجد أنه خطير جداً وينطوي على مغامرة مروعة؛ ففي خارج السياج المحيط بالقاعدة العسكرية الأمريكية ينظر إلينا الجميع باعتبارنا خونة لوطننا وديننا. وداخل القاعدة ينظر إلينا الأمريكيون باعتبارنا إرهابيين محتملين).
وبسبب الخوف من إمكانية تعاون المترجمين، وأغلبهم عراقيون، مع المقاومة العراقية والجماعات المسلحة الأخرى، بدأ الجيش الأمريكي فرض قيود صارمة على حرية حركة المترجمين داخل القواعد العسكرية الأمريكية منذ بداية العام الحالي؛ فهم يعيشون داخل هذه القواعد كأنهم جنود ولكنهم محرومون من الكثير من المزايا التي يحصل عليها الجنود الأمريكيون والتي تجعل حياة القاعدة العسكرية محتملة بالنسبة لهم؛ فلا يمكن للمترجم الذي يعيش في قاعدة أمريكية استخدام الهاتف المحمول ولا البريد الإلكتروني ولا مشاهدة قنوات تلفزيون فضائية ولا استخدام كمبيوتر ولا ألعاب الفيديو ولا حتى استخدام حمامات السباحة في تلك القواعد.
تقول إحدى المترجمات التي اكتفت بإطلاق اسم فيفيان على نفسها وهي شابة كردية تبلغ من العمر 20 عاماً: (إن هذا يعطيك إحساساً بأنك غير موثوق بك. وهو أمر غير مريح بكل تأكيد على الرغم من أن بعض المخاوف الأمريكية من تجنيد المقاومة العراقية لبعض المترجمين تبدو مبالغاً فيها بالفعل).
وبالفعل فإن الأمريكيين اعتقلوا أحد المترجمين لدى إحدى الكتائب الأمريكية بتهمة التجسس لصالح المقاومة العراقية، كما تم ضبط مترجم آخر كان يعمل منسقاً مع فرق إطلاق قذائف المورتر ضد الأمريكيين. يقول السيرجنت بول فولينو من قيادة أركان القوات الأمريكية في مدينة إيست ليفربول في ولاية أوهايو الأمريكية: (هؤلاء المترجمون أجبروا على القيام بما قاموا به، ولكننا خسرنا أيضاً؛ لأننا فقدناهم كمترجمين كنا نحتاج إليهم). وأضاف: (دائماً تشعر بالخوف من قيامهم بتسريب معلومات عن العمليات العسكرية السرية إلى الأعداء. بالطبع أنت تريد الوثوق بهم ولكن تظل لديك تحفظاتك عليهم. ورغم أنه قد يكون من السهل تبرير حرمانهم من استخدام الهواتف المحمولة فإنه من الصعب تبرير فرض العديد من القيود على المترجمين).
يقول السيرجنت ماتيو شيبمان من ولاية إلينوي الأمريكية والذي كان يتولى مسؤولية المترجمين في اللواء 71 المقاتل في العراق الذي كان يتمركز في مدينة الموصل العراقية: (إن كل هذه القيود ليس لها أي منطق؛ فهل سيرسلون معلومات سرية إلى المتمردين من خلال الأجهزة الرياضية في النادي الصحي في القاعدة أو عند سباحتهم في حمام السباحة؟!).
والحقيقة أن مثل هذه القواعد والقيود التي يفرضها الأمريكيون على المترجمين العراقيين تكشف بوضوح أسباب فشل الجهود الأمريكية، منذ احتلال العراق، في كسب قلوب العراقيين وعقولهم؛ لأنها ببساطة تجعل هؤلاء العراقيين يشعرون بأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم.
وفي الوقت نفسه فإن هذه المعاملة الأمريكية السيئة المشوبة بالشك الدائم لا تقتصر على المترجمين فقط؛ ففي إحدى القواعد الجوية الأمريكية في مدينة الموصل يسمح للمرتزقة الأمريكيين الذين يعملون بعقود مع القوات الأمريكية وللجنود والصحفيين الغربيين بالنوم على أسرة في القاعدة والتجول فيها بحرية كاملة أثناء انتظار إقلاع الطائرات التي سيركبونها، في حين أن الجنود العراقيين الذين يسافرون على طائرات أمريكية من هذه القاعدة ينامون على الصخور والتراب في ساحة محاطة بسياج من الأسلاك ويحرسها جنود أمريكيون.
يقول السيرجنت شيبمان: (إن المترجمين وكل العراقيين الذين يعملون مع القوات الأمريكية يعاملون بطريقة سيئة من جانب الأمريكيين باستثناء هؤلاء الذين يعملون معهم بشكل مباشر). ويضيف أن كتيبته في العراق تعاني من عجز شديد في المترجمين، بل إن بعض المترجمين يشعرون بالأسى بسبب لجوء القوات الأمريكية إلى الاستعانة بمترجمين ذوي كفاءة منخفضة جدا بسبب هذا العجز.
