قد تكون أي آلة حاسبة للجيب بين أيدينا اليوم أكثر من حيث القدرة والإمكانات مما كانت عليه كل الحواسيب التي وجدت قبل عام 1950م، وحتى ألعاب الفيديو التي يلهو بها أطفالنا الآن، هي الأخرى لديها من الإمكانات ما يفوق قدرة حاسوب كلّف إنشاؤه ملايين عدة منذ عشر سنين مضت.
إن ثورة الوسائط المعلوماتية آتية وفي جعبتها عجائب تخرج عن نطاق الحصر، فكما أذهلت السيارات والطائرات الأولى أجدادنا، وأدهشنا الراديو والتليفزيون لدى ظهورهما، ستقلب ثورة الوسائط المعلوماتية Infomedia Revolution حياتنا رأساً على عقب.
فلا عجب، إن قيل إن أعظم ثلاث قوى تقنية على الساحة الآن: الحوسبة، والاتصالات، والوسائط المعلوماتية (الإعلامية)، التي من خلال تكييف نفسها معاً تحقق صيغة ائتلافية جديدة فيما بينها تعرف باسم: (التقارب التقني Convergence).
وستبرز الوسائط المعلوماتية - كما يقول الخبراء - ومن خلال تلك الصناعة الجديدة، التي تتنامى في سرعة مذهلة، كسلاح أساسي جديد للمنافسة في القرن الحادي والعشرين، وسيظهر إلى الوجود جيلٌ جديد من شركات تمتلك تقنية ثاقبة تدعم بدورها الوسائط المعلوماتية، لتحقق نجاحاً فلكياً.
يقول فرانك كيلش في كتابة: (الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتنا)، إن ثورة الوسائط المعلوماتية تتحدانا على المستوى الشخصي، وتثير قضايا أخلاقية جديدة وتغيّر من أسايب حياتنا اليومية.
لقد تقادم عصر المعلومات تقادم الحواسيب البالغ عمرها أكثر من خمس وعشرين سنة، فلماذا نتكلم عن عصر كانت أجهزة الحاسوب فيه لا تعالج سوى البيانات بينما نجدها تعالج الآن، الصور والفيديو والصوت - الوسائط الإعلامية - بالقدر ذاته من السهولة؟!
لقد أصبحت أجهزة الحاسوب جزءاً متمماً لحياتنا اليومية، بدءاً من ماكينات تسجيل المدفوعات النقدية حتى آلات الحساب الرقمية ومشغلات الأقراص المدمجة وألعاب الفيديو وآلات النسخ والفاكسات والهواتف الذكية المتنقلة، وحتى الساعات التي بأيدينا ما هي إلا حواسيب مقنَّعة.
ولذا سيكون المحرك الاقتصادي Economic Engine للاقتصاد العالمي الجديد مكوناً من صناعات (الإنفوميديا) وهي الحوسبة والاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية. وهذه الصناعات هي أكبر الصناعات العالمية الآن وأكثرها ديناميكية ونمواً حيث يبلغ رأس مالها أكثر من 3 تريليونات دولار.
وسيكون عصر (الإنفوميديا) أعظم انطلاقة وأضخم تعزيزاً على مدار التاريخ للاقتصاد العالمي، خارج نطاق المجال العسكري، وسيكون هو محرك التقدم للتكتلات الاقتصادية التجارية العظمى في القرن الجديد.
وسيكون عصر الوسائط المعلوماتية ((الإنفوميديا)) لبعض النادس كنز الفرص الجديد، وقد ظهر على الساحة أخيراً محاربون جدد لعدد من الشركات لمواجهة عصر (الإنفوميديا)، وقد تشكلت ملامحهم، فقد أخرجت لنا شركات مثل مايكروسوفت Microsoft وإنتل Intel وآبل Apple وسيجا Sega وكومباك Compag رجال أعمال من أمثال ستيفن جوبز وبيل جيتس.
ولقد وجدت كبريات المؤسسات من عمالقة الصناعة أمثال IBM وAmdahl وSoerry وBurroughs أنفسهم في موقف صعب، ففي صناعة يكون فيها العائد الوفير هو المعيار، لن يكون بيل جيتس هو آخر بليونير في العصر الجديد ولن تكون IBM هي أول من يعاني من آلام ذلك الاضطراب الهائل الذي اعترى الصناعة.
ولا شك أن ثورة ((الإنفوميديا)) ستلقي بظلها على كل مشروع وكل صناعة، وقد احتلت أجهزة الحاسوب وشبكات الاتصالات موقعاً رئيساً وسط العمليات اليومية لكل مشروع أو مؤسسة، بل يمكن القول إنها قد أصبحت سلاحاً تنافسياً رئيساً في معركتها لفرض سيادتها على السوق.
