|
الإعلام الذي نريد |
على امتداد الوطن العربي..
من خليجه إلى محيطه..
تعلو أصواتنا..
حد التشنج..
واختفاء السيطرة على مشاعرنا..
والخروج على النص..
***
ومنذ بعض الوقت..
جهزنا لهذه الأصوات ما يساعدها على إيصال ما تود أن تقوله لنا وللآخرين..
من فضائيات..
وإصدارات صحفية..
ومن مواقع على الشبكة العنكبوتية..
بما يشعر العاقل منا بالخجل أمام ما يسمعه أو يقرأه أو يشاهده من بعضها..
***
وبدلاً من استثمار هذه الوسائل الإعلامية..
بما يفيدنا..
ويخدم قضايا أمتنا..
ويعطي أفضل صورة عنا..
وبدلاً من توظيفها بما يعود بالفائدة على جيلنا والأجيال القادمة..
فقد تحولت مع الأسف في كثير مما يقال ويكتب فيها إلى وباء مضر بنا..
***
أرجو أن تفهموني جيداً..
فأنا لست ضد حرية الرأي..
وأنا لست مع الحظر على التعبير الحر المتسم بالانضباط..
ولا أنا معارض لمن ينادي بفتح المجال أمام من يريد أن يبدي وجهة نظر أو يصحح ما يعتقد أنه خطأ..
بل هذا هو ما أطالب وأنادي به وأتفق فيه مع الداعين إليه والمنادين به ولكن؟!..
***
لقد آن الأوان لنسخِّر كل إمكاناتنا لما يخدم هذه الأمة..
وأن نتفق ولو على الحد الأدنى على ما يخدم مصالحنا وأهدافنا..
وما لم نبعد ونبتعد عن كل ما يضر بهذه المصالح وبتلك الأهداف، فإن مستقبل هذه الأمة سيظل في خطر..
***
ولعلنا ندرك الآن ، وقبل فوات الأوان ، أن هذا الخطر قد بدأ ينمو..
وأنه بدأ يتمدد..
وأن أحداً منا لن يكون في مأمن من تبعات ما يجري اليوم على الساحة العربية وحولها من أخطار..
إلا أن نكون دون مستوى التفكير والقراءة الصحيحة لهذا الذي يحيط ويحيق بنا..
وهنا تكون المشكلة التي ربما استعصى حلها إن تطورت ونمت وتمددت بأكثر مما هي عليه الآن.
خالد المالك
|
|
|
العراق .. بين تغيير الاستراتجية الامريكية وشبح التقسيم |
* إعداد إسلام السعدني
لا يزال الوضع المتفجر في العراق يفرض نفسه على اهتمامات الصحف العالمية التي باتت تجد في الأزمة العراقية معينا لا ينضب للمقالات والتحليلات التي يسعى كتابها لتلمس طريق للخروج من مستنقع طال أمده في عراق ما بعد صدام حسين.
وفي هذا الإطار ، يندرج مقال (كريسبين بلنت) عضو مجلس العموم البريطاني الذي نشرته صحيفة (الجارديان) البريطانية ، والذي طرح فيه الرجل رؤيته لإعادة الهدوء إلى العراق.
ويقر الرجل في بداية مقاله بأنه كان قد صوّت بداخل مجلس العموم تأييدا للتدخل العسكري في الأراضي العراقية ، ويبرر ذلك الموقف بقوله إن هذا التأييد لم يرجع إلى الاتهامات الخاصة بامتلاك النظام العراقي السابق أسلحة دمار شامل ، وإنما بسبب ما يراه الكاتب من فشل في الإطاحة بهذا النظام عقب حرب الخليج الأولى عام 1991 وما نجم عن ذلك من عواقب.
ويستطرد (بلنت) موضحا أن هذه العواقب تمثلت في قمع وحشي تعرض له المواطنون العراقيون ، إضافة إلى انتهاج الحكومات الغربية سياسات احتواء إزاء نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لم تؤد سوى إلى إلحاق الأذى بالعراقيين الأبرياء دون أن تضر النظام في شيء.
ويخلص الكاتب من ذلك إلى القول بأن التداعيات الناجمة عن فشل سياسات الاحتواء إضافة إلى انتهاكات نظام صدام لاتفاق وقف إطلاق النار الذي انتهت الحرب بموجبه عام 1991 ، كانتا تحتمان اتخاذ قرار بالتدخل ، مشيرا إلى أن الرغبة الأمريكية في التحرك بفاعلية على هذا الصعيد عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وفرت فرصة سانحة في هذا الشأن.
