الشبكة العنكبوتية تسكن منازلنا : الإنترنت ستغير كل شيء ...فكرة كلفت المليارات الحكومات تكبت الانترنت والمصالح تقتلها: الإبداع الجديد يضيع بين أقدام الأقوياء
|
إعداد: محمد يوسف
قالوا: «رغم الصعود المفاجئ والسقوط، المفاجئ أيضا، لشركات الإنترنت،فإن ثورة الحاسبات والاتصالات تكاد تكون في مرحلة الطفولة، ومن المتوقع في خلال العقود القليلة القادمة، أن تدخل الإنترنت وشقيقاتها من التقنيات المختلفة مرحلة النضج المبكر، وهي مرحلة ستحدث دون شك تغييرات عميقة في طبيعة المجتمع البشري والعلاقات القائمة بين بني البشر».
وفي نداء صدر إلى الحكومات وكبرى الشركات، قال أحد مراقبي حركة المد والجزر لشبكة الإنترنت : «نداء إلى حكومات الدول الصناعية، ونداء إلى شركات الأغذية والصناعات الثقيلة العملاقة، لقد جئت إليكم من عالم الإنترنت (عالم شبكات الاتصالات)، الموطن الجديد للعقول، وباسم المستقبل الواعد وبما اقترفتموه في الماضي، أطالبكم أن تتركونا وشأننا، فنحن في هذا العالم الجديد لا نرحب بكم ولا سيادة لكم علينا فيه».
ودعونا، من جانبنا، نوضح الأمور بصورة أفضل ..الإنترنت، أو تكنولوجيا المعلومات، أو ثورة الاتصالات، أو قل ما شئت، كل هذا يمر بفترة عصيبة من الأزمات والمعضلات جعلت الكثيرين، خبراء ومستخدمين، يشككون في مستقبل هذه الثورة التقنية التي باتت شحم ولحم الحياة العصرية.. فما هي تلك المعضلات؟ وكيف يراها جمهور مستخدمي الشبكة المعلوماتية الأولى في العالم؟ وما السبيل إلى علاج الأزمات الطارئة والاستفادة من الفرص المتاحة على العنكبوتية المعلوماتية؟.
بداية الموضوعات
في العام 1996، كان الشاعر الغنائي الأمريكي جون برري بارلو المعروف باهتماماته بعالم التكنولوجيا والإنترنت والمعلومات إلى حد الحرص على نشر تعليقاته من آن إلى آخر على الإنترنت في مجموعات المناقشة، قد أقدم على نشر مقال غريب حمل عنوان «إعلان استقلال الفضاء التخيلي» في إحدى مجموعات النقاش على الإنترنت. وجاء هذا «الإعلان» البيان في أقل من 800 كلمة، وصرح فيه بارلو أن مستخدمي الإنترنت يعيشون في عالم جديد من الإبداع والمساواة والعدل، وسيبقى هذا العالم على هذا الوضع إلى الأبد بعيداً عن سيطرة الحكومات الحالية، ثم ختم كلمته بزهو قائلاً «سنبني حضارة عقلية رائعة في عالم الإنترنت، أكثر إنسانية وإنصافاً من العالم الذي صنعته الحكومات الحالية».
ربما نعم.. ربما لا
مر الآن سبع سنوات، وهي فترة ليست بقصيرة إذا ما قسناها بالساعات والدقائق التي تحكم مستجدات طفرة الإنترنت وشبكات الاتصالات، فهل من المعقول أن نصدق؟ ما الإعلان الذي بشر به شاعر الأغاني الأمريكية في تفاؤل؟
ربما لا، وربما نعم صحيح أن إعلان بارلو وطموحاته وتنبؤاته ضربت في ذلك الحين على وتر حساس، بل وسرعان ما انتشرت عبر الشبكة الدولية لما حملته من تطلعات أثارت إعجاب الملايين الذين دخلوا لأول مرة على شبكة الإنترنت. وصحيح أن الإنترنت أطلقت ثورة تعمل ب «قوة الدفع التلقائي» إن جاز التعبير، وأسفرت عن إنشاء عالم جديد شجاع على حد قول الروائي الشهير «ألدوس هكسلي»إلاّ أن المشهد الحالي لتلك الثورة ينبئ عن أزمات جد عميقة، أزمات لا توصف بأنها فنية أو علمية، وإنما يصح أن توصف بأنها أزمات «إنسانية» توقع طفرة الإنترنت في بحر من الحيرة والتيه، وهذا هو مكمن الخطر. وتبدو طموحات السيد بارلو، بعد سبع سنوات من إطلاقها، غير منطقية، بل وتصور في أسلوب حقيقي وواقعي دعايات التسعينات الزائفة التي نتج عنها شركات الإنترنت وما شهدته تلك الشركات من علو وسقوط مفاجئ غير مبررين.
