* جواهر بنت عبدالعزيز آل سعود
في عصرنا الذي يشهد تطوراً سريعاً وكأنما العلوم والتكنولوجيا تتسابق في نهرٍ جارٍ لا يتوقف تُسابِقُ كل قطرة فيه الأخرى، أصبح كل اختراع واكتشاف في هذا المجال ينافس الآخر، وظهر الحاسوب الذي كان في بداية أمره لبعض الاستخدامات الشخصية ورافقه بعد مدة ظهور الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) التي كانت لها محدوديتها، أي أنها قاصرة على فئة معينة، فلم تكن آمنة في تصميمها وبنائها إلا أن الوضع لم يبق كما كان.
والتطور التاريخي للإنترنت أدى إلى زيادة مستخدميها من جميع الفئات، وهو بذلك فتح أبوابا مغلقة ووسع حدودا أصبحت بلا حراسة؛ ما ساهم في ظهور الجرائم الإلكترونية التي دقت أجراس الخطر لتنبه المجتمعات عن مدى خطورتها، وظهر المجرم المعلوماتي المدفوع بارتكاب الأفعال المجرمة في حقل التقنية كالجرائم الإلكترونية.. وثار الجدل نتيجة توسع مجال الجريمة وتعدد أشكالها حول ماهية الجريمة الإلكترونية والهدف منها.. وحتى ما هي صورها وما علاقتها بالكمبيوتر؟؟..
توصيف الجريمة
الجريمة الإلكترونية هي الجريمة ذات الطابع المادي التي تتمثل في كل فعل أو سلوك غير مشروع مرتبط بأية وجهة بالحاسبات، يتسبب في تكبد أو إمكانية تكبد المجني عليه خسارة، وحصول أو إمكانية حصول مرتكبه على أي مكسب..
وغالبا ما تهدف هذه الجرائم إلى الحصول على معلومات الأجهزة والأشخاص أو الجهات بشكل مباشر، أو تهدف بشكل غير مباشر إلى الأشخاص والجهات المعنية بتلك المعلومات أو الأجهزة عن طريقها..
ولها مسميات عدة منها جرائم الكمبيوتر والإنترنت - جرائم التقنية العالية - الجريمة الإلكترونية - السيبر كرايم (Cyper crime) - جرائم أصحاب الياقات البيضاء (white collar)، وغالبا ما تكون الاعتداءات على الكيانات المعنوية المتعلقة بقيمتها الاستراتيجية كمخازن المعلومات، وهذا أهم ما يميز الجرائم الإلكترونية عن غيرها من الجرائم؛ فهي تتعلق بالكيانات المعنوية ذات القيمة المادية أو القيمة المعنوية البحتة أو كلاهما معا، وهذا هو أساسها الذي لا يمكن تصور وجود جريمة إلكترونية بدونها، فلولا هذا الأساس لكانت من الجرائم العادية التي تخضع للقانون الجنائي. وبالاضافة إلى هذا فهي تتكون من أساسين هما عناصر الجريمة والسلوك ووصفه الإجرامي، والنص القانوني على تجريم السلوك وإيقاع العقوبة هو من أساسيات الجرائم العادية..
ونظرا إلى تطور الجرائم الإلكترونية وتعدد أشكالها وأنواعها كلما أوغل العالم وتمعن في استخدام الحاسب؛ ما أدى إلى صعوبة حصرها ووضع نظام قانوني ذي أساس قوي ومتين يخضع له المجرم المعلوماتي، فقد باءت محاولات الفقهاء بالفشل، حيث إنه يمكن ارتكاب الجريمة بضغطة زر. وصعوبة تحديد الفاعل أو عدم امكانية معرفة مكانه أدى إلى إثارة الجدل حول هذه الجرائم الإلكترونية وصورها، وهل يمكن حصرها في أنواع معينة..
تصنيفات وأنواع
نورد فيما يلي تقسيماً لهذه الجرائم:
أ) تصنيف الجرائم تبعا لنوع المعطيات ومحل الجريمة.
أولا: الجرائم الماسة بقيمة معطيات الحاسوب. ثانيا: الجرائم الماسة بالمعطيات الشخصية أو البيانات المتصلة بالحياة الخاصة. ثالثا: الجرائم الماسة بحقوق الملكية الفكرية لبرامج الحاسوب ونظمه (جرائم قرصنة البرمجيات)
ب) تصنيف الجرائم تبعا لدور الكمبيوتر في الجريمة.
الاولى: الجرائم التي تستهدف عناصر (السرية والسلامة وموفورية المعطيات والنظم)، وتضم:
- الدخول غير القانوني (غير المصرح به).
- الاعتراض غير القانوني.
- تدمير المعطيات.
- اعتراض النظم.
- اساءة استخدام الأجهزة.