ويعود السياسي البريطاني ليقر مرة أخرى بأن الأمور قد اختلطت بعد أن امتزجت إيجابيات وسلبيات التدخل العسكري ضد النظام الحاكم في بغداد بإيجابيات وسلبيات احتلال العراق ، وهو ما جعل الموقف يتغير بشكل كبير ، وهو ما يوجب على الولايات المتحدة وبريطانيا تغيير السياسة التي ينتهجانها في عراق ما بعد صدام حسين تبعا لذلك.
ويقول (بلنت) إن التحالف الذي تقوده واشنطن حاليا في العراق قد أصبح جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل ، مشيرا إلى أنه بينما نجح هذا التحالف في حل المشكلة التي كان يمثلها وجود صدام حسين في قمة السلطة بالعراق ، لم ينجح حتى الآن في حل المشكلة التي تكمن في استمرار الوضع الراهن في الأراضي العراقية.
وينتقد الكاتب اعتزام وزارة الدفاع الأمريكية زيادة حجم القوات الأمريكية المنتشرة حاليا في الأراضي العراقية ليزيد قوامها عن 135 ألف جندي بحلول نهاية العام القادم وذلك بدلا من تقليص هذا الحجم كما كان مقررا من قبل ، مشيرا إلى أن نشر مزيد من القوات في ساحة قتال تمر بمثل هذا الوضع المتدهور يعد خطوة محكوما عليها بالفشل.
ويؤكد أن ما هو مطلوب في هذه المرحلة هو النظر والتفكير بشكل جديد ومختلف من أجل الموائمة بين الأهداف السياسية وتلك القابلة بالفعل للتحقيق على أرض الواقع ، مشددا على ضرورة أن تتركز الرؤية الجديدة حول بلورة استراتيجية تنسحب بموجبها قوات التحالف من العراق.
ويقول (بلنت) إن السبب الذي يمكن أن يرجع إليه المرء فشل السياسة التي انتهجها التحالف في العراق يعد سببا بسيطا للغاية ، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الوضع الراهن في الأراضي العراقية يعد تكرارا لما جرى بعد الحرب العالمية الأولى عندما استقبل العراقيون الجنود البريطانيين الذين دخلوا بلادهم باعتبارهم محررين للعراق من الحكم العثماني قبل أن تتحول هذه النظرة يوما بعد يوم إلى اعتبار القوات البريطانية قوة احتلال.
وعلى ذات الدرب سارت القوات الأنجلو أمريكية التي غزت العراق العام الماضي وذلك حسبما يقول الكاتب ، مردفا أن خبراء الشؤون العراقية والمؤرخين توقعوا ذلك منذ البداية وأشاروا إلى أنه ما أن تنقضي شهور قلائل على الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني في العراق حتى يرى العراقيون أن هذا الوجود ليس سوى احتلالا أجنبيا بدلا من اعتباره تدخلا عسكريا استهدف تخليصهم من نظام الحكم البعثي .
وبعد أن يفسر الكاتب والسياسي البريطاني أسباب الفشل الأنجلو أمريكي في العراق ينتقل إلى نقطة أخرى وهي تلك المتعلقة بالمقاومة العراقية التي يشير إلى أنه لا يمكن اختزال المنضوين تحت لوائها بالقول إنهم ليسوا سوى قلة محدودة من العراقيين يقودهم من يسميهم الرجل ب(الجهاديين الأجانب)، موضحا أن الأغلبية الصامتة في العراق تقف شيئا فشيئا بجانب من يصفهم ب(المتمردين)، الذين ينظر إليهم الكثير من العراقيين على أنهم يشنون عمليات مقاومة مسلحة ضد المحتل الأجنبي للبلاد.
ويشير إلى أنه على الرغم من الأساليب البغيضة التي يستخدمها هؤلاء المسلحون على حد قوله إلا أن العراقيين يرونهم جزءا من النسيج العراقي فيما يرون القوات الأمريكية والبريطانية غرباء عن هذا البلد مهما كان (نبل ومنطقية الأهداف) التي يرفعها التحالف.