إن الإنترنت تبدو هذه الأيام، ودعونا نأسف لذلك، وكأنها أحد الأجهزة المنزلية العادية، كأنها نوع جديد من وسائل الترفيه مثل الراديو أو التليفزيون أو الدش، ولم تعد ذات علاقة بالبيانات والتصريحات الرنانة التي تقول ب «التقدم العقلي» أو «عالم جديد شجاع»، أو ما شابه.
الكبت الإنترنتي
رواد الانترنت القدماء من أمثال الشاعر الغنائي بارلو الذين كانوا يتكلمون من واقع يشوبه التفاؤل، توقفوا عن إطلاق النظريات الوردية، وفقدوا حماسهم، وباتوا يطلقون تحذيرات وصرخات لم يكن لها سبب في وجودها سوى هذا الكبت الذي تتعرض له شبكة الإنترنت من قبل الحكومات ومصالح الشركات، وصارت الإنترنت مثلها مثل إنسان العصر. قيود من كل مكان وفي كل مكان.
ولنبدأ من طرف الخيط، الشاعر الأمريكي بارلو بعد توقفه عن تعاطي الأماني الخادعة والأمنيات التي يأكلها السراب. بدأ يحذر من الأدوار الخبيثة التي تمارسها كبرى شركات تقنية المعلومات، على عين ومرأى الحكومات بل وبمساعدتها وتشجيعها، للتحكم في «كل ما نعرفه». ومن وجهة نظره، هذه الحرب التي تدور معاركها في الكواليس الخلفية دون أن يدري من أمرها شيئا جمهور المستخدمين البؤساء سيكون لها الكلمة الأخيرة في تقرير مصير تلك الثورة العلمية المعلوماتية التي لم تجن ثمارها بعد الإنسانية، بل ويؤكد أن هذه الأدوار الخطيرة ستؤثر، سلباً وشراً وبؤساً، في مستقبل الإنسانية نفسها، هنا، يقول بارلو بالحرف الواحد: «ستحدد الحرب الدائرة في هذا المضمار من وجهة نظري، مصير الإنسانية ومستقبلها». ونفس الرأي تقريبا أطلقه لورانس ليسيج، البروفيسور بجامعة ستانفورد وأحد أشهر المعلقين على الإنترنت، حيث لمح في إحدى رسائله على الإنترنت قائلا : «الديناصورات الحالية نجحت في خنق الإبداع الذي ولد جنبا إلى جنب هذا العالم الجديد».
هل هي مبالغة
ربما نلمس شيئاً من قبيل المبالغة في آراء بارلو والبروفيسور ليسيينج، لكنهم على حق في جزئية محددة ألا وهي : الإنترنت وشقيقاتها من التكنولوجيات المتنوعة في عالم الاتصالات والإلكترونيات البرامج. كل هذا سيكون له دور أساسي في تشكيل المجتمع الإنساني الحديث وتغييره بصورة ربما لم نتوقعها أو نتصورها من قبل. وقول على قول، ما يشاهده العالم الآن من تكنولوجيات صاعدة وواعدة في مجال الإنترنت والاتصالات ما هو إلا الدرجة الأولى في سلم طويل متعرج. وما زال هناك الكثير ممن ينتظر دوره في الظهور على المشهد العام، وسوف تغير هذه الغابة الكثيفة من التقنيات معظم مظاهر حياتنا، سواء الشخصية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية أو حتى السياسية، وربما يكون هناك بعض المجالات التي سيضعف بها تأثير الإنترنت، لكن في معظم المجالات، سيكون التأثير العامل بالإنترنت وشقيقاتها عميقاً وغير مسبوق.
