ريبورتاج - غادة إبراهيم:
تفشت في مجتمعاتنا ظاهرة خطيرة، وهي استخدام الطلاب الصغار الجوال؛ حيث تحرص الكثير من الأسر على تزويد أولادها بمثل هذه الأجهزة، وقد استغنى هؤلاء الفتية عن الألعاب التي تناسب سنهم مثل البلاي ستيشن والإكس بوكس وغيرهما مقابل اقتناء الجوال الذي يتغير موديله من حين إلى آخر، ويفضل العديد من هؤلاء الطلاب الصغار جوالات الكاميرا ذات الألوان البراقة التي باتت الرفيقة الدائمة والبديل الجديد لهم عن أشياء أخرى كثيرة. إنها التقنية الحديثة التي انتشرت في السنوات الأخيرة بين الفتيان والمراهقين، ولا شك أنها تؤثر بشكل سلبي في سلوكهم الاجتماعي وفي علاقاتهم بالآخرين.
يجمع عدد من أولياء الأمور على أنه لا ضرر من استخدام أبنائهم الصغار الجوال ما داموا يستخدمونه في حدود المعقول، ويرون أهمية وجود الجوال مع الأبناء رغبة منهم في التواصل الاجتماعي والاطمئنان على أبنائهم. وتعتبر بعض الفتيات أن الجوال أصبح ضرورة اجتماعية ولم يعد من الكماليات، ويؤكدن حرصهن على استخدام الجوال في جانبه الإيجابي وتجنب الاستخدام السيئ للتقنية.. هنا استطلاع يلقي الضوء على استخدام الطلاب الصغار والطالبات للجوال ومدى شيوع ذلك وخطورته.
رأي البنات
تقول ريم الجابر (طالبة في الصف الأول الثانوي): (إن اقتنائي للجوال ناتج عن حاجة ملحة وحقيقيّة؛ وذلك للاطمئنان على أمي عند وجودي خارج المنزل مع أقاربي أو أصدقائي أو إخبارها بمكان وجودي أو للتواصل مع السائق). وتؤكد ريم أنها لا تستخدم الجوال استخداماً خاطئاً في البلوتوث مثلاً، أما الكاميرا فهي - على حد قولها - للصور التذكارية فقط.
أما مهرة العتيبي (طالبة بالصف الثالث المتوسط) فتقول: (لم يعد الجوال من الكماليات بل هو ضرورة للتواصل مع الأهل والصديقات، كما لم تعد استخداماته محصورة في المكالمات بل له مزايا إضافية تدفع الفتاة إلى اقتنائه، منها أن بعض الجوالات مزوّد بذاكرة كبيرة تستوعب ملفات الصوت التي نسجلها أو نحملها على الجهاز ليصبح كالمسجل المتنقل معنا). وعن تقنية البلوتوث تقول مهرة: (تتيح هذه التقنية التواصل بشكل سري مع أشخاص لا تعرفهم في نفس المكان، مثل الأسواق، وكثيراً ما تصل صور ورسائل سيئة، إلاّ أن بعض رسائل البلوتوث جيدة وممتعة ومفيدة، وهناك صور جميلة يمكن الاحتفاظ بها على الجهاز، ويمكن لنا طبعاً أن نقوم بحذف ما لا يعجبنا...).
في نفس السياق تقول سديم الحميدان وهي الآن طالبة في الصف السادس الابتدائي: (حصلت على الجوال في الصف الثالث وأستعمله لأطمئن على أصحابي وأمي ولا أفتح البلوتوث إلا بإذن أمي لالتقاط صور عائليّة في أغلب الأحيان). وتشير الحميدان إلى أنها تفضل الجوال على أي لعبة وأنه لا يفارقها.
موقف الأهل
على صعيد آخر، وفيما يتعلق بموقف الأهل من هذا الموضوع تقول أم عبدالعزيز (ربة منزل): (اشتريت لأبنائي جوالات ليستخدموها حال خروجهم من المنزل أو للنزهة أو لتنسيق مواعيد الحضور والذهاب). وتضيف أم عبدالعزيز أن الجوالات لها سلبياتها وإيجابياتها، ومن المهم جداً تجنب الجانب السلبي والتركيز على إيجابيات هذه التقنية، لكن مع ذلك يجب تقنين استخدام الجوال، وعلى الآباء - بحسب أم عبدالعزيز - عدم ترك الجوال لعبة تشوّش على الفتيان والفتيات صفو حياتهم.
خلود الفيصل (مدرسة ابتدائي) ترفض منع الجوال عن أبنائها حيث إنها تعمل والجوال وسيلة مهمة للتواصل مع أبنائها من أجل الاطمئنان عليهم، وتؤكد أن أبناءها لا يعتبرون الجوال ملكهم بل هو ملك لها وهي تعطي الجوالات لأبنائها عند خروجهم متى احتاجوا إليه، وأنه ليس من حقهم العبث به أو استخدامه في أشياء لا فائدة منها.
