في حوار مع لاري إليسون مدير شركة (أوراكل للبرمجيات):
ليس النجاح وحده كافياً بل يجب أن يفشل الجميع!
|
* إعداد: طارق راشد
لاري إليسون، الذي أنشأ شركته أوراكل للبرمجيات برأس مال قدره 1200 دولار، أنفق أكثر من 100 مليون دولار من ثروته البالغ حجمها 18 مليار دولار في بناء ما يمكن أن يعد أغلى منزل في الولايات المتحدة. كما أنفق لاري إليسون مبلغا مساويا لتلك المائة مليون دولار لإشباع هوايته المفضلة سباق اليخوت، محاولاً أن يفوز بأكبر جائزة في ذلك المجال وهو كأس الولايات المتحدة. ولكن المشكلة الوحيدة لدى إليسون هي أن قاربه قد جاء في المركز الثاني في سباق العام الماضي، إضافة إلى أن شركته هي أيضا ثاني شركة برمجيات على مستوى العالم. وربما لا يبالي أحدنا إذا ما جاء في المركز الثاني في أي شيء طالما يمتلك 18 مليار دولار، ولكن إليسون يبالي؛ وذلك هو السبب في أن البعض يعتبرونه أكثر الرجال حبا للمنافسة في العالم.
في وادي السليكون يقبع مقر شركة أوراكل ببرجها الزجاجي المسمى (لاري لاند) نسبة إلى لاري إليسون مؤسس الشركة البالغ من العمر 59 عاما، والذي بنى إمبراطوريته شركة أوراكل لصناعة البرمجيات المتخصصة في إدارة قواعد البيانات والمعلومات للمؤسسات والحكومات.
وبرمجيات شركة أوراكل تعد شيئا مثل العقل العملاق، وهو ما ساعد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي كانت العميل الأول لشركة أوراكل على تمحيص وغربلة المعلومات الاستخباراتية التي تقوم بجمعها من جميع أنحاء العالم. كما أن شركة فورد لصناعة السيارات تستخدم ذلك البرنامج للحصول على البيانات وتحليلها في كل شيء في الشركة؛ بدءا من مبيعات السيارات وانتهاءً بحساب حوافز الموظفين.
وربما قمت أنت نفسك باستخدام هذا البرنامج من قبل أثناء استخدامك لماكينات الصرف الآلي ATM أو أثناء حجز تذاكر الطيران أو عندما قمت بشراء الكتب من على أحد مواقع الإنترنت.
إنها تجارة ضخمة جعلت من إليسون بليونيرا واسع الثراء. وقد تربع لوقت قصير لمدة شهر واحد فقط على رأس أغنياء العالم، يصفه ضاحكا بأنه كان شهرا رائعا.
وقد شعر إليسون بالسعادة آنذاك بسبب أنه كان أغنى أغنياء العالم، وذلك يعني أن هناك شخصا آخر تحتم عليه أن يكون رقم 2، وهذا الشخص كان رجلاً بحجم بيل جيتس والذي ترتفع شركته محلقة فوق جميع الشركات المنافسة الأخرى بما فيها شركة أوراكل.
يقول إليسون: إنها لعبة مثيرة للغاية هي بالفعل لعبة حقيقية فشركة مايكروسوفت تتربع على المركز الأول، ونحن في المركز الثاني، لذا نحاول اللحاق بهم، ولكنهم بالطبع لا يجعلون ذلك سهلاً علينا، فهي شركة غير عادية وتعد أهم شركة على كوكب الأرض، ونحن نأتي وراءهم بمسافة كبيرة، فحجم شركتهم يبلغ ثلاثة أضعاف حجم شركتنا، كما يتمتعون باحتكار تام للسوق.
