شكوت منذ أيام من المطبعة، حيث قرمت جزءا من زاوية (تحت الغيم)، فصارت غير قابلة للقراءة، وأضاعت مادة عزيزة على نفسي.
الآن مرت أيام قليلة فإذا بالأمر يعود ولكن بشكل آخر، فقد وجدت عدد الأحد وقد قرم أيضا جزءا من المادة، وأضاف عليها آفة جديدة هي قلب الحروف.
وقلب الحروف، لمن لا يعرفون، قد يجعل كلمة مثل (الكلمات) تتحول إلى (اللكمات)، ومثل حماد تتحول إلى حمار، ومثل تنس تتحول إلى تيس!
وأعرف، كما يعرف الكثيرون ممن يعملون في مجالات الصحافة، كيف تكون خطورة الكلمات المغلوطة، وكيف أنها قد تقود إلى قاعات المحاكم، والسبب هو أخطاء يكون معظمها بسبب السهو الإنساني، لكن المتضرر يصعب عليه تفهم الأسباب، لأنه هو الضحية.
وصويحبكم ممن يثقون بالتقنية، بل أجدني منحازا إليها، فقد قللت كثيرا من الرهق الذي كان يصاحب إنتاج الصحف، وارتقت بفنيات الصحافة بشكل باهر، وخففت من آثار القرم الذي تمارسه المطابع، حيث تحافظ النسخة الإلكترونية على صحة النص، وتحفظه موثقا كما كتبه الكاتب.
لكن الحلو ما يكملش، فالتقنية تمارس المكر أحيانا، وتضرب ضربتها من حيث لا يحتسب أحد، فتكون ضرباتها مؤذية وموجعة. ولقد تسبب الحاسوب، وربما الطابعة، في تحويل معظم حروف الصاد في زاويتي الأخيرة إلى حرف فاء، فلم يستطع أحد أن يفهم معنى الزاوية، ولم يفلح أحد في قراءة جميع مفرداتها.
والتقنية الحاسوبية، مثل كثير من البشر، يصيبها الداء، فتهاجمها الفيروسات، وترتفع حرارتها. وقد يصاب الحاسوب بالهذيان فيجن جنونه، وتتحول عبقريته لجموح وبرطعة، فيعيث في الكلمات والأرقام فسادا.
ولعل الكثيرين ممن عاشوا في الخليج قد سمعوا ببعض حالات الجنون الآلي، وكم حملت الصحف أخبار الهياج الذي يجتاح أحيانا ماكينات الصرف الآلي، فتفيض بالملايين على بعص المتعاملين معها، ولولا الروح الإسلامية السمحة، وارتفاع القيم الروحية لدى الناس، لخسرت البنوك الكثير من سيولتها.
ومن حسن حظي أن الجنون الذي أصاب زاويتي أمس في مقتل لم يشمل الإنترنت، بمعنى أن النسخة الإلكترونية الموجودة في موقع الصحيفة على الشبكة جاءت سليمة، ولذلك زادت قناعتي بأن التقنية أكثر أمنا من سواها.
وبالمناسبة، لم تستثن الحروف المقلوبة زاوية جاري الأستاذ موسى يعقوب، فلقد حاولت متابعتها فوجدت كثيرا من حروف الصاد فيها وقد تحولت لحرف الفاء، وهو ما يؤكد أن البلا يعم، وأن الخير يخصص!
المهم هو أن نأخذ الحيطة من مكر التقنية، فأخطارها قد تأتي فجائية بشكل غير متوقع، فندفع أثمانا فادحة، لم تكن أبدا في الحسبان!