اللب
إن تكنولوجيا الإنترنت والطفرات الإلكترونية الحديثة تتعامل بصورة مباشرة مع لب المجتمع البشري، ألا وهو الاتصال المباشر بين البشر. ما سبق ذلك من تقنيات وأجهزة واختراعات، مثل التلغراف وغيره، حقق أيضا الاتصال بين البشر وأسهم في تغيرات كبيرة في المجتمع الإنساني، غير أن التغيرات الاجتماعية التي ستفرزها العقود القادمة ستكون أوسع وأشمل نطاقاً، وستحدث بإيقاع أسرع، بل وأسرع من أي تقدم سابق، خاصة وأن القاعدة التي تنطلق منها هذه التقنيات تمر بمنعطف خطير من التطور والتقدم، ولا يستبعد أن يقترب تأثيرها من تأثير الكهرباء على حياتنا من حيث الاستخدام والانتشار والتواجد.
ولكن هل هذا التقدم والإمكانات في مصلحة المجتمع الإنساني؟ من الصعب. أن لم يكن من المستحيل، التكهن بالإجابة الدقيقة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن تقييم أو توقع في هذا المجال يعتمد على المعالجة الاجتماعية والسياسية للتكنولوجيا، وهذه المعالجات معقدة وتختلف من مجتمع لآخر، ومن ظروف لأخرى، ومن وقت لآخر.
مليارات الدولارات أنفقت للرهان على فكرة أن الإنترنت ستغير كل شيء في حياة الإنسان، بدءا من طرق البيع والشراء وانتهاء بأشكال الترفيه والتسلية. وواقع الحال يقول إن استخدام الإنترنت ينمو بسرعة فائقة، والتطبيقات العملية لشركات الإنترنت أثبتت فشلها بجدارة، وصناعة شبكات الاتصالات تسابقت لبناء البنى التحتية لعالم الإنترنت فسقطت صريعة ديون منهكة بلغت 1000 مليار دولار فارتبكت أحوالها ومساراتها.
قوة من بعد فشل
لكن من الخطأ الاعتقاد بأن هذه هي نهاية ثورة الإنترنت، وظاهرة الفشل بعد قوة الانطلاق تصاحب دائما تقديم تكنولوجيات جديدة. ففي 1870 مثلاً، ازدهرت السكك الحديدية الأمريكية تماماً مثلما انتعش قطاع الاتصالات في التسعينيات، ثم انهارت بعد ذلك نتيجة إفلاسات كثيرة وفضائح مالية وخسائر أسهم وديون ضخمة، وسقط الاقتصاد الأمريكي في دائرة الانكماش والتراجع، ولكن بعد سنوات قليلة، تعافى الاقتصاد مرة أخرى، وصاحبه تقدم في هندسة السكك الحديدية، استقطبت استثمارات جديدة، ونشطت السكك الحديدية، ودفعت الاقتصاد للأمام دفعة قوية، تماما مثلما حدث إبان ظهور ماكينة الاحتراق الداخلي.
عقد من الزمن، صارت صناعة السيارات رمزاً للتقدم وعنواناً للرسوخ الاقتصادي، والسبب القوي المؤيد للرأي القائل أن ثورة الإنترنت تتطور بجنون، هو التقدم المذهل للمكونات التكنولوجية القائمة عليها صناعة الإنترنت. فصناعة رقائق الحاسب تشهد تسابقا متواصلا للأمام، جوردون مور، مؤسس انتل وعملاق صناعة المعالجات الإلكترونية وواضع قانون عام 1965 سمي على اسمه «قانون مور». قال عن صناعة المعالجات ونموها : «كل 18 شهرا، ستتضاعف قدرات المعالجات»، وهذا عين ما يحدث منذ 1965 حتى الآن، وانتل واثقة من استمرار هذا التطور لمدة 15 عاماً قادمة، غير أن الأبحاث فائقة التقدم التي تجريها، في منافسة شرسة، شركتا «ا ب م وإتش بي» في الإلكترونيات تعطي قانون مور الأمل في خمسين عاماً قادمة.
كما أن تقنيات الإرسال والتخزين تشهد نفس التقدم المثير.
ويتوقع فيكتور زيو مدير معمل الكمبيوتر بمعهد إم آى تي، بمدينة كامبريدج بمساشتوس، ارتفاع سرعة الدخول على الإنترنت. بالإضافة إلى أنها ستكون مجانية في الدول المتقدمة في غضون الخمس سنوات القادمة.
