لصالح منافسيها من دول شرق آسيا هل فقدت اليابان رياضتها التقنية
|
* إعداد : محمد الزواوي
لأول مرة في عصر الثورة التقنية والذي يدار فيه كل شيء تقريبًا بواسطة التكنولوجيا فإن الصناعات عالية التقنية اليابانية يبدو أنها بدأت تفقد تفوقها، وقد ظهرت عليها علامات الإعياء والتعب، إضافة إلى نضوب الابتكار فيها. بعد فشل عملية إطلاق القمر الصناعي الياباني، إضافة إلى سلسلة المشاكل الأمنية التي تتعلق بماكينات صرف النقود الآلية وتسرب المعلومات الشخصية لبعض الأفراد المشتركين في خدمة الإنترنت الرقمي ( DSL ياهو) الياباني، فإن اليابان تقوم الآن بإجراء أبحاث ذاتية حول حالة صناعة التقنية المتقدمة اليابانية، وتحاول أن تقوم بتحفيز قطاع التقنية الياباني لكي يعود ثانية ليصبح رائدًا في مجال التقنية العالمية.وهذا قد لا يكون ممكنًا، على الأقل في المستقبل القريب.
أوردت مؤسسة (نيهون كيزاي شيمبون) اليابانية مؤخرًا أن رئيس الوزراء الياباني جونشيرو كويزومي يدرس إنشاء وزارة جديدة من أجل إنعاش وإعادة صياغة سياسات صناعة تقنية المعلومات اليابانية، كما يخطط كويزومي إلى دخول اليابان سباق الفضاء الجديد؛ فبعد المحاولة الصينية الناجحة في إطلاق أول مركبة فضائية صينية مأهولة، وإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن خططه من أجل إرسال أمريكيين إلى المريخ، فإن كويزومي قد قرر أن يعيد إحياء برنامج الفضاء الياباني المتعثر، وأن يهدف إلى إرسال رواد يابانيين إلى الفضاء.
وقد أطلقت الحكومة اليابانية شركة عامة جديدة لتقديم خدمات الإنترنت لمواطني اليابان، وسوف تقوم هذه الشركة بتحصيل عائدات الضرائب وتقوم بخدمات استخراج جوازات السفر عن طريق الإنترنت، كما سوف تقبل الحكومة دفع نفقات بعض الخدمات الإدارية، مثل التأمين على العمال وتكاليف استخراج بعض الأوراق، وسوف تقوم بتحصيل ذلك عن طريق ماكينات الصرف الآلي أو بنوك الإنترنت.
وعادة ما كان المجتمع الياباني يواكب أحدث المستجدات في العالم، لذا ليس من المدهش أن نرى الحكومة اليابانية تروج لمشروع جديد لإعادة تنشيط صناعة التقنية اليابانية، وتشجع الجامعات والمؤسسات على إعادة تجديد توجهاتها التكنولوجية، وأن تعمل على إبقاء اليابان في واجهة الابتكارات والتطوير التقني في العالم.
وهذه التحركات من المتوقع أن تساعد اليابان في المحافظة على دورها الرائد في صناعة السيارات العالمية وصناعة الإليكترونات، جنبًا إلى جنب مع الدول المتقدمة الأخرى.
والآن تتسابق مؤسسات تقنية المعلومات اليابانية والجامعات في الفوز بالشباب الياباني الماهر في تقنية المعلومات، وذلك بسبب ندرة الخبرات الأجنبية في اليابان بسبب قوانين الهجرة الصارمة التي تمنع هجرة العقول إليها، إضافة إلى ندرة المحترفين المؤهلين في ذلك المجال.
وقد عرضت جامعة كيو المرموقة ولأول مرة منحًا مجانية لاجتذاب العناصر الشابة، إضافة إلى مكافآت مجزية، وقد أطلقت مؤسسة ماتسوشيتا لصناعة الإليكترونيات برنامجها التوظيفي الجديد الذي يهدف إلى اجتذاب خريجي الجامعات الجدد، من أجل خلق صناعات جديدة والترويج لها داخل اليابان.
