عطل آلاف الأجهزة واخترق شبكات البنتاجون وناسا أمريكا تلاحق أخطر (هاكر) في التاريخ
|
* إعداد: إسلام السعدني
وانقلب السحر على الساحر.. مثل عربي قديم ربما شكل الوصف الأدق لذاك الموقف الذي وجدت الولايات المتحدة نفسها فيه بعد نجاح قرصان كمبيوتر أو ما يعرف باسم (هاكر) يدعي (جاري ماكينون) في اختراق العديد من شبكات الحاسب الآلي التابعة للمؤسسات الحكومية والعسكرية الأمريكية بما يحمله ذلك في طياته من خطر بالغ على الأمن القومي للقوة العظمى الوحيدة في العالم.
المفارقة تكمن في أن أمريكا التي جلبت لها شبكة الإنترنت قرصان كمبيوتر هو الأخطر في التاريخ مثلما وصفه باول ماكنلتي المدعي العام في مقاطعة شرق فرجينيا هي مهد الإنترنت، تلك الشبكة المعلوماتية الهائلة التي ظهرت إلى الوجود نتيجة أبحاث ودراسات أجراها خبراء أمريكيون نهاية الستينيات من القرن الماضي لبحث السبل التي يمكن من خلالها ضمان استمرار الاتصالات بين الوزارات والجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية المختلفة حال وقوع هجوم نووي من قبل الاتحاد السوفيتي، الذي كان يعد في تلك الفترة العدو الأول للولايات المتحدة.
القرصان الساخر
ماكينون هذا المواطن البريطاني يواجه حاليا خطر ترحيله للولايات المتحدة، للمثول أمام محاكمها بتهمة اختراق عشرات من الحاسبات الآلية المرتبطة بالشبكات الحكومية والعسكرية الأمريكية على مدار أكثر من اثني عشر شهرا بين عامي 2001 و2002 مما أسفر عن حدوث خسائر مادية تقدر بـ370 ألف جنيه إسترليني أي ما يوازي 700 ألف دولار أمريكي.
الأنكى من ذلك أن ماكينون البالغ من العمر 39 عاما، الذي كان يُعرف على الشبكة العنكبوتية باسم (سولو) ترك في إحدى المرات، على أحد أجهزة الكمبيوتر العسكرية الأمريكية التي اخترقها، عبارات يسخر فيها من السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارة الرئيس جورج بوش، مضيفا بالقول إنه (ليس من قبيل الخطأ ما تردد عن وجود خلل أمني هائل عشية وقوع هجمات سبتمبر)، وهو ما أدى إلى حدوث هذه الهجمات.
وواصل ماكينون كلماته قائلا بفخر شديد (أنا سولو.. وسأواصل محاولاتي لاختراق أجهزتكم وتعطيلها على أعلى المستويات).
طلب ترحيل
ولأن القضية مثيرة للاهتمام بالفعل، ولأن الاختراق الذي قام به ماكينون أو سولو لم يكن معتادا بالنظر إلى اتساع نطاقه وطبيعة الأجهزة التي تمكن من التسلل إليها، فقد أولت صحيفة (الجارديان) البريطانية اهتماما كبيرا بهذا الموضوع، ونشرت عنه تقريرا مطولا، أشارت فيه إلى أن من بين الاتهامات الموجهة ل(القرصان البريطاني) قيامه بحذف ملفات تشغيل وسجلات التي كانت مخزنة على بعض الحاسبات الآلية التي تمكن من اختراقها في إحدى القواعد البحرية الأمريكية، وذلك في تلك الفترة الحرجة من التاريخ الأمريكي التي أعقبت تعرض البلاد لهجمات سبتمبر.
وقد أدى ما قام به (سولو) إلى تعطيل شبكة الحاسبات الآلية في القاعدة، التي تضم أكثر من ثلاثمائة حاسب آلي، وذلك في إطار جهوده لتحقيق ما سماه المسئولون الأمريكيون بهدفه النهائي، والمتمثل في اختراق شبكة المعلومات السرية الخاصة بالقيادة العسكرية الأمريكية.
وأشارت (الجارديان) إلى أن ماكينون وهو من منطقة وود جرين شمال لندن قدم طعنا ضد طلب الترحيل الذي قدمته السلطات الأمريكية بحقه، موضحة أن هذا الرجل يواجه عشرين اتهاما تتعلق باختراق حواسب آلية تابعة للجيش والأسطول الأمريكيين، وكذلك حاسبات تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وأيضا لوزارة الدفاع (البنتاجون) وللقوات الجوية الأمريكية.