ومعامل مشروع «أكسجين» بنفس المعهد تبني حاليا مكتبا بالحرم الجامعي، تعرض نماذج أولية لتطبيقات خاصة بالحاسبات وتقنيات الاتصالات المعتمدة على الصوت البشرى في تشغيلها ومجموعة من الوسائط التي ستتاح للجمهور في القريب العاجل وجاري اختبار العديد من مكونات هذا المشروع في مختبر إم آي تي ومن قبل شركائها الشركات.
وعلى جبهة أخرى، يحاول نجم الإنترنت الشهير تيم بيرنرز، مؤسس الشبكة العنكبوتية الدولية (الويب)، إيجاد اتفاقية مع مجموعة من الشركات لتأسيس المعايير وتحديد مواصفات ما يسمى ب «الشبكة اللغوية»، والتي ستكون أكثر ذكاء من الشبكة الحالية، وتوفر كثيراً من عناء البحث بتقييم المحتوى اللفظي للمعلومة المطلوب البحث عنها قبل إجراء البحث، حتى الإحساس الطبيعي بحاسة اللمس قد يصبح أمراً ممكنا يوما ما في عالم شبكات الاتصالات، خاصة وأن الباحثين في جامعة لندن، وبالاشتراك مع نظرائهم من م آى تي في بوسطن نجحوا في عرض نظام سريع الاتصال يربط بين شخصين في مكانين مختلفين، مع إمكانية التعامل مع الأشياء المادية الموجودة بعيدا عنهم.
أما مايكروسوفت، فإنها تسعى بجدية لإتاحة سعات تخزينية للمستخدمين لحفظ ملفاتهم وصورهم الشخصية، والمحادثات الهاتفية، والبريد الإلكتروني طول حياتهم، مما لن يدفع أحدا مستقبلا لكتابة سيرته الذاتية.
شريحة الكتف
على الصعيد العالمي، سيعطي الجيل الثالث من الهواتف المحمولة للمستخدمين سرعة عالية في الاتصالات، واتصالاً دائماً بشبكة الإنترنت، مع تزويدها بخصائص وإمكانات الفيديو في السنوات القادمة. كل هذا رغم الإيقاع البطيء لحركة هذه التقنيات وظهورها في الأسواق والمبالغ التي تنفقها شركات الاتصالات ببذخ على تراخيص هذه الهواتف. وسوف تنشر شبكات «الوايفاي» (شبكات لاسلكية تعتمد على تقنية الألياف الضوئية) والتي توفر اتصالاً لاسلكياً على المستوى المحلي، وسوف تستخدم رقائق التتبع الإلكترونية المعتمدة على ترددات موجات الراديو كوسائل أمان للدخول على الشبكة. وفي القريب العاجل، هذه الرقائق ستصغر حتى يمكن زرعها في كل شيء من علب العصير إلى الجسم البشري لتسجل وتنقل البيانات الطبية بصورة فورية وتعمل كنوع من التحكم الآلي. وستكون هناك أجهزة استشعار من كل نوع، تشتمل أيضا على كاميرات فيديو حيث ستكون أرخص وأصغر، ويتوقع الباحثون في معامل فورستر، استشاري تكنولوجي أن يتصل 14 مليار جهاز من هذا النوع بالإنترنت في عام 2010 .
عسل مر
ولكن وجود هذه التكنولوجيا يعتمد على عدد من العوامل منها حالة الاقتصاد،وتدفق الاستثمارات النقدية، وشهية المستخدم في تقبل الخدمات والأجهزة الحديثة، وكثير من الناس سيكونون ثروات ضخمة، وسيفقد آخرون كل ما يملكون، ولكن الواضح أن هناك نموا قويا في مجال الحاسبات والاتصالات، وانخفاضا في أسعارها وتحسن في الخدمات في العقود القادمة، مما يتيح في الدول المتقدمة خاصة، تسجيل العلاقات البشرية، متى وقعت وأين حدثت وتخزينها وتحليل هذا الكم الرهيب من المعلومات والبيانات بتكلفة زهيدة.
الأمر الذي يوقع الدول ذات الإمكانات الضعيفة في أسر الدول الأقوى منها، والأسر قد يأخذ طابعاً سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، والأهم، علمياً ومعرفياً .ويدور جدل ساخن حول شبكات رغم أنها «سوق» مفتوحة للأفكار: الإنترنت..استعمار «تكنولوجي» جديد؟
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|