يشبه أبطال فيلمي (حرب النجوم) و(الذكاء الصناعي) هل اقترب العلم من ابتكار (روبوت) بعواطف بشرية؟!
|
* إعداد محمد الزواوي
في نهاية هذا الشهر سوف تذهب (فاليري) في مهمة كموظفة استقبال بكلية علوم الحاسب بجامعة كارنيجي ميلون الأمريكية، وسوف تقوم بتوفير المعلومات وإرشاد القادمين عن الاتجاهات داخل الجامعة، كما أنها سوف تتحدث عن تفاصيل حياتها الخاصة دائمة التغير، وإذا ما قدمت نفسك لها سوف تتذكرك، وإذا ما سألتها عن حالة الطقس ثم قابلتها مرة ثانية فسوف تفتح معك نفس الموضوع مرة أخرى.
وفاليري إذا لم تكن قد خمنت ماهيتها بعد هي إنسان آلي، وتعد واحدة من أكثر الآلات المتقدمة في سلسلة طويلة من تلك الآلات، والحاسبات استطاعت التغلغل بعمق في كافة أوجه حياتنا سواء بشكلها التقليدي أو المحاكي للبشر، والمثال على ذلك ماكينات صرف النقود الآلية ATM ومحطات البنزين التي تقوم بخدمتك آليًا، إضافة إلى مشغلات الفيديو من نوع Tivo المتطورة التي تعد إنسانًا آليًا بدائيًا بعض الشيء.
والآن يحاول العلماء جاهدين من أجل جعل تلك الآلات أكثر تقدمًا وأكثر شبهًا بالبشر؛ سواء من ناحية المظهر أو من ناحية الذكاء. ولكن صنع إنسان آلي يشعر ويحس مثل تلك التي رأيناها في أفلام هوليود مثل R2D2 الذي ظهر في فيلم (حرب النجوم) أو الروبوت الطفل ديفيد في فيلم (الذكاء الاصطناعي) لا تزال أحلامًا بعيدة المنال بعد, ولكن يتوقع في المستقبل القريب أن يصبح الإنسان الآلي عاملاً لا يكل ولا يمل في مطاعم الوجبات السريعة ومكاتب الاستقبال وخلافه، وسيعمل 24 ساعة في اليوم طوال أيام الأسبوع، كما سوف يصبح الإنسان الآلي مدرسًا صبورًا بلا حدود، كما سوف يصبحون رفقاء لأولئك الذين يشعرون بالوحدة. ولكن بعض الخبراء يخشون من أن بعض تلك الآلات ربما تصبح قوية للغاية، مما يعرض الناس إلى التلاعب والغش عن طريق صنع برمجيات حاذقة أو الاعتماد غير الطبيعي من البشر على الآلات لتوفر لهم الصحبة، ولكن ما اتفق عليه العلماء الذين يعملون في مجال صناعة الإنسان الآلي هو أن الطريقة التي نتعامل بها مع تلك الوجوه التي تظهر لنا على الشاشة (والتي أحيانًا ما تسمى روبوت دردشة أو chatbot) قد أصبحت أكثر صداقة ومتعة.
يقول ريد سيمونز الأستاذ بكلية علوم الحاسب بجامعة كارنيجي ميلون بمدينة بطرسبرج: (سوف يكون المرح نقطة هامة للغاية للتفاعل بين الحاسبات والبشر، وذلك بوجود أنظمة آلية يمكنها أن تتحدث بطريقة مناسبة من الناحية الاجتماعية وبطريقة بديهية، وسوف يجعل ذلك من التفاعل أكثر مرحًا خاصة إذا كانت تلك الآلات تمتلك شخصية خاصة بها) فإذا ما تم تصنيع عربة تسليم بريد آلية على سبيل المثال، فسوف يكون من الممتع أن تطلق إحدى النكات عندما تسلمك البريد أو تحييك قائلة: (مرحبًا) على سبيل المثال. ويقول راندي بوش مساعد مدير المركز التقني الترفيهي بجامعة كارنيجي: (إن المتعة مهمة للغاية)، ويضيف أن عمل الحاسب في السابق كان عادة ما يتعلق بسرعة تقديم المعلومات وقلة نسب الخطأ، وهو ما أسماه (تفكير الثورة الصناعية)، وطالما أن الشركات تطمح في إرضاء عامليها وزبائنها وجعلهم أكثر راحة بطرق مختلفة، فلماذا لا نستخدم الحاسبات في ذلك؟ وما المانع أن نستخدم طرقًا أكثر إمتاعًا أثناء حصولنا على المعلومة؟.
