* إعداد - محمد الزواوي
لم تحتج جين موريس وقتاً طويلاً لترصد الآثار السلبية لفرض رسوم سير - على قائدي السيارات في منطقتها - على تجارتها ومحلها للتصميمات الداخلية وأدوات التنجيد، فحركة السيارات أساسية لعملها في محلها الذي يقع في غرب لندن والذي تديره منذ 25 عاماً، فالجميع بحاجة إلى السيارات، وتضيف متساءلة: (لا تستطيع في الحقيقة أن تحمل قطع الأثاث من المحل إلى منزلك في وسائل النقل العامة، هل يستطيع أحد ذلك؟!).
وبدءاً من هذا الأسبوع ربما يجب على الناس فعل ذلك، فقد تم زيادة رقعة تطبيق رسوم السير في منطقة لندن لتمتد غرباً، ليدفع سائقو العربات 8 جنيهات إسترليني (15.6 دولاراً في اليوم) كرسم سير في الطرق المزدحمة، والتي تصل غرباً إلى الأحياء الراقية للعاصمة لندن مثل شيلسي ونايتسبريدج والتي بها مجموعة من معالم المدينة مثل سلسلة محلات هارودز الشهيرة، وستمتد دائرة تطبيق الرسوم لتصل إلى 16 ميلاً مربعاً، بمضاعفة المساحة السابقة لتطبيق الرسوم.
وعن هذا الموضوع نشرت (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية تقريراً من عاصمة الضباب لندن يرصد فيه أبعاد تلك الرسوم الجديدة على الحياة هناك.
بالنسبة للسيدة موريس، فإن ذلك سوف يعني خسارة بعضاً من زبائنها المعتادين، وتضيف: (بالفعل جاء لي ثلاثة زبائن يقولون أنهم لن يأتوا بعد الآن، ومن المتوقّع أن نرى انحساراً كبيراً في عدد الزبائن، فإذا أدى ذلك إلى أن نخسر ما بين 10 إلى 20% من تجارتنا، فإن ذلك سوف يكون أمراً خطيراً للغاية).
والسيدة موريس واحدة من بين أعداد متزايدة من المعترضين على الخطوات الحكومية محلياً وقومياً، والتي تهدف إلى فرض رسوم على قائدي المركبات لاستخدامهم شبكات الطرق، وذلك خشية أن تصبح تلك الطرق مزدحمة بصورة لا تطاق في العقود القادمة في حال عدم تطبيق تلك الرسوم.
وقد شهدت منطقة غرب لندن معارضة كبيرة لتلك الخطة التي قدمها عمدة المدينة كين ليفينجستون لفرض الرسوم على تلك المنطقة التي تشهد أعلى قيمة للجباية المرورية في العالم، ففي بريطانيا وقّع أكثر من مليون ونصف شخص على عريضة تستنكر الخطط المقرر تقديمها بداية من العقد القادم لأنظمة الدفع على الطرق والتي وصفوها بأنها (ادفع كلما تمشي)، حيث سيتم فيها تتبع وتحصيل الأموال من السيارات تلقائياً وبصورة أتوماتيكية.
ضريبة الازدحام ولكن يقول ليفينجستون أن ضريبة السير الجديدة سوف تخفف من الازدحام في مناطق كينزينجتون وشيلسي لما بين 15 إلى 20%. ويقول إن الازدحام تم تقليله لأكثر من 20% في المنطقة الأساسية، وحدثت زيادة في التحصيل لأكثر من 120 مليون جنيهاً إسترلينياً (234 مليون دولار) في العام الماضي، والتي سيتم استثمارها بصفة أساسية في وسائل النقل العامة.
كما قل عدد السيارات في حركة المرور في واحدة من أكثر مناطق أوروبا ازدحاماً منذ بدء تطبيق التعريفة في فبراير عام 2003م.
وتزعم السلطات في لندن أن الانبعاثات الضارة أيضاً انخفضت بنسبة 15%، كما ارتفعت مبيعات السيارات صديقة للبيئة بصورة كبيرة، طبقاً لمؤسسة باورشيفت الخاصة بتتبع طاقة الحركة المرورية على موقعwww.powershift.org.uk) ).
يقول بروفيسور ستيفين جليستر، الخبير في المواصلات وعضو المجلس التنفيذي لمؤسسة (النقل في لندن: (إن تعريفة الازدحام أحرزت حتى الآن نجاحاً ملحوظاً، فقد استطاعت أن تحقق أهدافها لتقليل حركة المرور بما كان متوقعاً، كما أنها لم تحصّل أموالاً إضافية بقدر كبير من قائدي المركبات وذلك لأن طبيعة التنقل تغيَّرت).
ولكن يقول النقاد إن تلك المنظومة مكلفة، وبها أخطاء، وبدائية؛ فأصحاب التجارات يقولون إن نصف إجمالي عدد المؤسسات قد شهدت نقصاً في الأرباح منذ تطبيق التعريفة عام 2003 ، كما أن نصف إجمالي العائدات التي تم تجميعها من تلك الأموال ذهبت إلى تكاليف التقنية وإدارتها.
