بين تجربتَي أوروبا والولايات المتحدة تطوير التعليم المستند إلى المعلوماتية
|
* إعداد : إبراهيم الماجد
تطمح الحكومات في كل أنحاء العالم إلى تطبيق مناهج تعليمية جديدة تستفيد من التطورات التكنولوجية لنشر العلم وأدوات التعلّم الجديدة، والمشاريع العديدة، لكن أبرزها ما أقرته البلدان المتقدمة تكنولوجيا حيث يتوافر نظام اتصالات على أعلى مستوى من حيث التقنية والمرونة.
وبنظرة سريعة إلى المنجزات العالمية في هذا الإطار، يلفت النظر مشروعان، الأول في الولايات المتحدة الأمريكية والثاني في الاتحاد الأوروبي، لكل من المشروعين مميزاته وتوجهاته لكنهما معا يتميزان بخطة زمنية وخطوات محددة، وهذا يعني أن المشروع خاضع لمراقبة وأولويات مستمرة.
ومع أن الإدارة الأميركية الحالية طبقت مشروعا اقتصاديا تحت سقف (ضمانات اجتماعية اقل، حرية قطاع خاص أكبر) خلال مواجهتها المشكلات الاقتصادية مع بدء مرحلة الركود وأحداث 11 أيلول/ سبتمبر، إلا أنها واصلت تنفيذ مشروع تطوير التعليم في أنحاء الولايات. أما الاتحاد الأوروبي الذي يتميّز بخطته بعيدة الأمد، فيطبق مقاربة تعليمية تأخذ في الاعتبار مشكلات الاتحاد وخصوصيات بلدانه الاقتصادية والتعليمية.
لكن كيف تبدو التجربتان؟ وما هي العناوين العريضة التي تقودهما؟
يعتبر وزير التعليم الأمريكي رود بايج الوزير السابق ريتشارد دبليو رايلي من أشد المتحمسين لإكمال تنفيذ مشروع تطوير التعليم المبني على أسس تكنولوجية.
والمشروع الذي بدأته إدارة الرئيس بيل كلينتون هو نفسه الذي تعتمده الإدارة الحالية إلا أنها لا تتقدم بالاندفاع نفسه.
ويشتهر الوزير السابق رايلي بأنه قال في إحدى المناسبات: يستحق جميع طلابنا مدرسين على أعلى مستوى، وإتاحة الفرصة لهم لاستخدام الإنترنت، وتوفير تكنولوجيا تعليمية مناسبة لتساعدهم في تحصيل العلم، والالتحاق بكلية ،والنجاح في وظائف القرن الحادي والعشرين.
ولتحقيق هذا الهدف علينا أن نمد أيدينا إلى أفقر الفقراء، وهذا يعني بذل جهد شاق لتوفير حقوق متساوية للحصول على تعليم من نوعية جيدة، هذا حق رئيسي من الحقوق المدنية في القرن الحادي والعشرين.
وعندما أدلى رايلي بهذا الكلام، وجه نداء إلى المدرسين والطلاب وأولياء أمور الطلبة ورجال الأعمال لكي يبنوا شراكات تشجع استخدام أجهزة الكومبيوتر والإنترنت من أجل تحصيل العلم.
فالمطلوب انطلاقا من هذا المبدأ هو وجود مدارس تتضمّن الادوات والامكانات المتكاملة من كتب الكترونية وأبواب مفتوحة على المعلومات سواء من الانترنت او الشبكات الالكترونية التعليمية.
وتعتبر وزارة التعليم الأمريكية حاليا بقيادة رود بايج أن ضمان استخدام المدرسين والطلاب في المدارس الأمريكية، وخصوصا أولئك الذين يعيشون في الأماكن الريفية والمناطق التي تنقصها الإمكانات الاقتصادية، للتكنولوجيا الفعالة، كان دائما هدفا من أهداف مبادرات حكومة كلينتون الكبرى في مجال التعليم منذ عام 1994 والمبادرات الحالية من إدارة جورج بوش الابن.
وكان إصدار قانون الاتصالات السلكية واللاسلكية عام 1996 إحدى الخطوات الأولى للمساعدة في تحقيق هذا الهدف، وقد رفع القانون عدد الذين يستخدمون الاتصالات السلكية واللاسلكية بإرساء (معدل إلكتروني) Electronic Ratio.
ويسمح المعدل الإلكتروني، الذي يُعرف أيضا بصندوق الخدمة العالمية للمدارس والمكتبات، بأنخفاضات في تكلفة خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية لجميع الأفراد والمدارس الخاصة والمكتبات.
وقد وفر هذا البرنامج منذ أن بدأ تطبيق القانون، أكثر من 4 مليارات دولار من أموال الخدمة العالمية، مخفضا بذلك تكلفة استخدام الإنترنت للمدارس والمكتبات.
