* ميهالي سيكزينتميهالي(*)
يتمتع التلفاز بجاذبية لبنية الجهاز العصبي لدى الإنسان: حيث صُمِم مخ الإنسان بحيث يتشرب المعلومات ويتتبع التغييرات السريعة في الميدان الحسي. والتلفاز يقدم له هذا في جرعات سهلة الهضم تم إعدادها بسخاء.
إن التغيير المستمر ومظهر الإثارة يستغرقان انتباه المشاهدين، حتى أن مشهد متحف أثري بالفاتيكان لا يضارعهما - أغلب الأطفال يصيبهم الملل بعد عشر دقائق من مشاهدة الرسوم الجدارية والرسوم السقفية التي صورها مايكل آنجلو، لكنهم على استعداد لمشاهدة إعلان عن مادة منظفة أو مطهرة باهتمام شديد.
كل هذا ينطبق فقط على الطريقة التي تعمل بها الوسيلة الناقلة بصرف النظر عن المحتوى الذي تقدمه. والمحتوى بالتالي يعزز الخواص الإغوائية للوسيلة الناقلة من خلال تقديم جرعات سخية من العنف، وسبل الراحة اليسيرة، ومواد أخرى أعددنا جينياً للاستجابة لها، لكنها بجرعات كبيرة تنتقص من قدرتنا على ممارسة حياتنا على نحو منتج ومخلص.
الحقيقة أن الأدلة المتوفرة التي تؤكد أن مشاهدة التلفاز عادة خطيرة قد تنامت إلى حد يجعلنا نتعجب أشد العجب من عدم تقديم تحذيرات أقوى وتبني إجراءات أشد فعالية لمنع هذا الخطر. من بين الحقائق العديدة التي توصلنا إليها أن الإفراط في مشاهدة التلفاز يحث على السلبية، سواء على مستوى الوظائف العصبية أو على مستوى السلوك، وأنه يتعارض مع التعليم ويقلل من الاستعداد للمشاركة في الحياة السياسية والمدنية. كما أن مشاهدة التلفاز لفترات طويلة تشجع على السلوك العدواني بين الأطفال وتؤدي إلى تكوين أمزجة نفسية سلبية مثل الاستغراق في الحزن والانعزالية. وليست لدينا أي أدلة على وجود فوائد تعمل كثقل موازن لهذه التأثيرات السلبية.
حين كان التلفاز في مراحله الأولى لجأ العديد من المفكرين -ومنتجي البرامج بطبيعة الحال- إلى تلوين وتجميل مستقبل هذه الوسيلة الإعلامية بعبارات براقة: التلفاز سوف يجعلنا مطلعين على الدوام، ومثقفين، علاوة على ما يقدمه لنا من ترفيه؛ كما أنه سيعمل على تقوية روابط الحياة الأسرية وينمي فينا الفضائل المدنية. لكن أياً من هذا لم يتحقق. وحتى القيمة المعلوماتية للتلفاز ثبت أنها مجرد حلم: فالأفراد والمجتمعات التي تشاهد التلفاز غالباً ما يكون إدراكها لما يحدث من حولها أقل كثيراً من إدراك نظرائهم الذين لا يشاهدونه.
إن التأثير الإيجابي الوحيد الواضح لمشاهدة التلفاز هو الاسترخاء الذي يشعر به المرء أثناء المشاهدة، وكثير من الناس على استعداد للتنازل عن هذا الاسترخاء في نظير ممارسة أنشطة أكثر إمتاعاً وفائدة. ومثل الدب الذي تعلم كيف يملأ معدته بأسلوب مريح، فهم يشعرون بالرضا النابع من الترويح عنهم دون أن يضطروا إلى إجهاد أنفسهم.
بالطبع، قد يكون التلفاز مفيداً ولطيفاً إذا ما تم استهلاكه بجرعات صغيرة مع حسن التمييز. لكن هؤلاء الذين يمضون الساعات في مشاهدة التلفاز كل مساء، مع تضاؤل قدرتهم على التحكم في انتباههم، والذين مع تقدم الوقت تقل بالتدريج المتعة التي يستمدونها مما يشاهدون، فإنهم يجازفون بأن تسلبهم المشاهدة عقولهم.