أم سعد امرأة في العقد الخامس من عمرها حاصلة على شهادة الثاني ثانوي قبل ما يقارب الثلاثين سنة، علاقتها مع القلم لا تتجاوز كتابة مقاضي البيت وحوائجه عندما ترسل سائق العائلة لإحضارها، ليس لها أي نشاط ثقافي يُذكر عدا مطالعة (رسائل المشاهدين) التي تظهر أسفل الشاشة في إحدى القنوات الإسلامية.
أما نشاطها الاجتماعي فهو اجتماع أسبوعي مع والديها وإخوانها على حفلة (تميس وكراث)!!، وهي على هذه الحال من عشرات السنين.
كان من أكثر الأمور التي تزعجها فاتورة الهاتف التي كانت تصدر كل شهر بمبلغ مرتفع بالنسبة لباقي الفواتير الشهرية، وسبب ذلك هو ابنها عبدالله أو (عبيّد)، فقد قام بالاشتراك بخدمة ال DSL لكي يتمكن من تحميل الأغاني ونسخها في قرص يستمع إليه أثناء ذهابه وعودته من الكلية حيث إنه يدرس في كلية الحاسب الآلي في جامعة الإمام.
كانت أم سعد تحرص على إيقاظ أبنائها للذهاب إلى المدرسة بشكل يومي حتى من بلغ منهم سن الرشد ما دام يبيت عندها!!!
وفي أحد الأيام لفت انتباه أم سعد أن جهاز الحاسب الموجود بالقرب من سرير (عبيّد) يعمل فقامت بلمس الفارة ليتم تشغيل شاشة الجهاز بشكل آلي.
كان (عبيد) قبل أن يخلد إلى النوم يبحث في محرك البحث قوقل عن أحدث موديلات الأزياء بناء على طلب إحدى أخواته، وقد قام بفتح أحد المواقع التي نتجت عن عملية البحث تلك قبل أن يخلد إلى النوم، والتي تهتم بالأمور النسائية.. طبخات، موديلات، مستحضرات تجميل..الخ.
لفت الموقع انتباه أم سعد فعكفت على قراءة ما هو معروض في الصفحة وحاولت عبثاً أن تستخدم الفارة في الضغط على بعض العناوين الموجودة على الصفحة ونجحت بذلك. وكانت هذه الانطلاقة فقد أصبحت عضوا فعالا في أحد المنتديات، تحصل على كل ما يشبع شغفها من التعلم والمعرفة من خلال محرك البحث المُخزن في مفضلة الجهاز، لا تستعصي عليها أي معلومة كل ما عليها فعله هو تشغيل الجهاز وكتابة أي كلمة تشير لما تبحث عنه لتظهر لها آلاف النتائج التي تتجاوز ما تطمح إليه، واستخدمت الانترنت لتتصل بابنها الآخر (عزيز) والموجود خارج البلاد من خلال برامج الانترنت الصوتية.
أصبحت.. وأصبحت.. هذه أم سعد لم تقف أمام المؤهل، ولم يعيقها التخصص، ولم يزعجها أنها لم تتعلم هذه التقنية حينما كانت في مراحل التعليم المختلفة، ولم تؤثر عليها تعليقات زوجها الغيور!! تتصل، تبحث، تشارك، تعلّق، تنشر.
أم سعد سبقت الكثيرين واستفادت من التقنية بما تملكه من أدوات بسيطة، فحال هذه الأم العظيمة يخبرنا أن الاستفادة من التقنية لا يتطلب الحصول على دورات بآلاف الريالات أو مستوى تعليمي عال، يكفي أن تتعلم القراءة والكتابة في كتّاب وليس في المدرسة نظامية لتستفيد منها ولتثري اهتماماتك الشخصية والعملية.
فليت أي شخص قبل أن يعتمد أي قرار أن يفتح على أي محرك بحث ويكتب عن أي عبارة ترتبط بهذا القرار ليطلع على أثره في دول أخرى أو في مجتمعات أخرى..
وليت صاحب القرار أن يستشف أثر قراره عندما يقوم بطرحه في أحد المنتديات المُعتبرة قبل أن يعتمده.
وليت.... وليت..