|
الطريق إلى الاستقرار؟!
|
تخطئ إسرائيل كثيراً إنْ هي استمرت على صلفها وغرورها وعنادها في عدم القبول بحل عادل لصراعها الطويل مع العرب، معتمدةً على الدعم الأمريكي السخي لمواقفها دون أنْ تُفكرَ بأن المستقبل وموازين القوى قد لا يكون في صالحها.
ولعلَّها تأخذ الدروس والعبر من مشاهد المقاومة في كل من فلسطين ولبنان التي لم تسجل انتصاراً عسكرياً حقيقياً لإسرائيل، برغم فارق الإمكانات بين دولة بوليسية هي الأولى من حيث امتلاكها لترسانة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة ومنظمات محدودة الإمكانات في كل شيء.
***
وإذا كان مجلس الأمن، وكل المؤسسات الدولية تتعامى عن قراءة حقيقة الصراع الدامي وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بسبب عدم استجابة إسرائيل للقبول بقرارات الشرعية الدولية ورفضها لكل المبادرات والخطط التي ترمي لإحلال السلام في المنطقة، فإن تطور الصراع يوحي بتوسيع رقعته وإشراك أطراف أخرى، بما يشكل خطراً ليس على أمن المنطقة فقط، وإنما على الاستقرار والسلام في العالم.
إن قراءة تاريخية منصفة للصراع العربي الإسرائيلي وما خلَّفه من استمرار إسرائيل في استمرار العدوان على الدول العربية وشعوبها واحتلال أراضيها اعتماداً على تفوقها العسكري ودعم الولايات المتحدة الأمريكية لها بالمال والسلاح واستخدام موقعها في مجلس الأمن في رفض أي قرار يدين إسرائيل، إنما يشكل المزيد من الضحايا الأبرياء والدمار الشامل لدول المنطقة دون أن يعطي إسرائيل نصراً أبدياً بما تدعيه أو تسعى إليه.
***
وما لم تُحل القضية الفلسطينية بإقامة دولة للفلسطينيين عاصمتها القدس ويعود الفلسطينيون المُهَجَّرُونَ إلى ديارهم ضمن تسوية شاملة تضمن حدوداً آمنة للجميع، فإن الخاسر الأكبر في المستقبل ستكون إسرائيل، لأنه ما مِن أحدٍ من الفلسطينيين يفرط بحقه في دولة آمنة يعيش فيها من غير هذا التنكيل والتعذيب والزج في السجون بالأحرار من الفلسطينيين.
وهذا يقتضي من الدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس ضغوطها على إسرائيل لإجبارها على الاستجابة للمبادرات البناءة والعادلة التي تضع حداً لهذا القتال الدامي والمستمر بين إسرائيل وجيرانها من العرب، بما في ذلك التوقف عن دعمهما ومساندتها إنْ هي لم تستجبْ لقرارات الشرعية الدولية.
***
إننا أمام فرصة تاريخية الآن للخروج من هذه المأساة، وإلى التفكير في توفير الاستقرار لشعوب هذه المنطقة، واستخدام الإمكانات المتاحة في توفير الرخاء والعيش الكريم للجميع ودون استثناء لأحد، بديلاً لهذه الحروب التي أكلت وتأكل الأخضر واليابس ولا تبقي شيئاً مفيداً لأحد.
وعلى شعب إسرائيل (في هذه الفرصة التاريخية) أن يكبح جماح هذه النزعة العدوانية لدى قادته وزعمائه، إن هو أراد الاستقرار الدائم والشامل، وإلا فإنه سيظل يعيش هاجساً من الخوف والشعور بعدم الاستقرار، وعدم الاطمئنان على مستقبله، مثلما هو عليه منذ عام 1948م وحتى الآن، على أن الرقم الصعب الذي بدونه لا استقرار لإسرائيل أو سلاماً يتمتع به شعبها، هو في استمرارها احتلال الأراضي العربية وبعدم القبول بدولةٍ للفلسطينيين حدودها آمنة وعاصمتها القدس الشريف.