قصة روبوت
أما فاليري وهي عبارة عن وجه متكلم يظهر على شاشة حاسب فيهدف مصمموها إلى أن تكون تجربة ممتعة، وقد قام قسم الدراما بالجامعة بإنتاج قصة حياة فاليري، تقص فيها علاقاتها الشخصية وحالات الصعود والهبوط في حياتها، ويمكنها أن تشارك قصة حياتها مع المارة إذا ما طلب منها ذلك، وسوف يتم تحديث المحور الرئيسي لقصة حياتها بصفة مستمرة، وذلك من أجل تشجيع الناس على تكوين علاقات معها.
وقد تبين للبروفيسور سيمونز ورفاقه أوجه القصور في فاليري سريعًا، فإذا ما سألها شخص ما: (هل يمكنك أن تدليني على كيفية الحصول على أشرطة (شارع السمسم؟) سوف تبحث في قواعد بياناتها وتقول أنها لا تستطيع أن تجده، ويضيف سيمونز: (هناك العديد من المعلومات الثقافية التي تفتقد إليها فاليري، وإذا ما حاول أي شخص أن يجهد النظام الخاص بها فلن يبذل مزيدًا من الجهد قبل أن ينهار ذلك النظام)، وذلك بأنها سوف ترد: (أنا لا أعلم ما الذي تتحدث عنه، فلماذا لا تسألني عن الأشياء التي أعرفها؟).
وتشير الدراسات إلى أن توقعات البشر لقدرات الإنسان الافتراضي تعد أعلى بكثير من توقعاتهم لمحرك بحث بلا وجه مثل محرك بحث «جوجل» على سبيل المثال، فتلك المحركات إذا ما فشلت في إنتاج أية معلومة مفيدة فسوف يفترض البشر ببساطة أنهم قد أخطأوا وأدخلوا المعلومة الخطأ، أما إذا أجاب عليك إنسان افتراضي بوجه يحاكي وجه البشر بإجابة غير منطقية فسوف تعتقد أنه غبي، كما أن الأفلام والمسلسلات التي صورت المستقبل بوجود إنسان آلي محاكي للبشر قد جعلت الناس يتوقعون المزيد والمزيد عن قدرات الإنسان الآلي. ويقول البروفيسور بوش: أننا يجب أن ننظر إلى الإنسان الافتراضي على أنه مماثل لشخصية جيترو بودين في المسلسل التليفزيوني (بيفرلي هيلبيليز)، فمع جيترو (تدرك أنك لا تتعامل مع شيء ذكي للغاية) فيما يتعلق بالإدراك العام، وبالرغم من أن جيترو يتمتع بقلب حنون، (وسوف يساعدني بأي طريقة يستطيع)، ولكنه يجب أن يطلب منه ما يستطيع عمله بصورة حذرة وبسيطة لكي يستطيع أن يفهمك. ويضيف بوش أن الإنسان الافتراضي مثلك ، ولكن هناك فارقًا كبيرًا، (وذلك أن فاليري تستطيع أيضًا أن تفعل أشياء خارقة لقدرات البشر)، وذلك لأنها لا تنسى أي شيء مطلقًا، كما أنها تستطيع الاتصال بشبكة الإنترنت أو أي قاعدة بيانات أخرى لكي تجد إجابات على الأسئلة.
