رواية أورويل (1984) تتحول إلى واقع حقيقي كيف تراقب عيون البنتاجون عالمنا الرقمي ؟! * إعداد: ياسمينة صالح
|
حريتنا الشخصية في خطر. كان هذا ما تنبأ به الروائي البريطاني جورج أورديل الذي كتب رواية بعنوان (1984) تدور حول تحكم الاخ الاكبر في كافة تحركاتنا ومراقبته لكل شاردة وواردة. هذا السيناريو الخيالي الذي تنبأ به اورويل في الثمانينات من القرن الماضي يبدو أنه قد تحول إلى واقع بعد احداث 11 سبتمبر التي ضربت الولايات المتحدة. فأمريكا التي تشن الحروب لأجل الدفاع عن الحريات الشخصية والعامة هي نفسها التي تقيم حصاراً دولياً على نفس تلك الحريات الشخصية والعامة هنا وهناك.
لن تستطيع بعد اليوم أن تكون حراً، بالمعنى المجازي. لن تستطيع أن تتكلم وتضحك أو تفكر من دون أن تستشعر أن ثمة من يراقبك، وأن الذي يراقبك هو في الحقيقة ذلك الذي سيورطك بتهمة الإرهاب! لن تستطيع أن تفتح بريدك الالكتروني من دون أن يقرأ ذلك (الآخر) رسائلك ويبحث بدقة بين سطورها عن شيء أنت لا تراه بالضرورة ولكنه يراه لأنه في النهاية يريد أن يربط بينه وبين الإرهاب أيضا! أنت إن غضبت على نشرة الأخبار واتهمت الإدارة الأمريكية بأنها ترتكب المجازر في العراق فستتهمك (العيون الأمريكية) بالإرهاب، وإن غضبت على المجازر التي ترتكبها إسرائيل داخل الأراضي المحتلة فستتهمك (العيون الأمريكية) بالإرهاب أيضا، لأنك ببساطة فقدت حتى حرية موقفك!
عولمة الاعلام
تكنولوجيا الإعلام الرقمي تحدت كل التخمينات، طبقاً لما يقوله كلود شانتييه في صحيفة اللوموند ،لأنها صارت أقرب منا في كل مكان نذهب إليه. لا يمكننا رؤية القمر الصناعي وهو يحوم فوق رؤوسنا يومياً، ولكننا نرى تلك الرسائل الغامضة التي تردنا من وقت لآخر على بريدنا وعلى هاتفنا الجوال والتي تبدو كأنها وصلتنا بالخطأ، ولكنها ليست كذلك. كل العناصر تبدو اليوم جاهزة لعولمة منظومة الإعلام الرقمي، بحيث إن عبارة (شخص) تعني في الحقيقة مجموعة من الأشخاص يحملون نفس فصيلة الدم ونفس الاسم ونفس الميول أيضاً، ونفس الطريقة في الكتابة وفي الضغط على الحروف أو في النقر على لوحة المفاتيح أثناء الرد على البريد الالكتروني. ربما ما لا يعرفه الناس أن البنتاجون استطاع منذ سنة أن يؤسس مكتبه الأخطر والذي يعرف باسم: مكتب المنظومات المعلوماتية والذي يتمثل دوره في (التجسس) على الإنترنت وعلى الهواتف الجوالة داخل وخارج الولايات الأمريكية.. كانت عبارة H11 تعني المكتب الحادي عشر والذي يعتبر من أكثر المكاتب حركية ونشاطاً يحمل الاسم الرسمي مكتب البحوث الدفاعية المتقدمة بحيث إنه يستمد معلوماته مباشرة عبر الأقمار الصناعية وفق نظام يبدو معقداً ولكنه يقوم على مجموعة من الأرقام والأسماء والدول التي يتم التركيز عليها في عملية البحث عن الإرهابيين المحتملين، ليس هذا فقط، بل ثمة ملفات رقمية مشفرة عن ملايين الأشخاص الذين توضع عليهم إشارة رقمية لتحديد أهمية كل ملف وبالتالي أهمية كل شخص يرمز إليه الملف..