ويشير المعارضون إلى أنه على الرغم من أن العديد من المدن حول العالم قد طبَّقت تعريفات للازدحام، إلا أن القليل منها ماثل ذلك النظام ذا التكلفة الباهظة للعاصمة لندن، فقد تم نشر المئات من كاميرات المراقبة لقراءة لوحات السيارات، ثم بعد ذلك مضاهاة دافعي الضريبة أمام قواعد بيانات حاسوبية، ثم إصدار غرامات للمخالفين، ثم متابعة أولئك الذين لم يدفعوا حتى الآن.
ويشير التقرير إلى أن البرنامج المروري صاحب الشعبية الأكبر حول العالم هو البرنامج الذي تم تطبيقه في سنغافورة، حيث تقوم شاشات على جانبي الطرق بقراءة مجسات مثبتة في السيارات ويتم التحصيل أوتوماتيكياً ويتم تحديد التعريفة طبقاً لمدى ازدحام الطرق.
والانتقاد الثاني هو أن تلك الأموال المحصلة لم تحسن جودة وسائل النقل العامة بصورة كافية لجعلها بديلاً فاعلاً للمسافرين والمتنقلين.
فقطارات وقت الذروة وخدمات مترو الأنفاق لا تزال مزدحمة بصورة مزرية، كما ارتفعت نفقة تذكرة المترو الواحدة بجنون لتصل إلى 4 جنيهات إسترلينية (8 دولارات).
كما يشير التقرير إلى أن توسيع هذا النظام ليمتد غرباً في لندن أثار العديد من الانتقادات - أكثر من انتقاد المنظومة الأصلية ذاتها والتي كانت تطبق في منتصف العاصمة - فقد أشار إحصاء لمؤسسة باورشيفت إلى أن 63% من السكان و72% من المؤسسات عارضوا هذا الامتداد.
وفي بحث آخر أجراه مركز الأبحاث التجارية والاقتصادية، وهو مؤسسة استشارات اقتصادية، وجد أن التجارة في المنطقة يمكن أن تخسر أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 389 مليون دولار) في صورة فقدان وظائف لستة آلاف شخص، كما شبهت مؤسسة (لندن فيرست) للتجارة تعريفة الزحام بأنها بمثابة استخدام (مطرقة كبيرة لفتح أحد الأقفال) وليس استخدام المفتاح الصحيح.
ويقول السكان المحليون إن 5% من طرقهم فقط هي التي تعاني من الازدحام، في حين أن معدل السرعات عموماً حوالي 25 ميلاً بالساعة.
كما أن جميع السائقين المحليين البالغ عددهم 600 ألف شخص مؤهلون للحصول على خصم بنسبة 90% ويستطيعون أن يسيروا في شوارع منتصف لندن بتعريفة منخفضة لغاية، ويعترف مسؤلو مؤسسة باورشيفت بأن هذا سيؤدي إلى ارتفاع الازدحام بنسبة 4% في منطقة التطبيق الأولى بمركز لندن.
ويؤكد الكاتب في تقريره على أن الجور على حقوق سائقي المركبات في منتصف لندن شيء سيئ للغاية وذلك لأن 70% من رحلات البريطانيين الداخلية تكون بالسيارة في تلك الدولة التي بالكاد نصف حجم ولاية كاليفورنيا الأمريكية، في حين تزيد أعداد السيارات البريطانية عن أكثر الولايات الأمريكية ازدحاماً، فيوجد بها 33 مليون سيارة، لذا يقول خبراء النقل إنه يجب اتخاذ إجراء ما من أجل تجنب وقف حركة المرور، ولكن يتساءل السيد جليستر عن ماهية ذلك الشيء، قائلاً: (ما الذي سنفعله غير ذلك؟ هل نبني المزيد من الطرق أم نترك الأمور لتزداد سوءاً؟).
وقد أوصى تقرير حديث أصدرته الحكومة بأن فرض رسوم على الطرق في كل بريطانيا يمكن أن يخفض الزحام إلى النصف، ويتوقع المسؤولون أن يصل إجمالي التعريفة المحصلة إلى 1.28 جنيهاً في أكثر الطرق ازدحاماً في فترات الذروة.
ولكن الاقتراح لا يزال أمامه عدة سنوات حتى يدخل حيز التطبيق، كما يوضح التقرير أن السلطات أمامها مهمة شاقة في تسويق هذه الفكرة للجمهور.
ويقول بيتر روبرتس، الرجل الذي قام بنشر التقرير على موقع داوننج ستريت الخاص برئاسة الوزراء: (لا أعتقد أن الناس يثقون في الحكومة، فإنهم يرون تلك الرسوم على أنها نوع ماكر لتطبيق ضريبة خفية).