| الهواتف الخلوية .. الإفراز الترفي الذي تحول لإلى ضرورة حياتية
|
تضاعف استخدام الهواتف الخلوية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشر سنوات الأخيرة حتى أصبح عدد المستخدمين لها 172 مليون، مغيرة ومبدلة بذلك أسلوب حياة البشر، بداية من شباب الجامعة وحتى المسافرين على الطرق السريعة.
لقد أدركت جودي هارجرجيدون Judy HargerGedeon من توها أن ثمة وجه للشبه بينها وبين طائر القطرس والشوب ذي تسريحة ذيل الفرس والقوبيون الساحلي. فمثلها مثل هؤلاء المدرجين على القائمة الأمريكية للأجناس المعرضة لخطر الانقراض فإن السيدة هارجرجيدونHargerGedeon بوصفها شخص لا يمتلك هاتفاً محمولاً حتى هذه اللحظة تعد عضواً من جنس في طريقه إلى الاندثار (ولنطلق على هذا الجنس على سبيل المثال (الأشخاص غير المالكين للهاتف الخلوي).
***
وتعلق السيدة هارجرجيدون HargerGedeon، التي يتعدى عمرها الخمسين وتعمل سكرتيرة تنفيذية، على ذلك بقولها: (لقد كنت طوال هذه السنوات ضمن طائفة محطمي الآلات، ولكن على الرغم من ذلك إلا أنني أعتقد أنني لن أتمكن من الصمود أكثر من ذلك أمام الإغراءات. فقد أصبح العيش الآن في أمريكا دون هاتف خلوي سلوك يفتقد للمسؤولية ويتسم بالإرهاق الشديد تدريجياً).
قد لا يكون المفهوم القائل بأن الهاتف الخلوي ضرورة يستحيل الاستغناء عنها عالمياً، ولكن إن كنت في ريب من أن الخلوي بصدد تغيير الحياة الأمريكية الآن، حاول أن تنزعه من يد أحد المراهقين الذين تعرفهم. يقول مراقبو ثقافة التكنولوجيا إن الهاتف الخلوي بما يتمتع به من شهرة وانتشار وتعدد استخدامات تساعد على إقامة جسور بين القارات والأجيال، قد يكون في طريقه لاحتلال مكانة وسيلة الاتصال البشري الأولى والأداة الأساسية في حياة البشر التي تتفوق على الكمبيوتر الشخصي.
هل نبالغ بقولنا هذا؟ ربما. ولكن تلك الأجهزة، التي يستخدمها أكثر من مليار شخص في العالم، تخطت إمكاناتها ما يختص بالصوت بحيث أصبحت تخدم كل شيء يخطر على البال بداية من أخبار الأوراق المالية وحتى أوقات إذاعة الأفلام وصور الأصدقاء.
إن الصحوة التي صارت سمة من سمات الهاتف الخلوي بشكل أو بآخر أعادت صياغة وأثارت قلق مفاهيم مثل العزلة، وآداب المعاشرة، وحدود المنزل والعمل، وحتى الهوية الشخصية.
يقول البروفيسور توم ماكفيل Tom McPhail، أستاذ دراسات الإعلام والاتصالات بجامعة ميسوري Missouri University ب سانت لويس St. Louis: ( لقد تحول الهاتف المحمول من أداة خدمية مساعدة إلى ضرورة يستحيل الاستغناء عنها. وأدرك الأمريكيون القدامى أنهم يتعرضون للعزلة دون أي داع في غياب الهاتف الخلوي. أما بالنسبة للشباب فقد أصبح الهاتف الخلوي جزء لا يتجزأ من شخصيتهم وهويتهم حتى أنهم يشعرون من دونه كما لو أنهم عراة، أو منبوذون، أو معزولون). إذا ظل مصير أجهزة الاتصال التي توضع في الجيب على المدى البعيد مسألة خاضعة للتنبؤات، فإن حاضرها على الأقل، كما هو واضح، يشهد نشاطاً مهولاً في مجال الأعمال. فنرى أن الشائعات التي راجت حول عملية الدمج بين شركتي سبرنتSprint Corp. وشركة نكستيل Nextel التي تبلغ تكلفتها 34 مليار دولاراً أدت إلى ارتفاع أسعار أسهم الشركتين بمعدلات هائلة في الأسبوع المنصرم.
هذا وقد أعلن مكتب الإحصاء الرسمي الأمريكي مؤخراً أن أرباح شركات الأجهزة اللاسلكية تجاوزت سقف المائة مليار دولاراً عام 2003، بزيادة قدرها 14 بالمائة عن العام الماضي.
جدير بالذكر أن عدد الأشخاص الذين يملكون هواتف خلوية في الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 172 مليون شخص، وهو ثلاثة أضعاف الرقم الذي كان عليه منذ عقد من الزمان. ولكن استخدام هذه الهواتف لازال يشهد تأخراً مقارنة بما هو عليه الحال في كل من قارة أوروبا وأجزاء من قارة آسيا.