خالد المالك
|
|
|
كوميديو السينما الصامتة والناطقة الأولى: لماذا أشهرهم هم أفضلهم؟
|
* هوليوود - محمد رضا:
يسير تشارلو العاطل عن العمل في أحد الشوارع الفقيرة، تمر به شاحنة حاملة علماً للتحذير (الأحمر عادة) في مؤخرتها، وعندما يقع العلم على الأرض ينتبه تشارلو ويحمل العلم ويبدأ بالتلويح به لعله يلفت نظر السائق في الوقت الذي تتقدم وراءه مظاهرة عُمّالية غاضبة، بذلك يبدو تشارلو كما لو كان زعيم المظاهرة بينما هو في مقدّمتها الآن بالصدفة ملوّحاً بالعلم (لاحظ دلالة لونه المفترض) ومتقدّما المتظاهرين. يصل البوليس ليفرّق التظاهرة ورئيسها حامل العلم، يلقي القبض عليه ويوضع في الزنزانة، يركب باستر الدراجة وراء صديقه الذي يقع من فوقها عنها بعد قليل. غطاء يغلف عينا كيتون وهو يحاول أن يقود الدراجة المتسارعة في شوارع المدينة، تمر في مآزق متتابعة وينجو منها. وفي أحد المرّات نجده قد جلس وظهره إلى المقود، يحاول كيتون كبح جماح الدراجة من دون فائدة، هي الآن تتقدم من يمين الشاشة إلى ضفّة عالية، على الجانب الآخر الضفّة الأخرى وبينهما شارع مزدحم بالسيارات، إذا لم ينجح كيتون بإيقاف تلك الدراجة سيقع، لم ينجح، لكن في اللحظة التي وصلت فيها الدراجة إلى حافة الضفة الأولى تمر حافلة ركاب باتجاه أعلى الشاشة وحين تسير الدراجة على سطح الحافلة بالعرض وقبل أن تقع في منتصف الطريق تمر حافلة أخرى قادمة من الاتجاه المعاكس، الدراجة تنتقل من ظهر حافلة إلى ظهر الحافلة الأخرى إلى الضفة الثانية من المكان من دون سوء.
جدال مستمر
كل هذه المشاهد تمر على المتفرج بروح كوميدية خفيفة الظل طالما استمرت في إضحاك الناس، والحقيقة أن الجدل سيبقى قائماً بين هواة ومحترفي بل ومؤرخي السينما على حد سواء حول من يستحق المركز الأول بين كوميدييها في التاريخ، ونستطيع أن نقرّب المسافات قليلاً بين الفرقاء وتضيق هوّة الخلاف بعض الشيء عبر التذكير بأن فناني كوميديا السينما العربية والهندية والآسيوية الأخرى، ولا حتى معظم الأوروبية ولا كوميديي القارة اللاتينية أو الإفريقية أو حتى شبه القارة الأسترالية، ليسوا مدعوين لمثل هذه المسابقة. عربياً، نعم هناك كوميديون أفضل من آخرين، وهم غالباً كذلك لأنهم ينتمون إلى سينما قديمة كانت تتعب على السيناريو وتتعب على الإخراج وعلى نواحي الإنتاج. طبعاً كانت تنتج أفلام إسماعيل يس رغم ذلك لكنها أنتجت أفلام نجيب الريحاني من دون أن ننسى إسهامات الكوميديين الذين لعبوا، غالباً، أدواراً مساندة وبرعوا فيها مثل عبد الفتاح القصري وعبد السلام النابلسي وماري منيب.
بعض الكوميديين العرب أصبحوا اليوم في وضع كلاسيكي، ويندرج تحت هذا المسمى كثير من الفنانين مثل دريد لحّام وعادل إمام، لكن معظم الكوميديين الحاليين يفتقدون إلى الهوية الخاصة والإيمان بالرسالة المتوخاة ويسعون لمنافسة بعضهم البعض في موسم الصيف، والأكثر من ذلك أن أفلامهم ليست في صدد الفن ولا بصدد الرسالة، وبالتالي، تستطيع وأنت مرتاح البال أن تعرف أن نجاحاتهم الشعبية ما هي إلا زوبعة في فنجان.