تجربة الفلوجة
ويطرح (كريسبين بلنت) في مقاله رؤية مفادها أنه يمكن التعامل مع الوضع المتدهور حاليا في العراق من نفس الزاوية التي تم من خلالها التعامل مع الوضع في مدينة (الفلوجة) مؤخرا ، ويقول إن ما جرى حيال هذه المدينة يلقي ببصيص من الضوء على آفاق الحل المنشود للأزمة العراقية ، موضحا أن الاستعانة بأحد كبار الضباط العراقيين السابقين الذين يحظون بالاحترام لقيادة قوة تتولى مهمة إعادة الهدوء إلى (الفلوجة) تعد تجربة يمكن أن يستفيد منها التحالف على نطاق أوسع من خلال الاستعانة بشخصية عراقية للإشراف على استراتيجيته الخاصة بحفظ الأمن والاستقرار في البلاد.
وبينما يعترف (بلنت) بأن هناك مخاطر كامنة في اللجوء إلى مثل هذا الخيار ، موضحا إياها بالقول إن ذلك قد يؤثر على الاستراتيجية الرامية لاجتثاث جذور حزب البعث من المجتمع العراقي وهو ما يراه الكاتب شرطا مسبقا لإتاحة الفرصة أمام المناخ الديموقراطي للظهور في هذا المجتمع، إلا أنه يعود ليقول إن اتباع هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى إعادة الأمن والنظام إلى المدن الشيعية التي تدور فيها المعارك حاليا كالنجف وكربلاء وغيرها ، ولكن من خلال الاستعانة هذه المرة بضباط سابقين ينتمون إلى الطائفة الشيعية.
ويخلص (بلنت) هنا للقول إن الحقيقة التي يتعين إدراكها في هذا الشأن تتمثل في أنه مهما كانت العيوب التي تعاني منها عناصر الأمن العراقية من سوء تدريب أو قلة كفاءة إلا أنها تظل أكثر قدرة على كبح جماح عمليات المقاومة من قوات التحالف مهما بلغت درجة تدريب أو كفاءة هذه القوات.
ويؤكد الكاتب أن على التحالف الاستفادة من تجربة (الفلوجة) وتطبيقها على مستوى العراق من خلال سياق سياسي يتمحور حول منح العراقيين سلطة سياسية حقيقية ، مشيرا إلى أنه في حالة عجز هؤلاء العراقيين عن القيام بالمهام المنوطة بهم في هذا الشأن يمكن السماح للأمم المتحدة بالإمساك بزمام الأمور من أجل الإعداد لإجراء انتخابات عامة في العراق أوائل العام القادم.
الشراكة مع العرب
ويشدد (بلنت) على ضرورة السعي لبلورة استراتيجية للانسحاب من الأراضي العراقية من أجل حماية المكانة الأخلاقية التي تحظى بها القيم الديموقراطية الليبرالية في أعين العرب والحفاظ على هذه المكانة ، خاصة بعد أن باتت مكانة تلك القيم عرضة لهجمات ضارية مؤخرا بعد تفجر فضيحة تعذيب الأسرى العراقيين في سجن (أبو غريب).
ويؤكد أن الاحتلال يفسد القوة القائمة به كما يقمع هؤلاء الذين يعيشون تحت سطوته ، وهي الحقيقة التي أدركها الإسرائيليون من خلال تجربتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد قول الكاتب.
ويضيف أن تغيير الأوضاع المتردية في الأراضي العراقية حاليا يتطلب تغييرا في السلطة التي تتولى زمام الأمور في العراق من القيادة الأنجلو أمريكية إلى قيادة تتولاها الأمم المتحدة أو أية سلطة إقليمية.
ويشدد (كريسبين بلنت) على ضرورة التحرك على هذا الصعيد اليوم قبل الغد في ضوء بدء سير الدول الصغيرة الأعضاء في التحالف على نفس الدرب الذي سارت عليه أسبانيا من قبل من خلال قرارها سحب قواتها من العراق ، وكذلك في ظل تصاعد المعارضة الشعبية للحرب في العراق في العديد من الدول الغربية.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى أن النظرة العامة للوضع الراهن تؤكد أنه يتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا العمل على الحفاظ على ما تبقى من علاقات شراكة بينهما وبين الدول العربية واستعادة قوة هذه الشراكة ، مشيرا إلى أن إجبار دول منطقة الشرق الأوسط على انتهاج النموذج الأمريكي من الديموقراطية لا يعد وصفة قابلة للنجاح.