وأجرى معهد الدراسات المدنية (وهي منظمة للبحوث مقرها واشنطن)، بتمويل من وزارة التعليم الأمريكية، دراسة على ما تم إنجازه حتى اليوم بعد تطبيق المعدل الإلكتروني، وجدت أن 75 ألف مدرسة و13 ألف مدرسة من مدارس المناطق، و4500 نظام من نظم المكتبات قد تقدمت بطلبات للحصول على تمويل في ظل برنامج المعدل الإلكتروني لتحسين المعدات وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
وخلصت الدراسة التحليلية التي قام بها المعهد إلى أن المعدل الإلكتروني يعمل بنجاح في تحقيق أهدافه، فكانت أشد المدارس احتياجا تحصل على أكثر الأموال.
وتفيد الدراسة أن أشد المدارس فقراً (تلك التي كان طلابها مؤهلين للحصول على وجبة غذائية مجاناً، وبأسعار منخفضة) كانت تمثل 25 في المئة فقط من مجموع المدارس العامة، ولكنها حصلت على 60 في المائة من الأموال، وكان ذلك جزءا فقط من التقدم الذي أحرز، فقد تحقق المزيد، عندما توصل رجال التعليم وأصحاب القرار السياسي إلى الإدراك ذاته في شأن الحاجة الملحة إلى دمج احدث تكنولوجيات الكمبيوتر والاتصالات بخبرات الطلاب والتلامذة.
وركزت الخطة القومية للتكنولوجيا التعليمية لوزارة التعليم بعد تطويرها في ظل توصيات من رجال التعليم وخبراء أكاديميين ومطوري التكنولوجيا وأقطاب رجال الأعمال، للفت أنظار القطاعين العام والخاص والولايات والدوائر المحلية إلى التكنولوجيا التعليمية للمرة الأولى.
واستجابة لذلك، طوّرت كل ولاية خطة لادراج استخدام التكنولوجيا في البرامج التعليمية بما يضمن تدريبا متطورا للمدرسين على هذه التكنولوجيات ووضع خطط للتمويل.
وقد ارتفعت نسبة غرف الدراسة التي تتوافر فيها إمكانية استخدام الإنترنت من 3 في المائة إلى 65 في المائة بين 1991، 1999 ومن المحتمل أن تصل نسبة المدارس المتصلة بالإنترنت إلى 100 في المائة بحلول نهاية السنة، وان يستمر ارتفاع نسبة غرف الدراسة القائمة بذاتها التي يتم ربطها بالإنترنت.
وكانت نسبة أفقر المدارس التي توافرت لديها إمكانية استخدام الإنترنت عام 1993 تبلغ 19 في المائة فقط، وارتفعت إلى 90 في المائة بحلول عام 1999.
كما ارتفعت نسبة المدرّسين الذين يتلقون تدريبا مهنيا متطورا على استخدام تكنولوجيات المعلومات من 51 في المائة عام 1994 إلى 78 في المائة عام 1998.
ومع تحقيق هذه المنجزات كأساس قوي، وبعد مرور أربع سنوات منذ أن طورت وزارة التعليم أول خطة لها، تقوم الوزارة الآن بمراجعة خطتها القومية للتكنولوجيا التعليمية.
وقد قفز استخدام التكنولوجيا في التعليم إلى مقدم الاهتمام الوطني، واستند ذلك بدرجة كبيرة إلى تأثيرها المتزايد باطراد في النمو الاقتصادي، وقدرتها على تغيير خبرات التدريس وتحصيل العلم.
وتعتبر وزارة التعليم الأمريكية انه مع تطور المشروع التعليمي ستتوافر لدى الطلاب والمدرسين قدرة شاملة على استخدام تكنولوجيا فعالة للمعلومات في غرف دراستهم ومدارسهم ومجتمعاتهم وبيوتهم.
وتعتبر ان دعم التعلّم في أي وقت، وفي أي مكان، يتطلب توفير أدوات تحصيل العلم المناسبة على نحو شامل، وسيستخدم جميع المدرسين التكنولوجيا بفاعلية.
وتشير إلى وجود حاجة مستمرة إلى التدريب، الذي يجب ألا يقتصر على استخدام التكنولوجيا، بل يجب أن يشمل أيضا سبل دعم قدرة الطالب على تحصيل العلم. وتعتبر الذهنية الامريكية التي تتعامل مع تطوير التعليم ان التعليم سيدفع قدما تعلّم الاقتصاد إلكترونيا.
وان الخدمات التعليمية والخدمات الأخرى ذات الصلة التي تقدم عن طريق الإنترنت تستطيع أن تصبح ثاني أعظم مبتكرات تطبيقات الإنترنت، ولذلك يجب دعم الابتكار في وسائل التدريس.
فمعلومات وتكنولوجيات الكومبيوتر توفر للطلاب نهجا متعدد الاستخدام لتحصيل العلم، وقدرات تفاعلية، ومفتاحا للمعرفة والخبرة بعيداً عن غرف دراستهم.
ويجب أن تكون التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من إصلاح التعليم،ولكن التكنولوجيا وحدها ليست كافية.
الإنسان أولاً
بسبب اتساع رقعته الجغرافية ركز الاتحاد الأوروبي على أهمية التعليم عبر الإنترنت. وفي واحدة من أبرز تجاربه أتت (المبادرة الأوروبية للتعليم الإلكتروني) Initiative European ELearning التي اتُّخذ قرار إطلاقها في بروكسيل وأدت الى بدء تنفيذ خطة إقليمية بدعم أوروبي.