وفي زمن ثورة (الإنفوميديا). لا عجب إن وجدنا هواتف بلا أسلاك، ونشر بلا ورق، وكتب بلا ورق، وعقار إلكتروني، وتسوق منزلي، ونقد رقمية، وبطاقات ذكية، ومتاجر دون أرفف، ومصارف بلا صرافين.
إذ لم تكن النقود موجودة طوال أكثر فترات التاريخ امتداداً، وكان البشر الأولون يستخدون أسلوب المقايضة في تجارتهم، فكانوا يبيعون بضاعتهم لقاء ما يحتاجونه من بضائع. وعلى مدار معظم تاريخ الجنس البشري، كان نظام المقايضة هذا هو الطريقة الوحيدة المتاحة للناس لامتلاك الأشياء التي لا يمكنهم تنميتها أو تصنيعها بأنفسهم. وفي النهاية أدرك البشر أن المقايضة لا يمكنها أن تفي باحتياجاتهم، ولابد أن تكون هناك طريقة أفضل.
لذا، تطورت نظرتنا للنقود مع تطور المجتمع، فقد كانت تمثل احتياجات ومتطلبات المشروعات والأعمال والمصارف والحكومة والتي شكلت الصيغ المختلفة للنقود. واليوم تمثل النقود شريان الحياة لكل المشروعات والاقتصاد الوطني.
واتخذت النقود على مدار الأزمة صوراً وأشكالاً مختلفة واستخدمت الأصداف، والبندق والحجارة والورق كنقود، بَيْد أنه ليس هناك أكثر مدعاة للغرابة والدهشة من نقود لا توجد على الإطلاق.
واليوم، نجد أن الغالبية العظمى من النقود ما هي إلا نبضات إلكترونية في أي حاسوب، ومن الممكن تداولها وتحويلها بسرعة الضوء، وسرعان ما ستحل البطاقات الذكية مكان بطاقات الائتمان التي شاعت في كل الأرجاء.
فلقد كانت البطاقات الذكية محور اهتمام مكثف وتطوير على مدى أكثر من 25 عاماً، وليس المصارف هي المستفيدة من البطاقات الذكية وحدها، فسيجني المستهلك ثمارها هو الآخر، فالبطاقات بديل ملائم وسهل الاستعمال - كما يقول الاقتصاديون المتفائلون - للتعامل بالنقد والشيكات.
إن البطاقات الذكية قد تصبح دفتر شيكات المستقبل، حيث تعكس كل معاملات العميل المالية ومدفوعاته، وسيكون لدى المستهلكين القدرة على إدارة سنداتهم وأوراقهم المالية في أي وقت وأي مكان تقريباً.
النقود الرقمية
يجري حالياً تطوير العديد من أشكال النقود الإلكترونية، ومن المفيد هنا أن نعرض لثلاث مجموعات حديثة هي: نظام المديونية والائتمان الإلكترونية، والأشكال المتنوعة للبطاقات الذكية، والنقود الرقمية الفعلية التي تحمل الكثير من الصفات المميزة للأموال النقدية.
إن نظم المديونية والائتمان الإلكترونية موجودة ومستخدمة بالفعل الآن، فحين يستخدم أحد المستهلكين بطاقة صراف آلي للشراء، تحوّل النقود من حسابه إلى حساب التاجر، كذلك يستخدم بطاقات الائتمان في المدفوعات عبر الإنترنت، وتتيح برامج الحاسوب دفع الفواتير إلكترونياً، وما هي إلا خطوات قصيرة حتى نصل إلى الشيكات الإلكترونية الحقيقية التي يمكن نقلها إلى المستفيد مظهرة ومودعة عبر الإنترنت.
وتمثل نظم التسجيل على الحساب والائتمان الإلكترونية وسيلة جديدة وأكثر ملاءمة في الدفع، بَيْد أنها ليست أنظمة دفع حديثة، فعند نهاية كل سلسلة من التعاملات يوجد مصرف تقليدي أو تعامل ببطاقة اعتماد.
وتمثل البطاقات الذكية والنقود الرقمية نظم دفع جديدة تنطوي على تأثيرات ونتائج رهيبة، والبطاقات الذكية هي بطاقات اعتماد بلاستيكية يستخدم منها الكثير حالياً كأدوات دفع لرسوم الهاتف.
إن البطاقات الذكية لا تتعدى كونها بطاقة تسجيل على الحاسب لا تحتاج إلى موافقة المصرف لدى كل تعامل، فالمقاصة وتصفية الحسابات بين المصرفين تحدث يومياً وتستقر القيمة في حساب الطرف الثالث.