كما تتضمن الاتهامات الموجهة ل(ماكينون) اختراق أجهزة كمبيوتر بغرض سرقة ملفات وبيانات مخزنة عليها، وأيضا السعي للحصول على شفرات سرية ومعلومات (قد تصبح مفيدة بشكل غير مباشر للعدو)، بحسب الاتهامات الأمريكية.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد كما تشير (الجارديان) بل يمتد إلى اتهام ماكينون بالتشويش على الأجهزة الخاصة بتوجيه الملاحة البحرية في ولاية نيوجيرسي، وكذلك إلى إلغاء بعض الملفات من على الأجهزة المرتبطة بإحدى شبكات الحاسب الآلي في منطقة واشنطن العسكرية، مما أدى لإغلاق الشبكة التي تضم ألفي حاسب آلي لمدة 24 ساعة.
وتوضح الصحيفة البريطانية في تقريرها أن جاري ماكينون ملاحق منذ عام 2002 بتهمة ارتكاب ثماني جرائم مرتبطة ب(القرصنة الإلكترونية) في أربع عشرة ولاية أمريكية.
عن بعد ومن أي مكان
وتنقل الصحيفة عن مارك سامرز الذي يمثل الحكومة الأمريكية أمام محكمة (بو ستريت) البريطانية التي تنظر القضية قوله إن ( المتهم اخترق 97 حاسبا آليا تابعا للأجهزة الحكومية والعسكرية الأمريكية في الفترة ما بين شهري فبراير من عام 2001 ومارس 2002 وأنه كان يعمل من خلال حاسبه الآلي الخاص في لندن.
وأضاف سامرز حسبما تنقل عنه الجارديان قائلا إن ماكينون تمكن من التعرف على الأجهزة التابعة لتلك الشبكات وتحديدها عبر الإنترنت، ومن ثم نجح في اختراقها، وثبت عليها بشكل غير مشروع برنامجا لاختراقها والتحكم فيها عن بعد يُسمى (عن بعد ومن أي مكان)، وهو البرنامج الذي أتاح له الفرصة للسيطرة على البيانات المخزنة على هذه الأجهزة والتلاعب فيها دون أن يتم تحديده أو التعرف عليه.
وأشار سامرز إلى أن جاري ماكينون نجح بواسطة هذا البرنامج من أن يتحكم في تلك الأجهزة، وكأنه قد أصبح مالكا لها بشكل فعلي، موضحا أنه كان بوسع هذا (القرصان) التنقل بين العديد من الشبكات الفرعية المختلفة المرتبطة بالشبكات الحكومية والعسكرية الأمريكية بكل سهولة.
وخلص سامرز في مرافعته أمام المحكمة البريطانية للقول إن ماكينون أقدم على ارتكاب ما هو منسوب إليه من جرائم عمدا ومع سبق الإصرار، وأنه كان يهدف من وراء ذلك إلى التأثير على الحكومة الأمريكية (من خلال القيام بأفعال من شأنها إثارة الارتباك والفزع).
شروط الإفراج
وينتقل تقرير الصحيفة البريطانية إلى (سولو) هذا القرصان الذي اخترق قلاع الأسرار الأمريكية الحصينة، حيث يشير إلى أنه لم يتحدث تقريبا خلال الجلسة الأخيرة لمحاكمته التي جرت الشهر الماضي، وتقرر فيها إرجاء المحاكمة حتى الثامن عشر من شهر أكتوبر.
ويضيف التقرير أن القاضي البريطاني (نيكولاس إيفانز) قرر إطلاق سراح ماكينون مؤقتا بعدة شروط أولها : التزامه بالتوجه مرتين أسبوعيا إلى مركز الشرطة التابع له لتأكيد استمرار وجوده في الحي الذي يعيش فيه، أما الثاني فهو منعه من تقديم أي طلب لاستخراج جواز سفر وذلك للحيلولة دون سفره إلى الخارج، فيما يتمثل الشرط الثالث في منعه من استخدام أي أجهزة قد تتيح له الدخول على شبكة الإنترنت.
ومن جانبها، أكدت كارين تودنر محامية ماكينون أنها ستواصل جهودها المستميتة للطعن في طلب ترحيل موكلها إلى الولايات المتحدة، معربة عن دهشتها لأن السلطات الأمريكية فد تقدمت بهذا الطلب متأخرا للغاية دون أن يعرف أحد السبب في هذا التأخير.
وأضافت تودنر في تصريحات أدلت بها أمام المحكمة عقب الجلسة التي عقدت الشهر الماضي قائلة (إن الرأي العام البريطاني بحاجة إلى أن يطرح على نفسه سؤالا مهما مفاده: لماذا يتم ترحيل المواطنين البريطانيين إلى الولايات المتحدة على الرغم من عدم وجود اتفاقية لتبادل المجرمين بين البلدين).
وأشارت المحامية بحسب ما تنقل عنها (الجارديان) في تقريرها إلى أن موكلها سيواجه في حالة إدانته أمام المحاكم الأمريكية عقوبات بالسجن قد تصل إلى سبعين عاما.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|