وقد لخّص البعض هدف المبادرة على أنها عمل من أجل تنشيط الانتقال من التعليم التقليدي إلى التطبيقات الإلكترونية (برامج وأنظمة معلوماتية) الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالاتICT لتوفير نظام تعليمي مرن وبناء القدرات، أو كما تسميها جهات في الاتحاد الأوروبي (تصميم أساليب تعليم المستقبل).
ومع إقرار المشروع عام 2001 دعا مجلس الاتحاد الأوروبي أعضاءه الى 16 خطوة بينها:
رعاية ودعم اتجاه تعليمي أوروبي مشترك معتمد لتأسيس مناهج دراسية مرتكزة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مستوى التعليم العالي، وذلك عبر رعاية مبادرات مشتركة بين البلدان في مجال التعليم الجامعي ووضع نماذج شهادات ومعايير تعليمية مشتركة.
دعم التعاون وتبادل الخبرات في ميدان التعليم الالكتروني وتنمية المناهج خصوصا في دعم انشاء مجالات تلاقي افتراضية بين البلدان الاوروبية مثل مواقع الانترنت، واللقاءات الفيديوية Video Conference عبر شبكات الاتصالات، وغيرها، بالاضافة إلى إنشاء شبكات معلوماتية أوروبية متشابهة مخصصة للتعليم وتسخيرها لخدمة المعلّمين وجلسات التدريب والاتصالات التي يجرونها بطلابهم عبر الانترنت.
اقامة جامعات اوروبية (افتراضية) Virtual (أي تتواصل مع طلابها عبر الانترنت)، مبنية على شراكات وتعاون مع الجامعات الاوروبية التقليدية، وتوحيد المناهج التعليمية الاوروبية في مختلف الجامعات.
وقد اعتبر المراقبون المبادرة الاوروبية مشجّعة الا انها لم تتطرّق الى مجموعة مشكلات كانت واضحة وتجعل تطوّر فكرة التعليم الالكتروني ذا أفق واعد.
وبالنسبة إلى هؤلاء المراقبين، فقد كانت نسب استخدام الانترنت في بلدان أوروبية عديدة منخفضة، لذا كان مطلوبا ان تبذل جهود لرفع مستوى انتشار اجهزة الكومبيوتر وشبكات الانترنت وخفض أسعار استخدام الإنترنت.
المشكلة الثانية كانت توحيد المقاييس والمفاهيم ولغة تبادل المعلومات إلى أكبر حد ممكن، خصوصا بوجود لغات وطنية عديدة في أوروبا.
وفي ذلك الوقت، أي عام 2001، لاحظ خبراء اوروبيون في قطاع تكنولوجيا المعلومات وجود نقص كبير في العمالة الماهرة والخبرات التقنية متزامنا مع انخفاض في الاستثمار في القطاع.
وقد تطرّقت القمّة الأوروبية للتعليم من بعد في بلجيكا إلى هذه المسألة واعتبرت انه من الضروري رفع الحواجز من أمام استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وانتشارها واتصال الشبكات الأوروبية ببعضها.
كما أفضت القمة إلى إعلان مجموعة من التوصيات أهمّها:
ضرورة توفير الاتصالات المعلوماتية ( الانترنت، الهاتف الجوال) للجميع ووصل كل أجهزة المعلوماتية ببعضها في كل زمان ومكان.
وجوب توفير مناخ ملائم لتنمية مفهوم التعليم الالكتروني وتبنّي مفاهيم واسعة لجعل انضمام مزيد من المتعلمين من بعد الى الموجة الجديدة أمراً ممكناً.
التركيز على إجراء دراسات وأبحاث في علوم اصول التدريس والتربية والمحتوى المعلوماتي وتوفير أجهزة وبرامج وأنظمة تشغيل سهلة الاستخدام.
توفير ظروف نمو سوق مربحة لتنمية متطلبات التعليم الالكتروني سواء كان الامر يتعلّق بالأجهزة أو بالبرامج أو النشر الالكتروني (أي نشر كتب ومراجع عبر الوسائل المعلوماتية الالكترونية المختلفة).
رفع معدلات الاستثمار في مجال التنمية الاحترافية المستمرة للمتعلّمين (أي إجراء التدريبات عبر الوسائل المعلوماتية) وتعزيز معطياتهم وحوافزهم.
تطوير مناهج تعليمية مرنة تستوعب الجميع وأطر تجمع المتباعدين جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا، لتزويد جميع الناس بالمهارات المطلوبة للمشاركة في عصر المعلوماتية.
توسيع فكرة منتديات ومواقع متخصصة ونشرها لتطول المجتمعات المختلفة.
تأمين محفّزات ودوافع مالية لتشجيع المؤسسات على إطلاق مشاريع تعليم من بعد.
توفير تمويل من جهات حكومية الى المؤسسات لتندفع في مشاريع التعليم الالكتروني، واستكشاف فرص التعاون بين القطاعين العام والخاص لتنمية هذا القطاع.
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|