يتكون مكتب H11 والذي يطلق عليه اسم (العين السحرية) من مجموعة من الخبراء في نظام الإعلام الرقمي، وخبراء نفسانيين مختصين في علم الجريمة، لهذا فإن تقارب التخصصات يندرج أساساً في نفس الهدف الذي يريد البنتاجون الوصول إليه متفادياً أخطاء الحرب الباردة التي كانت تقوم على جملة من المفاهيم التي لا يمكن إدراجها بنفس المعاني اليوم، على اعتبار أن العلم تطور والذين أرادوا الوصول إلى درجات من الخبرة التكنولوجية هم أنفسهم الذين يسعون إلى احتكارها واعتمادها كوسيلة للضغط على الآخرين عبر حرمانهم منها أولا وبالتالي إخضاعهم إلى أسلوب التخلف العلمي كما حدث مع دول العالم الثالث. ربما أن دولة مثل (لوسيتو) في إفريقيا تبدو أقل تعرضاً للمراقبة، يقول جريمي دوبان في دراسة كتبها عن الرقابة الأمريكية في العالم، لأنها من الدول الأكثر تخلفاً في القارة الإفريقية، على الرغم من موقعها الجغرافي الاستراتيجي من المنظور السياسي والعسكري الأمريكي، لكن (رادارات الكونجرس) غير دقيقة بحكم أن في لوسيتو كل شيء ما عدا وسائل الاتصال القادرة على كشف ما ترغب الولايات المتحدة في كشفه بحثاً عن (أعداء محتملين) بأسلوب الحرب الالكترونية الجديدة، وبميكانزمات جديدة أيضاً.
يعتمد مكتب البحوث الدفاعية المتقدمة الأمريكي على ما يمكن تسميته آلياً بأخطاء الآخرين، ربما لأن العالم يهرع باستمرار نحو ما هو جديد، والناس لا يسألون كثيراً عن تقنيات الأجهزة التي يستعملونها أو يحملونها بين أيديهم، وهو الخطأ السهل الذي يسعى مكتب البحوث الدفاعية المتقدمة إلى نشره بين الناس، باسم التطور والتقدم العلميين.
قبل سنة، كان ثمة عقد رسمي موقع بين شركة الكترونية أمريكية ATC ومكتب الإعلام العسكري الأمريكي لأجل الاستفادة ، ليس من الأجهزة التي تنتجها تلك الشركة، بل من وثائق الاتصالات الدولية التي أبرمتها مع دول كثيرة في العالم، في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. نشر بعدها موقع كونفيدونسيال عبر الانترنت بعض خلفيات الصفقة التي اندرجت في إطار الوقاية من الإرهابيين المحتملين ، بمعنى برمجة الأجهزة المنتجة بعد 2001 على أساس نظام كامل يمكن اصطياد صاحبه بسهولة (في حالة وقوع شبهة ما). ومن أبرز الأجهزة المراقبة:
1 بطاقة السحب البنكية الرقمية: معظم الدول تتعامل بنظام البطاقات البنكية، ولعل بطاقات (اكسبريس) و(أمريكا) و(أوروبا) تعد من أكثر البطاقات البنكية شهرة، وهي التي تبدو مزودة بشرائح رقمية الكترونية يمكن لصاحبها أن يسحب بموجب رقم سري خاص به ما يشاء من المال من أي مكان يريد، سواء داخل بلده أو خارجه من دون أن ينتبه أو يعرف أن تلك البطاقة المزودة بنظام رقمي خاص بمجرد وضعها في جهاز خاص ترسل إشارات بعيدة المدى عبر الأقمار الصناعية إلى مكتب البحوث الدفاعية المتقدمة الذي يعمل بعدها آليا على مراقبة عملية السحب، بحيث يعمل النظام الرقمي على تحديد هوية الساحب في ظرف ثوانٍ فقط.