ويقول: إن دحر الإرهاب يتطلب كسب قلوب وعقول جيل الشباب في العالم الإسلامي أو على الأقل الحيلولة دون وقوعه فريسة للتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة ، وذلك بالتخلي عن التوجهات والممارسات التي قد تؤدي إلى ذلك من قبيل انتهاج سياسة احتلال الأراضي العربية.
ويواصل (بلنت) استعراضه لرؤيته في هذا الصدد قائلا إنه قبل كل شيء يتعين التأكيد على أن نجاح عمليات الإصلاح في العالم العربي سيلقى دفعة كبيرة إذا لم ير العرب أن الولايات المتحدة وبريطانيا تقدمان الدعم بل والتحريض في بعض الأوقات لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي (آرييل شارون) ، تلك السياسات التي ترمي لاستهداف أي من كان فقط لمجرد أن (شارون) يرغب في محوه من الوجود ، وهي السياسات التي تقوض كافة الفرص السانحة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وفي ختام مقاله يؤكد (كريسبين بلنت) أن على الإدارة الأمريكية امتلاك الشجاعة اللازمة لتغيير سياساتها في العراق ، وأن على رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) استخدام نفوذه لدى واشنطن للمساعدة في إقناعها باتخاذ هذه الخطوة.
تفتيت العراق
طرح آخر يتحدث عنه الكاتب (إيفان إيلاند) في مقال له تم بثه على موقع (ضد الحرب) على شبكة الإنترنت ، ألا وهو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات.
ويمهد الكاتب لهذه الرؤية من خلال استعراض المأزق الراهن للإدارة الأمريكية في الأراضي العراقية ، مشيرا إلى أن الأمور هناك تسير من سيئ إلى أسوأ بالنسبة لإدارة الرئيس (جورج بوش).
ويستطرد موضحا أنه على صعيد الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد الإرهاب على سبيل المثال صار واضحا أن استخدام الأساليب الخاصة بالتعذيب والإذلال الجنسي ضد المعتقلين أمر شائع الحدوث في مختلف السجون التي تديرها القوات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم ، وليس ذلك فحسب وإنما بات جليا أن تلك الممارسات تجري بعلم كبار المسؤولين في الإدارة.
ويضيف (إيلاند) أن هناك شكوكا حول وجود محاولات لإغراء بعض المتورطين في فضيحة سجن (أبو غريب) من الجنود والمجندات بتخفيف الأحكام التي سيتم إصدارها بحقهم مقابل إدلائهم بشهادات يؤكدون فيها أن كبار المسؤولين الأمريكيين لم يكونوا على علم بما يجري داخل السجن.
ويواصل الكاتب استعراضه للمأزق الأمريكي في العراق قائلا: إن عمليات المقاومة العراقية بلغت ذروة قوتها إلى حد أنها بدأت في التأثير على حجم التأييد الشعبي الذي يحظى به الرئيس (بوش) بين الأمريكيين ، مشيرا إلى أن ذلك تزامن مع اغتيال (عز الدين سليم) رئيس مجلس الحكم الانتقالي العراقي في بغداد مؤخرا.
الطريق الباقي
وهنا يطرح (إيفان إيلاند) تساؤلا مفاده : هل من سبيل أمام الإدارة الأمريكية للخروج من المستنقع العراقي ؟ ويرد الرجل بالإيجاب مردفا أن هذا السبيل لا يتماشى مع التصورات والرؤى التي تسعى الولايات المتحدة لوضعها موضع التنفيذ في العراق خلال المرحلة الحالية.
ويقلل الكاتب في مقاله من شأن الآمال التي تعلقها إدارة (بوش) على الحكومة العراقية الانتقالية التي يعمل (الأخضر الإبراهيمي) مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق على تشكيلها في الفترة الراهنة ، تلك الآمال التي تنبع من أن واشنطن ترى أن هذه الحكومة قادرة على سحب البساط من تحت أقدام عناصر المقاومة.