تحرك محدود ومتأخر
ويرى البعض أن تحرك كويزومي نحو تجديد وتنشيط صناعة التقنية ربما يكون محدودًا للغاية، كما أنه جاء متأخرًا أيضًا. ففي عام 2000 اتخذت اليابان أولى خطواتها الهامة لتصبح دولة رائدة في مجال التجارة الإليكترونية، عن طريق إصدار قانون جديد لتقنية المعلومات، وقد دعا هذا القانون إلى وجود (حكومة إليكترونية) عن طريق إنشاء بنية تحتية من شبكات الإنترنت العالية السرعة، وروج إلى المزيد من مواقع التجارة الإليكترونية، إضافة إلى حمايته للشبكات الآمنة وعمليات تبادل المعلومات الشخصية.
وقد كان هدف هذا القانون هو مساعدة شركات تقنية المعلومات في التغلب على العراقيل التي سببتها 733 إجراءً قانونيًا و124 قانونًا كانوا يعطلون ويحدون من توسع اليابان في التجارة الإليكترونية، وقد أدى هذا القانون الجديد إلى تطوير المشاريع الهامة على شبكة الإنترنت. وأحد الأمثلة على ذلك هو بدء مؤسسة (ياماها) ليابانية في 20 مارس القادم في إطلاق آلات موسيقية جديدة تستطيع أن تتصل بشبكة الإنترنت، ولكن على الرغم من بعض التقدم وإزالة بعض العقبات الإجرائية، إلا أن عملية تنشيط قطاع التقنية الياباني لا يزال يواجه عدة عقبات.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من الخطوات الواسعة التي خطتها اليابان في سوق تجارة الهواتف النقالة المغري، فإن تلك الصناعة لا تزال متأخرة وراء كوريا الجنوبية. كما أن توسع اليابان في البنية التحتية للشبكات العالية السرعة، والتي تعد أساسية بالنسبة لتنشئة جيل ماهر بالإنترنت، قد عوقته الإجراءات الروتينية الحكومية. أما العائق الآخر أمام التجارة الإليكترونية في اليابان فهو قلة تعامل الشعب الياباني بكروت الائتمان.
فلا يزال المجتمع الياباني مجتمعاً نقدياً؛ وحتى أولئك الذين يحملون بطاقات ائتمان عادة ما يترددون في الإفصاح عن أرقام كروتهم على الإنترنت خشية أن يكون غير آمن، وقد تعززت تلك المخاوف بعد الثغرات الأمنية التي حدثت في موقع (ياهو اليابان) وهو من أكبر شركات الإمداد بخدمات الإنترنت الرقمي DSL، والذي فضح بعض المعلومات الشخصية لمستخدميه.
وقد دعا المؤيدون إلى تحسين التقنية اليابانية مؤخرًا إلى استقطاب المحترفين الأجانب إلى اليابان، من أجل إعطاء دفعة إلى صناعة التقنية اليابانية.
ولكن للأسف ذهبت نصائحهم أدراج الرياح؛ وذلك بسبب أن المجتمع الياباني المتجانس لا يزال مترددًا في تشجيع الهجرة إليه، ويخشى البعض من أن ذلك سوف يفتح بوابة لطوفان من الأجانب، مما قد يحدث تغيرات ديموجرافية وثقافية في المجتمع الياباني المتجانس.
في حين اعتبر البعض أن حملة الحكومة لإدخال التقنية في كافة نواحي الحياة اليومية أنها لا تتم من أجل تحسين الكفاءة، ولكنها فقط محاولة للحفاظ على تفوق البلاد التقني على منافسيها من دول شرق آسيا مثل الصين وكوريا الجنوبية.
وتغلغل الإنترنت في حياة الشعب الكوري الجنوبي يعد أعمق من نظيره الياباني في العقد الأخير، كما أن جيران اليابان في شرق آسيا قد استطاعوا قطع شوط طويل في مجال تقنية المعلومات، كما فاجؤوا اليابان في العديد من جبهات تقنية المعلومات، كما تتباهى العاصمة سول بأنها لديها واحدة من أكثر شبكات الإنترنت الفائق السرعة تقدمًا في العالم، في حين لا يزال تغلغل الحسابات الشخصية وشبكات الإنترنت العالية التقنية بطيئًا للغاية، في حين لا يزال الكثيرون من الشعب الياباني يستخدمون طريقة الاتصال الهاتفي للاتصال بالإنترنت.
كما أن كوريا الجنوبية قد فاجأت اليابان في صناعات أخرى للتقنية، مثل الشاشات السائلة من نوع LCD، وأشباه الموصلات وتقنيات الهواتف المحمولة.