ولا يوجد أي سبب لحصر وظيفة البطاقات الذكية في تلك الحدود، ذلك أن بإمكان المصارف والمؤسسات الأخرى إضفاء مزيد من القيمة على البطاقات الذكية من خلال القروض والدفع مقابل الخدمات أو المنتجات، كما تستطيع النقود الرقمية أن تأخذ شكلاً رقمياً فعلياً بحيث توجد كوحدات قيمة على شكل بايتات bytes (وحدة لقياس سعة الذاكرة) مخزنة في ذاكرة الحاسب الشخصي، الذي يمكن دعمه بحسابات احتياطية من النقود الحقيقية.
إنّ النقد الإلكتروني والأهمية المتزايدة للأسواق الرقمية يمكن أن تُحدث مشكلات عديدة أمام سيطرة الحكومة المركزية على الاقتصاد وسلوك الفاعلين الاقتصاديين، كما تجعل الحدود المحيطة بالأسواق القومية والدول القومية أكثر قابلية للاختراق.
ففي عالم يصبح فيه النقد الإلكتروني الحقيقي واقعاً يومياً سوف يعاد تحديد الدور الأساسي للحكومة في اقتصاد السوق الحر، كما سيعاد تعريف مدى لزومية الحدود والجغرافيا بصورة حذرية. إنّ هذه الاشكاليات تعكس انقطاعاً تقليدياً بين القضايا الداخلية والدولية. كما أن حلول النقد الإلكتروني يثير في واقع الأمر أسئلة جدية حول فكرة المحلي والدولي ذاتها كمفاهيم متميزة وذات معنى.
إن العالم الرقمي الجديد يطرح عدداً من قضايا إدارة شؤون الحكم، ومن ذلك:
1 - هل تستطيع المصارف الحكومية أو المركزية مراقبة معدل النمو وكمية عرض النقود؟
2 - هل ستظل هناك تعاملات رسمية بالنقد الأجنبي؟
3 - هل سيوسع النقد الإلكتروني والتجارة الإلكترونية الهوة بين الأثرياء والفقراء؟
4 - هل سيزيد الاحتيال والنشاط الإجرامي في ظل اقتصاد النقد الإلكتروني؟
إنّ الرقمية أو التحول إليها إنما هو فصل للنقود والأموال عن مراسيها الجغرافية. كما أن النظام المالي الدولي الذي يتألف من مئات الآلاف من شاشات الحواسيب المنتشرة في أرجاء العالم، هو أول سوق إلكترونية دولية، ولن تكون هذه السوق آخر الأسواق.
إنّ بدايات القرن الحادي والعشرين ينظر إلى النقود الإلكترونية والبطاقات الذكية والنقود الرقمية على أنها عالم العملات الإلكترونية المتنافسة.
التجارة عبر الإنترنت
يقول جيل إيلورث: يُعد الاستخدام التجاري للإنترنت أحد موضوعات النقاش والنشاط الساخنة والمتسارعة النمو السريع للاستخدام التجاري، وتُعد المكونات التجارية من أكثر القطاعات نمواً على الشبكة في عصر الاتصالات الكونية.
في البداية نمت الإنترنت INTER NET ببطء ولكن مع مرور الوقت، اتسعت الإنترنت لتضم أكثر من 45 ألف شبكة محلية في أكثر من 200 دولة، هناك نحو 30 مليون شخص لديهم نوع من أنواع الاتصالات بالإنترنت، وبوجه عام تضم الإنترنت أفراداً ومجموعات ومنظمات ومدارس وجامعات وخدمات تجارية وشركات وحكومات وكذلك شبكات حرة. وعادة ما تكون الاحصاءات عن الإنترنت تقديرية وذلك للتغير والتزايد المستمرين في الأرقام، وهناك عدد من المؤشرات والاحصاءات الجديرة بالاهتمام منها:
1 - يقدر نمو الإنترنت بما يقارب من 10% شهرياً.
2 - يتزايد نمو القطاع التجاري بمعدل يتراوح بين 10% و13% شهرياً.
وقد تزايد الاستخدام التجاري للإنترنت حيث ينمو القطاع التجاري للإنترنت، في الوقت الحالي، بصورة أسرع من أي قطاع آخر.
وتشكل مجموعة من المشروعات والمؤسسات التجارية القوى الكبرى المستخدمة للإنترنت وتوجد القوى التجارية المستخدمة للإنترنت في مجال عريض من الصناعات، المرتبطة بالحاسب الآلي، وشركات النقط وشركات المستحضرات الطبية والصيدلانية، والصناعات المرتبطة بالرعاية الصحية، والخدمات المالية والبنوك. وقد تزايدت كثافة استخدام الإنترنت من قبل بعض هذه الشركات بنسبة وصلت إلى 90% في الربع الأول من عام 1995م.