2 الهاتف الجوال: الجميع يعلم أن الهاتف الجوال صار في يومنا هذا جزءاً لا يتجزأ من ديكور الشخص. من النادر أن ترى رجلاً أو امرأة من دون هاتف جوال. هذا ثمن المظهر الذي يعني مجاراة لواقع ربما الكثيرون لا يعرفون ما يخفيه. لا يعرفون أن مكالماتهم البسيطة وأحياناً التافهة مراقبة عن بعد من طرف جيش من الفنيين العسكريين الأمريكيين، ورسائلهم الكثيرة تقرأ قبل وصولها إلى المرسل إليه بثانية واحدة. الذي يجب أن نعلمه جميعاً أن جهاز الجوال يعد من أكثر الأجهزة سهولة في المراقبة من قبل الأقمار الصناعية.. حتى حين لا يكون الشخص متصلاً يبقى الجهاز يرسل إشارات تكفي لتحديده. المكالمة عبر شبكة الجوال لا يمكنها أن تمر من دون أن تصل إلى الممول الرئيسي للشبكة المحلية الذي بدوره يرسلها إلى ممول الشبكة الدولية الذي يحول الاتصال أو الرسالة إلى الرقم المحدد. كل هذا لا يدوم في الحقيقة أكثر من ثوانٍ، لا يشعر بها المتصل ولكنها دقيقة بحيث إنه في حالة وضع الشبكة في حالة تصنت، يمكن تحديد ملايين المكالمات والتعرف على هوية أصحابها بموجب الشبكة المحلية والرقم الخاص وبالتالي المعلومات الخاصة لصاحب الخط التي تكون قد وصلت في ملف إلى أبعد حد عبر الكمبيوتر. ولهذا السبب يعد الهاتف الجوال بمثابة (الطوق) الذي يلبسه الشخص حول عنقه طواعية ويدفع بموجبه ثمناً مادياً للكلام بلا حرية!
3 ميكروسوفت وأنتل: من الناحية التقنية فقد حظيت شركة ميكروسوفت بدعم فني كبير من (بيغ بروذر) التي تعمل بنظام الويندوز وبنظام شبكة الاتصال عبر الانترنت Internet Explorer والتي استطاعت أن تفرض عند كل برمجة للويندوز تحديد ما يسمى تطابقاً في ملكية الشخص المستعمل، حتى لو كان الأمر يتعلق بجهاز مكتب أو مقهى انترنت. جهاز الكمبيوتر بكل أنظمته الجديدة، بالخصوص بنظام (الإكس بي) الجديد يعد جاهزاً للتواصل مع الآخرين، بينما من الناحية النظرية فهو الشكل الذي يتطابق مع نظام الرقابة الأمريكي الذي يستطيع فعلاً أن يراقب ملايين أجهزة الميكروسوفت المدعومة بإمكانية الاتصال عبر الإنترنت الذي هو في الأخير مصيدة جيدة. فكلما استغرق الشخص الوقت في تصفح الانترنت كلما كانت الفرصة جيدة لمراقبة جهازه وبالتالي مراقبة الصفحات التي يتصفحها عبر الإنترنت. وقد قال رئيس مكتب البحوث الدفاعية المتقدمة (وليام هدسون): إن عملية البحث العلمي الإلكتروني هي بالنسبة للأمريكيين مطلب حقيقي ليس لأجل احتكاره داخلياً فقط ، بل لأجل أن يكون العمل في متناول الآخرين فكلما كان العالم متطوراً الكترونياً كلما كانت عملية مراقبته سهلة!
أمريكا تخوض حربها (الخاصة) ضد الإرهاب، لا تتجسس على المؤسسات الرسمية لدول العالم، بل صارت تتجسس على الأفراد، على المواطنين الذين يعيشون يومياتهم بلا اكتراث لرنة هاتف قد تصل إلى البنتاجون، بحيث إنه حين يرد، فلا يسمع الرد وحده، بل ثمة من يتلقى الرد، وفق ملايين من الكلمات المشفرة التي تظل تبحث آلياً عن الرقم أو الاسم المشبوه. فأن تقول لصديقك: (مرحباً يا جون) فاعلم أن هذه الكلمة يمكنها أن تصير جملة أو ملفاً كاملاً، يندرج تحته عبارات أشبه بالكلمة السرية التي كان يتداولها الثوار إبان القرن العشرين في أمريكا الجنوبية حيث كانت عبارة (الشمس مشرقة) تعني (وصلت شحنة السلاح) ! وهذا بالضبط ما تفعله أمريكا.. إنها تصنع ألفاظاً وتوزعها وتبحث بعدها عمن يستعملها أكثر من غيره. بحثاً أولاً وأخيراً ودائماً عن الإرهابي الذي يسكن بداخلنا جميعاً !!!
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|