نورة محمد (أم) تقول: (إن ظاهرة امتلاك الطلاّب الصغار للجوال من الأمور الخطيرة فابني في الصف الثاني المتوسط ويصر على حمل الجوال وتجديده أسوة بأصدقائه وكل ما أستطيع فعله هو مراقبته قدر المستطاع والاطلاع على الصور والرسائل المخزونة، ولكن دون جدوى فهو يحتفظ برقم سري وصار الجوال شغله الشاغل! ومع ذلك تستنكر نورة استخدام الطلاّب الصغار للجوال وتقول: الجوال يصنع فجوة بين الطفل وأهله ويعوّده على الاتكالية؛ فوجود البلوتوث والصور الإباحية - لا سمح الله - في متناول الصغار تهديد لهم.. وكيف نعطي للمراهقين الجوال وهم في الغالب لا يدركون مدى خطورة هذه الأداة التي بين أيديهم؟).
بدورها تبدي حصة الفارس (مديرة مدرسة) تذمراً، وتقول: (الجوال مشكلة العصر، خاصة للطلاب الصغار، ودوري كمديرة مدرسة هو فرض رقابة مشددة على الطالبات واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال من تحضر جوالاً، ودوري توعيتهن بذكر مضار الجوال الصحية والاجتماعية وأنصحهن حتى بتجنب استعماله قدر الإمكان حتى خارج المدرسة، فيجب عدم التساهل تجاه حمل الجوالات في المدارس وإجراء عقوبات حيال من يحملها، كما أن استخدام الكبار له بطريقة سيئة يفاقم المشاكل؛ فما بالك مع الطلاب والطالبات الصغار؟ الأمر برأيي يحتاج إلى سلطة ضابطة).
خديجة العييري (طبيبة) تستنكر هذه الظاهرة حيث تقول: استعمال الصغار للجوال خطر محدق بنا يهدد الأجيال الصاعدة. لقد استغنوا عن البلاي ستيشن وسيارات السباق، واستغنت الفتيات عن (باربي) و(فلة) وأصبحت الجوالات شغلهن الشاغل يهتممن بأحدث موديلاتها وأصبحت تحتل الصدارة الأولى لهدايا النجاح دون رقابة أو توجيه أو تدخل من الأهل لحماية الصغار والصغيرات من مخاطر الجوال الاجتماعية والصحية، والمسؤولية هنا - بحسب الطبيبة العييري - تقع على عاتق الأهل في السيطرة على هذه التقنية بين يدي صغارهم؛ حتى لا تصبح وسيلة للتفاخر والاستهتار وعدم المبالاة لديهم.
رأى علماء النفس والاجتماع
ترى الدكتورة مها التويجري أن التقنية الحديثة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين الطلاب والمراهقين، وخاصة الجوالات تؤثر بشكل سلبي في سلوكهم الاجتماعي وعلاقاتهم بالآخرين، وأشارت إلى أن انتشار الجوالات لدى الصغار جعل الكثير منهم يتطلعون إلى أشياء مادية أكبر من عمرهم مما يؤثر في متطلباتهم المستقبلية التي ستكبر وتتضاعف قبل أوانها، وتقول التويجري إن الانتشار الكبير للجوالات بين صغار السن يعد من السلبيات التي تكاد تنعدم إيجابياتها؛ فوجوده في متناول المراهقين يجعل المجال متاحاً لهم للتعامل مع التقنيات الحديثة بشكل سلبي. وتضيف الدكتورة أنه يمكن أن يستغل المراهقون التقنيات الحديثة التي تتوافر لديهم بشكل مفتوح ودون رقابة. كما أن الانتشار الكبير للجوال جعل وجوده من الكماليات الضرورية للصغار حيث يسعى المراهق للحصول عليها بأي طريقة أو عن طريق الضغط على الأهل أو الأصدقاء أو من خلال طرق أخرى.
وتؤكد الدكتورة التويجري أن وجود الجوال خلق نوعاً من التباعد بين الناس في المجتمع وجعل بعض الأشخاص يتصرفون بشكل غير لائق ويتحدثون بأصوات مرتفعة؛ مما يؤثر في مجمله على سلوك الصغار الذين تنقل لهم هذه السلبيات عن طريق التقليد. كما ترى التويجرى أن الجوال في يد الصغار يخلق فجوة بينهم وبين أهلهم حيث يلغي التواصل ويصبح أداة للاستغلال من خارج الأسرة ومن داخلها حيث يتأثر بمن هم أكبر منه سناً أو في مثل سنه، ويتعود على الاتكالية والحصول على طلباته بسهولة، إضافة إلى الخسائر المادية من فواتير وتجديد جوال. وكذلك السلبيات النفسية والسلوكيات غير الأخلاقية، وأكدت التويجري في ختام تعليقها على حاجة الصغار الماسّة إلى التوجيه وينبغي بذل الجهد المكثف للتواصل معهم.