اسمان فقط
كفى إذاً الحديث عن الكوميديا العربية قبل أن ينقلب الحديث فيها إلى تراجيديا. فالسؤال المطروح دوماً والمثير للنقاش هو: من يستحق أن يتربّع على قمة الكوميديا العالمية؟. ويؤدي السؤال إلى اسمين فقط: تشارلي تشابلن وباستر كيتون.
إن المشهد الأول المذكور في مقدّمة هذا الموضوع هو لتشارلي تشابلن في فيلمه (أزمنة معاصرة) (إنتاج عام 1963)، أما المشهد الثاني فهو لباستر كيتون من فيلمه (سبعة حظوظ) (من إنتاج عام 1962)، وكل مشهد من هذه المشاهد يعبّر عن شخصية الكوميدي أفضل تعبير، فالنجم تشارلي تشابلن عرف قيمة مزج الشخصية بالمجتمع والحاجة الخاصة بالعامة، والمسألة التي تدهم شخصية تشارلو بالملاحظات حول البيئة التي يعيش فيها وكثيراً الألم الذي يعض الأنياب تبعاً للفقر والجوع أو لظلم الناس على الناس، تشابلن سُمي بعبقري الكوميديا وفي العشرينات من القرن الماضي كان يعتبر أشهر نجم عالمي، وفيلمه (الأزمنة المعاصرة) حققه صامتاً بعدما انتقلت السينما العالمية - بالكامل - إلى النطق. أما المشهد المُختار فيه فيوضح بشكل صريح موقفاً سياسياً لاحقه حتى كاد أن يسجنه في زنزانات السيناتور ماكارثي في مطلع الخمسينات لولا هروبه من أمريكا إلى بريطانيا ومنها إلى سويسرا.
أما باستر كيتون فربما كان الكوميدي الأصفى، حيث لم تشغله المسائل الاجتماعية تحديداً، لكنه استعاض عنها بصياغته الفنية النيّرة لما يقوم بتمثيله. أخرج كيتون، مثل تشابلن، معظم أفلامه، لكنه حرص على أن يجيد في إخراجها مصمماً الحركات ومنفّذاً الفيلم على وجه صحيح وخاص، ويمكن القول إنه لم ينجح أحد فيما نجح فيه على هذا الصعيد، ليس لأنه كان أفضل مخرج متوفر في السينما الأمريكية في العقد الثاني من القرن الماضي، بل لأنه صاغ نفسه وقدراته وشخصيته كجزء من المعالجة العامة وعلى نحو أفضل مما فعل تشابلن في العديد من أفلامه.
المشهد المذكور أعلاه له يعتمد على عنصرين: واقعية المشهد الطويل، حيث لا ممثل مخاطر بديل له وحيث المآزق التي تقع على طول الطريق والمشهد الصعب والموقوت بإتقان حين يستخدم باستر ظهري الحافلتين كجسر يربطه بالضّفة الأخرى. وكل هذه أمور واقعية لا رتوش فيها ولا مؤثرات أو خدع. أما اليوم فلإكمال مثل هذا المشهد يجلس مصممو الخدع السينمائية وراء الكومبيوتر ويكبسون تلك الأزرار الكثيرة على أجهزتهم ثم يخرجون بنتيجة لن تتساوى والنتيجة السابقة لا إبداعاً ولا قيمة.
إذاً: تشابلن الاجتماعي أو كيتون الفني؟ يتوقف ذلك على المرء واختياره بين سينما للرسالة وسينما للكوميديا، فبين كوميديا تؤدي رسالة أخرى لجانب الضحك، أو كوميديا تحرص على تقديم الكوميديا صافية من دون إضافات من دون أن يعني ذلك أنها خاوية من القيمة.
المحكمة المفتوحة
في النهاية، تشابلن هو الذي ساد، وعيه الاجتماعي تنامى إلى درجة طاغية في (أزمنة معاصرة) وموقفه السياسي كان رائعاً في فيلم (الدكتاتور العظيم) وذلك قبل أن يخسر إعجاب النقاد (أو قسم كبير منهم) حين وصل الأمر إلى عمليه الأخيرين بعد ذلك (ملك في هوليوود) (1975) وخصوصاً (كونتيسة من هونغ كونغ) (1976)، لكن إذا أخذت أفلام كيتون الروائية بدءاً من (المصوّر) و (أذهب غرباً) و (القارب) إلى تحفته (الجنرال) ستجد أنك أمام أعمال تزداد تبلوراً أمام المؤرخين ناضحة بتميّز كيتون، فهو ممثل (لا يضحك لكنه يستدر الضحك من أكثر الممتنعين) وكاتباً ومخرجاً.
