غموض تحديد طرفي العقد الإلكتروني
|
*وليد محمد الماجد:
من أهم الإشكاليات القانونية التي يفرزها إنشاء العقد الإلكتروني بواسطة برامج software هي التحديد القانوني لطرفي العقد. فيا ترى، هل طرفا العقد الذي يتم بواسطة هذه البرامج هما البائع والمشتري، أم أنهما المشتري والبرنامج؟ وإذا افترضنا أن العقد قد تم بين المشتري والبرنامج الذي كما قلنا سابقاً يعمل باستقلالية وذاتية محضة، ما نوع العلاقة القانونية التي تجمع بين البائع والبرنامج الحاسوبي حيث يقوم هذا الأخير بإجراء صفقات تجارية لمصلحة البائع ومن دون علمه؟ الحقيقة أن هذه المسائل لم تحسم بعد على المستوى الأكاديمي والبحثي، وهذا الفراغ القانوني انسحب بطبيعة الحال على بعض تشريعات التجارة الإلكترونية اليوم.
في مشروع نظام التعاملات الإلكترونية السعودي تذكر الفقرة الأولى من المادة الحادية عشرة ما نصه: (يجوز أن يتم التعاقد من خلال منظومات بيانات إلكترونية آلية أو مباشرة بين منظومتي بيانات إلكترونية - أو أكثر - تكون معدة ومبرمجة مسبقاً للقيام بمثل هذه المهمات بوصفها ممثلة عن طرفي العقد). لا أعلم ماذا يقصد المنظم تحديداً بعبارة (ممثلة عن طرفي العقد)، ما نوع التمثيل الذي يقصده المنظم؟ في اعتقادي أنه كان يسع المنظم السعودي أن يتركها للاجتهاد الفقهي والقضائي كما فعل قانون إمارة دبي الخاص بالمعاملات الإلكترونية، أو أن يحدد بالضبط ما نوع التمثيل القانوني الذي يقصده.
عدم حسم هذه المسائل يعود كما يعلم الجميع إلى كون مثل هذه التعاملات جديدة نوعاً ما، لم تُستغرق بعدُ بحثاً عميقاً من قبل رجال الفقه والقانون. لكن ما يحزُّ في النفس أنه في ظل هذا العراك القانوني - إن صح التعبير - الذي يجري بين رجال القانون الغربي بكل مدارسه المختلفة تجاه حل هذه القضايا يغيب صوت الفقه الإسلامي في أن يثري هذه القضايا على رغم كل ما يتمتع به من غزارة وتنوع.
قد لا يتبادر إلى الذهن حجم هذه المعضلة القانونية، فالناس اعتادت على أن البرنامج الحاسوبي لا يتعدى كونه أداة كأي أداة يستخدمها المشتري في إنشائه للعقد، وبالتالي جميع ما تقوم به هذه البرامج من أعمال تنطوي تلقائياً على صاحبها الذي قام ببرمجتها وإعدادها. هذه النظرة لا شك أنها وجيهة لسببين اثنين: الأول أن هذه النظرة ستحل المسألة برمتها، فلا تغيير سيجري على أطراف العقد، فطرفا العقد سيصبحان البائع والمشتري الأصليين. والسبب الثاني أنها تحقق قدراً كبيراً من العدالة، فالبائع هو الذي اختار البرنامج الحاسوبي ليقوم بعملية التعاقد، ولذلك لزم عدالة أن يكون هو المسؤول عن تصرفات برنامجه الذي وضعه. فالبرنامج الحاسوبي كالقلم أو جهاز الفاكس أو حتى التليفون مثلاً لو وقع شخص ما على عقد وأراد أن يتنصل منه لم يجز له أن يقول: إن القلم هو الذي وقع ولست أنا، فلا يتصور أن يقول شخص ما: إن القلم المستخدم للتوقيع له علاقة قانونية بالعقد! لكن هذه النظرة على رغم وجاهتها وبساطتها قد أغفلت عنصراً مهماً يتمتع به البرنامج الحاسوبي، ألا وهو الاستقلالية الفذة لعمل هذه البرامج، فلا سيطرة كبيرة عليها من قبل الشخص كما هي السيطرة على القلم؛ مما يعد منافياً للعدالة أن تعامل هذه البرامج قانونياً كما تعامل الأقلام المستخدمة للتوقيع.
من المؤكد أن المستهلك العادي سيطرب لأي منطق قانوني يحمّل الشركات المسؤولية المدنية الكاملة عن أخطاء وتجاوزات هذه البرامج، لكن هذه الشركات العالمية لن تطرب لأي وتر يهدد مصالحها ويفاقم من مسؤوليتها؛ فالشركات الكبرى اليوم كما هو مشاهد تملك أسطولاً كبيراً من الكمبيوترات المبرمجة والمعدة لإنشاء العقود على شبكة الإنترنت، وهي ليست مستعدة أن تتحمل وحدها المسؤولية القانونية الكاملة عن جميع هذه الأجهزة ما دام الأفراد يقاسمونها كعكة مزايا استخدام مثل هذه البرامج. أضف إلى ذلك وجود تفسيرات قانونية أخرى تحدد العلاقة بين البائع وبرنامجه الحاسوبي جديرة بالطرح، وهو ما أتمنى تناوله في مقال قادم.
*باحث قانوني
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|