ويعترف إليسون بأن العلاقات الشخصية لم تكن من ضمن أولوياته أثناء نشأته في جنوب ولاية شيكاجو، ويقول: عندما كنت طفلاً جاءت أختي إلى حجرتي وقالت: لاري، ما هو الأهم بالنسبة لك: أن تحظى بالتقدير أم بالحب؟ فرددت عليها: حسناً، بالنسبة لي شخصياً.. أن أحظى بالتقدير! فنظرت إلي مبتسمة قائلة:خطأ! ثم خرجت. وقد استغرقت وقتاً طويلاً لكي أدرك أن كل منا يريد أن يحظى بالحب؛ فإن تكون محبوبا فذلك أكثر أهمية من أن تحظى بالتقدير، وهو شيء قضيت وقتا طويلاً محاولاً أن أتقبله.
ويقول إليسون أنه عندما كان طفلاً كان يشعر بأن أباه لا يحبه، ثم يتذكر عندما كان في الثانية عشرة من عمره عندما فاجأه أبوه بقوله إنه ابن له بالتبني، يقول إليسون: لقد كانت صدمة كبيرة لي، لدرجة أنني لم أستطع استيعابها في وقتها وظللت عدة سنوات أحاول أن أواجه ذلك وأن أدرك كافة تداعيات تلك الحقيقة على حياتي.
ولكن ما زاد من صدمته أن عملية التبني جاءت من داخل العائلة ذاتها، فقد اكتشف بعد ذلك أن أمه الحقيقية قد تخلت عنه عندما كان رضيعا، أما تلك السيدة التي كان يظنها أمه فهي خالته.
ويقول إليسون عن والده بالتبني لويس إليسون أنه كانت لديه لا مبالاة، ويصفه بأنه لم يبال قط بأي شيء في حياته. ويتذكر إليسون قائلاً: لقد كان كلامه معي تقليديا مثل: مرحبا، كيف حالك، أو كيف حال المدرسة اليوم، ويضيف ضاحكاً: وبسبب أنني كنت دائما متمردا فكان دائما ما يشعر بأن ذلك سوف يورطني في مشاكل, كما حدث بالفعل في المدرسة أو في الكشافة أو في الفرق الرياضية.
وعما إذا ما كان أبوه قد أعطاه أي دافع ربما لم يكن ليحصل عليه بدونه، يجيب إليسون ضاحكاً: آه بالطبع، لقد كان لدي كافة المعوقات المطلوبة لإحراز النجاح. فقد ترك إليسون دراسته الجامعية، ثم عمل في مهن مختلفة تتعلق بمجال الحاسبات الآلية، حتى جاء ذلك اليوم الذي قرأ فيه تقريرا أعده قسم الأبحاث بشركة IBM يصف أحد البرمجيات القادرة على تحليل البيانات. ولكن فريق شركة IBM لم يعملوا على تحقيق تلك الفكرة.
يقول أليسون متذكرا: لقد قلت لنفسي: يا إلهي!، إن هذا بالضبط ما نحتاج أن نفعله، يمكننا أن نهزم شركة IBM في السوق بتقنيات IBM، وذلك لأن شركة IBM لم تؤمن بفكرتها الخاصة بها. ومن تلك الفكرة، ولدت شركة أوراكل. وقد صنع ذلك الطفل الكبير الذي لا يعبأ بشيء على الإطلاق منزلاً لا يشبهه أي منزل آخر في الولايات المتحدة، فهو عبارة عن قرية يابانية صغيرة، بها العشرات من المنازل التي تحيط ببحيرة صناعية، وهو يطلق عليه سانباشي، مستلهماً فكرته من إحدى القرى القديمة في جزيرة كيوتو اليابانية، ويقع على مساحة 33 فدانا في وودسايد بولاية كاليفورنيا.
يقول إليسون واصفاً منزله الذي أحضر له عمال من اليابان لبنائه: لا يوجد مسمار واحد في أي من تلك الأبنية، فقد تم تجميعها كلها على الطريقة اليابانية.
وقد بدأ العمل فيه منذ عشر سنوات، وكلفه أكثر من مائة مليون دولار، كما أن البحيرة الصناعية التي أنشأها مقاومة للزلازل، ومحاطة بثلاث طبقات خرسانية، وقام فنان ياباني بانتقاء آلاف الحجارة المحيطة بتلك المنازل.
