* إعداد - عايدة السنوسي
في إطار البحث الأمريكي المستمر عن مخرج من المأزق العراقي طرح خوان كولي في مقال له بمجلة (نيشن) أو الأمة الأمريكية رؤية جديدة لتسوية الأزمة العراقية بطريقة تحول دون غرق العراق في مستنقع الحرب الأهلية التي يمكن أن تتردد أصداؤها في العديد من الدول المجاورة.
وتعتمد الفكرة التي قدمها الكاتب في مقاله على استلهام التجربة الناجحة للمملكة العربية السعودية في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية منذ نحو 17 سنة من خلال اتفاق الطائف.
يقول الكاتب: أصبح الآن مجلسا الشيوخ والنواب في الكونجرس الأمريكي من مؤيدي وضع جدول زمني محدد لسحب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق عام 2008 وهو الموقف الذي تعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش بالتصدي له واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يصدر من جانب الكونجرس لإلزام الإدارة الأمريكية بوضع مثل هذا الجدول الزمني. والرئيس بوش يقدم مبررين منطقيين لرفضه فكرة الجدول الزمني في الوقت الراهن. ففي بعض الأحيان يقول بوش إن الانسحاب الأمريكي سيجعل العراق معقلا لتنظيم القاعدة وفي أحيان أخرى يقول إن الانسحاب سوف يؤدي إلى اجتياح أعمال العنف كل أنحاء العراق وربما تمتد إلى دول المنطقة المجاورة التي قد تجد نفسها جزءا من الصراع الدائر في العراق. وهذا هو (البعبع) الذي يحاول الرئيس بوش أن يخيف الرأي العام به حتى لا يواصل الأخير الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل وضع حد لنزيف الخسائر الأمريكية في العراق. ومع ذلك، يتابع الكاتب، فإننا نستطيع تفنيد السببين اللذين يرددهما بوش. بداية لا يمكن لتركيا ولا الأردن ولا إيران أن تسمح بتحول العراق إلى معقل لتنظيم القاعدة بالقرب من حدود هذه الدول.
كما أن الأكراد والعراقيين الشيعة لن يقبلوا بهذا بل إن الأغلبية الساحقة من العراقيين السنة لن يقبلوا بسيطرة تنظيم القاعدة ولا أفكاره على العراق. وتشير التقديرات إلى أن عدد المقاتلين الأجانب الذين يمثلون النواة الصلبة لتنظيم القاعدة في العراق لا يزيد عن 1000 مقاتل وسوف يضطرون إلى العودة إلى بلادهم في حالة انسحاب القوات الأمريكية من هناك. أما بالنسبة للسبب الآخر فيمكن القول فعلا إن أخطاء الرئيس بوش في إدارة الأزمة العراقية جعلت من إمكانية تحويل العراق إلى ساحة للحرب بالوكالة أمرا محتملا والسؤال هو كيف يمكن تجنب مثل هذه الحرب؟! وقد هدد وزير خارجية تركيا عبد الله جل بتدخل بلاده في العراق إذا أعلن الأكراد العراقيون قيام دولة مستقلة في شمال العراق.
خطأ بوش الكبير
ويتابع الكاتب قائلا: لكن الرئيس بوش يرتكب خطأ كبيرا إذا تصور أن الحل هو استمرار الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق. فالعراقيون السنة يرون أن الأمريكيين يعذبونهم ودمروا العديد من مدنهم ووضعوهم تحت حصار حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
والحل الوحيد لمنع اشتعال حرب أهلية في العراق هو انسحاب الولايات المتحدة من معادلة القوة بين الطوائف الثلاث التي لن تجد في هذه الحالة مفرا من تقديم تنازلات متبادلة والوصول إلى حلول وسط. لذلك يجب أن تعلن الولايات المتحدة اعتزامها سحب وجودها العسكري من العراق وهو ما يفتح الباب أمام السنة للانضمام إلى مائدة المفاوضات كما سيضغط على الشيعة والأكراد من أجل التوصل إلى حل وسط مع السنة. ولكن الخروج الأمريكي البسيط من العراق لن يكون كافيا للوصول إلى هذه الصيغة والمطلوب إجراء مفاوضات مع مختلف الأطراف لإنهاء الحرب الأهلية على غرار ما حدث في أيرلندا الشمالية ولبنان.