وقد استطاعت شركتان كوريتان أن تتصدرا سوق الإليكترونيات العالمية، كما شن مصنعو الألعاب الرقمية الكوريون عدة حملات في الأسواق العالمية على حساب منافسيهم اليابانيين، وبخاصة في الأسواق الصينية التي تشهد تفوقًا خالصًا لصناعة الألعاب الكورية. وتستعد الآن كل من الصين وتايوان وهونج كونج في إسراع خطواتهم من أجل حل محل كل من كوريا الجنوبية واليابان، ليصبحا مركز صناعة الإليكترونات في آسيا، سواء في الإنتاج أو التطوير.
وبعد الحصول على أغلبية أسهم شركة TCLThomson للإليكترونيات، وذلك بعد اتحاد مؤسستي TCL وThomson الفرنسية، فإن شركة TCL الصينية قد أصبحت أكبر مصنِّع لأجهزة التلفاز على مستوى العالم، كما قامت الصين بتطوير معاييرها الخاصة للجيل الثاني من الهواتف النقالة وأجهزة تشغيل أقراص DVD، وحسنت من صناعة البرمجيات، ليس فقط لتلبية حاجات السوق الصيني الواعد، ولكن أيضًا حاجات سوق البرمجيات الدولي المغري.
وقد أطلقت الشركات اليابانية العديد من الأبحاث ومراكز التطوير في الصين، من أجل استغلال مميزات الصين في وجود عدد كبير من المهندسين الصينيين الذين يكلفون اليابان أموالاً ضئيلة للغاية مقارنة بنظرائهم اليابانيين، وقامت هذه المؤسسات بتطوير المنتجات لكل من السوق المحلي وللتصدير.
كما ازدهرت صناعة سبك الدوائر الإليكترونية المتكاملة في الصين، وتقوم الشركات المحلية بتصميم وتصنيع أشباه موصلات جاهزة الاستخدام في أجهزة الهواتف المحمولة للماركات العالمية مثل (إنتل) و(نوكيا) و(فوجتسو).
ولكن تلك الشركات تواجه تحديًا خطيرًا لتنفيذ أعمالها في الصين، وهو خسارة ممتلكاتها الفكرية.
وقد نشرت جريدة النيويورك تايمز مقالاً للكاتب ستيفنز لور في 13 يناير الماضي وصف فيه جهود الحكومة الصينية لاستخدام معاييرها للجيل الثاني من المنتجات التقنية، مثل الهواتف النقالة ومشغلات أقراص DVD. فالصين تقوم بتطوير معايير جديدة للبرمجيات والحاسبات اللاسلكية، إضافة إلى تشريع سياسات ضريبية جديدة تعطي الأفضلية لرقائق الحاسبات الموجهة إلى سوق الاستهلاك الصيني.
وقد قام مصنعو أشباه الموصلات العالميون بالاحتجاج على سياسات الضرائب الصينية التي تعد أعلى بنسبة 14% مقارنة بصادرات الصين لرقاق الحاسبات لتلك المصممة للتصنيع داخل الصين. ونسب الضرائب المرتفعة تطبق على الرقائق التي تستخدم في منتجات تباع في الأسواق الصينية، في حين لا تطبق على الصادرات.
أما الأكثر إزعاجًا لشركات التقنية اليابانية فهو الإجراءات الصينية الجديدة التي أعلنت في ديسمبر الماضي، والتي سوف تلزم الشركات الأجنبية العاملة في الصين باستخدام برمجيات تشفير صينية، وأن تشارك في إنتاج بضائعها مع عدة شركات صينية أوردتها في قائمة خاصة وذلك في حالة بيع الشركات الأجنبية لأجهزة لاسلكية إلى المستهلك الصيني.
وقد أشار مقال التايمز إلى أن (صناع الحاسبات الأجانب في الصين، والذين تقودهم الشركات الأمريكية، قد اعترضوا على هذا القرار.
وبالإضافة إلى قلقهم بشأن تلك المعايير، فإن الشركات الأجنبية تشعر بالقلق بشأن الخسارة المحتملة لممتلكاتها الفكرية إذا ما أجبروا على العمل مع الشركات الصينية، التي من المؤكد أنها ستصبح شركات منافسة لها في المستقبل).
وهذه الإجراءات الجديدة لها أكبر الأثر على أجهزة الواي فاي والتي تمكن المستخدم من الاتصال بالإنترنت لاسلكيًا عن طريق موجات قصيرة ، وتصر بكين على أن إجراءات تنظيم استخدام الواي فاي ضرورية لحماية الأمن القومي الصيني، مثلما أن الأكواد التشفيرية التي تستخدم في عمليات الاتصالات تعد حساسة على أمن البلاد.