وبينما المحكمة مفتوحة إلى اليوم، وستبقى، بين هذين الكوميديين الشامخين، هناك آخرون عديدون حطّوا في مراكز متأخرة أو لم يحطّوا مطلقاً. فعلى سبيل المثال كان هارولد لويد أحد هؤلاء الذين لابد أن يوضعوا في مركز متأخر، لم يكن نسخة من تشابلن ولا من كيتون، بل كان نسخة من ذاته، وهذا شيء إيجابي. والإيجابي أيضاً تلك القدرة على تصميم مآزقه الضخمة. لقد كانت أكثر أفلام لويد نجاحاً وقيمة هو (الأمان أخرا) (1923) المشهور بمشهد الكوميدي المذكور وهو يتعلّق من ساعة كبيرة موضوعه على جدار إحدى ناطحات السحاب. عقرب الساعة يكاد أن ينكسر بسبب وزن لويد والمسافة بينه وبين الأرض تحته عدة مئات من الأمتار، لكن هارولد لويد لم يترك ذات الأثر، بعض أفلامه كانت عادية في فحواها وفيما تود قوله وطرحه كما في الطريقة الإجمالية على صعيد العمل إخراجاً وتصويراً.
أما أفلام لوريل وهاردي فكانت أفضل بكثير، وأبقى للذاكرة، هذان الفنانان اللذان يعتبران اليوم أنجح وأفضل ثنائي كوميدي عرف طريقه إلى الشاشة في أي مكان من العالم، ففي الخمسينات والستينات كانت النظرة النقدية للوريل وهاردي تختلف عما هي اليوم، ذلك الممثل النحيف والبدين السابقين للثنائي الأقل قيمة بد أبوت ولو كوستيللو، عملا بتناغم مثالي، لقد كانت الكيمياء بينهما حاضرة على الدوام. والكوميديا، حركة وتوقيتا وإلقاءً، لم تكن ملك واحد منهما بل كلاهما معاً ومن دون مراعاة من يأتي أولاً. على عكسهما كان أبوت وكوستيللو يعتمدان على (القفشة) حيث كان الأول أشبه بالخواجا بيجو (في السينما المصرية) والثاني قريباً من أبو لمعة الأصلي (تلك الشخصية المصرية أيضاً التي ظهرت في المسلسلات الإذاعية التي وصلتنا في الستينات). الأول يطرح السؤال والثاني يرد عليه بما يضحك. الأول يقوم بالفعل والثاني بردة الفعل الأكثر إضحاكاً.
الكوميديا الأخرى
لوريل وهاردي عملا معاً قبل الفيلم وخلاله بتواؤم ومن دون غيرة وتنازع لذلك كانت الكوميديا التي يقدمانها أصلية، بارعة، لديها ما تقوله الكثير بأبسط الأدوات (والميزانيات كانت دائماً صغيرة وأحياناً صغيرة جداً) بحيث لا يمكن النظر إليها كأعمال فنية، لكن فيها أفكاراً رائعة كما الحال في فيلم (البيانو) (كلاهما يدفعان ببيانو ثقيل فوق درجات تؤدي إلى البيت العالي وفي كل مرة يصلان فيه إلى نقطة مرتفعة يتدحرج البيانو إلى الشارع)، طبعاً الصورة أفضل من الوصف بكثير، كما كانت هناك أفلام أخرى كثيرة، في مهنة ناجحة امتدت من منتصف العشرينات لمنتصف الأربعينات، حفلت بأفكار في غاية البساطة والتأثير معاً، وهما أنجح حين يكونا طرفي الموقف الكوميدي معاً ومن الخطأ اعتبار أفلامهما ساذجة لمجرد أنها مضحكة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|