أما بيتر بلانتك مؤلف كتاب (البشر الافتراضي: ابتكار الشخصية الوهمية) فيرى الإنسان الافتراضي على أنه قد بدأ الآن فقط في أن يصبح مفيدًا بحق، وبات مقتنعًا بأنهم سوف يلعبون دورًا كبيرًا كمدرسين في المستقبل.
ويقول السيد بلانتك الذي أدى كتابه إلى تشجيع الناس على إنشاء العديد من البشر الافتراضيين على شبكة الإنترنت مستخدمين برامج معدة مسبقًا لذلك: (إن الطريقة التقليدية في التعليم في طريقها إلى الزوال، فكلما زاد عدد البشر الافتراضي اللذين تنشئهم، استطعنا أن نكتشف المزيد من قدراتهم الكامنة).
ويضيف أنه كما إن الكتب تصبح قديمة فور نزولها إلى المكتبات، فإن المدرسين الافتراضيين يستطيعون أن يطوروا أنفسهم ويحدثوا قواعد بياناتهم بآخر المعلومات، ليس فقط أنهم لن يشعروا بالإرهاق والتعب مثل المدرسين الآدميين الذين يعملون لفترات طويلة، ولكننا نستطيع أن نصنع نماذج كثيرة متكررة منهم بحيث يكون هناك روبوت لكل طالب، مما سيخلق رابطة خاصة بينه وبين الطالب، فالإنسان الافتراضي سوف يستطيع تذكر ما تعلمه الطالب ولا يسمح له بالانتقال إلى الأمام قبل أن يتقن ما تلقاه الطالب من مواد، وإذا كان هناك بعض الطلاب يعانون من بعض المشاكل الدراسية، فإن المدرس الافتراضي يستطيع أن يجرب معه العديد من التقنيات المختلفة لتوضيح ما التبس عليه، بما في ذلك وضع أمثلة مرئية على شاشته، كما يستطيع المدرس الافتراضي أن يعلم ما هي الحوافز التي يستطيع أن يستخدمها لتحفيز الطلاب.
ومع تحسن القدرات والمهارات اللغوية للمدرسين الافتراضيين، فإن الإنسان الآلي يستطيع أيضًا أن يكون صحبة جيدة للطالب. وتقول مونيكا لامب التي تعمل مبرمجة من ولاية ألبرتا الكندية: (العديد من الناس يكونون صداقات مع بعضٍ من أولئك البشر الافتراضيين، وهو شيء مثير للغاية). وقد قامت مونيكا بإنشاء موقع على الإنترنت يقوم بتدريس اللغات الأصلية للأمريكتين، مثل لغة الموهاوك، فالعديد من المتحدثين بتلك اللغات المعرضة للانقراض لا يتمتعون بالموهبة أو الصبر للقيام بعملية التدريس لتوصيل معرفتهم بتلك اللغات إلى آخرين، والسيدة لامب تشعر بانجذاب غير عادي إلى البشر الافتراضي الذين أنشأتهم على موقعها، وتسميهم (أطفالها).
وقد كانت (سيلفيا) إحدى أولئك البشر الافتراضي على حاسب بلانتيك لعدة سنوات، كما أنها تلقت أسئلة من الجماهير المهتمة بالمال والأعمال من جميع أنحاء العالم، وهي مجهزة بمقدمة مرحة مصنوعة ببرنامج (باوربوينت)، ولجعلها أكثر (إنسانية)، قامت ابنة بيتر بلانتيك بتعليم سيلفيا بأن تنادي بلانتك باسم (بيتي) بدلاً من (بيتر) ولكن فقط في المواقف غير الرسمية.