الثانية: الجرائم المرتبطة بالكمبيوتر وتضم:
- التزوير المرتبط بالكمبيوتر.
- الاحتيال المرتبط بالكمبيوتر.
الثالثة: الجرائم المرتبطة بالمحتوى، وتضم طائفة واحدة وفق هذه الاتفاقية، وهي الجرائم المتعلقة بالأفعال الإباحية واللاأخلاقية.
الرابعة: الجرائم المرتبطة بالأخلال بحق المؤلف وقرصنة البرمجيات.
ج) تصنيف الجرائم تبعا لمساسها بالأشخاص والأموال:
الأولى: طائفة الجرائم التي تستهدف الأشخاص:
وتضم طائفتين رئيسيتين هما:
1- الجرائم غير الجنسية التي تستهدف الأشخاص Non-Sexual Crimes Against Persons
2- طائفة الجرائم الجنسية Sexual Crimes وتشمل القتل بالكمبيوتر Computer Murder
الثانية: طائفة جرائم الأموال - عدا السرقة - أو الملكية المتضمنة أنشطة الاختراق والاتلاف Property Damage (Other than Theft) and Crimes Involving Intrusions
الثالثة: جرائم الاحتيال والسرقة Fraud and Theft Crimes
الرابعة: جرائم التزوير Forgery
الخامسة: جرائم المقامرة والجرائم الأخرى ضد الأخلاق والآداب
Gambling and Other Offenses
السادسة: جرائم الكمبيوتر ضد الحكومة Crimes Against the Government Against Morality
الحاسب هدف وأداة
وكما نلاحظ فإن الكمبيوتر له صلة وثيقة بالجرائم الإلكترونية، فلا جريمة إلكترونية بدون جهاز حاسب، فهذا الجهاز له دور أساسي وفعّال في مجال الجريمة الإلكترونية؛ فيلعب ثلاثة أدوار في ميدان ارتكاب الجرائم، ودورا رئيسا في حقل اكتشافها، ففي حقل ارتكاب الجرائم يكون للكمبيوتر الأدوار التالية:
الأول: يكون الكمبيوتر هدفا للجريمة Target of an offense)، وذلك كما في حالة الدخول غير المصرح به إلى النظام أو زراعة الفيروسات لتدمير المعطيات والملفات المخزنة أو تعديلها، وكما في حالة الاستيلاء على البيانات المخزنة أو المنقولة عبر النظم.
الثاني: يكون الكمبيوتر أداة الجريمة لارتكاب جرائم تقليدية A tool in the commission of a traditional offense
الثالث: يكون الكمبيوتر بيئة الجريمة، وذلك كما في تخزين البرامج المقرصنة فيه أو في حالة استخدامه لنشر المواد غير القانونية أو استخدامه أداة تخزين أو اتصال لصفقات ترويج المخدرات وأنشطة الشبكات الإباحية ونحوها.
أما من حيث دور الكمبيوتر في اكتشاف الجريمة، فإن الكمبيوتر يستخدم الآن على نطاق واسع في التحقيق الاستدلالي لجميع الجرائم، كما أن جهات تنفيذ القانون تعتمد على النظم التقنية في ادارة المهام من خلال بناء قواعد البيانات ضمن جهاز ادارة العدالة والتطبيق القانوني، ومع تزايد نطاق جرائم الكمبيوتر، واعتماد مرتكبيها على وسائل التقنية المتجددة والمتطورة، فإنه أصبح لزاما استخدام نفس وسائل الجريمة المتطورة للكشف عنها، من هنا يلعب الكمبيوتر ذاته دورا رئيسيا في كشف جرائم الكمبيوتر وتتبع فاعليها بل وإبطال أثر الهجمات التدميرية لمخترقي النظم وتحديدا هجمات الفيروسات وإنكار الخدمة وقرصنة البرمجيات.
وعندما نتساءل عن هوية الذين يقومون بارتكاب جرائم الكمبيوتر والإنترنت.. نجد الإجابة في تصنيف يعد من افضل التصنيفات لمجرمي التقنية وهو الذي أورده david icove, karl seger AND William vonstorch في مؤلفهم جرائم الكمبيوتر الصادر عام 1995 حيث تم تقسيم مجرمي التقنية إلى ثلاثة طوائف: المخترقين، والمحترفين، والحاقدين. كما انه من المهم التمييز بين صغار السن من مجرمي الكمبيوتر والبالغين الذين يتجهون للعمل معا لتكوين المنظمات الاجرامية الخطرة. ودوافع ارتكاب جرائم الحاسوب إما السعي إلى تحقيق الكسب المالي أوالانتقام من رب العمل وإلحاق الضرر به أو حتى الرغبة في قهر النظام والتفوق على تعقيد وسائل التقنية.