وقد أكد الخبراء في كل من الصين والخارج بصفة مستمرة على الحاجة إلى وجود أنظمة أمن متقدمة لتبادل المعلومات عن طريق الاتصالات.
ولكن النقاد
خارج الصين يقولون إن الاتصالات عبر الواي فاي لا تمثل أي مخاطر أمنية، وذلك لأنها تمتد فقد لبضعة مئات من الأمتار، وأن المعايير القومية الصينية هي في ذاتها إجراءات صممت لكي تمنع الشركات الأجنبية من احتكار حصة كبيرة من سوق الواي فاي الصيني. وإلى جانب تطويرها لمعايير الواي فاي الخاصة بها، فإن الصين تروج بنشاط لبرامج مفتوحة الأكواد لتقليل اعتمادها على برنامج ويندوز الذي تنتجه شركة مايكروسوفت، كما أنها تطور معاييرها الخاصة لمشغلات أقراص DVD.
والمعايير الصينية للجيل القادم من مشغلات الاسطوانات وأقراص DVD والتي تسمى EVD (أو الأقراص المحسنة المتعددة الاستخدامات) من المتوقع أن يكون لها أربعة أو خمسة أضعاف السعة التخزينية لأقراص DVD المستخدمة حاليًا، ولكنها لن تنتشر قبل عام 2005 على الأقل.
وتأمل الصين في أن تتجنب دفع أموال باهظة للشركات الكبيرة في كل من اليابان والولايات المتحدة وأوروبا نظير استخدام منتجات تلك الشركات، وذلك عن طريق ابتكار تقنياتها الخاصة، ولكنها سوف تواجه منافسة ضارية؛ فهناك مجموعتان من الشركات اليابانية، إحداهما تقودها شركة NEC والأخرى ترأسها شركة Sony، وهما بالفعل في المراحل النهائية لتطوير جيلهما القادم من معايير مشغلات أقراص DVD.
وقد أدركت شركة Japan Inc أنه من أجل أن تظل في المنافسة في الاقتصاد العالمي، فإنه من الضروري أن تندمج مع شركات أخرى، سواء كانت تلك الشركات يابانية أم أجنبية.
والاندماج بين شركتي الهواتف النقالة السويدية واليابانية Sony Ericsson هي واحدة من أكبر الأمثلة على ذلك، فبعد المعاناة من الخسائر بسبب زيادة المنافسة في صناعة الهواتف النقالة، أدهشت الشركة المندمجة الجديدة المحللين بتحليقها في النجاح والمكاسب في الربع الأخير من عام 2003، بعد نسب مبيعاتها الضخمة لمعدات الهواتف النقالة المزودة بالكاميرات والألعاب الجديدة. كما كان هناك سلسلة من الاندماج بين الشركات الأوروبية واليابانية في مجال المعدات العالية التقنية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك الاتفاقية لتطوير معيار موحد ومعدات للمنتجات الأمنية، مثل أدوات التعرف على الوجوه والبصمات التي تعتمد على التقنية البيولوجية المترية.
ومؤخرًا في 23 يناير الماضي، صرحت شركة (هيتاشي) اليابانية بأنها قد وصلت إلى اتفاق مع معهد (فراون هوفر للتعاون التقني الآمن) في ألمانيا من أجل تطوير تقنيات لمساعدة المستخدمين في التصديق على التوقيعات الإليكترونية من دون أن تعوقها أي إجراءات تستخدم في مختلف الدول.
وبالإضافة إلى التعاون مع الشركات الأجنبية، فإن اليابان سوف تكون بحاجة إلى البدء في استيراد العمالة الأجنبية إذا كانت حقًا تريد أن تظل في المنافسة في صناعة تقنية المعلومات العالمية.
وسواء كانت اليابان تفضل ذلك أم لا، فإن مسألة فتح الأبواب للعمالة الأجنبية لا تتعلق بإذا ما كان ذلك سيحدث أم لا، ولكن بمتى يحدث ذلك؛ وإلا فإنه في المستقبل القريب، ربما يضطر الموظفون اليابانيون إلى البحث عن وظائف عالية التقنية، ولكن في الصين وكوريا الجنوبية.
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|