إلا أن (إيلاند) يشكك في إمكانية تجسد مثل هذه الآمال على أرض الواقع ، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية الانتقالية لن يكون لديها أي سيادة حقيقية على البلاد التي يفترض أن تتولى إدارتها بحلول نهاية الشهر القادم ، مضيفا أنه في ضوء الهجوم الذي وقع ضد مقر الأمم المتحدة في بغداد خلال أغسطس من العام الماضي ، وهو الهجوم الذي أودى بحياة (سيرجيو دي ميللو) المبعوث الدولي السابق إلى العراق يمكن للمرء القول: إن مصداقية المنظمة الدولية ليست أفضل حالا من مصداقية سلطة التحالف المؤقتة التي تقودها الولايات المتحدة في الأراضي العراقية إلا بقدر ضئيل ، خاصة إذا ما نظر العراقيون إلى الأمم المتحدة والحكومة الانتقالية التي ستختار أعضاءها على أنهما يشكلان غطاءً لاستمرار الاحتلال.
حق تقرير المصير
وهنا يصل (إيلاند) إلى بيت القصيد حيث يتساءل ثانية حول (ما الذي يمكن للإدارة الأمريكية عمله لمواجهة عمليات المقاومة في العراق والحيلولة في الوقت نفسه دون نشوب حرب أهلية في البلاد ؟) ، ويجيب أن الحل يتمثل في اتباع خيار سعت إدارة (بوش) وخبراء السياسة الخارجية في واشنطن مرارا إلى تجنبه وهو سحب القوات الأمريكية بشكل متسارع من العراق ومنح العراقيين حق تقرير المصير بشكل كامل وحقيقي.
ويشير الكاتب إلى أن هذه الخطوة قد تقود إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات أو على الأقل إقامة نظام حكم كونفيدرالي هش يتمتع فيه السنة والشيعة والأكراد بصلاحيات واسعة النطاق في حكم أنفسهم بأنفسهم.
وللتدليل على سلامة ذلك الاقتراح ،يتحدث الكاتب في هذا السياق عن تجربة المجتمع الدولي السابقة حيال جمهورية البوسنة والهرسك ، قائلا إنه لو كانت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية قد سمحت بتقسيم هذه الجمهورية إلى دويلات تقوم على أساس عرقي ، لما بقيت الأوضاع هناك متوترة حتى هذه اللحظة على الرغم من مرور تسع سنوات على توقيع اتفاق (دايتون) للسلام بين الأطراف المتناحرة في البلاد.
ويضيف في هذا الشأن أن الوضع الحالي في البوسنة يجعل من استئناف الحرب الأهلية بين الطوائف العرقية هناك أمرا متوقعا إذا ما تم سحب قوات حفظ السلام الدولية من البلاد.
ويعود (إيلاند) إلى العراق ليؤكد أن منح حق تقرير المصير لمواطنيه يعني ضرورة أن تتخلى الإدارة الأمريكية عن أحلامها سواء هذه المتعلقة بالحفاظ على وحدة أراضي دولة (مصطنعة) كالعراق ، أو تلك التي تتحدث عن العمل على إرساء نموذج ديموقراطي على النمط الغربي في الأراضي العراقية.
ويشير إلى أن القيام بهذا الإجراء من شأنه التعامل مع الأسباب التي تؤدي إلى وقوع العمليات المسلحة في العراق ، مؤكدا أن هذه الخطوة ستمثل حافزا لرجال حرب العصابات هناك لوقف عملياتهم والإحجام عن إشعال فتيل حرب أهلية.
ويوضح الكاتب رؤيته في هذا الصدد قائلا إن الهجمات التي يشنها المقاتلون السنة تستهدف طرد المحتل الأجنبي الذي قد يقدم الدعم لأية حكومة شيعية في البلاد بأكثر مما تستهدف إعادة نظام (صدام حسين) إلى الحكم ، وذلك في ضوء أنه من المرجح أن يكون الشيعة الذين يشكلون نحو 60% من السكان وعانوا كثيرا من القمع تحت حكم صدام قادرين على الفوز بأي انتخابات عامة في العراق.
درس الملك جورج
وأشار الكاتب إلى أنه حتى الأكراد الذين يعدون حتى هذه اللحظة أكثر الأقليات ذات الحظوة لدى الولايات المتحدة في العراق قد ينقلبون عليها إذا ما شعروا بأنه لن يتسنى لهم الحفاظ على نظام الحكم الذاتي الذي تمتعوا به طيلة الأعوام الثلاثة عشرة الماضية ، قائلا إنه ربما يعن لنا أن نتذكر هنا أن الثورة الأمريكية اندلعت جراء محاولة الملك (جورج) حرمان سكان المستعمرات الأمريكية من الحقوق التي كانوا يتمتعون بها فيما سبق ، ويشير إلى أن ذلك يثبت أن حرمان الإنسان من الحرية يعد أشد خطورة من عدم منحها له من الأصل.