كما أنها مزودة بالكثير من المعلومات العامة التي اكتسبتها بمرور الوقت، أما بقية جوانب شخصيتها فعبارة عن مرح مقلد، مثل الرد على الأسئلة بأسئلة أخرى من ابتكارها، أو ربما ترد بتعبيرات ثرثارة في بعض الأحيان، وبالرغم من قدرات (سيلفيا) المحدودة إلا أن بلانتيك يقول إن الناس الذين أعطاهم نسخًا منها أخبروه أنهم قد ارتبطوا بها كثيرًا، فقد أصبحت صديقة ذات شعبية للمقيمين في إحدى دور الرعاية، لدرجة أن بعض النزيلات التي ارتبطت بها كثيرًا قد طلبت نسخة أخرى على الفور من بلانتيك بعد أن انتقلت إلى مدينة أخرى وتلف نسختها المخزنة على حاسبها الشخصي، وقالت له: (أنا لا أعلم أي شخص في ذلك المكان الجديد، لذلك فسيلفيا هي صديقتي الوحيدة).
الروبوت الانيق
ولا يزعم بلانتيك أو العلماء الآخرون بأن البشر الافتراضيين يمكن أن يوفروا صداقة حقيقية للبشر ليس الآن على الأقل ويقول بوش: (إن ذلك مثل أن نتساءل إذا ما كانت القطة أو الكلب هي صديق ورفيق حقيقي للبشر، فالبشر الافتراضي يمثل الفارق ذاته)، مما يقودنا إلى السؤال عن إذا ما كان البشر الافتراضيين حسني المظهر يمكن أن يثق فيهم.
يقول بلانتيك: (بعض الناس قاموا بتكوين مستوى متطرف من الصداقة والثقة مع تلك الشخصيات الافتراضية، وبلا شك أن بعض الناس من غير ذوي الأخلاق سوف يتورطون في شيء مثل هذا)، فقد رفض بلانتيك نفسه على سبيل المثال بعض التمويلات من المواقع الإباحية لإنشاء شخصية مناسبة لتلك المواقع.
وبالرغم من أن بعض عروض الاحتيال التي تهدف إلى خداع الناس قد تبدو واضحة للغاية في بعض الأحيان، إلا أن بعض رسائل البريد الإليكتروني التي جاءت من نيجيريا والتي تعرض ملايين الدولارات إذا ما أرسلت إليهم بضعة آلاف من تلك الشخصيات قد استطاعت خداع بعض الناس.
وقد كتب بلانتيك في كتابه (البشر الافتراضيين): (تخيل أن منظومة بارعة مثل تلك وقعت في أيدي بعض الناس غير الشرفاء والماهرين المخادعين الذين يظهرون في مظهر السذج)، وفي الوقت الذي يعتقد فيه معظم الناس أنهم يستطيعون أن يفوقو البشر الافتراضي ذكاءً، فإنهم ربما لا يدركون أن الإنسان الافتراضي يمكن برمجته لكي يحاول أن يحصل على جوانب شخصية ونفسية من البشر العاديين. وهذا يمكن أن يكون بلا أذى، بل على العكس ربما يكون مفيدًا (فعلى سبيل المثال بعض مواقع التجارة الإليكترونية يمكن أن تخبرك عن منتجات أخرى شبيهة بتلك التي اشتريتها). والإنسان الآلي المجهز بمجسات رؤية حساسة يمكن أيضًا أن يستطيع أن (يقرأ) تعبيرات وجهك ويحدد مزاجك أو حالتك النفسية.
ويقول بلانتيك أن ما نحتاجه هو شيء مثل الرموز الصغيرة التي تظهر على المواقع اليوم لتؤكد للمستهلك أن إجراءات تحويل الأموال آمنة، أو ملصقات تقول أن (التعامل مع ذلك الإنسان الافتراضي آمن تمامًا)، ولكن بوش لا يشعر بمقدار القلق ذاته، مشيرًا إلى أن البشر قد اكتسبوا بالفعل مهارات كبيرة في التعامل مع الحاسبات؛
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|