إنّ عمالقة الصناعة ليسوا وحدهم المستخدمين للإنترنت، بل يستخدمها كذلك العديد من الشركات الصغيرة والمستثمرين الأفراد مقابل تكلفة يسيرة من خلال موزعين تجاريين.
ولا داعي للدهشة، لكثافة النشاط التجاري على الإنترنت، فمنذ أعوام قليلة كانت هذه الأسئلة تظهر على الإنترنت نفسها، مثل: هل يمكننا أن نمارس نشاطنا التجاري على الإنترنت؟ أو هل هناك نشاطات تجارية على الإنترنت؟
ولأن هناك فئات أو آلاف من المواقع على الإنترنت تمتلك اسمها المجالي الخاص، فقد وجدت العديد من الأعمال التجارية أن استخدام الإنترنت يفي بعدد كبير من حاجاتها، بما في ذلك التسويق وإرشاد البائعين وتشجيع المشترين وتبادل المعلومات، والمشروعات المشتركة للبحوث والتطوير. كذلك تستطيع الشركات، بمساعدة الإنترنت، أن تطور وتعد منتجات جديدة، وأن تتسلم أوامر شراء ومستندات إلكترونية، وأن تسترجع بيانات من قواعد بيانات متخصصة.
إضافة إلى ذلك تستطيع الأعمال التجارية أن تجد النصيحة الفنية، وأن تنشئ وتحافظ على علاقتها التجارية وتحصل على استطلاعات السوق، وتعقد الصفقات الجيدة، وتحدد أماكن الخبرات والكفاءات التي تحتاج إليها، بل إن بإمكان الشركات أن تبيع منتجاتها مباشرة.
وأصبحت شؤون التوصيل والتسهيلات الإدارية في الآونة الأخيرة وبشكل متزايد، عاملاً حاسم الأثر في القضايا المتعلقة بالإنتاج وخدمة المستهلكين في أي نشاط تجاري.
إن القدرة على المحافظة على الوضع التنافسي تتوقف على إمكان الحصول على أحدث المعلومات حول السوق التي يتعامل معها، وكذلك الإلمام بأحدث التقنيات في مجال الصناعات. فمعرفة أي شركة بما تفعله الشركات الأخرى والاطلاع على ما هو متاح من معلومات واكتشاف أسواق جديدة يمكن أن يساعد تلك الشركات على المحافظة على ميزة تنافسية.
وقد أصبح تعاون أكثر من شركة بالمشاركة أمراً شائعاً بصورة متزايدة، وتساعد الإنترنت على تسهيل هذا التعاون الذي قد يكون في اتجاه تصميم منتج أو قنوات توزيع أو أبحاث وتطوير وسائل إنتاجية وتسويقية.
لقد تعززت الأساليب التعاونية من خلال الإنترنت بثرواتها المعلوماتية وبقدرتها على الاتصال، كما ساعدت الإنترنت على تحسين أداء هذه الأنماط التعاونية الجديدة وتطويرها، وهو ما يُعد شرطاً أساسياً لتعزيز المنافسة في الأسواق المختلفة.
وتوفِّر الإنترنت وسيلة سريعة للتواصل مع الموزعين والموردين، الأمر الذي يضفي سرعة وتنوعاً على عملية الحصول على الإمدادات ومتطلبات العملية الإنتاجية، ومن خلال سرعة الاتصال تستطيع الإنترنت تخفيض المخزون لدى أي شركة.
وتستطيع الإنترنت أن تدّل مختلف النشاطات التجارية على مواقع موردين جُدد وتمكن الشركات من المحافظة على قنوات اتصال مع هؤلاء الموردين.
وتستطيع الإنترنت أن تمارس عملية التسويق عن طريق الاتصال المباشر وذلك عن طريق وجودها على الإنترنت. وعلى الرغم من أن الإعلان يواجهه بعض المشكلات على الإنترنت، فإن الشركات تستطيع أن تستخدم الإنترنت لتسويق خدماتها ومنتجاتها، وتستطيع الشركات توفير رؤية أكثر وضوحاً لبرامجها التسويقية.
وخلاصة القول، فإن حضور النشاط التجاري على الإنترنت له ميزات عديدة مثل: الاتصالات، والتسهيلات، والمعلومات، ومساعدة وإرشاد العملاء، واكتساب ميزات تنافسية وفرص للتسويق والتعاون مع مؤسسات وشركات أخرى.