إن المشترين الجدد المترددين مثل السيدة هارجرجيدونHargerGedeon يكتشفون بصورة متزايدة أنهم يظهرون بمظهر المتخلف تكنولوجيا إذا ما طلبوا من باعة الهواتف الخلوية شراء هاتف خلوي لمجرد الاتصال بالآخرين. فالمستهلكون الآن يتوقعون إمكانات أخرى مثل إمكانية إرسال رسائل نصية وصور والاطلاع على آخر الأخبار ومعرفة الأرصاد الجوية والاستمتاع بألعاب الفيديو أينما كانوا.
يقول سكوت سيلك Scott Silk، المدير التنفيذي لشركة أكشن إنجين Action Engine، المتخصصة في تطوير طرق تستطيع من خلالها الهواتف الخلوية الاتصال بالانترنت بضغطة واحدة: (إن الأرباح التي تجنيها الشركات من الشق الصوتي للأجهزة اللاسلكية بلغت درجة كافية لتجعل الشركات تتسابق من أجل الاعتماد على خدمات البيانات لمواصلة الارتقاء بأرباحها. ومستقبل الهاتف الخلوي حقاً سيعتمد على أي شيء خلاف الشق الصوتي).
وفي الوقت الذي نجد فيه الأمريكيين القدامي أمثال هارجرجيدون HargerGedeon قد بدأوا يدركون أن عدم حيازتهم للهاتف المحمول من الممكن أن ينظر إليه المجتمع فعلياً على أنه ضرب من الحمق (لم تعد المكالمة التي يجريها المرء وهو محاصر في زحام مروري مجرد كياسة ولكنها ضرورة) على حد قول هارجرجيدون (HargerGedeon)، نجد المراهقين يقولون إن مغادرة المنزل دون الهاتف الخلوي لا يختلف كثيراً عن مغادرته دون الحافظة أو مفاتيح المنزل.
وتقول ميليندا بوروز Melinda Buroughs، 17 ربيعاً من ثاوزاند أوكس Thausand Oaks، بولاية كاليفورنيا Calif: (إن كل من أعرفهم يستخدمون الهاتف الخلوي لقضاء كافة حاجياتهم).
وتضيف ميليندا Melinda بقولها إن هاتفها الخلوي بخلاف أنه يتيح لها الاتصال بوالديها بضغطة واحدة، فإنه يعمل عمل المنبه والساعة. ويسرد الخلوي أسماء الأفلام، والرسائل النصية التي يبعثها الأصدقاء، وآخر نتائج المباريات الرياضية. عندما يصل معدل استخدام الهواتف الخلوية بين شريحة المراهقين إلى مستوى حرج، على حد قول الخبراء، فما من مفر من أن يمتلك الجميع واحداً.
وفي الوقت الذي يدعي فيه بعض مراقبي صناعة الهواتف الخلوية أن أحد أقوى الشرائح العمرية التي تستخدم تلك الهواتف بصورة متزايدة تلك التي تنحصر بين 13 24 عاماً، نجد أن الإحصاءات الدقيقة نادرة لأن الآباء والأمهات هم الذين يبتاعون تلك الأجهزة وهم الذين يسددون فواتيرها على نطاق واسع. ولكن بغض الطرف عن الرقم الحقيقي تبقى حقيقة واحدة جلية مفادها أن استخدام الهواتف الخلوية خارج الولايات المتحدة الأمريكية يفوق استخدامه داخلها بمراحل.
يقول ناموي بارون Namoi Baron، أستاذ اللغويات بالجامعة الأمريكية: (نستطيع القول إن شريحة المراهقين تكاد توافق نظيرتها في آسيا وأوروبا فيما يتعلق باستخدام الهاتف الخلوي في كافة الأغراض بداية من تبادل المكالمات وحتى الرسائل النصية والألعاب). إن جزء من الملكية بالنسبة لموجة المشترين الأصغر سناً يكمن في الحاجة الملحوظة لمواصلة الاشتراك في لعبة الاتصالات النظيرة.
والجزء الثاني يكمن في الرغبة في مواكبة آخر الصيحات والموضات الأحدث وجمع ما يفوق كونه مجرد هاتف، على سبيل المثال، لاستخدامه ككماليات موضة أو لجمع (نغمات) موسيقية ممتعة. وتلك النغمات عبارة عن أغاني صغيرة مميزة يحرص المستخدم على جمعها بحيث تسمح له بتمييز المتصلين به، وهو طلب نتج عنه أن ظهرت صناعة جديدة بلغت ميزانيتها مليار دولار أمريكي (جدير بالذكر أن مطرب موسيقى البوب بي ديدي P. Diddy فاز مؤخراً بجائزة موسيقية لأفضل نغمة هاتف خلوي).
وحتى المشترين الجدد للهواتف الخلوية ليسوا على استعداد للتخلف عن ركب العالم المتنامي للترفيه الذي يتيحه الخلوي حيث يستخدمون الهواتف الخلوية كرابط يصلهم بكافة أنواع المنتجات النقالة المتاحة للمستهلكين بداية من المجلات وحتى الرياضة والكتب الإلكترونية على الإنترنت.