يقول عراقي كردي من مدينة دهوك شمال العراق ويعمل موسيقياً: في البداية كان من الصعب على العراقيين الحصول على وظيفة مترجم لدى القوات الأمريكية بسبب المعايير المرتفعة التي كانت تفرضها القوات الأمريكية، أما الآن فإن الكثير من المترجمين لا يعرفون اللغة الإنجليزية. في الواقع يجب النظر إلى المترجمين باعتبارهم الوجه الشعبي المعلن للاحتلال الأمريكي في العراق بصور عديدة؛ لذلك يجب أن يجيدوا اللغة الإنجليزية حتى يمكنهم نقل الرسائل بصورة صحيحة؛ فالمترجم روجر هو الذي يتحدث إلى عشرات العراقيين الذين يتعامل معهم الجنود الأمريكيون بصورة يومية وليس قائد الكتيبة الأمريكي التي يعمل في ها روجر؛ ففي إحدى الدوريات العسكرية خلال الفترة الأخيرة في مدينة الموصل شعرت أم عراقية وابنتها بخوف هائل وانكمشتا معا في أحد أركان المنزل عندما شاهدتا الجنود الأمريكيين في الفناء الأمامي لمنزلهما.
وكان الأمريكيون على وشك خسارة معركة أخرى لكسب قلوب العراقيين وعقولهم، ولكن المترجم روجر قفز سريعاً نحو العراقيتين لتهدئة مخاوفهما، وكانت خطوته في صالح الأمريكيين؛ فقد سألهما: (لماذا أنتما خائفتان؟ فالأمريكيون لن يؤذوكما وهم هنا لمساعدتكما؛ فالذين يجب أن تخافا منهم هم الإرهابيون وليس الأمريكيين).
ويحصل المترجم الذي يعمل مع القوات الأمريكية المقاتلة في العراق على أجر شهري يبلغ 1500 دولار وهو أجر مرتفع في العراق بالمعايير الحالية ولكنه أقل من ثلث الأجر الذي تدفعه وسائل الإعلام الغربية في العراق للمترجمين. والعديد من المترجمين الذين يعملون لدى القوات الأمريكية يفعلون ذلك لإيمانهم بالمهمة التي يسعى الأمريكيون إلى تحقيقها؛ فهؤلاء المترجمون في الحقيقة من أقوى مؤيدي الوجود العسكري الأمريكي في العراق، ولكن أغلبهم أيضاً يأمل في الحصول على الجنسية الأمريكية نظير خدمتهم المخلصة في صفوف القوات الأمريكية؛ فهم يرتدون نفس ملابس القتال التي يرتديها الجنود الأمريكيون باستثناء القناع الذي يرتديه المترجم حتى يخفي هويته عن العراقيين؛ خوفاً من قتله بعد ذلك على أيدي عناصر المقاومة، كما أن المترجمين يرافقون الجنود الأمريكيين في أيّ مكان يذهبون إليه ويتعرضون لنفس المخاطر التي يتعرض لها الجنود.
يقول المترجم روجر إنه يتمنى أن يأتي اليوم الذي يعترف فيه الجيش الأمريكي بفضل المترجمين الذين يعملون فيه ويسمح لهم بالذهاب إلى الولايات المتحدة والحصول على جنسيتها، مشيراً إلى أنه كان من أوائل من رحب بقدوم القوات الأمريكية عندما دخلت الموصل عام 2003م.
وعلى عكس الجنود الأمريكيين الذين يخدمون في العراق لمدة 12 شهراً ثم يعودون إلى الولايات المتحدة فإن العديد من المترجمين يخدمون فترات متوالية ويذهبون إلى عائلاتهم أياماً قليلة جداً كل عدة أشهر. وعلى مدى أكثر من 82 شهراً من خدمته في الجيش الأمريكي ومشاركته في الدوريات العسكرية تعرض روجر لحوادث السيارات المفخخة والهجمات الصاروخية والاشتباكات المسلحة بما يعجز عن حصره. ويقول: (لا أستطيع حتى أن أعصر عقلي لكي أفكر في هذه الحوادث.. والآن أكتفي بالضحك كلما تم تفجير عبوة ناسفة، ولكنني لم أعد أسمع جيداً بأذني اليمنى).
أما المترجمة التي أطلقت على نفسها فيفيان فتعمل لدى الجيش الأمريكي منذ ثلاث سنوات وتعيش في ثكنة تؤوي شخصين محاطة بالجنود الأمريكيين وهو نمط حياة يبدو غير تقليدي بالنسبة لشابة عراقية نشأت في إحدى المناطق الريفية في كردستان العراق. وتقول فيفيان: (والداي لم يعودا ينظران إليّ باعتباري ابنة؛ فهما ينظران إلي باعتباري جندياً؛ فأنا أمضي أيامي مرتدية الملابس العسكرية وأقوم بكل ما يقوم به الجنود الأمريكيون).
وعلى الرغم من كل محاولات المترجمين العراقيين المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي إثبات ولائهم لأمريكا يظل هناك سؤال يطاردهم باستمرار: هل يتخلى الأمريكيون عنهم عندما يحين موعد الرحيل ليواجهوا مصيرهم في مجتمع ينظر إليهم غالباً باعتبارهم خونة؟
تجارب التاريخ تقول إن الأمريكيين لن يحرصوا كثيراً على هؤلاء المترجمين وسوف يتركونهم كما تركوا أنصارهم في فيتنام قبل أكثر من ثلاثين عاماً وكما ترك الإسرائيليون عناصر جيش لبنان الجنوبي قبل ست سنوات.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|