وتحتاج المحادثات إلى شريك في المفاوضات. والخطوة الأولى في العراق يجب أن تكون إجراء انتخابات محلية جديدة. ففي الانتخابات الوحيدة من هذا النوع التي أجريت في العراق في يناير 2005 رفضت الأحزاب السنية المشاركة. ولذلك فالحكومات المحلية التي تشكلت في المناطق ذات الأغلبية السنية لا تمثل السكان بالفعل وأحيانا تكون خاضعة لنفوذ المتطرفين الشيعة كما هو الحال في محافظة ديالى. أما إذا أجريت انتخابات الآن فإن الطبقة السياسية السنية التي سيتم انتخابها يمكن أن تمثل واجهة للجماعات المسلحة في المحادثات السياسية كما كان الحال بالنسبة لحزب شين فين الجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي في أيرلندا الشمالية.
وقد اتخذت الولايات المتحدة خطوة صحيحة بمشاركتها في مؤتمر دول الجوار العراقي في بغداد حيث تحدثت بشكل مباشر مع كل من سورية وإيران بشأن سبل تحقيق الأمن في العراق. والآن يجب أن تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي من أجل عقد مؤتمر على غرار مؤتمر ستة زائد اثنين الذي عقد في مدينة بون الألمانية في ديسمبر 2001 بشأن أفغانستان بعد الإطاحة بحكم حركة طالبان في ذلك الوقت. ويجب أن يلتقي الرئيس العراقي ونائباه مباشرة مع وزراء خارجية تركيا وإيران وسورية والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت لمناقشة الطرق التي يمكن للأطراف الإقليمية الفاعلة في العراق أن تساعد من خلالها في تحقيق الأمن وإنهاء الحرب مع استعداد الولايات المتحدة وبريطانيا للانسحاب العسكري من العراق. وعلى العكس من مؤتمر بغداد يجب أن يصدر عن المؤتمر المنتظر خطة عمل وتعهدات ملزمة للأطراف المشاركة. ويجب التوسع في المشاورات الأخيرة التي جرت بين السعوديين والإيرانيين. ويجب في هذه الحالة دعوة الحكومة السعودية إلى تكرار دورها الناجح في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية من خلال اتفاق الطائف عام 1989 من أجل تحقيق السلام في العراق. ففي تجربة اتفاق الطائف نجحت الجهود السعودية في إقناع القيادات السياسية اللبنانية بضرورة التوصل إلى اتفاق وطني جديد يتضمن تقاسم السلطة وحل المليشيات المسلحة.
أما في مؤتمر (الطائف 2) المنتظر فيمكن لقادة الأقاليم العراقية وزعماء الكتل النيابية الرئيسية الاجتماع معا بحضور سفيري أمريكا وبريطانيا لدى العراق وممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومراقبين من الدول الست المجاورة للعراق.
فالملك عبد الله بن عبد العزيز يتمتع بمصداقية كبيرة لدى العراقيين. وبالتالي فإن العراقيين سيثقون في مقترحات الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي تتضمن تقديم مساعدات سعودية للأقاليم العراقية المتضررة من الحرب مثل محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية. ونظرا لأن السنة هم الذين يقودون المقاومة المسلحة فإنهم يحتاجون إلى معاملة خاصة في العملية السياسية بحيث يتم تهدئتهم وإغرائهم بالمشاركة السياسية وفي الوقت نفسه التلويح لهم بالتهديد من أجل التوصل إلى تسوية شاملة يكونوا طرفا فيها. ويجب إجبار الشيعة على حل المليشيات المسلحة وبخاصة جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر وفيلق بدر التابع لعبد العزيز الحكيم. كما يجب أن تلتزم إيران بالعمل مع حكومة المالكي من أجل تحقيق هذه الخطوة. كما يجب أن يكون نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة وبمشاركة كبيرة من دول منظمة المؤتمر الإسلامي جزء من الحل في العراق.
وعلى أساس تسوية (الطائف 2) يجب على الجيش الأمريكي أن يتفاوض مع السلطات المحلية في المحافظات العراقية من أجل التوصل إلى جدول زمني للانسحاب الأمريكي وبخاصة من المحافظات السنية. ويجب أن يدرك السنة أن الخروج الأمريكي من العراق سيكون سلاحا ذا حدين أي أن الولايات المتحدة لن تستطيع حمايتهم من الاعمال الانتقامية الكردية والشيعية إذا واصلوا نشاطهم المسلح. ويجب أن يكون هناك اتفاق على أن أي وجود عسكري للأمم المتحدة أو لمنظمة المؤتمر الإسلامي في العراق سيكون لحفظ السلام ولن يكون قادرا على فرض السلام. وأخيرا يجب تعهد الدول المجاورة للعراق بمساندة اتفاق الطائف 2 الذي يجب أن يستند في الأساس على حسن نوايا القادة العراقيين.