من المتوقع أن تبلغ أرباح هذا القطاع ما يربو على 27 مليار دولاراً وأن يبلغ عدد مستخدميه 2.5 مليار مستخدم بحلول عامي 2008 2009 وفقاً لشركة آيربورن إنترتينمينت Airborne Entertainment، التي تعمل على توزيع علامات تجارية شهيرة مثل A&E، وبيرليتس Berlitz، وآتش بي أو HBO، وThe History Channel، وإن آتش إل NHL، لسوق المحمول.
وتعد ألعاب الفيديو إحدى الاستخدامات المتنامية للهواتف المحمولة بين الشباب كما أنها تولد ابتكارات لبقيتنا وتبلغ مبيعاتها السنوية الآن ما يقرب من 100 مليون دولار أمريكي ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في العام المقبل.
يقول ميتش لاسكي Mitch Lasky، المدير التنفيذي لشركة جامدات موبايل JAMDAT. mobile، الرائدة في توزيع الأجهزة اللاسلكية على مستوى العالم: (إن الألعاب جانب من الجوانب التي تمثل أكثر الصيحات جنوناً فيما يتعلق باستخدامات الهاتف الخلوي). لقد قامت شركات مثل نوكيا Nokia، وسامسونج Samsung، وموتورولا Motorola بتطوير الكاميرات عالية دقة الوضوح، والشاشات ذات الكريستال السائل، والمعالجات الأسرع، والأشكال الجديدة من الرسوميات، غامرة السوق بتطورات للمستخدم العادي. ومن المتوقع أن يواصل حجم وشكل وتعريف الهاتف الخلوي تغيره إذ إنها تزداد أهمية في حياة المستهلك، على حد قول الخبراء.
إن الارتفاع السريع في إمكانات الهواتف الخلوية أدى إلى ظهور توقعات عظيمة من قبل المستهلكين والشركات الجديدة، كما أنه أدى إلى ظهور تلميحات تحذيرية في بعض الجوانب. فقد ظل الكلام في الهاتف الخلوي أثناء قيادة السيارة شأن مثير للقلق.
وما برحت النغمات الصاخبة التي تخرق هدوء المطاعم أو تعصف بمتعة حضور الحفلات الموسيقية أن شكلت مصدراً أساسياً للإزعاج منذ أن انتشرت الهواتف الخلوية في البداية في الجيوب وحقائب اليد.
ولكن أحد أحدث النقاشات الجارية تتمحور حول تحقيق التوازن بين القدرات الاتصالية والحاجة لتوفير عنصر الهدوء.
يطرح دكتور روبي بلينكوف Dr. Robbie Blinkoff، أحد المستهلكين وعالم الإنسانيات الذي نشر العديد من الدراسات الأنثروبولوجية الوصفية حول مستخدمي الهاتف الخلوي عرفت ب(الهواتف المحمولة)، يطرح السؤال التالي (ماذا تعني كلمة (منفرداً) في عالم الأجهزة اللاسلكية؟).
يقول سكوت سيلك Scott Silk، المدير التنفيذي لشركة أكشن إنجين Action Engine، معبراً عن ملاحظة عادة ما ترددت، إنه مر بالحرم الجامعي لولاية أوهايوOhio مؤخراً ولم يعثر على مراهق واحد دون هاتف محمول أو سماعة رأس للموسيقى في أذنه.
وبخلاف ما كان عليه الحال في العقود الماضية، لم يعد الطلبة يجتمعون لمشاركة القصص، على حد قوله، ولكنهم ظلوا على اتصال بالآخرين فقط من خلال الهواتف الخلوية.
هناك بعض علماء علم الاجتماع تنتابهم بعض المخاوف من أن المراهقين يستغلون أوقات فراغهم كافة في التراسل النصي أو مكالمة الأصدقاء بحيث لا يتاح لهم الوقت الكافي بعد لقدر من العزلة العقلية الهامة لفهم المرء لذاته، وحل مشكلاته، وإتاحة الوقت لتنمية مهارات الإبداع والحدس.
يقول بارون Baron: ( إذا تبادلت أطراف الحديث مع الطلبة عادة ما تكتشف أنهم يعانون من مشكلة القدرة على الانفراد بأنفسهم).
يعتقد البعض أن الهواتف الخلوية تمكن المرء من نسج شبكة أمان اجتماعية أكبر وأن هذا الضرب من التواصل رائع. ولكني أعتقد أن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات هي قدرته على الانفراد بذاته دون التعويل على مساعدة الآخرين في عدد من المواقف المعضلة، وأن يتعرف المرء على هويته الشخصية، وعلى مقصده وغايته المنشودة، وعلى الشخص الذي يريد أن يكونه. وفي وقت ما سيحتاج (الطلبة) إلى الوقوف على قدميهم. ولكن الحاجة الماسة للتواصل مع الآخرين قد تستقر وتتوطن بطبيعة الحال.
يعلق على ذلك دكتور بلينكوف Blinkoff بقوله: (إن هؤلاء الذين اعتادوا على التذمر من عجزهم عن الهرب من رؤسائهم في العمل أو الاستمتاع بقدر من السلام، يقومون بما هو أفضل متى يستطيعون السيطرة على أنفسهم بواسطة إغلاق هواتفهم المحمولة متى شاءوا).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 