ويمضي (إيلاند) في استعراض ملامح رؤيته المتعلقة بسبل إنهاء الأزمة الراهنة في العراق قائلا إن انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية وإفساح المجال لأعراقه الرئيسية الثلاثة لتولي زمام أمورها بنفسها سيؤدي إلى تقلص الأسباب والعوامل التي قد تدفع هذه القوى لشن هجمات ضد القوات الأجنبية الموجودة في البلاد أو للاقتتال بينها وبين بعضها البعض.
ويستطرد موضحا أبعاد السيناريو الذي يتصور حدوثه في هذه الحالة بالقول إن (السنة لن يواصلوا عملياتهم ضد قوات الغزو كما أنهم لن يظلوا متوجسين خيفة من إمكانية تعرضهم لحملة انتقامية تقوم بها أية حكومة شيعية ، أما الأكراد فسيظلون محتفظين بنظام الحكم الذاتي الذي حظوا به لأكثر من عقد من الزمان ، فيما لن يستطيع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تبرير هجمات أتباعه المسلحة ضد قوات التحالف بدعوى أنها تستهدف طرد الغزاة الصليبيين وقد يضطر في تلك الحالة إلى إجراء مفاوضات مع المرجع الشيعي أية الله علي السيستاني ليضمن لنفسه مكانا في الحكومة التي ستتولى مقاليد السلطة في المناطق الشيعية، خاصة وأن (الصدر) حسبما يرى الكاتب يرفع السلاح ضد قوات التحالف خشية تهميش دوره في أي حكومة شيعية مقبلة.
ويشير (إيلاند) إلى أن هناك العديد من السلبيات التي قد تترتب على تطبيق مثل هذا السيناريو ، أولها أن الولايات المتحدة قد تضطر للتعايش مع حكومات عراقية لا تتفق تماما مع المعايير الغربية للحكومات الديموقراطية ، أما السلبية الثانية فتتمثل في أن تركيا لن تشعر بالراحة والسعادة لذلك التأثير الذي سيخلفه منح حق تقرير المصير للأكراد العراقيين على الأقلية الكردية المضطربة التي تعيش في أراضيها وذلك على الرغم من أن أنقرة تعايشت مع نظام الحكم الذاتي الذي حظي به الأكراد في شمال العراق بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 ، ثالث هذه السلبيات كما يقول (إيلاند) يتعلق بإمكانية أن تهيمن إيران على مقدرات الشيعة العراقيين حال حصولهم على حق تقرير المصير ، أو أن تؤدي هذه الخطوة إلى اندلاع حرب شيعية شيعية يكون (مقتدى الصدر) أحد أطرافها.
ولكن الكاتب يفند الاحتمالين الأخيرين قائلا: إن ما يدحض الاحتمال الأول هو أن الزعامات الشيعية العراقية تبنت في العديد من الحالات مواقف مستقلة عن تلك التي تبنتها طهران وخاصة بشأن مسألة العلاقة بين الدولة ، أما بالنسبة للاحتمال الثاني وهو ذاك المتعلق بإمكانية اندلاع حرب أهلية بين الفصائل الشيعية ، فيقول الرجل إنه حتى حال نشوب مثل هذه الحرب فإنها ستعني أن تلك الفصائل لن توجه في هذه الحالة رصاصاتها لصدور الجنود الأمريكيين.
وفي ختام مقاله ، يعترف (إيفان إيلاند) بأن ما اقترحه من منح حق تقرير المصير للعراقيين بشكل كامل وسريع وهو ما قد يؤدي إلى تقسيم العراق لثلاث دويلات لا يعد ترياقا سحريا لكافة المشكلات الراهنة ، ولكنه يؤكد في الوقت نفسه أن اتباع هذا الخيار يوفر الفرصة الحقيقية السانحة لإدارة (بوش) لإعلان انتصارها في الحرب التي شنتها في الأراضي العراقية وتخليص نفسها من المستنقع العراقي في الوقت نفسه ، كما أن هذا الاقتراح حسبما يقول الكاتب يشكل الفرصة الأمثل للعراقيين لرسم ملامح مستقبل آمن ومزدهر لبلادهم.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|