تعتزم جوجل أرشفة بعض المطبوعات القديمة؛ لتعلن ضربة البداية لحلم إنساني طال انتظاره.
المشروع في مداه الواسع عمل جبار سيقود حتماً إلى أرشفة كل العطاء الصحفي والعلمي والأدبي والثقافي لبني آدم على مر العصور!
لقد كنا دائماً نقول إن عالم الحوسبة ما زال في طفولته الباكرة، وإن آفاق الإفادة من الكمبيوتر تتمدد بلا نهاية، وها هي الأيام تشير بشكل متواصل إلى أننا ما زلنا في مرحلة طرق الأبواب، وأن مفاجآت الحوسبة تكتسح كل مجال لتصعقنا فيه وتزلزل (بدائية) معرفتنا!
آلاف الصحف والمطبوعات والمجلات اليومية والدورية والفصلية وغيرها بزغت نجومها في فترات ثم أفَلت. بعض هذه المطبوعات أتت بُعيد اكتشاف الطباعة، وبعضها سبق الحربين العالميتين، وبعضها تزامن معهما، وكلها أوعية ثمينة لمعلومات مهمة تروي التاريخ وتكشف أسراره من واقع المشاهدة والمعايشة!
أين يا ترى هذه المطبوعات الآن؟ صحيح أن بعضها مؤرشف في دور التوثيق التي تمتلئ بالرطوبة وروائح الورق القديم، وبعضها مخزون في مكتبات اجتهادية تسعى للحفاظ على ملامح من ثقافات سادت ثم بادت، لكن الواقع يقول أيضاً إن الموجود من ذلك الإرث تتحول أوراقه للأصفر أو تتكسر، وإن الاجتهادات الفردية قد تؤخر عوامل البلى، لكنها لا تحميها أبداً من الفناء الحتمي.
وعلى كلّ فإن المؤرشف من أوعية المعرفة الإنسانية في تاريخها الطويل لا يشكل إلا جزءاً ضئيلاً من معارف طواها الغياب، بل إن الكثير جداً من الصحف والمطبوعات التي تملأ حياتنا حالياً لم تتمكن من لملمة أرشيفها السابق لخدمات الإنترنت؛ فنجد الشبكة العنكبوتية عاجزةً عن الرجوع إلى الأعداد التأسيسية والتاريخية لكثير من المطبوعات، في حين تفتك عوامل البلى الطبيعية بما تبقى من إرث إنساني قد تضمه دور الوثائق وبعض المكتبات.
إن إتاحة كل المعلومات التي حوتها المطبوعات القديمة بمختلف لغاتها وثقافاتها بكبسة زر أمر سيكون له ما بعده، وقد يجعلنا نستغني عن كثير من الساعات الطويلة التي نهدرها في التحقيق والتأريخ؛ فيصبح ما كان سابقاً قابلاً للتحليل والتمحيص بجهد يسير وبمعلومات متاحة بسهولة.
جوجل طرقت الباب، وعسى أن يكون للعرب نصيبهم؛ ليحتلوا مكاناً في التنافس الحضاري القادم.