يقول أليسون: إن الحديقة تعد عملاً فنياً بذاته، وقد تم جمع الأحجار لتبدو وكأنها وضعت هنا بصورة طبيعية منذ ملايين السنين.
وأليسون مبهور بالثقافة اليابانية، كما يمتلك مجموعات لا تقدر بثمن من دروع الساموراي التي تعود إلى القرن السادس عشر، وربما تعد تلك الدروع مناسبة لذلك الرجل الذي يتخذ من المقولة المأثورة للمحارب جانكيز خان حكمته في الحياة وهي: ليس النجاح وحده كافيا لي، بل يجب أيضا أن يفشل الجميع. وتلك الفلسفة القاتلة يمكن أن تجعل منه مديرا لا يرحم. فقد كان رأي الرجل الثاني في شركة أوراكل طيلة ثمانية أعوام، وقد طرده أليسون عندما اختلفا حول طريقة إدارة الشركة.
يقول لان: لقد علمت أنني لن أستطيع تغيير طبيعة شركة أوراكل طالما أن مؤسسها لا يزال على رأسها، فثقافة الشركة هي الفوز بأي ثمن، فليس من المناسب أن يلتزم مسئولو قسم المبيعات بحصة بيع محددة، ولكن يجب عليهم أن يحققوا نسبة 200%، وفقط أفضل عشرة من مسئولي المبيعات يتم مكافأتهم بالملايين، أما الآخرون فيسقطون على جانبي الطريق، كأنهم جنود ضعفاء يجب قتلهم.
وقد وجهت اتهامات لإليسون أيضا بأنه يقتل المنافسة، فهو يخوض حالياً معركة ضارية للاستيلاء على شركة منافسة أصغر حجماً، وهي شركة Peoplesoft، مما سوف يؤدي إلى طرد آلاف العمال، وهو يفعل كل ذلك فقط لشيء واحد، وهو أن يجعل شركة أوراكل الشركة الأولى لصناعة البرمجيات في العالم.
يقول أليسون: أعتقد أنك تستطيع أن تسألني مثل أي شخص متعطش إلى الفوز: من الذي سوف أفوز من أجله؟ هل أنا أفوز من أجل حاملي أسهم شركة أوراكل أم أن الأمر لا يتعدى مسألة إشباع غرور شخصي؟ أنا أعترف بذلك، ان جزءا كبيرا من ذلك هو إشباع غرور شخصي، أعتقد أننا مهتمون بأنفسنا، فنحن مهتمون بحدود شركتنا ونحاول أن نكتشفها، والكثير مما يجعلني قادرا على الاستمرار والمواصلة هو اهتمامي وشغفي بأي مدى يمكن أن أصل إليه، وإلى أي مدى يمكن لشركة أوراكل أن تصل إليه.. وهما صنوان لا ينفصلان أبدا.
ولكن هل يتجاوز إليسون أحيانا حدود المعقول؟ فعلى سبيل المثال يقوم إليسون بقيادة طائراته الخاصة، ولكن أحيانا ببعض التهور، ويحكي البعض أنه قد طار ذات مرة من أسفل كوبري جولدن جيت، ولكنه لا يعترف بأنه قد قام بذلك. يقول أليسون: إن ذلك يعد ضد قوانين الطيران.. لذا فإن الإجابة هي بالطبع لا، ولكنه رغم ذلك يعترف بأنه إذا ما كان قد فعل ذلك فإنه كان سيأخذ واحدة من طائراته المقاتلة في تلك النزهة.
وسواء كانت القصة صحيحة أم لا، فإن الصحيح هو أن إليسون يرى أن كل شيء عبارة عن لعبة، وفي ذلك السباق الذي ذهبت شبكة سي بي إس لتغطيته في خليج سان فرانسيسكو، كان إليسون أول من تخطى خط البداية.
وبعد ذلك بحوالي ما يقرب من عشرة أميال أنهى إليسون السباق وأتى في المركز الأول متخطياً البطل السابق لكأس أمريكا، وكانت لحظة أخرى من تلك اللحظات التي أدت إلى إشباع غرور ذلك الرجل، الذي تعد حياته بمثابة سباق لا ينتهي.
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 